تنافس إقليمي بين تركيا وإيران.. جنوب القوقاز صفيح ساخن لتوترات مكتومة
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
سلط المحلل سياسي والخبير في قضايا الأمن الإقليمي بجنوب القوقاز، فؤاد شهبازوف، الضوء على ما وصفها بـ "التوترات غير المرئية" بين إيران وتركيا، مشيرا إلى أن النفوذ في منطقة جنوب القوقاز هو خلفية تلك التوترات.
وذكر شهبازوف، في تحليل نشره موقع "منتدى الخليج الدولي"، وترجمه "الخليج الجديد"، أن التنافس القديم بين إيران وتركيا في جنوب القوقاز تصاعد بشكل حاد في الأشهر الأخيرة، لكن صراعات بمناطق أخرى من العالم هي التي استحوذت على الاهتمام الإعلامي، مثل الصراعات بين إسرائيل وفلسطين وبين السعودية وإيران، وبين قطر والإمارات، إضافة إلى الصراعات على السلطة داخل سوريا واليمن.
وأضاف أن لعبة القوة بين إيران وتركيا في القوقاز يمكن التعرف عليها من تاريخ الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية، مشيرا إلى أن تركيا تحالفت مع أذربيجان، وهي دولة ناطقة بالتركية، وساعدتها على اكتساب الهيمنة العسكرية في المنطقة للتمكن من هزيمة أرمينيا وحلفائها الانفصاليين في إقليم، ناجورنو كاراباخ، بشكل حاسم في حرب استمرت 6 أسابيع في أواخر عام 2020 ومرة أخرى في سبتمبر/أيلول 2023.
ولذا فإن التطورات في جنوب القوقاز تمهد الطريق لمزيد من توسع النفوذ التركي في منطقة آسيا الوسطى.
وجاء هذا التقدم التركي على حساب إيران إلى حد كبير، التي كانت مقيدة في آسيا الوسطى والقوقاز بسبب عوامل عدة، بينها الهيمنة الروسية، ودورها كوسيط قوة إقليمي، ومحدودية أدوات القوة الناعمة التي تمتلكها.
ومع انتصارها العسكري في حرب ناغورنو كاراباخ الثانية عام 2020، عززت أذربيجان تحالفها السياسي العسكري مع تركيا في عام 2021، ما قلص بشكل حاد دور إيران في الشؤون الإقليمية.
ورغم ذلك، ظلت إيران لاعبًا إقليميًا رائدًا، مع وجود قوات وكيلة عنها في جميع أنحاء المنطقة، ولهذا السبب، اتخذت تركيا نهجا متوازنا تجاه إيران، وحافظت على علاقات ودية نسبيا وعلاقات تجارية معها.
وخلال زيارته الرسمية لإيران عام 2022، تعهد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بزيادة التجارة الثنائية بين البلدين إلى 30 مليار دولار سنويا.
شراكات مصلحة
ومع ذلك، فإن الوجود التركي المتزايد في القوقاز ليس مصدر القلق الوحيد لإيران، بل التحالف غير الرسمي بين أذربيجان وتركيا وإسرائيل، الذي كان ذات يوم مجرد "شراكة مصلحة"، وتحول إلى محور مناهض لإيران بشكل صريح، بحسب شهبازوف.
ورغم أن أنقرة وتل أبيب يُنظر إليهما في كثير من الأحيان على أنهما شريكان مترددان ولهما مصالح متباينة في القضايا الإقليمية، إلا أن كلا منهما شريك قوي لباكو.
لكن تركيا أكثر دبلوماسية بشكل ملحوظ في تعاملاتها مع إيران من إسرائيل؛ وفي الوقت الذي استخدمت فيه تركيا قدراً كبيراً من ضبط النفس تجاه جارتها الشرقية، أجرت إسرائيل عمليات تجسس ضد إيران من الأراضي الأذربيجانية، بموافقة باكو.
وأصبح محور تركيا نحو آسيا الوسطى وجنوب القوقاز الركيزة الأساسية لاستراتيجية السياسة الخارجية الطموحة للرئيس أردوغان، وتم تعزيزه بشكل أكبر بعد إعادة انتخابه في مايو/أيار 2023.
وبعد انتخابه لفترة ولاية أخرى، أجرى أردوغان تعديلاً في حكومته واتخذ خطوات ملموسة لتعزيز العلاقات مع جيران تركيا، بما في ذلك إيران، في إشارة إلى فلسفة "لا مشاكل مع الجيران".
وعلى هذا النحو، زار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إيران للمرة الأولى، في 3 سبتمبر/أيلول، وعقد اجتماعًا ثنائيًا مع الرئيس، إبراهيم رئيسي، الذي أكد مراراً على "العواقب الوخيمة لوجود أطراف أجنبية" في منطقة القوقاز، خاصة إسرائيل.
ويرى شهبازوف أن تصريح رئيسي يبدو مفاجئاً بعض الشيء في ضوء تلاشي نفوذ إيران الإقليمي، على الرغم من استفادة طهران نسبيا من فقدان روسيا نفوذها في القوقاز بسبب المستنقع الذي جلبته على نفسها في أوكرانيا.
وأشار إلى أن زيارة فيدان إلى إيران كانت بمثابة بادرة حسن نية ومحاولة لتنسيق الجهود فيما يتعلق بالتطبيع الدبلوماسي مع سوريا، في حين تتطلع إيران إلى طرق جديدة لإعادة تشكيل توازن القوى الإقليمي والحد من نفوذ أنقرة.
ويلفت شهبازوف، في هذا الصدد، إلى أن وجود تركيا الإضافي في المنطقة المجاورة مباشرة لإيران مع سهولة الوصول إلى بحر قزوين ومنطقة آسيا الوسطى مع مجموعة من الدول التركية قد يعزز القومية التركية كأيديولوجية.
واعتبر أن انتصار أذربيجان في صراع ناجورنو كاراباخ الأخير مهد الطريق لسيطرة باكو الكاملة على المنطقة المتنازع عليها منذ فترة طويلة، وعزز بشكل واضح مخاوف إيران من إثارة المشاعر القومية التركية في كل من أذربيجان والمقاطعات الشمالية لإيران .
استراتيجية خاسرة
فأمن الحدود مع أذربيجان يمثل لإيران مسألة ذات أهمية أمنية قصوى، وتنظر إلى أي نوع من النشاط العسكري الأجنبي في هذه المنطقة على أنه تهديد كبير، خاصة إذا كان بمشاركة تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ورغم أن إيران حاولت الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة من خلال تخويف أذربيجان بتدريبات عسكرية ضخمة في عامي 2021 و2022، إلا أن تأثير هذه الجهود تم تقويضه بسبب التزام تركيا القوي ودعمها الصريح لباكو طوال الوقت.
ومن أجل التصدي للتحدي الذي تفرضه أذربيجان، استخدمت إيران إحدى الأدوات القليلة المتبقية لديها: فقد عملت على تعميق شراكتها مع أرمينيا، العدو اللدود لأذربيجان، من أجل تفكيك الترادف القوي بين باكو وأنقرة.
وكما يتضح من الاشتباكات العسكرية التي وقعت هذا الشهر، يبدو أن هذه الاستراتيجية قد فشلت فشلاً ذريعاً، فأذربيجان أقوى كثيراً من أرمينيا عسكرياً، كما أن يريفان غير راغبة في خوض معركة خاسرة بناء على طلب جيرانها الأكثر قوة.
ومن خلال التنازل عن ناجورنو كاراباخ لأذربيجان، أزالت أرمينيا عقبة رئيسية في علاقاتها مع جارتها الشرقية، ما سمح لباكو بتوجيه اهتمامها إلى أماكن أخرى، وهو تطور كارثي بالنسبة لطهران.
وإزاء ذلك، يرى شهبازوف أن صراع إيران مع تركيا وأذربيجان ناجم عن حقائق جيوسياسية في مناطق أخرى، وبسبب الخوف من الانعزالية الإقليمية تتطلع إيران إلى شراكة اقتصادية أوثق مع كلا البلدين، على أمل أن تسمح لها العلاقات الاقتصادية بمستوى معين من النفوذ في القوقاز.
وإضافة لذلك، لا شك أن صناع السياسات الإيرانيين سعداء لأن التنافس مع تركيا لم يتحول إلى مواجهة مفتوحة، على الأقل في الوقت الحالي.
فطهران ترى أن أنقرة شريكًا صالحًا لتخفيف انعزالتها الدولية والحفاظ على الاستقرار على حدودها وسط الفجوة الأمنية في القوقاز التي خلفها الغزو الروسي لأوكرانيا.
لذا، فمن المرجح أن تعتمد إيران على مهاراتها الدبلوماسية لإدارة تنافسها الضمني مع تركيا وتعزيز دورها "كوسيط" في أعقاب حالة عدم اليقين المستمرة في محادثات السلام بين أذربيجان وأرمينيا.
ويخلص شهبازوف إلى أن دور "وسيط السلام" سيمكن إيران من تهدئة التوترات مع أذربيجان، وإبقاء أرمينيا قريبة، والحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع تركيا وتوسيعها، وبالتالي الحفاظ على ما يكفي من النفوذ في منطقة جنوب القوقاز ذات الأهمية الحيوية لحماية مصالحها الأساسية
اقرأ أيضاً
تحليل: إيران وتركيا تتطلعان إلى استراتيجية إقليمية جديدة
المصدر | فؤاد شهبازوف/منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تركيا إيران جنوب القوقاز إسرائيل قطر السعودية الإمارات جنوب القوقاز إیران وترکیا آسیا الوسطى فی القوقاز إیران من فی منطقة مع ترکیا إلى أن
إقرأ أيضاً:
أغنية فلسطينية تنافس على صدارة أعياد الميلاد في بريطانيا دعما لغزة (شاهد)
دخل سباق أغنية عيد الميلاد الرسمية في المملكة المتحدة، الذي ينطلق سنويا مع بداية كانون الأول/ديسمبر، منعطفا لافتا هذا العام، مع مشاركة عمل خيري بعنوان "Lullaby"، وهو إعادة تقديم لأغنية تراثية فلسطينية، في محاولة غير مسبوقة لإيصال أغنية فلسطينية إلى المركز الأول في قوائم الموسيقى البريطانية.
الأغنية، التي تقودها المغنية الفلسطينية نـاي البرغوثي، جمعت نخبة من أبرز الأسماء الموسيقية العالمية، بينهم براين إينو، وبيتر غابرييل، ونينه شيري، ودان سميث من فرقة Bastille، ضمن مبادرة أطلقها صندوق "Together for Palestine"، بهدف جمع التبرعات لصالح أهالي قطاع غزة، إلى جانب تسليط الضوء على الثقافة الفلسطينية وإبداعها الفني.
فرصة لدعم الفلسطينيين في موسم الأعياد
وقال الموسيقي البريطاني المخضرم براين إينو، أحد المشاركين في العمل، إن أغنية "Lullaby"، تمثل فرصة لدعم الفلسطينيين خلال موسم أعياد الميلاد، مع احتمال تحقيق "انقلاب غير متوقع" بوصولها إلى المرتبة الأولى في قوائم الأغاني.
وأضاف إينو: "سيكون أمرا رائعا لو حدث ذلك، نعم، لكنني لن أشعر بخيبة أمل كبيرة إن لم تصل إلى الصدارة، فأغاني عيد الميلاد لها خصوصيتها".
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Nai Barghouti | ناي البرغوثي (@naibarghoutiofficial)
ناي برغوثي: الأغنية صرخة كرامة وهوية
من جهتها، أوضحت المغنية الفلسطينية ناي برغوثي أن الأغنية، المقتبسة من التراث الفلسطيني الشعبي بعنوان "يمّا مويل الهوى"، تحمل رسالة تحد ومطالبة بالكرامة.
وقالت برغوثي: "للأغنية مكانة خاصة جدا لدى كثير من الناس. إنها تقول ببساطة إنني أفضل الموت بكرامة على العيش بلا حرية. هذا هو جوهرها. نريد أن نعيش الحياة الكريمة التي نستحقها كفلسطينيين، وأن نشارك العالم جمال هويتنا".
وجرى تسجيل الأغنية بعد حفل "Together for Palestine" الذي أُقيم في ويمبلي أرينا في أيلول/سبتمبر الماضي. وكانت الخطة الأصلية تقضي بأداء الأغنية وتسجيلها مباشرة خلال الحفل، غير أن ازدحام البرنامج – الذي شارك فيه 69 فنانا ومتحدثا وناشطا واستمر أكثر من أربع ساعات – أدى إلى إلغاء الفقرة في اللحظات الأخيرة.
وشارك في الأغنية عدد من الفنانين الذين صعدوا إلى مسرح الحفل، من بينهم: براين إينو، سيليست، دان سميث (Bastille)، لانا لباني، لي-آن بينوك، كورال لندن المجتمعي للغوسبل، مابل، نادين شاه، ونينه شيري، علما بأن الحفل نجح في جمع مليوني جنيه إسترليني.
كما شهد الحفل حضور ومشاركة شخصيات بارزة، بينها الممثل بنديكت كامبرباتش والموسيقي دامون ألبارن، واستلهمت فكرته جزئيا من حفل تاريخي أقيم في استاد ويمبلي عام 1988 احتفاء بالذكرى السبعين لميلاد الزعيم الراحل نيلسون مانديلا.
مزيج عربي–إنجليزي ورسالة عالمية
وأنتجت أغنية "Lullaby" على يد المؤلف الموسيقي كيرن برنت، وبالتعاون مع بنجي بي وهنري ديفيز، وتمزج بين العربية الأصلية وكلمات إنجليزية كتبها بيتر غابرييل، في محاولة للوصول إلى جمهور عالمي أوسع دون فقدان روحها الفلسطينية.
ويسعى صندوق "Together for Palestine"إلى جمع أكبر قدر ممكن من التبرعات، التي ستوزع على قضايا فلسطينية عبر مؤسسة "Choose Love" الخيرية.
وقال أحد القائمين على المبادرة: "لا يوجد لدينا رقم مستهدف. سنسعى للحصول على كل ما يمكن جمعه. بطبيعة الحال، كلما زاد كان أفضل. كل العائدات ستذهب إلى غزة".
وأضاف: "هناك دمار هائل هناك. إلى جانب الأرواح التي فقدت، فإن 92% من الممتلكات إما دمرت بالكامل أو تضررت بشكل بالغ. في هذا السياق، قد لا تحدث بضعة ملايين فرقا ماديا كبيرا، لكن ما يحدث الفرق حقا هو تسليط الضوء على القضية، وإظهار أن هناك رواية أخرى".
وتابع: "كثير من الفلسطينيين قالوا لي إن هذا الدعم يعني لهم الكثير، فقط لأن أحدا ما يهتم بهم".
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Together For Palestine (@t4plive)