السودان ومأزق التغيير والنهايات «2- 2»
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
إن صعود قيادات ذات قدرات متواضعة على قمة أغلبية الأحزاب السياسية وخاصة التقليدية، قد أضعف الأحزاب السياسية ودورها، إن صعود هذه القيادات للقمة أصبح همها الأول كيف تستطيع أن تحافظ على مواقعها، وبالتالي لم يكن لها أي مصلحة أن تدخل في قضايا الثقافة والفكر وتطوير القدرات وتوسيع مساحات الحرية ومواعين الديمقراطية داخل مؤسساتها، وعجزها لأنها لا تستطيع أن تدخل في جدل يكشف تواضع قدراتها أمام الذين تقودهم، لذلك ضيقت مواعين الديمقراطية وصعدت قيادات أقل منها قدرات في كل الجوانب لكي تحافظ على مواقعها.
هذا الضعف العام هو الذي يجعل الأحزاب السياسية تفشل أن تقدم مشاريع سياسية وتطرحها أمام الكل للحوار، وهي تعلم أن التحول الديمقراطي يحتاج إلى تنشيط الأدوات التي تنتج الثقافة الديمقراطية، التي تشكل الأرضية المطلوبة لغرس نبتة الديمقراطية في المجتمع.
ثورة ديسمبر 2018م خلقت واقعاً مغايراً عن الثورات والانتفاضات السابقة خاصة في اتساع المشاركة الشبابية من الجنسين، والثانية تواجدهم المستمر في الشارع لإثبات الوعي الجديد الذي تخلق وسطهم، هذا التحول كان يشكل ازعاجاً كبيراً لتلك القيادات، وخافت أن ينسحب الوعي داخل الأحزاب، وأيضاً خافت أن يحدث التحول الديمقراطي الحقيقي من خلال هؤلاء الشباب وتنكشف عوراتها، ولم يكن أمامها غير أن تفسد المسار نحو الديمقراطية، أما أن تدعي أن الفلول هم الذين وراء كل أعمال الفشل، أو اتخاذهم فزاعة ضد كل الذين يخالفونهم الرأي. رغم أن تحدي عناصر الإنقاذ للنظام الجديد كانت متوقعة، لأنهم يحاولون حماية مصالحهم بشتى الطرق، أو خلق تسوية تعيدهم للمسرح السياسي، وبالتالي التعامل معهم كان يحتاج لوعي وحكمة في أن تخلق واقعاً مغايراً عن ممارسات النظام السابق، وليس السير في ذات المسار والممارسات، وبذات الثقافة الشمولية التي خلفها النظام السابق، الخلاف فقط نشر شعارات زائفة فشلوا في تنزيلها على الأرض، هذه الشعارات تم بها تسميم قطاع من السياسيين ذوي الولاءات المغلقة، والباحثين عن مصالح ضيقة.
كان المتوقع أن يلعب الإعلام والصحافة دوراً مغايراً لكي تستفيد من وعي الشارع، وتحاول أن توسع دوائر الوعي التي تخلقت وسط الشباب، وتجعلها تتحرك بشكل فاعل داخل المجتمع، بهدف الحفاظ على توازن القوى، ومهما كانت الخلافات بين القوى السياسية إلا أنهم جميعاً أصبحوا صيداً في مصيدة الاستقطاب.
هذا التراجع الكبير في قدرات القيادات في الأحزاب التقليدية، والتي كان من المفترض أن تقدم المبادرات والحكمة، وقد نظروا لها من خلال منافذ ضيقة، أثرت سالباً على مسار العملية السياسية. مما جعلها تدور حول مصالح حزبية وشخصية ضيقة. أجهضت المصلحة الوطنية التي ركز عليها الشارع “وحدة- سلام وعدالة” وهو شعار كان يحتاج لقيادات واعية وحكيمة في قيادة المسيرة بعقل وفكر.
الغريب في الأمر؛ أن الديمقراطية تقتضي من الجميع أن ينظروا للمسار منذ يوم 11 إبريل 2019م، هل كانوا مدركين أن الديمقراطية تحتاج لصدور مفتوحة رغم اتساع الخلاف، وعقول متقد قادرة على أن تصحح أول بأول الخطأ دون أن تصنع لها شماعات تعلق عليها أخطائها؟
كان الرهان على القوى الجديدة، في اعتقاد أنها لم ترث الإرث السياسي للتشاحن والصراع الصفري، وتذهب مباشرة في اتجاه المسار الديمقراطي، وتعبد طريقه، وتصنع أدواته، وتوسع دوائر الحرية، ومن السنة الأولى للحكم تعلن عن انتخابات للمحليات لكي تجعل الكل في ممارسة مع الديمقراطية، وتصنع لها شرعية قاعدية تدعمها في أي صراع يقف ضد الديمقراطية، لكنها كانت أضيق أفقاً لأنها تعلقت بحبال السلطة، وافتكرت أن السلطة وحدها هي التي سوف تجعلها توسع دائرة عضويتها من خلال توزيع الغنائم في المركز والأقاليم، وأغفلت أن الرهان على السلطة وغنائمها يخلق جيلاً من الانتهازيين والوصوليين وماسحي الجوخ، وأن الرهان فقط على السلطة سوف يوسع دائرة الصراع، ويغري الكثيرين بدخول الحلبة، كانت القوى الجديدة بأظافرها تحفر حفراً في طريقها. ورهان السلطة لا يمكن التحكم فيه، وعندما نشب الصراع، لم ترجع لكي تقيم تجربتها وتتعرف فيها على الأسباب الحقيقية للفشل، بل ذهبت في ذات منهج السابقين دعوة المنهج التبريري البحث عن شماعات تعلق عليها أخطائها، لذلك خسرت حتى الشارع في مسارها السياسي.
والملاحظ؛ رغم شعارات الديمقراطية المرفوعة في كل الأوساط والمؤسسات الحزبية، لكن أغلبية الذين يرفعونها لا يمارسونها، ويضجرون منها لأنها تهدد مصالحهم. الديمقراطية لا تهدد مصالح الوطن بل تعزز هذه المصالح، والديمقراطية تقلل من فرص بروز العنف في المجتمع، والديمقراطية تخلق الاستقرار الاجتماعي والسياسي لأنها دائماً تتحول لوعي وقوانين تتحول لسلوك، لكنها كشعارات فقط تخلق وعياً زائفاً لأن السلوك يناقض القول، والممارسة تجدها تخالف القوانين، غيابها هو الذي يخلق النزاعات والحرب في المجتمع.
إن الحرب الدائرة الآن سوف تستمر حتى إذا تم وقفها إذا لم تكن هناك نخبة واعية ومدركة لدورها، وعندها الإرادة القوية للتحول الديمقراطي، ولكن نخبة تلهث وراء السلطة دون أي مشروع سياسي يتم محاسبتهم عليه، هي نخبة لا تستطيع أن تنجز مهمة أكبر من تصوراتها.
إن الاتفاق على حكومة مستقلة من كفاءات مؤهلة أكاديمياً وذات خبرات إدارية وإلمام بالفكر السياسي، والثقافات السودانية، وأن تذهب الأحزاب لتحضير نفسها للانتخابات، هو مدخل للحل، يخرج الكل من قضية المحاصصات والصراع على سلطة الفترة الانتقالية. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
السودان ومأزق التغيير والنهايات «1- 2»
الوسومزين العابدين صالح عبد الرحمنالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
كامل إدريس بين الرمز الدولي وواجهة السلطة الانقلابية
بقلم السفير/ عادل إبراهيم مصطفي
أثار تكليف الدكتور كامل إدريس بمهام رئيس الوزراء في جمهورية السودان جدلاً واسعاً على مختلف المنصات الإعلامية. وتراوحت ردود الأفعال بين الترحيب والدعم لتعيينه استناداً إلى تأهيله الأكاديمي، ومكانته الدولية، وخبرته كمدير عام سابق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، إذ رأى البعض أن هذه الخلفية تمنحه قدرة على إقامة علاقات مؤثرة يمكن توظيفها لخدمة السودان.
في السياق ذاته، شبّه البعض الدكتور إدريس بالدكتور عبد الله حمدوك، بوصفهما "تكنوقراطاً" قادمين من خلفيات في المنظمات الدولية، ما يمنحهما صورة الشخصيات المدنية المحايدة القابلة للقبول المرحلي، والمساعدة في تجاوز حالة الانقسام الراهنة.
غير أن هناك أصواتاً أخرى أكثر حذراً، من بينها الدكتور الفاتح إبراهيم حمد، وهو دبلوماسي ذو تجربة طويلة في أروقة الأمم المتحدة، حيث رأى أن التكوين المهني للدكتور كامل إدريس، المتأثر بثقافة الأمم المتحدة المتسمة بالحذر وتجنب الصدام، لا يؤهله لمواجهة التركيبة العسكرية التي تمسك بزمام السلطة في السودان.
أما المعارضون لتعيينه فقد شككوا في قدرته السياسية وخبرته في إدارة شؤون الدولة، كما أعاد كثيرون منهم التذكير باتهامات وُجهت إليه أثناء توليه منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، لا سيما تهمة تزوير تاريخ ميلاده بهدف تمديد فترة عمله، والتي انتهت بمثوله أمام لجنة تحقيق وموافقته لاحقاً على تقديم استقالته. واستناداً إلى ذلك، اعتبر هؤلاء أن الدكتور إدريس يفتقر إلى التأهيل الأخلاقي اللازم لتولي هذا المنصب الحساس.
ومع كامل التقدير لوجهات النظر المرحبة بتعيينه، تبقى القضية الأساسية – في تقديرنا – هي قضية الشرعية، التي يفتقدها نظام بورتسودان الانقلابي على كافة المستويات الداخلية والإقليمية والدولية. فالأزمة الراهنة ليست أزمة كفاءات، بل أزمة بنية حكم، وقبول الدكتور إدريس بالتكليف يعني، ضمنياً، القبول بلعب دور الواجهة لسلطة انقلابية تفتقر إلى الشرعية، وتتحالف مع قوى دينية متطرفة ومليشيات مسلحة، ومتهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بل وباستخدام أسلحة كيميائية محرّمة دولياً في مناطق النزاع.
وعليه، فإن الخطر الحقيقي الذي يواجه الدكتور إدريس لا يكمن في احتمالات النجاح أو الفشل، وإن كان الفشل هو المرجح في ظل هذه الظروف، وإنما في استغلال رمزيته كمسؤول دولي سابق لتجميل وجه نظام لا تقبل حقيقته أي مساحيق تجميل، خاصة في وقت يواجه فيه السودان حرباً دامية وانهياراً مؤسساتياً كان انقلاب 25 أكتوبر 2021 السبب المباشر فيه.
أما المقارنة بين الدكتور كامل إدريس والدكتور عبد الله حمدوك، فهي تتجاهل الفرق الجوهري بين الرجلين: فقد جاء حمدوك إلى رئاسة الوزراء بتفويض شعبي بعد ثورة سلمية أذهلت العالم، وأسقطت نظاماً دكتاتورياً حكم البلاد ثلاثين عاماً. فكان حمدوك تجسيداً لخيار مدني مدعوم بتوافق واسع من قوى الثورة. ولهذا، فإن المقارنة بين الرجلين ليست فقط مجحفة، بل تمثل تسويفاً سياسياً يساوي بين الشرعية الثورية والانقلاب العسكري المرفوض سياسياً وأخلاقياً.
أخيراً، لا يمكن فصل التأهيل المهني عن التأهيل الأخلاقي حين يتعلق الأمر بمن يطرح نفسه لإدارة الدولة، فالأخلاق السياسية تشكّل جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الحاكمة. فالكذب يفسد الوعود، والتزلف يعيق الإنصاف، والتزوير يفسد العدالة والتاريخ معاً.