-1-

نظريًا، أقر حسن البنا بالإطار العام للنظام الدستورى النيابى، وزايد فى ذلك فاعتبره مستمدًا من قيم التراث الإسلامى. لكنه عاد فأبدى تحفظه على هذا النظام فى نسخته المصرية من زاويتين: 1- معارضة القانون للشريعة، 2- التعددية الحزبية. موضوع النقاش هنا هو الأداء السياسى لجماعة الإخوان قياسًا على هذا الموقف النظرى الذى أسسه حسن البنا تأسيسًا «شرعيًا».

كيف تعاملت الجماعة، عبر المراحل السياسية المتعاقبة، مع مشكل الشريعة ومشكل الحزبية؟ وإلى أى مدى يكشف هذا الأداء عن الطابع «التلفيقي» للطرح النظرى، أعنى التناقض الجوهرى بين الفكر الإسلامى وفكرة الدولة المدنية؟

-2-

مشكل الشريعة: من «الحكم الإسلامي» إلى «الحاكمية الإلهية»

أعلن البنا أن الإخوان «لا يوافقون على هذا القانون أبدًا، ولا يرضونه بحال، وسيعملون بكل سبيل على أن يحل مكانه التشريع الإسلامى العادل الفاضل». وأكدّ على ذلك فى « رسالة المؤتمر الخامس» بقوله « نحن لا نعترف بأى نظام حكومة لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه، ولا نعترف بهذه الأحزاب السياسية ولا بهذه الأشكال التقليدية التى أرغمنا أهل الكفر وأعداء الإسلام على الحكم بها والعمل عليها، وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامى بكل مظاهره، وتكوين الحكومة الإسلامية على هذا الأساس»

مرحليًا، أظهر البنا حرص الجماعة على إنجاز هذه المهمة عن طريق الدعوة السلمية والعمل السياسى، لكنه لم يغلق الباب أمام إمكانية استخدام القوة لتحقيقها فى المستقبل، فأشار صراحة إلى « أن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدى غيرها، وحيث يثقون أنهم استكملوا عدة الإيمان والوحدة».  والى أنهم « لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامى قرآنى فهم جنوده، وإن لم يجدوا فالحكم من مناهجهم وسيعملون لاستخلاصه من أى كل حكومة لا تنفذ أوامر الله». 

وفقًا لهذا الطرح، يفهم البنا النظام الدستورى كإطار شكلى يرسم طريقة إدارة الحكومة لا مضمون الحكم. أو هو – فى عبارة أخرى- يقبل النظام الدستورى الحديث منفصلًا عن حمولته الموضوعية التى تعبر عن رؤية كلية شاملة لطبيعة الاجتماع ووظيفة الدولة. فإذا كانت الدولة الحديثة تقوم على القانون الوضعى فهذا مقبول، حسب البنا، فيما لم يرد بشأنه نص الهى ملزم. ومعنى ذلك أنه يتصور إمكانية الجمع بين القانون وشريعة دينية، أى إمكانية فرض قانون «نهائى ثابت» داخل إطار الدولة المدنية الحديثة. وهو تصور « مستحيل» بمقاييس هذه الدولة التى تقوم «جوهريًا» على علمانية القانون، أى على وضعية الفعل التشريعى، وقابليته الدائمة للتطور.

ووفقًا لهذا الطرح أيضًا، يباح استخدام القوة لفرض نظام بعينه من أنظمة الحكم، وهو بدوره تصور مناقض للمبادئ الدستورية الحديثة التى تشدد على فكرة التداول السلمى للسلطة. فى الوعى الدينى التقليدى، القضية الدينية قضية مبرهنة ذاتيًا. وبما هى كذلك يجوز فرضها على العالم فرضًا بقوة السلاح. نفسيًا يتأخر الوعى بالنفور الحداثى من العنف، بوصفه صادرًا عن إرادة الله.

لكن النزوع البراجماتى لدى البنا يفرض عليه الاستسلام لسلطة الدولة، والاكتفاء مرحليًا، بطلب تطبيق الشريعة، يشرح البنا: « القوة شعار الإسلام فى كل نظمه وتشريعاته، فالقرآن الكريم ينادى فى وضوح وجلاء: « وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم» ( الأنفال:6). والنبى (صلى الله عليه وسلم) يقول: « المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف». .. فالإخوان المسلمون لابد أن يكونوا أقوياء، ولابد أن يعملوا فى قوة. ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكرًا وأبعد نظرًا أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر فلا يغوصون إلى أعماقها، ولا يزنوا نتائجها وما يقصد منها وما يراد بها. فهم يعلمون أن اول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ويلى ذلك قوة الوحدة والترابط، ثم بعد ذلك قوة الساعد والسلاح. ولايصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعانى جميعًا، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهى مفككة الأوصال مضطربة النظام، أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك. هذه نظرة. ونظرة أخرى: هل أوصى الإسلام – والقوة شعاره- باستخدام القوة فى كل الظروف والأحوال؟ أم حدد لذلك حدودًا واشترط شروطًا ووجه القوة توجيهًا محدودًا؟ ونظرة ثالثة: هل تكون القوة أول علاج، أم إن آخر الدواء الكيّ؟ وهل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة، وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف؟ أم من واجبه أن يستخدم القوة وليكن بعد ذلك ما يكون؟» ( رسالة البنا إلى المؤتمر الخامس للإخوان).

عمليًا، سينعكس هذا الطرح النفعى على الأداء السياسى للإخوان طوال عهد البنا وفى المراحل اللاحقة، حيث ستتحول مسألة «تطبيق الشريعة» إلى شعار سياسى قابل « للتأجيل» على الدوام من قبل الجماعة، وقابل للاحتواء على الدوام من قبل الأنظمة المتعاقبة التى تمثل الدولة المدنية. لقد أسفر التطور الحداثى عن تحولات واسعة فى نسق الوعى بالمسألة، وظهرت صعوبات حقيقية على أرض الواقع. وبوجه عام، كشفت هذه الوضعية عن الطابع « الجذري» للمشكل، الذى يشير إلى استحالة التوفيق بين الإسلام السياسى (بطبيعته الحصرية المؤبدة) وأطر الدولة المدنية ( بطبيعتها التعددية المتطورة)، حيث لم تعد المسألة تعنى مجرد استبدال تشريع بتشريع، بل استحداث تحولات هيكلية فى الأنساق الاجتماعية الاقتصادية والثقافية.

هل كان البنا ينكر وجود هذا التناقض، أم يتجاهله بفعل تكوينه البراجماتى المركب؟ كلا الاحتمالين يفسر الأداء الإخوانى الذى يتسم بالغموض والتردد حيال المسألة، قياسًا إلى أداء الجماعات السلفية الخالصة، التى تقف على الجوهر العلمانى للدولة الحديثة، وترفض وجودها من حيث المبدأ. وقياسًا إلى أداء القوى العلمانية الصريحة، التى تقف على الجوهر الشمولى الحصرى للإسلام السياسى، وتبدى تشككها فى مصداقية الدعاوى «السلمية» التى تطلقها جماعة الإخوان.

-3-

طوال عهد البنا- حيث وفرت الأجواء شبه الليبرالية هامشًا واسعًا أمام الإخوان لممارسة السياسة – كانت قضية الشريعة مطروحة كمشكل جزئى قابل للحل فى إطار الدولة المدنية القائمة. ورغم هذا الحديث عن إقامة «الحكم الإسلامي» كان التصور هو أن هذا الهدف يمكن تحقيقه عن طريق إدخال تعديلات تفصيلية على القانون المدنى والجنائى.

لكن وجه المسألة سيتغير على نحو جذرى فى المراحل اللاحقة، حيث ستتعرض الجماعة لموجات متعاقبة من الحظر والقمع، أو الحضور المقيد بدرجات محسوبة، الأمر الذى سيسفر عن تصعيد جديد فى بنية الحركة الأصولية ( الجيل الثانى من جماعات الإسلام السياسى الأعمق سلفيًا والأكثر عنفًا). فى سياقات الصدام القمعى مع النظام الناصرى سيتكلم سيد قطب عن التناقض «الكلى والمبدئي» للإسلام، لا مع الدولة فحسب بل أيضًا المجتمع الخاضع لها. لم تعد المسألة المطروحة هى تغيير القوانين المطبقة من قبل الدولة على المجتمع، بل تغيير وضعية الدولة والمجتمع معًا من حالة «الجاهلية» إلى حاكمية الله الشاملة، التى لا تقتصر على أحكام الشريعة التفصيلية. تغير عنوان المشكل من مصطلح «الحكم الإسلامي» إلى «حاكمية الله».  قبل الوصول إلى حالة الخضوع الكلى للحاكمية الإلهية لا معنى للحديث عن تطبيق الشريعة. ولذلك اعتبر سيد قطب أن الإسلاميين « وقعوا فى مناورة خبيثة من الجاهلية دفعتهم إلى إحراج الإسلام عندما حاولوا تقديم شرائعه فى غير بيئته»، وأن من «السخرية الهازلة العمل على ما يسمى تطوير الفقه الإسلامى فى مجتمع لا يعلن خضوعه لشريعة الله»

فى نهاية التحليل هذا طرح « تأجيلي» لمشكل الشريعة، ومن هذه الزاوية يشبه الفكر الإخوانى التقليدى. لكنه خلافًا لهذا الفكر الأخير، يعترف بالتناقض الكلى بين الشريعة والواقع الحداثى فى الدولة والمجتمع، ومن هذه الزاوية يلتقى مع الفكر الوضعى الحديث، لكنه خلافًا للفكر الوضعى، لا يشَّخص المشكل على أنه مواجهة بين تشريع قديم جامد وقانون التطور الطبيعى، بحيث يلزم تطويع التشريع لحركة التطور الضرورية، بل يشخص المشكل على أنه انحراف من قبل الواقع الحداثى عن القانون الإلهى الأزلى والمؤبد، بحيث يلزم تطويع الواقع للقانون.

لكن، هل يمكن تطويع الواقع عكس اتجاه التطور؟ أو بصيغة أخرى هل يمكن القفز على «ضرورية الواقع» وأسبقيته الفعلية على أى مطلوب نظرى مهما كان منسوبًا إلى الدين؟ هذا هو السؤال المعضل الذى يطرحه الوعى الحداثى على القاعدة الدينية الشائعة التى تتحدث عن «شريعة صالحة لكل زمان ومكان».  على ضوء السؤال تبدو القاعدة متناقضة «ذاتيًا»، بما أن الشريعة أحكام قانونية «ثابتة» تنظم وقائع تفصيلية « متغيرة» بضرورة التنوع، وضرورة التطور.

على نحو لا شعورى، لا يكاد العقل الأصولى يقر بأهمية «الواقع» قياسًا إلى «خطاب» اللاهوت أو الفقه المكتوب. وعند التعارض يذهب الذهن مباشرة إلى حل وحيد هو تغيير الواقع: على الواقع أن يتغير « الآن» لكى يصبح متوافقًا مع الفقه ( وهذا موقف الطرح الأصولى فى نسخته السلفية الأكثر تطرفًا، والتى تصر على التطبيق الفورى للشريعة بصرف النظر عن درجة تصادمها مع السياقات الظرفية المزامنة). أو علينا أن ننتظر الواقع حتى يتغير فى المستقبل لكى يتوافق مع الفقه ( وهذا موقف الطرح الأصولى فى نسخته الإخوانية المهجنة، وحتى فى نسخته القطبية المتطرفة).

لكن، من الواضح هنا أيضًا ان قاعدة « التشريع الصالح لكل زمان ومكان» لا تزال تناقض الموقف التأجيلى من أساسه. فهذا الموقف يقوم على فكرة تأخير الشريعة لحين تمهيد الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الملائمة لتطبيقها، الأمر الذى يعنى الإقرار بعدم ملاءمة الشريعة للتعامل مع هذه الظروف فى سياق زمانى أو مكانى بعينه. وهذا بعينه هو فعل قانون التطور.

بوجه عام، يتجاهل الموقف الأصولى برمته تحولات الوعى الحداثى، التى لم تغير طريقة التفكير فى مفردات «المسألة» الدينية فحسب، بل غيرت أصلا من موقع المسألة بين «مشاغل» الوعى.

يتبع...

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الازدواجية الثقافية فى الواقع العربى المعاصر جماعة الاخوان المصرية الدولة المدنیة فى نسخته على هذا من قبل

إقرأ أيضاً:

شهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري: المؤامرة على الرئيس مبارك

هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشت فصولها، انتصاراتها وانكساراتها، حلوها ومرها، اقتربت من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنت ضحية لعنفوانهم في أحيان أخرى، معارك عديدة دخلتها، بعضها أودي بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي، وقناعاتي.

أروى هذه الشهادات بصدق وموضوعية، بعض شهودها أحياء، والبعض رحل إلى الدار الآخرة، لكن التاريخ ووقائعه لا تنسى، ولا يمكن القفز عليها، وتزوير أحداثها.

أمريكا تعد العدة لرحيل مبارك

في عام 2004، سأل مبارك عمر سليمان: ما رأيك فيما حدث أثناء زيارتي لأمريكا؟

قال عمر سليمان بعفوية وتلقائية أعتقد أن المؤامرة قد بدت واضحة الآن، وعلينا أن نستعد.

كان مبارك قد عاد لتوه من زيارة إلي الولايات المتحدة التقي خلالها الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في مزرعته بإحدى الولايات الأمريكية.

أدرك مبارك منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى الولايات المتحدة، أن واشنطن قررت إعداد العدة لرحيله عن الحكم في مصر.

لقد ركَّزت وسائل الإعلام والصحافة الأمريكية علي ملف انتهاكات حقوق الإنسان وسجن النشطاء، وتحدثوا عن الرجل «العجوز» الذي يجب أن يرحل، كانوا يرونه عدوًا للسلام، وأن مصيره يجب أن يكون المصير نفسه للرئيس العراقي صدام حسين الذي أُسقط عن الحكم بعد الغزو الأمريكي البريطاني للعراق في عام 2003.

وخلال المباحثات التي أجراها مبارك مع بوش في هذه الزيارة، كان موقفه عنيدًا في مواجهة المطالب الأمريكية ورفضها جميعًا، خاصة ما يتعلق منها بمنح الفلسطينيين مساحة 1600كم2 لإقامة دولتهم (غزة الكبرى) داخل سيناء، وإقامة قاعدة أمريكية على الأراضي المصرية.

كانت الإدارة الأمريكية في هذا الوقت قد حسمت أمرها، وقررت تنفيذ مخططاتها في المنطقة، ولكن هذه المرة بشكل مختلف عن الغزو المباشر، كما حدث في العراق وأفغانستان.

لقد أدركت واشنطن أن خطة «الجيل الرابع من الحروب» التي تعتمد علي تفتيت المجتمعات من الداخل هي وحدها التي يمكن أن تحقق الهدف بلا خسائر أمريكية في المقابل، وكان المحافظون الجدد الذين أحاطوا ببوش من كل اتجاه قد استعدوا للمرحلة الجديدة، وحددوا خياراتها وآلياتها.

كانت الخطوات تمضي سريعة، وكانت أبعاد المؤامرة تتضح يومًا بعد يوم، وكانت أجهزة الدولة المصرية تتلقى التقارير الدورية والموثقة حول حقائق ما يجري على الأرض.

ظهور فكرة الشرق الأوسط الكبير

في هذا الوقت ظهرت فكرة مشروع «الشرق الأوسط الكبير» التي تحددت معالمها في مؤتمر جورجيا الذي عقد بحضور رؤساء الدول الصناعية الثماني في العام نفسه، وكان الهدف هو إعادة صياغة خريطة الوطن العربي علي أسس جديدة، تقضي بتقسيم الدولة الوطنية إلي دويلات طائفية وعِرقية.

كانت السفارة المصرية تبعث بتقاريرها في هذا الوقت إلي الخارجية المصرية، وكانت التقارير تحوي معلومات تثير القلق حول الخطط التي وضعتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأمن القومي، لإثارة القلاقل في العديد من دول المنطقة، ومن بينها مصر.

وكان جهاز الأمن القومي المصري يرصد في هذا الوقت العديد من التقارير الخطيرة حول الدور الأمريكي المتصاعد والمساند لجماعة الإخوان وبعض الشباب الذين ينتمون إلي حركات بعينها، خاصة حركة شباب 6 أبريل، كذلك منظمات المجتمع المدني المموَّلة من الخارج، وكان الجهاز يحذر، غير أن الرئيس مبارك كان مترددًا ويرفض اتخاذ أية قرارات حاسمة.

لقد استجاب مبارك قبل ذلك للضغوط الأمريكية بالإفراج عن د.سعد الدين إبراهيم، وأيضًا الإفراج في وقت لاحق عن أيمن نور، برغم إدانته في قضية التزوير، وكذلك الحال الإفراج عن بعض مَنْ تم إلقاء القبض عليهم من النشطاء وأصحاب منظمات حقوق الإنسان، الذين كانت تتدفق إليهم الأموال بعيدًا عن الأطر القانونية.

بعد احتدام الأزمة بين الرئيس مبارك والرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في عام 2004، كان جورج تينت مدير المخابرات المركزية الأمريكية قد استقال من منصبه في يونيو.

وحكى لي عمر سليمان، أن جورج تينت طلب منه أن يلتقيا سويًا في مكان بعيد عن الفنادق أو المكاتب، وبالفعل تمت المقابلة بعيدًا عن أجهزة التسجيل والمتابعة.

وقال جورج تينت: لو ظلت مصر علي هذا الموقف، فإن الإدارة الأمريكية ستسعى إلي إضعافها، وربما يصل الأمر إلى حدّ إجبار مبارك علي ترك السلطة.

قال عمر سليمان: وما هو المطلوب لمحاصرة هذا التوجه؟

قال تينت: لابد من تغيير المواقف المصرية، الرئيس بوش ومعه مجموعات المحافظين الجدد لديهم قناعة أن الرئيس مبارك معاد للسلام ولمشروع الولايات المتحدة في المنطقة.

قال عمر سليمان: ولكن هذا غير حقيقي، مصر ليست معادية للسلام، بل بالعكس، مصر تدعم الاستقرار في المنطقة، لكن مشكلة إدارة بوش أنها لا تنظر إلا إلي النصف الفارغ من الكوب، أين التزامها باستحقاقات السلام؟ ولماذا تتخلى عن دور الوسيط، لتصبح طرفًا، لقد أفشلوا كل جهودك وجهودنا لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، كما أن الرئيس مبارك ولا أي من رجال الحكم أو الشعب المصري يمكن أن يقبل بالتفريط في ذرة تراب واحدة من أرض سيناء، وعليه أن يدرك أن سياسة مبادلة الأراضي ومنح أبناء غزة مساحة لإنشاء دولة لهم في أراضي سيناء هو أمر مرفوض ولو قبل به مبارك فالشعب المصري أول من سيثور ضده.

قال تينت: إن خطة المحافظين الجدد تستهدف بعد العراق ثلاث دول هي مصر وسوريا والسعودية، وهناك خطط جاهزة لتفجير الأوضاع في البلدان الثلاثة، لذلك أنصح الرئيس مبارك بأن يأتي لمقابلة الرئيس بوش وأن يتوصل معه لحلول حول المشاكل الأساسية بينهما.

فقال عمر سليمان: الرئيس بوش لا يريد أن يستمع إلا إلى صوت رجاله، وينسى أن المنطقة بعد العراق أصبحت في حالة غليان شديدة. وأن أمريكا هي التي تدفع الآن الثمن، يجب أن يغير الرئيس بوش نظرته للعالم العربي وللرئيس مبارك، وأرجو أن تثق أنه إذا سقط الرئيس مبارك فسوف تعم الفوضى والإرهاب، كما أن جماعة الإخوان ستسيطر علي البلاد بكل سهولة فأرجو أن تحذروا من غضبة المصريين.

الإخوان والمخطط

قال جورج تينت: المخطط يمضي سريعًا، والإخوان أبدوا استعدادهم للتحالف مع الولايات المتحدة، وهم دائمو الاتصال بموظفي سفارتنا في القاهرة وهناك عناصر منهم تأتي إلي الولايات المتحدة وتقابل كبار المسئولين، وأعتقد أن المخطط قطع شوطًا كبيرًا على طريق التنفيذ، يجب على الرئيس مبارك أن يقطع الطريق عليهم، خاصة أن أمريكا ليست وحدها هناك.

قال عمر سليمان: سأبلغ الرئيس مبارك بمجرد عودتي إلى القاهرة بمضمون حديثك وسنبقى على اتصال مشترك بيننا.

وعندما عاد عمر سليمان من الولايات المتحدة، نقل إلى الرئيس نص الحوار بينه وبين جورج تينت فقال له مبارك: «أنا عارف علاقتهم مع الإخوان، ولكن الأمريكيين يطلبون مني أشياء مستحيلة تمس الأمن القومي في الصميم، وأنا لن أستطيع الاستجابة لهم».

لقد رصد جهاز المخابرات العامة منذ عام 2005 خروجًا أمريكيًا على برنامج المساعدات الاقتصادية المقدمة إلي مصر، حيث خصص منها مبالغ كبيرة لصالح هذه المنظمات التي كانت تلعب دور «الطابور الخامس» لصالح أجندات الغرب وأمريكا وإسرائيل.

كان برنامج المساعدات الأمريكية لمصر الذي أنشئ بعد اتفاقية كامب ديفيد في عام 1978، ينص في مادته السابعة على «أن ينشأ برنامج للمعونة الاقتصادية تُقَّدم إلى مصر كنوع من ثمار السلام مع إسرائيل».

وكانت الأموال المقدمة لهذا البرنامج يتم التصرف فيها باتفاق بين الحكومتين المصرية والأمريكية، خاصة أن قيمة هذا البرنامج بدأت بنحو 815 مليون دولار سنويًا.

وقد حافظت الولايات المتحدة على التزامها بالاتفاق الموقَّع مع مصر حتى عام 2004، عام الأزمات الكبرى بين مبارك وبوش، التي دفعت الرئيس مبارك إلى التوقف عن الزيارة منذ هذا الوقت وحتى مايو 2009.

وفي هذا العام قررت الإدارة الأمريكية استقطاع ما بين 10: 20 مليون دولار خصصتها لتمويل ما أسمته بـ«برنامج الديمقراطية والحكم الرشيد»، وقامت أمريكا بتسليم هذه المبالغ إلى المنظمات الحقوقية والعاملة في مجال الديمقراطية داخل مصر دون الرجوع إلى الحكومة المصرية.

الحكومة المصرية تعترض رسميا على الخروقات الأمريكية

وقد اشتاط الرئيس مبارك غيظًا في هذا الوقت وطلب من الحكومة المصرية الاعتراض رسميًا على ذلك وإبلاغ أمريكا بأنها خرقت الاتفاق الموقَّع مع الحكومة المصرية عام 1978، والطلب منها بالتوقف على الفور عن هذا العبث.

لم تعطِ أمريكا اهتمامًا لاحتجاج الحكومة المصرية، ومضت في طريقها، وراحت تفتح الأبواب المغلقة لهذه المنظمات وتقيم لها الدورات التدريبية، ورصدت موازنة وفيرة لعدد من المنظمات الأمريكية التي عهدت إليها الاستخبارات الأمريكية بالتواصل مع النشطاء المصريين وتجنيدهم لصالح المخطط الجديد، الذي يهدف إلى إسقاط حكم مبارك وتغيير الأوضاع في مصر والمنطقة العربية، وكانت أبرز هذه المنظمات المموَّلة هي: «المعهد الديمقراطي، والمعهد الجمهوري، وبيت الحرية الأمريكي».

مارست مصر ضغوطها وتهديداتها لإجبار الولايات المتحدة على مراجعة موقفها من تمويل المنظمات الحقوقية المصرية بشكل مباشر ودون الرجوع إلى الحكومة، غير أنها فشلت في ذلك.

وبعد حوار وجدل تراجعت مصر عن موقفها، وطلبت من الخارجية الأمريكية القبول بحل يقضي بموافقة الحكومة المصرية علي استقطاع هذه المبالغ من حجم المعونة الاقتصادية المقدمة إليها، ولكن شريطة أن تبلغ واشنطن مصر بكافة مبالغ التمويل التي تقدمها لهذه الجمعيات، علي أن يقتصر ذلك علي المسجل منها لدي وزارة الشئون الاجتماعية.

رفضت واشنطن الحل المصري المقترح، وقام بعدها «ديفيد وولش» السفير الأمريكي في مصر بتقديم مبلغ مليون دولار لأربع منظمات تمارس أدوارًا سياسية و هي غير مسجلة لدي الشئون الاجتماعية وكان ذلك من خلال لقاء علني أقيم بمبني السفارة الأمريكية بالقاهرة.

أبدي الرئيس مبارك، اعتراضه علي ذلك، وطلب من الأجهزة المعنية متابعة الأمر، إلا أن حملته توقفت بعد قليل، وأتذكر أنه عندما قرأ الرئيس لي مقالاً انتقد فيه هذا الدور المشبوه للسفير الأمريكي، اتصل بي مسئول كبير بمكتب الرئيس وأبلغني تحية الرئيس علي هذا المقال، وعندما قلت له ولماذا لا يخرج الرئيس ويعلن إدانته لهذا التدخل السافر في الشئون المصرية ويستدعي السفير الأمريكي؟ قال لي: أنت تعرف أبعاد المؤامرة علي مصر، وهو لا يريد التصعيد.

أدركتُ منذ هذا الوقت أن مبارك يريد البقاء علي كرسي الحكم بأي ثمن، وأنه يريد تسكين الأوضاع، دون أن يتخذ إجراءات فاعلة تحمي الأمن القومي للبلاد.

تخفيض المعونة

في عام 2007، حدث تطور مهم، علي صعيد العلاقة المصرية الأمريكية، إذ اتخذ الرئيس الأمريكي جورج بوش قرارًا بتخفيض حجم المعونة الأمريكية التي كانت قد وصلت إلي 415 مليون دولار في هذا الوقت لتصبح بمقتضي هذا القرار 200 مليون دولار سنويا فقط.

كان الموقف مهينًا، وقد اقترحت الدكتورة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي التقدم بطلب للتخارج من برنامج المساعدات الاقتصادية، إلا أن أمريكا رفضت الطلب، ولم تجد الحكومة المصرية أمامها من خيار سوي التوقف عن استخدام برنامج المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمدة عامين، وحتي وصول الرئيس باراك أوباما إلي الحكم في عام 2009.

أوباما يصل للحكم في أمريكا

وعندما جاء أوباما إلى الحكم تعهد بالتزام أمريكا بمطلب الحكومة المصرية بأن يجري تمويل منظمات المجتمع المدني المصرية التابعة فقط لقانون الشركات، غير أن الوقائع أكدت عدم التزام الخارجية الأمريكية بهذا التعهد.

لقد رصدت الحكومة المصرية أن إجمالي ما تم تسليمه لهذه المنظمات من أمريكا فقط في الفترة من 2004 - 2010 بلغ نحو خمسين مليون دولار، وهو أمر كان مثار دهشة من كبار المسئولين المصريين.

كان عمر سليمان ينصح الرئيس مبارك كثيرًا بضرورة الرد علي الموقف الأمريكي بإجراءات حاسمة ورادعة، إلا أن مبارك كان يرى تجميد الموقف حتى لا يحدث الصدام الأخير.

كان عمر سليمان يعرف أن هؤلاء النشطاء والمموَّلين من الخارج هم الجيش السري أو الطابور الخامس، الذين أصبحوا مجرد أدوات يجري استخدامها في «حروب الجيل الرابع».

رسالة من الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لمن يهمه الأمر

كانت تجارب أوكرانيا وجورجيا وصربيا ماثلة أمام عمر سليمان وكان يتخوف من خطر هذه الجماعات المموَّلة والتي اكتسبت حصانة دولية، وتمارس عملها التجسسي في حماية المجتمع الدولي وتحديدًا الغرب والولايات المتحدة.

وكان من بين هؤلاء مَنْ يعملون لصالح إسرائيل ويقومون بزيارات متعددة يلتقون خلالها بقادة الموساد، ثم يعودون إلي مصر ولا أحد يستطيع الاقتراب منهم.

لم ينسَ عمر سليمان مقولة «عاموس يادلين» الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «آمان» في فبراير عام 2010، التي قال فيها: «إن مصر هي الملعب الأكبر لنشاطات جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية، وإن العمل في مصر تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979».

لقد قال يومها: «لقد تمكنَّا من إحداث الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي، لتوليد بيئة متصارعة، متوترة دائمًا، ومنقسمة إلي أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك عن معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر».

كانت الكلمات رسالة لمن يعنيه الأمر، وكان عمر سليمان أكثر مَنْ يعي هذه الرسالة ومعانيها، غير أن يده كانت مغلولة حتي هذا الوقت.

كانت الأجواء في مصر، بعد سقوط نظام الرئيس بن علي وتوارد الأنباء عن دور محوري ينتظر حركة النهضة الإخوانية في تونس برئاسة راشد الغنوشي، تقول إن «مصر قد تجد نفسها في المستنقع بأسرع مما يتوقع الكثيرون».

وكان عمر سليمان يعرف أن الإخوان في مصر هم الأداة الفاعلة للمخطط الجديد، أو كان دائمًا يردد مقولة جيمس وولسي مدير المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق «إننا سوف نصنع إسلامًا مناسبًا لنا، ثم ندعهم يصنعون ثوراتهم».

كان ذلك يعني في نظر عمر سليمان أن الحروب قد بدأت، خاصة وأن عملية التجنيد لم تقتصر فقط علي الإخوان والإسلاميين، وإنما امتدت أيضًا إلى عناصر شبابية ارتضت لنفسها أن تكون حلقة في إطار هذا المخطط الكبير.

الإخوان الحصان الرابح

كانت البداية داخل السجن على يد سعد الدين إبراهيم، الذي أصبح هو «القناة» المعتمدة لدى الولايات المتحدة في حوارها مع جماعة الإخوان، كان ذلك في عام 2003، لقاءات جرت خلف الأسوار مع عدد من قادة الإخوان المحبوسين معه في سجن مزرعة طرة، منهم خيرت الشاطر وآخرون، ثم بعد خروجه تعددت اللقاءات مع عدد من قياداتهم في الخارج بالنادي السويسري بإمبابة، وكان جهاز الأمن القومي ومباحث أمن الدولة يتابعان تفاصيل هذه اللقاءات.

لقد أدرك عمر سليمان أن سعد الدين إبراهيم، لا يتحرك وحده، وإنما هناك اتصالات جرت معه من قِبل مسئولين أمريكيين وغربيين داخل أسوار سجن مزرعة طرة، طلبوا فيها منه أن يواصل حواره مع قادة الإخوان داخل السجن وخارجه.

في هذا الوقت تحديدًا كانت أجواء الأزمة بين مصر والولايات المتحدة تتصاعد، لقد كان مبارك يرفض وبإصرار الاستجابة للمطالب الأمريكية، التي كان يري أنها تمثل انتهاكًا للأمن القومي.

كان مبارك قد زار أمريكا في عام 2004، والتقي خلالها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في كراوفورد بولاية «تكساس»، وقد حدثت أزمة عنيفة بينه وبين بوش بعد أن تعمدت واشنطن إحراج الرئيس المصري من خلال وثيقة الضمانات التي قدمتها لإسرائيل في حضوره.

كان مبارك يعرف أن حملات الإدارة الأمريكية وضغوطها عليه بالحديث عن وجود انتهاكات في ملف حقوق الإنسان، هي مؤشر علي أن الإدارة الأمريكية قررت بدء مرحلة المواجهة المكشوفة مع مصر.

لقد أكد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية الأسبق في مذكراته «أن الرئيس مبارك أبلغه عام 2005 أن الأمريكيين يريدون منه الرحيل»، وقال أبو الغيط: «لقد سار معي الرئيس وأنا أقترب من باب الصالون المتسع الذي استقبلني به في الدور الأرضي بقصر الاتحادية في هليوبوليس وقال جملة موجزة صدمتني ولم أتحدث بها مع شخص قط، قال «إنه لا يستبعد أن تكون لدي الأمريكيين رغبة في إقصائه عن الحكم، وقال أبوالغيط: «لقد دُهشت لهذا القول»، وقال إنه استمع كثيرًا لمبارك، وهو يقول «المتغطي بالأمريكان عريان»!!

كان عمر سليمان يدرك هذه الحقيقة، وكان يعرف أن واشنطن بدأت تبحث عن البديل، وكان البديل هو جماعة الإخوان المسلمين.

مؤتمر جورجيا

كان جهاز المخابرات العامة المصرية يرصد أيضًا تحركات التنظيم الدولي للجماعة منذ عام 2004 واتصالاته بصنَّاع القرار في أمريكا وبريطانيا وألمانيا، وكان يدرك عن يقين أن الاتصالات قد أخذت بعدًا جديدًا خاصة بعد مؤتمر جورجيا لرؤساء وقادة الدول الصناعية الثماني الكبري، كان التفكير يدور في هذا الوقت عن القوى التي يمكن أن تشكل الأداة الفاعلة لتنفيذ هذا المخطط داخل المنطقة.

كان الإخوان هم الحصان الرابح، لقد أدركت الأجهزة المعنية داخل الولايات المتحدة تحديدًا أن هذه الجماعة التاريخية، لها جذورها في المنطقة، وهي أيضًا تمتلك أقوي تنظيم له امتدادات شعبية واسعة، وخبرة تنظيمية متميزة.

وكان الحاكم الأساسي في تفكير الإدارة الأمريكية في هذا الوقت يشير إلى أن الإسلاميين، وجماعة الإخوان تحديدًا، هم أكثر القوى الناعمة التي يمكن الاعتماد عليها في تنفيذ هذا المخطط، بتكلفة أقل وقدرة فائقة واستعداد واضح للقبول بالأجندة الأمريكية.

كانت الإدارة الأمريكية في هذا الوقت قد حددت ملامح المشروع الجديد على أساس إحداث تغيير جيوسياسي في المنطقة يؤدي إلي تقسيمها إلي كانتونات طائفية وعِرقية، خاصة أن الحرب علي العراق لم تنجح في تغيير الأوضاع الاستراتيجية على النحو الذي توقعته واشنطن ولم تنجح أيضًا في إنهاء الصراع التاريخي العربي والإسرائيلي وضمان حماية المصالح الأمريكية في المنطقة.

كانت الاستراتيجية الجديدة التي عبَّر عنها الرئيس السابق جورج دبليو بوش في خطابه عام 2003 عن «حالة الديمقراطية في الشرق الأوسط» تشير إلى أن المنطقة سوف تدخل طورًا جديدًا قد يؤدي إلي تغيير الخرائط السياسية والجغرافية وذلك بتفجير هذه المجتمعات من الداخل عن طريق استخدام القوى الناعمة في هذه البلدان.

في هذا الوقت كان السيد عمر سليمان قد قدم تقريرًا للرئيس الأسبق حسني مبارك حدد فيه ملامح هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، وأكد أن مصر من أوائل الدول المستهدفة في هذا المخطط.

لقد أكد عمر سليمان في تقريره، أن الإدارة الأمريكية غيرت موقفها المعلن تجاه التيارات الإسلامية في أعقاب أحداث سبتمبر 2001، وقررت التواصل مع هذه التيارات وضمان مشاركتها في السلطة السياسية في مقابل الوفاء بالمطالب الأمريكية-الإسرائيلية.

وتضمن التقرير المقدَّم في هذا الوقت رصد تفاصيل مؤتمر الحوار الإسلامي-الأمريكي الذي عُقد في قطر في 10 يناير 2004 برعاية أمريكية وبحضور الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون.

لقد أشار التقرير إلي أن لقاءات متعددة قد جرت في هذا المؤتمر، الذي أشرفت عليه وزارة الخارجية القطرية ومعهد «بروكينجز الأمريكي» بين عناصر تنتمي إلى جماعة الإخوان وبين سياسيين ورجال استخبارات أمريكية برعاية قطرية مباشرة.

كان يوسف القرضاوي قاسمًا مشتركًا في هذه اللقاءات، بل كان واحدًا ممَّنْ رتَّبوا لها جنبًا إلى جنب مع ممثلي وزارة الخارجية القطرية، وأيضًا بمشاركة القاضي «حسين أحمد» أمير الجماعة الإسلامية بباكستان.

وفي اللقاءات التي عُقدت على هامش المؤتمر كان الاتفاق قد بدأ يرسم خيوطه الأولي، لقد استمع الجانبان الإخواني والأمريكي إلى رؤية كل منهما للآخر، وجرى الاتفاق على تواصل اللقاءات في العديد من العواصم الأخرى، وتحديدًا في تركيا ولندن وغيرهما.

وفي العام نفسه أيضًا التقى المرشد العام محمد مهدي عاكف بـ«جون جانك» أحد كبار مساعدي أعضاء الكونجرس الذي وجَّه دعوة لوفد من الجماعة لزيارة الولايات المتحدة في وقت لاحق.

في عام 2005 كان جهاز المخابرات العامة يقدم تحليلًا إلى الرئيس حول مضمون الرسائل التي بعث بها الإخوان إلى الإدارة الأمريكية وإلى الغرب عمومًا بهدف طمأنتهم من مواقف الجماعة إزاء القضايا الاستراتيجية الملحة، وأولها الموقف من السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة واتفاقات «السلام» بين مصر وإسرائيل.

تصريح المرشد

لقد كان تصريح مرشد الإخوان «محمد مهدي عاكف» في هذا الوقت الذي أدلى به إلي وكالة «أسوشيتدبرس» يحمل دلالة مهمة، لقد قال المرشد العام «إن الإخوان لن يسعوا - إذا تسني لهم الوصول إلى الحكم- إلي أن يغيروا سياسة مصر الخارجية، ومن ضمنها احترام معاهدة السلام»!!

وبعد نجاح الإخوان في الحصول علي (88) مقعدًا من مقاعد البرلمان المصري قال «جيسون براونلي» أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في قضايا التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط في مقابلة مع تقرير واشنطن «إن التحفظ الواضح في موقف الإدارة الأمريكية من صعود الإخوان طبقًا لنتائج الانتخابات المصرية، أمر مفهوم ومتوقع، فالإدارة التي تتبني مشروعًا لتغيير وجه الشرق الأوسط وتعزيز الديمقراطية شعرت بخيبة الأمل من تراجع أداء التيار الليبرالي وبقية الأحزاب السياسية المصرية في التاريخ المصري، ولم يعد أمامها من خيارات سوي النظام الحاكم أو جماعة الإخوان، وبالتالي فإن الإدارة عليها أن تختار بين الضغط علي النظام القائم لتحقيق إصلاحات ديمقراطية على المدى البعيد وإحداث حراك في المجتمع المصري بمواصلة دعم التيارات الليبرالية ومؤسسات المجتمع المدني، أو أن تتقبل وصول الإخوان للحكم في مصر وما ينطوي عليه ذلك من تهديد للمصالح الأمريكية في المنطقة».

كان الإخوان قد أبدوا استعدادهم في اللقاءات التي جرت معهم في هذه الفترة للموافقة على الأجندة الأمريكية، وهو ما دعا مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق ورئيسة المعهد الديمقراطي الأمريكي في هذا الوقت، إلى أن تصرح أثناء وجودها في دبي في الأول من ديسمبر 2005 بالقول «إن استبعاد الإسلاميين من المشاركة في الحياة السياسية علي أساس أنهم غير ديمقراطيين يعتبر خطأ فادحًا»، وحذرت أولبرايت الإدارة الأمريكية من دعم إصلاحات زائفة تؤدي إلي عزل المعارضة الإسلامية واعتبرت أن «أنجح وسيلة لانحسار التطرف في الشرق الأوسط هي السماح للمعارضة الإسلامية غير العنيفة بالمشاركة في الحياة السياسية».

وينشر موقع «الجمهور» يوم «الجمعة» من كل أسبوع، شهادةَ الكاتب والبرلماني مصطفى بكري، عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها، خلال فترات حكم الرئيس السادات والرئيس مبارك والمشير طنطاوي ومرسي والرئيس السيسي.

«مصطفى بكري» يهنئ «الأهرام العربي» لفوزها بجائزة الصحافة العربية للمرة الخامسة

«مصطفى بكري» عن شائعة إغلاق دير سانت كاترين: الدولة تواجه حربا ممنهجة

مصطفى بكري: علاقتنا بالسعودية خط أحمر

مصطفى بكري: إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يضمن الاستقرار في ليبيا

مقالات مشابهة

  • الاحتلال يقلل من أهميته.. تفاصيل رد الفعل الإسرائيلي تجاه التحرك العربي في رام الله
  • إبراهيم ربيع: جماعة الإخوان تعمل على استهداف المؤسسات الصلبة في الدولة
  • الحاجي: نموذج الإخوان الجدد كارثة على ليبيا
  • شهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري: المؤامرة على الرئيس مبارك
  • لِمَ نخاصم التفكير الاستراتيجي؟
  • سجن وتغريم إمام بفرنسا في منشور عن طوفان الأقصى
  • عن متلازمة لا شفاء منها.. متلازمة الإخوان!
  • مصدر أمنى ينفى مزاعم جماعة الإخوان بشأن تعدى فردى شرطة على سائق أتوبيس
  • قيادى بحركة فتح : جماعة الإخوان وإسرائيل يسعون لإثارة الفتن بين الشعوب العربية
  • محافظ القاهرة يتفقد المركز التكنولوجي بشق التعبان