الوطن:
2025-06-10@13:38:55 GMT

محمد حسنين هيكل يكتب: محاولة تصور للموقف

تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT

محمد حسنين هيكل يكتب: محاولة تصور للموقف

كانت حالة اللاسلم واللاحرب قد طالت بأكثر مما هو لازم لأى شعب يريد أن يحتفظ بحيويته النضالية، ولكن القرار لم يكن سهلاً، خصوصاً أن الملابسات المحيطة بالعمل الوطنى فى مصر -وربما فى غيرها من بلاد العالم النامى كله- تضع مسئولية القرار على كتفى رجل واحد.

أى أنه بالنسبة لأنور السادات، فإن القرار كان مصيرياً، وفى الوقت نفسه فقد كان عليه أن يتخذه وحده.

وربما كان من حقه وواجبه أن يسمع وأن يناقش، لكنه فى النهاية كان مطالباً بأن يكون وحده، عقلاً وقلباً وضميراً، ثم يصل إلى القرار ويتحمل تاريخياً مسئوليته.

وأتذكر حواراً مع أنور السادات جرى فى مساء يوم الجمعة 21 سبتمبر الماضى فى شرفة استراحة برج العرب المطلة على البحر...

كان جالساً أمامى فى صمت لبعض الوقت، وكان فيما بدا يتأمل منظر غروب الشمس فى هذه البقعة الجميلة من شاطئ مصر الغربى، لكنه فجأة شد نظره عن مشهد الطبيعة المهيب ليقول لى:

- «إن القرار بالنسبة لغيرى تعامل مع الأفكار والتقديرات والاحتمالات، وأما بالنسبة لى فإن القرار تعامل مع الحياة والموت، والمسألة لا تتعلق بشخصى فقد عرفت الحياة وواجهت الموت، ولكنها تتعلق بألوف... مئات الألوف من الرجال سوف يأخذون الكلمة منّى... وفوق ذلك هناك كرامة ومستقبل وحياة أمة فى الميزان».

ولم أشعر أننى أحس بأزمة «الاختيار الإنسانى» كما أحسست بها فى تلك اللحظة. لكن ذلك كان دوره وكان قدره كما قال هو أكثر من مرة...

كان «اختياره» هو «القرار» وكان «القرار» هو التعبير عن «الإرادة» الوطنية والقومية..

وربما كان من الإشارات ذات المعانى أن أنور السادات بعد أن استقر قراره على أنه سوف يقبل أول تحدٍّ يقوم به العدو اختار لما سوف يقوم به اسماً رمزياً لا يخطر بسهولة على البال...

كان الاسم الرمزى الذى اختاره بنفسه لما ينوى أن يفعله هو: «الشرارة».

... كيف خطر له هذا الاسم؟.. ما الإيماءات والإيحاءات الكامنة فيه؟

- إنه وحده الذى يستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة ولكن.

الاسم معبأ بالكثير: الأمل... اللهب... البعث... وغير ذلك وغيره!

حققنا بعد ذلك «اجتياز حائط الخوف» وذلك شىء بالغ الأهمية فى حياة أى أمة مهما كانت النتائج.

وكان «حائط الخوف» متمثلاً فى عبور قناة السويس وفى اقتحام خط بارليف.

القناة نفسها حاجز مائى من أصعب الحواجز.

وخط بارليف على حافتها سلاسل متصلة من المواقع الحصينة استفاد بدروس الحصون الشهيرة فى الحرب العالمية الأخيرة: خط ماجينو الفرنسى وخط سيجفريد الألمانى.

وكان كل الخبراء العسكريين فى العالم وبغير استثناء يرون عملية العبور صعبة... كان تقديرهم أنها ليست مستحيلة، ولكن مخاطرها تفرض التفكير طويلاً، ثم إنها تتطلب تضحيات ليس من السهل قبولها.

ولست أظن أن الوقت ملائم لشرح الطريقة التى تمكنت بها القوات المسلحة المصرية من اجتياز حاجز الخوف: عبور القناة تحت النار واقتحام خط بارليف، وإن كنت أقول على الفور إن واحداً من أفلام التليفزيون التى عرضت على الناس قد ظلم هذه العملية المجيدة ظلماً فادحاً؛ فقد ذهبت العدسات إلى مواقع بدء العبور فى اليوم التالى وكان المسرح كله قد انتقل إلى الضفة الشرقية وبدت الصورة كما ظهرت على شاشة التليفزيون أمام الناس وديعة مسالمة كأنها رحلة على بحيرة وهى لم تكن كذلك حقيقة فى اليوم السابق!!

كانت عاصفة برق ورعد، وكانت ملحمة شجاعة وتضحية..

كانت صفحة القناة ناراً ودماً، لكن الرجال لم يترددوا، ويوم تكتب القصة الكاملة لطلائع العبور التى اجتازت القناة -وسط الصواعق- فى قوافل من قوارب المطاط لتمهد لإقامة الجسور على الضفة الشرقية، فإن أمة بأسرها سوف تشعر بأنها عاشت لحظة من أعظم لحظات حياتها.

.. لقد انطلقت الكتائب والألوية والفرق تشق طريقها وسط الخطر إلى الضفة الأخرى وعبرت أجزاء ضخمة من هذه التشكيلات فعلاً إلى الضفة الشرقية ولم تكن جسور العبور قد تم تركيبها.

كان بالرجال شوق إلى الانطلاق.

كانوا يشعرون أنهم تحملوا بما لا طاقة لهم به وبما لا ذنب لهم فيه، وقد أحسوا بالجرح فى أجسادهم وفى جسد مصر، وكأنهم أرادوا أن يؤكدوا، بما لا يدع مجالاً للظن، قدرتهم على القتال واستعدادهم له.

وفى ثلاث ساعات من بعد ظهر السادس من أكتوبر 1973، ما بين الثالثة إلى السادسة مساء كانت مصر، وكانت الأمة العربية كلها، قد اجتازت «حائط الخوف»!

«الأهرام» - 12 أكتوبر 1973

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: حرب أكتوبر حرب الاستنزاف ملحمة العبور خط بارليف الجيش الذي لا يقهر

إقرأ أيضاً:

د.حماد عبدالله يكتب: موالد " المثقفين " !!



المثقفون المصريون، يدعون فى موالد تميزت بها ندوات ومنتديات المحروسة وبرامج الحورات التليفزيونية إلى مزيد من الحوار ومزيد من الكلام والرغى واللغط ولا شيىء على الاطلاق أكثر من الكلام وليكن المثال على صدق ما أقوله هو ما ينشر فى صفحات الراى فى كل جرائدنا المسماة بالقومية وبالمعارضة وبالخاصة 
( المستقلة ) كلها تحتوى ضمن ما تحتوى على صفحات مخصصة للرأى. والمعنى بالهم العام أو بالثقافة لا يجد شىء "يغنى عن جوع " " أو يسد الرمق عن عطش " اللهم الا ان قراءة رأى  يثير أثناء قراءته " "مصمصة الشفاه " إعجابا أو إستنكارًا ولا شيى أخر !!
لا شى إيجابى لا فعل ولارد فعل  كله كلام يشبة إلى حد كبير الموالد المقامة  التى تقام فى كل مناسبة حول مقام من "مقامات " أهل البيت أو من ذى البركة والمشفوعين لدى المصريين عند الله إعتقاداَ !!!
موالد المثقفين فى كل انحاء المحروسة فى التليفزيون فى النقابات -فى المنتديات فى الجمعيات الاهلية فى المؤتمرات – كلام.. كلام..كلام !
لكن لاشيىء على الإطلاق إلا الكلام !!
وإذا دققت  النظر فيما يقال وما يفعلة القائل شى مناقض تماما لما هو معلن !!
" كالفعل عكس القول " ولا شيىء يقتدى به فى المجتمع ولا نظرية يمكن تطبيقها !!
ولا إيمان بوطن ولا إنتماء لدين إلا بالشكل وربما ما حدث فى الأونة  الأخيرة من حبس لباحثين وادباء، كل تلك الأحداث لا أثر لها على الأرض إلا فى الصالونات التى نعيش على قراءة أحداثها وإذا عدنا بالتاريخ للخلف نجد أن ما كان يتم نشره من أحاديث هذه الصالونات فى زمن لم تكن وسائل الأتصال مثل اليوم متاحة عبر إعلام وتكنولوجيا متقدمة،لعلنا نذكر صالون "العقاد"، وصالون "قاسم أمين"، وصالون "هدى شعراوى"، وصالون " مى زيادة " وصالون " طه حسين " 
كل هذه الصالونات الأدبية والسياسية والإجتماعية قد أثرت فى مستقبل الأمة كلها !!
لأن مثقفى هذه العصور كانوا يقولون ويفعلون مايقولونة ويؤمنوا به !!
وكانوا الضيوف لهذه التجمعات يتمتعوا بالحس الوطنى العالى، والأنتماء لمصر فعلاَ لا قولًا !! إن مثقفى الأمة فى حالة يرثى لها وفى حالة أغماء كامل ( كومة من الدرجة الثالثة ) للأسف الشديد ! 
ولعل إدعاء البطولة فى مواقف بعينها تأتى متأخرة عن موعد الإعلان عنها !! مما يلقى بظلال من الشك حول مدى قناعة المثقفين المصريين بقضية مصرية أو قضية أخلاقية أو قضية سياسة !!
أصبحنا فى موالد مستمرة لا هم لنا فيها إلا " الذكر " " والطبل " والعشاء " فتة ولحمة وأرز بالثوم " وكل سنة ونحن طيبون !!

                                  
[email protected]

مقالات مشابهة

  • أستاذ جامعي: العائلات الآمنة في طرابلس تنتظر موقفاً واضحاً يبدد الخوف والغموض
  • د.حماد عبدالله يكتب: موالد " المثقفين " !!
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: قراءة الذات
  • طريق واحد وجدران من الخوف.. الحصار يضاعف أزمة الفاشر
  • الرجال في قبضة الخوف: حين يصبح البيت فرعاً لشرطة طالبان
  • رونالدو يكشف: لعبت النهائي مصابًا وكان اللقب يستحق المجازفة
  • محمد دياب يكتب: ولا يوم الطين؟
  • تريزيجيه: الأهلي رغبتي الأولى والأخيرة.. ولن أغير هذا القرار مهما كانت الإغراءات
  • زيزو عن انضمامه للأهلي: شرف كبير ومتحمس لخوض التحدي.. ومكالمة الخطيب كانت دافعا قويا
  • محمود سعد يسترجع ذكريات العيد: “ماحسّناش بالحرمان.. وكان عندنا خروف وهدوم العيد وكل حاجة”