قليلون هم الذين امتهنوا الشعر وسخّروه في خدمة القضية والأجيال.. وجعل الشعر في خدمة رسالة  مقدسة لتعليم الأطفال معنى الهوية، فضلاً عن نشاطه وسط الكبار.

ثمّة شاعر لم ينسَ ذلك كله، بل اشتغل على نفسه وبنى موهبته أولاً لأنه يعلم أن دوره لن يكون على هامش الحياة، ثم وقف صلباً متمسكاً بدوره الرسالي، محافظاً على رصانته وأناقته ومهمته، في توصيل رسالته دون تلكؤ أو انتظار.

إنه الشاعر الناشط والهادف القيادي بالفطرة كمال عبد الرحيم رشيد.

ولعلّ من لا يعرفه سيذكره جيداً في الفيديو الذي اشتهر للشاعر غازي الجمل، إذ كان شاعرنا على رأس الوفد الذي زاره وأخذ يذكره بقصيدته الشهيرة "قف شامخاً"..

ترجمته

هو الشاعر والأديب والقصصي والمربي والإعلامي والأستاذ الجامعي كمال عبد الرحيم رشيد عبد الفتاح، ولد في عام 1941 في قرية الخيرية، قضاء يافا، لم يكد يبلغ السابعة من عمره حتى وجد نفسه مشرداً مع أهله، الذين ارتحلوا في أحداث نكبة 1948 إلى قرية بديا بمنطقة نابلس، وهناك درس بمدرستها من الصف الأول الابتدائي حتى الصف السّابع.

ولما ضاقت بهم سبل الحياة تحت وطأة الفقر، هاجرت الأسرة إلى مدينة نابلس، وسكنت مخيم عين الماء (1956 ـ 1967). وهناك درس في مدارس وكالة الغوث (الأونروا)، والتحق في المرحلة الثانوية بمدرسة الجاحظ، وتخرّج منها.. وفي تلك الفترة اتصل بالحركة الإسلامية في نابلس وشارك في نشاط طلابها.

بعد المرحلة الثانوية، عمل معلماً في بعض مدارس طولكرم عام 1962، في مدرسة الخالدية ثم في المدرسة العمرية. وسافر إلى الجزائر معلماً، لكنه أصيب هناك بحادث وكسر رجله، وفي إجازته المرضية بدأ احتراف الشعر والقصائد الطويلة، وعاد عام 1964. وفي هذه الأثناء لم يترك هدفه الذي سعى إليه في تلك الفترة، وهي الدراسة الجامعية، بل انتسب إلى جامعة دمشق وتخرج منها حاصلاً على بكالوريس في اللغة العربية عام 1966. وعاد ليدرّس في مدارس الضفة مرة أخرى..

ولما حدثت النكبة الثانية عام 1967، ووقعت الضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي، هاجر كمال إلى عمّان وعمل معلماً في المدرسة المأمونية. وفي عام 1968 نُقل إلى مديرية المناهج عضواً لمبحث اللغة العربية.. وهنا بدأت حياته العملية في التأثير. وكانت له بصمات واضحة في تطوير المناهج في مبحث اللغة العربية، وله الفضل في إعادة تدريس مادة العَروض في الأردن.

وفي عمله الجديد كان عضو الفريق الوطني لتأليف كتب اللغة العربية، ورئيس اللجنة الأردنية المحلية لمشروع "الرصيد اللغوي" التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وممثل الأردن في لجنة البرامج التعليمية الموجهة للطلبة العرب في الأرض المحتلة، وتولى فحص عدد من الكتب المدرسية لغوياً وتحريرها وإجازتها، وتقويم الكتب المقترح اقتناؤها لمكتبات مدارس وزارة التربية. كما مثل الأردن في عدد من المؤتمرات التربوية واللغوية والتعليمية.

لم يتوقف طموحه الأكاديمي على الجامعة، بل حصل من جامعة محمد الخامس في الرباط على الماجستير في علوم اللغة عام 1978، وحصل على الدكتوراة في علوم اللغة العربية من الجامعة الأردنية عام 1996 بتقدير ممتاز.

ولم يقتصر على الشهادات الأكاديمية، بل تلقى دورات مهمة لها علاقة بعمله الحساس في الوزارة منها: في عام 1973 دورة إعداد برامج الإذاعة المدرسية في جامعة لندن، وهناك كتب قصيدته الشهيرة "إلى نهر التايمز" التي ذكر فيها المآسي التي تسبب بها الإنجليز لشعوب المنطقة. وفي عام 1986 شارك دورة تحرير الكتب المدرسية والمواد التعليمية من جامعة لندن. وفي عام 1988 شارك في دورة لزيارة دور النشر البريطانية الكبرى لونجمان وأكسفورد وهاينمان.

هو شاعر وأديب ومفكر عربي، ترأس رابطة الأدب الإسلامي في الأردن. وعمل رئيساً لتحرير صحيفة الرباط الناطقة مدة أربع سنوات، وكتب في الدستور الأردنية، وعمل مديراً للمدارس العمرية التابعة للبنك الإسلامي، وشارك في أمسيات شعرية في أغلب المنتديات والمحافل العربية، وقام بتمثيل الأردن في أكثر من محفل رسمي..

كان د. كمال رشيد متزوجاً وله ستة أولاد وابنتان، وأكبر أولاده بلال وبه كنيته.. وقد توفي شاعرنا في حادث سير مؤسف في 29 آذار (مارس) 2008.

وقد أصدر أصدقاؤه في عمان كتاب "كمال رشيد بأقلام محبيه وعارفيه"، في 230 صفحة من القطع الكبير، كتب مقدمته الأديب عبد الله الطنطاوي.

لم يكن أبو بلال يهدأ في نشاطه، فقد شارك في العديد من اللجان والروابط والجمعيات مثل:

عضو رابطة الأدب الاسلامي العالمية منذ التأسيس في عام 1987. وعضو جمعية الدراسات والبحوث الاسلامية. وعضو رابطة الكتاب الأردنيين. وعضو المعهد العالمي للفكر الإسلامي. وعضو الجمعية الوطنية لرعاية الطفل في الأردن. وعضو جمعية العفاف في الأردن. وعضو جمعية مكافحة التدخين. وعضو الجمعية الأردنية للوقاية من حوادث الطرق.

وفي الإعلام، قام بإعداد وتقديم برامج دينية من إذاعة عمان لسنوات طويلة. وإعداد وتقديم 30 حلقة من برنامج ديني، في إذاعة الكويت 1985. وإعداد مسلسل من عدة حلقات في إذاعة عمان تحت عنوان (أشواق في المحراب).

ولا نغفل هنا عن تخصصه وإشرافه على أنشطة الإذاعة المدرسية في الأردن.

وهناك أكثر علامة فارقة في أدبه، غير أنه أولى اهتماماً خاصاً بأدب الأطفال، ليقينه بأن غرس المفاهيم والانتماء يبدأ من عندهم.. ففي مديرية المناهج التي عمل بها قرابة عشرين سنةً اطلع على مناهج الدول العربية وكتبها المدرسية، فوجدها تفتقر إلى الكتابة في أدب الأطفال.

كتب للأطفال قصائد وأناشيد تربوية ووطنية منهجية فأخذت موقعها في الكتب المدرسية المقررة في الأردن، وانطلقت إلى عددٍ من الدول العربية مثل الكويت والإمارات العربية.

وانطلق من حاجة الأطفال إلى القول الممتع النافع السهل البسيط الهادف الذي يمكن أن يغنّوه في الصباح والمساء، ومن نماذج هذه الأناشيد، افتتاح كتابه "أناشيدي" بهذا النشيد:

أحِبّائي

صِغارَ اليوم
أبطالَ الغَدِ الآتي
لَكُم جاءت أناشيدي
مَعَ الأيامِ والسّنوات
مَعَ الأفراح والنكبات
مِن قلبٍ
يرى فيكمْ غِراسَ النّصر والخَيْر
فِلَسْطينُ تُناديكمْ
وفي الأُرْدُنِّ ناديكُمْ
وفي كُلِّ بلادِ العُرْبِ والإسْلامِ
صوتُ الحَقِّ يَدْعوكمْ
فَهَيّا للغدِ الآتي
لِنورِ الشَّمسِ
للإشراقِ والأشواقِ
للقُدْس

مؤلفاته

ترك شاعرنا اثنين وعشرين مؤلفاً بين الشعر والنثر والأدب والفكر والتربية، منها:

1 ـ شدو الغرباء، شعر 1975.
2 ـ عيون في الظلام، شعر، 1984.
3 ـ أشواق في المحراب، شعر، 1985.
4 ـ القدس في العيون، شعر، 1990.
5- نسائم الوطن، شعر، 1997.
6 ـ أناشيدي، شعر للأطفال، جزءان، 1989.
7 ـ أقوال ومواقف، مسرحيات للأطفال، 1990.
8 ـ سلسة كتب اللغة العربية المقررة للمرحلة الإلزامية في الأردن (مشترك مع الفريق الوطني (الأردني) للتأليف: مجمع اللغة العربية).
9 ـ التراث في القرآن الكريم، دين، 1996.
10 ـ الزمن النحوي في اللغة العربية، نحو، 1979.
11 ـ الخطأ والصواب في الصحة، تربية، 1984.
12 ـ الخطأ والصواب في السلوك، تربية، 1984.
13 ـ الخطأ والصواب في المرور، 2005.
14 ـ أشياء تنفعنا وتضرنا، 2007.
15 ـ أخلاق إسلامية، 1990.
16 ـ عادات حميدة، 1990.
17 ـ أبو خليل والحلم الجميل، 1992.
18 ـ سليم في المزرعة وقصص أخرى، 1990.
19- في المسجد، 1992.
20 ـ نحب هؤلاء، جزءان، 1992.
21 ـ أميز بين الأشياء.
22 ـ عشر قصص للأطفال.

من شعره

وصيّة

أوصـيـك يا ولدي أن تحسن الأدبا               ..        أن تـألف الدّرس والتحصيل والكتبا
وأن تـكـون تـقـيّـاً، نابهاً، يقظاً                    ..        وأن تـقـدّم لـلأوطـان مـا وجبا
أن تـجعل القدس في العينين ماثلة           ..        ألا تـكـلّ إذا مـا الـمعتدي غلبا
هذي فلسطين صنو الرّوح يا ولدي            ..        وفـي مـرابـعـها سفر العُلا كُتبا
عـاشـت لـنا مثلما عشنا لها زمناً                 ..        طـابـت بـنا مثلما طبنا بها حقبا
أخـنـى الـزّمـان وعادتنا ثعالبه                     ..        وطـائـر السّعد عن أوطاننا غربا
تـوزعـتـنا صروف وانثنت همم                    ..        وَمَـنْ تـقـاعس عن ردّ العِدا غُلبا
حـلّ الـدّخيل بأرض ليس يعرفها                 ..       وصاحب الأرض عن أوطانه اغتربا
لـكـنّـمـا أمـل الأوطـان فتيتها                  ..       هُـم الـسّـبـيل لردّ الحقّ إن سُلبا
أنـتـم رجـاء فـلـسطين وعدّتها                  ..       وهـل بـغـيـر شباب نبلغ السّببا
الأرض أرضـكـم والعزم عزمكم                 ..       فـلا تـكـونـوا لـها إلا كما طلبا
ولا تـخـافـوا مـماتاً،إنّ عيشكُم                ..       فـي مـوتـكم في ثراها فتية نجبا
هـذه عـقـيـدتـنـا، تلكم موائلنا                ..       والـحرُّ عن أرضه لا يعرف الهربا

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير الهوية شاعر فلسطين فلسطين مسيرة شاعر هوية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اللغة العربیة فی الأردن فی عام

إقرأ أيضاً:

مقابر الأرقام في إسرائيل رفات شهداء فلسطينيين بلا شواهد ولا هوية

مقابر الأرقام هي مقابر سرية أنشأتها إسرائيل قبل 56 عاما وأطلقت عليها اسم "مقابر الأعداء"، بقصد دفن رفات الشهداء الفلسطينيين والعرب وإخفائها عن ذويهم، وبدلا من أسمائهم يحمل كل شهيد رقما مثبتا فوق قبره على لوحة معدنية.

ويبقي الاحتلال كل ما يتعلق بهذه المقابر مجهولا، ويرفض إعطاء أي معلومات عن أماكنها، ولا يُعرف عددها الحقيقي، مما يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"تهديد مباشر للمدنيين".. مخاوف حقوقية من انسحابات أوروبية من معاهدة حظر الألغامlist 2 of 2لاحتفائهم بالقصف الإيراني.. اعتداءات إسرائيلية وحشية على الأسرىend of list

ويتبع الاحتلال الإسرائيلي سياسة احتجاز جثامين الشهداء في هذه المقابر وفي ثلاجاته، لاستخدامها ورقة ضغط ومساومة في أي صفقة تبادل مستقبلية.

مدافن بلا شواهد

تحاط المقابر بحجارة دون شواهد، وفوق كل منها لوحة معدنية تحمل رقما فقط دون تدوين اسم صاحب القبر، ولكل رقم ملف سري خاص تحتفظ به الجهات الأمنية الإسرائيلية.

ويحيط الاحتلال الإسرائيلي هذه المقابر بأسلاك شائكة، ويتّبع طريقة مهينة في دفن جثامين الشهداء فيها، مما يجعل عملية تحديد مكان الضحايا والتعرف عليهم لإخراجهم مهمة شاقة وصعبة.

ويعتبر الاحتلال الإسرائيلي هذه المقابر مناطق عسكرية مغلقة، ويمنع الوصول إليها دون موافقة مسبقة من جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، بينما تقع هذه المقابر تحت إشراف ومسؤولية الجيش الإسرائيلي.

ويعود قرار احتجاز جثمان الشهيد لقائد المنطقة، وهو ضابط يستند إلى قرارات المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت)، كما يعتمد على قانون الطوارئ الذي يعود لفترة الانتداب البريطاني، الذي كان يخوّل القائد العسكري احتجاز جثامين الشهداء أو فرض شروط على شكل الجنازة وإتمام مراسيمها.

سياسة إسرائيلية قديمة

تعود سياسة دفن جثامين الشهداء في مقابر الأرقام إلى بداية إعلان قيام إسرائيل عام 1948.

وتصاعدت هذه السياسة بشكل ملحوظ بعد حرب 1967، إذ أنشأت إسرائيل مقابر عدة لاحتجاز رفات شهداء عرب وفلسطينيين قضوا في حرب الأيام الستة، وبعدها توسعت لتضم رفات منفذي العمليات الفدائية، ورفات الأسرى الذين يقضون في السجون الإسرائيلية.

وفي عام 1985، كشف عضو البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) يوسي ساريد أن السلطات الإسرائيلية تسرق الأعضاء من الجثامين الموجودة في مقابر الأرقام، وقال إنها سياسة تدل على "انحدار إلى أدنى مستوى أخلاقي للبشرية".

إعلان

وفي يناير/كانون الثاني 1999، توصل تقرير، أعده فريق تفتيش عينه الحاخام العسكري في إسرائيل، إلى إخفاقات في التعامل مع جثث الضحايا في مقابر الأرقام، وأوصى بوسائل إضافية لتحديد الهوية، بما في ذلك "زجاجة مغلقة تحتوي على رقم الجثمان وتوضع في التابوت، وربط سوار بالجثة يحمل رقمها"، إلا أن أيا من ذلك لم يتم.

وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى في أواخر سبتمبر/أيلول 2000، تصاعدت سياسة إسرائيل في دفن الشهداء الفلسطينيين في مقابر الأرقام إلى حد كبير.

تدخلات المحكمة

وفي أغسطس/آب 2015، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيتوقف عن احتجاز الجثامين، وسيشرع في تأسيس بنك للحمض النووي تمهيدا لتحرير كافة الجثامين المحتجزة، خاصة في مقابر الأرقام، لكنه لم يف بذلك.

ومع اندلاع "هبّة القدس" في أكتوبر/تشرين الأول 2015، اتخذ الاحتلال عددا من التدابير لمعاقبة الفلسطينيين وردعهم، منها تفعيل سياسة احتجاز الجثامين.

وفي الأول من يناير/كانون الثاني 2017، أصدر الكابينت قرارا يقضي بمنع تسليم جثامين الشهداء الفلسطينيين ممن ينتمون لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لاستخدامهم ورقة ضغط ضدهم من أجل الإفراج عن جنوده المأسورين في قطاع غزة.

قضية اختفاء جثة الشهيدة دلال المغربي تعد واحدة من أبرز القضايا التي أثارت موضوع عبث إسرائيل بمقابر الأرقام (وكالات)

وفي 15 ديسمبر/كانون الأول 2017، أصدرت المحكمة نفسها قرارا يعتبر حجز جثامين الشهداء غير قانوني، ولكنها لم تأمر بتسليمها لأهالي الشهداء، بل أمهلت الحكومة الإسرائيلية لسن تشريعات قانونية جديدة، تمنحها صلاحية احتجاز الجثامين لغرض المساومة على إطلاق سراح أسرى.

وفي التاسع من سبتمبر/أيلول 2019، أقرّت المحكمة العليا الإسرائيلية رسميا سياسة احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين في مقابر الأرقام والثلاجات، لغاية المفاوضات، سعيا لاستعادة الجنود المأسورين في قطاع غزة، الأمر الذي يخالف مواثيق حقوق الإنسان والديانات السماوية.

وفي 15 فبراير/شباط 2020 اعترف الاحتلال الإسرائيلي، ولأول مرة، بأماكن دفن جثامين 123 شهيدا في "مقابر الأرقام"، بعد أن توجّهت الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء بـ3 التماسات للمحكمة الإسرائيلية العليا منذ عام 2016، لتحديد أسماء وأماكن احتجاز الجثامين والإفراج عنها.

إحصائيات وأرقام

تقدر مراكز حقوقية فلسطينية وجود ما لا يقل عن 6 مقابر للأرقام، تقع الأولى شمال فلسطين عند جسر "بنات يعقوب" قرب منطقة "عميعاد" العسكرية الحدودية بين سوريا وفلسطين ولبنان، وبها عشرات القبور لشهداء فلسطينيين ولبنانيين، غالبيتهم ممن سقطوا في حرب عام 1982.

أما المقبرة الثانية فتقع في المنطقة العسكرية المغلقة بين مدينة أريحا وجسر دامية في غور الأردن، وهي محاطة بجدران عالية ولها بوابة حديدية، وفوقها لافتة كبيرة مكتوب عليها بالعبرية "مقبرة لضحايا العدو"، ويوجد فيها نحو 100 قبر مرقم من "5003-5107″، وتدّعي سلطات الاحتلال الإسرائيلي بأن هذه الأرقام مجرد رموز إدارية لا تعكس العدد الحقيقي للجثث المحتجزة في مقابر أخرى.

وثالثها هي مقبرة "شحيطة" وتقع في قرية وادي الحمام، شمال مدينة طبريا الواقعة بين جبل أربيل وبحيرة طبريا، وغالبية الجثامين الموجودة فيها لشهداء معارك منطقة الأغوار، التي وقعت بين عامي (1965-1975).

إعلان

كما توجد 3 مقابر أخرى واحدة منها في مدينة عسقلان، والأخرى جنوب شرق سهل الحولة شمال فلسطين المحتلة، والثالثة عند منطقة "ريفيديم" قرب غور الأردن.

وتفيد الإحصائيات الرسمية الفلسطينية بأنه وحتى أبريل/نيسان 2025 يوجد 684 جثمانا محتجزا لدى الاحتلال الإسرائيلي، من بينها 256 في مقابر الأرقام.

ولا تشمل هذه الأرقام جثامين الشهداء الغزيين الذين احتجزتهم إسرائيل أثناء حرب الإبادة التي شنتها على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتعود أقدم الجثامين المحتجزة للشهيد المقدسي جاسر شتات، الذي استشهد عام 1968، في حين أن أصغر جثمان محتجز في هذه المقابر يعود للطفل حسن الشرباتي من مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية وكان يبلغ من العمر (13 عاما) عند استشهاده.

وفي يوليو/تموز 2024، كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي يحتجز نحو 1500 جثمان لفلسطينيين لم تعرف هويتهم في حاويات مبردة داخل القاعدة العسكرية المعروفة باسم "سدي تيمان"، وأنه تم تصنيف الجثامين بالأرقام وليس الأسماء.

وذكرت الصحيفة أن الجثامين وصلت إلى مرحلة معينة من التحلل، وبعضها مفقود الأطراف، والبعض الآخر بلا ملامح، ويرجح أن الجثامين تعود إلى شهداء ارتقوا في الأيام الأولى من الحرب على غزة.

سرقة الأعضاء

أفادت تقارير حقوقية بأن هذه المقابر عبارة عن مدافن رملية قليلة العمق، مما يعرضها للانجراف بفعل العوامل الجوية، إضافة إلى نبش الحيوانات لها ونهش جثامين الشهداء، مما أدى إلى اختلاط عظام الشهداء بعضها ببعض.

وفي تصريحات سابقة لرئيس معهد تشريح "أبو كبير"، قال "إن مقابر الأرقام تقع جميعها في مناطق عسكرية مغلقة ويمنع الاقتراب منها"، وكشف أن دفن الشهداء في هذه المقابر يكون في قبور لا يزيد عمق الواحد منها على 50 سنتيمترا، وتكون متلاصقة جدا.

وجاء في التصريحات، التي نشرتها القناة الإسرائيلية الثانية، أن خبراء الطب الشرعي في معهد "أبو كبير" يستأصلون الجلد والقرنيات وصمامات القلب والعظام من جثث الفلسطينيين.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2014، كشف المحامي أندريه روزنتال، الذي حضر عمليات فتح بعض القبور بهذه المقابر، أنها لم تكن في صفوف مستوية، ولم تكن هناك أي علامات تدل على وجود الجثامين، وأن "جرافة حفرت في عمق قليل فظهرت بعض الجثامين التي وضعت في أكياس ومسح ما عليها من معلومات، ولم نتمكن من تشخيص الجثث دون فحص طبي".

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "معاريف" في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2014، فإن 3 تقارير إسرائيلية داخلية وجدت أن المسؤولين عن هذه المقابر عبثوا فيها، وخاصة فيما يتعلق بعمليات الدفن وصيانة القبور.

وبحسب التقرير، فإن هناك إهمالا شديدا في هذه المقابر، فهناك جثث اختفت، وأخرى جرفت مع انجراف التربة بسبب الأمطار، وهناك قبور حفرت دون تحديد فاصل ترابي بينها، فصارت تبدو مثل القبور الجماعية.

كما تحدث التقرير عن اختفاء جثة الشهيدة دلال المغربي، كاشفا بذلك عن واحدة من أبرز القضايا التي أثارت موضوع عبث إسرائيل بمقابر الأرقام.

بعد ذلك كشفت الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء عن انتزاع السلطات الإسرائيلية أعضاء الشهداء الأسرى -الذين يدفنون في مقابر الأرقام- وبيع أجسادهم لمراكز طبية، ومبادلة أعضاء الشهداء الأسرى من معهد أبو كبير للطب الشرعي مقابل أجهزة طبية.

وفي يوليو/تموز 2023، أكدت الهيئة الفلسطينية المستقلة لملاحقة جرائم إسرائيل أن الاحتلال يسرق أعضاء الجثامين، ويتاجر بها، ويجري عليها التجارب الطبية بحماية قانونية من سلطات الاحتلال.

حملة ويوم وطني

وفي عام 2008، أطلقت عائلات الشهداء المحتجزين، بالتعاون مع مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة في مقابر الأرقام والثلاجات وتشييعهم ودفنهم وفقا للشعائر الدينية، وبما يليق بكرامتهم الإنسانية، وكذا لإلزام إسرائيل بتحديد مصير المفقودين الذين تنكر وجودهم لديها.

إعلان

وعملت الحملة على حشد الرأي العام الفلسطيني والدولي للضغط على إسرائيل للالتزام بالقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف التي تلزم الدول باحترام جثامين ضحايا الحرب وتمكين ذويهم من دفنهم وفقا لتقاليدهم الدينية.

وتستند الحملة في نشاطها إلى تحرك ذوي الضحايا، وإسنادهم من الجمهور الفلسطيني عبر المذكرات والاعتصامات، إضافة إلى مقابلة ممثلين عن البعثات الدبلوماسية، ومنظمات الأمم المتحدة والهيئات والمؤسسات القانونية المدافعة عن حقوق الإنسان.

وجمعت الحملة أسماء الشهداء المحتجزة جثامينهم في مقابر الأرقام، وقدمت العديد من العرائض إلى المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة في محاولة للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لتسليم جثامين الشهداء المحتجزة.

في الثالث من أغسطس/آب 2008، قررت الحكومة الفلسطينية اعتبار 27 أغسطس/آب من كل عام يوما وطنيا لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب المحتجزة لدى الاحتلال، والكشف عن مصير المفقودين.

كما كلّفت وزارة الخارجية بالعمل على إثارة قضية هذه الجثامين مع الحكومات والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، بهدف "فضح السياسة العنصرية لحكومة إسرائيل والضغط عليها لتنفيذ التزاماتها حسب القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف".

وفي 11 مارس/آذار 2023، أعلنت أكثر من 120 جمعية ومنظمة وحزبا في عشرات الدول عن إطلاق "الحملة الدولية لتحرير جثامين الشهداء من ثلاجات ومقابر الأرقام" وذلك تحت شعار "بدنا ولادنا"، وسعت لتدويل هذه القضية.

وينظم أهالي شهداء مقابر الأرقام مسيرات دورية في الضفة الغربية، للمطالبة باسترداد جثامين أبنائهم من مقابر الأرقام، ودفنهم بما يليق بكرامة الإنسان ووفق تعاليم الشريعة الإسلامية.

انتهاك القانون الدولي

وتعد سياسة احتجاز جثامين الشهداء انتهاكا للقانون الدولي، فالفصل الـ11 من اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس/آب 1949، تطرّق إلى هذه المسألة.

وتنص المادة (130) بأن "على السلطات الحاجزة أن تتحقق من أن المعتقلين الذين يتوفون أثناء الاعتقال يدفنون باحترام، وإذا أمكن طبقا لشعائر دينهم، وأن تحترم مقابرهم وتصان بشكل مناسب، وتميز بطريقة تمكن من الاستدلال عليها دائما".

وفي المادة نفسها تؤكد الاتفاقية على أن يدفن المتوفون في مقابر فردية، إلا إذا اقتضت ظروف قاهرة استخدام مقابر جماعية، وبمجرد أن تسمح الظروف، وبحد أقصى لدى انتهاء الأعمال العدائية، تقدم الدولة الحاجزة قوائم تبين المقابر التي دفنوا فيها، وتوضح هذه القوائم جميع التفاصيل اللازمة للتحقق من هوية المعتقلين المتوفين ومواقع المقابر بدقة.

مقالات مشابهة

  • في الغارة على جنوبي لبنان.. إسرائيل تكشف هوية المُستهدف
  • خبير تربوي: امتحان اللغة العربية هو الانطلاقة الفعلية لماراثون الثانوية.. نصائح مهمة للطلاب
  • اللغة العربية في المخاطبات الرسمية.. قرار في الاتجاه الصحيح
  • شيخ الأزهر: مستعدون لافتتاح مركز لتعليم اللغة العربية في صربيا
  • مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يشارك في معرض بكين الدولي للكتاب 2025
  • مقابر الأرقام في إسرائيل رفات شهداء فلسطينيين بلا شواهد ولا هوية
  • الوادي.. 18 شهراً حبساً لمتهمة نشرت أجوبة اللغة العربية الخاصة بـ “الباك”
  • السوداني يبحث تولي شركة صينية 3 مشاريع وتوازن طباعة الكتب المدرسية
  • بروتوكول تعاون بين اللجنة الأولمبية وجامعة إسلسكا لدعم وتطوير الرياضة المصرية
  • كاريكاتير كمال شرف