المرحلة الثانية في غزة: هل هي إعادة تشكيل للشرعية؟
تاريخ النشر: 10th, December 2025 GMT
منذ توقف العمليات العسكرية المكثفة في غزة، دخل الملف الفلسطيني مرحلة ملتبسة تبدو في ظاهرها انتقالا منظّما نحو الاستقرار، لكنها في جوهرها عملية إعادة تشكيل جذرية لمنطق الصراع. فالمرحلة الثانية من الاتفاق ليست استكمالا تقنيا لما سبقها، بل هي ساحة سياسية تتصارع فيها المشاريع الكبرى، حيث لا تقاس القوة بعدد الصواريخ، بل بقدرة كل طرف على فرض رؤيته للمستقبل.
لقد نجحت المرحلة الأولى في تجميد نار المعركة، لكنها لم تنه شروطها. فالهدنة التي وقعت لم توقع على الحرب، وإنما على طريقة إدارتها. أما المرحلة الثانية، فهي اختبار حدود الممكن: هل يمكن لغزة أن تنتقل من حضور المقاومة بوصفها هوية سياسية إلى حضور الدولة بوصفها بنية مؤسسية؟ أم أن هذا الانتقال نفسه ليس أكثر من محاولة للقفز على التاريخ باسم الأمن والاستقرار؟
تدخل إسرائيل إلى هذه المرحلة وفي ذهنها هدف يتجاوز وقف إطلاق النار. فهي لا تريد غزة التي خرجت منها عام 2005، ولا غزة التي واجهتها عسكريا في السنوات الماضية؛ تريد غزة جديدة، مختلفة في بنيتها الأمنية والاجتماعية والسياسية، غزة منزوعة القدرة على المواجهة، حتى لو بقيت فيها حكومة تدير الشؤون اليومية. لذلك تصر على نزع السلاح، ليس فقط كشرط أمني، بل كشرط لإعادة تعريف غزة داخل معادلة جديدة للشرق الأوسط.
في المقابل، تدرك حماس أن مرحلة بلا سلاح هي مرحلة بلا مشروع، فالسلاح بالنسبة للحركة ليس بندقية، بل رمز شرعية تشكل عبر عقود من الصمود. ولذلك تربط الانتقال إلى المرحلة الثانية بتنفيذ كامل للمرحلة الأولى: وقف الخروقات الإسرائيلية، وضمان تدفق المساعدات، وفتح المعابر، وتثبيت هدنة قابلة للحياة. الحركة لا ترفض التفاوض، لكنها ترفض أن تدفع إلى قبول صيغة سياسية تنهي وظيفتها التاريخية مقابل سلطة بلا مضمون.
وسط هذا الاشتباك، تظهر فكرة السلطة التكنوقراطية بوصفها الحل السحري القادر على تجاوز المأزق. غير أن السؤال الحقيقي ليس في شكل الحكومة، بل في مصدر شرعيتها. فالشرعية في غزة لم تتأسس عبر المؤسسات، بل عبر الكلفة التاريخية للمقاومة. محاولة نقل الشرعية من المواجهة إلى الإدارة ليست إصلاحا سياسيا، بل إعادة ترميز لدور غزة داخل الصراع. وفي السياسة، تغيير الشرعية أخطر من تغيير الحاكم.
ولأن الأطراف الدولية تدرك أن الحروب لا تدار بالمدافع فقط، فإنها تحاول تحويل غزة إلى مختبر لإنتاج معادلة جديدة: قوة استقرار دولية، وحكومة انتقالية بلا جناح عسكري، ومشروع إعادة إعمار يتجاوز الحصار القديم إلى هندسة اجتماعية واقتصادية تجعل المقاومة خيارا معزولا لا حالة جماعية. إنها ليست خطة لبناء غزة، بل خطة لبناء غزة مختلفة.
هكذا تصبح المرحلة الثانية أكثر من مفاوضات، إنها جدل حول معنى الانتصار، وحول حدود الممكن السياسي، وحول قدرة كل طرف على أن يصنع مشهدا لا يقصيه من التاريخ. إسرائيل تريد غزة تدار ولا تقاوم، وحماس تريد غزة تُبنى دون أن تفقد حقها في الرفض، والدول العربية تريد مخرجا لا يجعلها طرفا في الصراع ولا متفرجا عليه.
وعليه، فإن مستقبل المرحلة الثانية لن يحسم في نصوص الاتفاق، بل فيمن يكتب رواية المرحلة. فالصراع لم يعد على الأرض فقط، بل على الذاكرة والشرعية وتعريف الأمن. والسؤال الذي يقف عند بوابة هذه المرحلة ليس من سيحكم غزة، بل أي غزة ستحكم؟ غزة الخاضعة لإدارة انتقالية، أم غزة التي تقرر شكل السلطة وأدواتها؟
المرحلة الثانية إذن ليست نهاية حرب، بل بداية صراع جديد على صياغة النفوذ، ومن ينجح في تحويل غزة من موضوع للتفاوض إلى فاعل في صناعة القرار، هو من سيحدد ملامح الشرق الأوسط المقبل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء غزة إسرائيل شرعية إسرائيل غزة إتفاق شرعية قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المرحلة الثانیة ترید غزة
إقرأ أيضاً:
هآرتس: ترامب يضغط للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة
نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن مصادر مطلعة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمارس ضغوطا متزايدة على الحكومة الإسرائيلية للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف الحرب في غزة، بما في ذلك تنفيذ انسحاب عسكري إضافي من القطاع.
وتقول الصحيفة إن واشنطن تستعد للإعلان في منتصف الشهر الجاري عن تشكيلة "مجلس السلام" الذي سيشرف مؤقتا على إدارة قطاع غزة وتثبيت الاتفاق ومباشرة عملية إعادة الإعمار.
وبحسب التقرير، فإن إدارة ترامب فوجئت إيجابيا بالتزام حركة حماس بشروط الاتفاق حتى الآن، فيما اعترف الجيش الإسرائيلي بأنه نادرا ما خرقت الحركة وقف إطلاق النار، حسب تعبيره.
وأوضحت المصادر أن الخطوات الأساسية لن تُنفّذ قبل لقاء ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أواخر الشهر الجاري، مرجحة أن يشمل المسار الأميركي انسحابا إسرائيليا إضافيا إلى شريط أمني ضيق داخل القطاع، على مسافة أقرب من الحدود.
المرحلة الثانيةوتشير هآرتس إلى أن الإدارة الأميركية تنوي إحراز تقدم في تطبيق مراحل الانسحاب في الأسابيع المقبلة، بعد أن سلّمت حماس جثث جميع الأسرى القتلى باستثناء الشرطي ران جفيلي.
وقيّمت إدارة ترامب أن الانتهاكات الفلسطينية للاتفاق ليست كبيرة، وأن الاحتكاك يتركز حاليا حول أنفاق رفح حيث يوجد عشرات المسلحين من حماس داخل منطقة سيطرة الجيش الإسرائيلي.
وتنص المرحلة التالية على الإعلان عن مجلس السلام الدولي بين 15 و25 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ليمثل الغطاء السياسي للحكومة التكنوقراطية التي تمت الموافقة على تشكيلتها بشكل غير معلن، وتشمل شخصيات مقربة من حماس والسلطة الفلسطينية.
كما تخطط واشنطن لإقامة قوة استقرار دولية ونشرها منتصف يناير/كانون الثاني المقبل، وهو ما تعتبره القيادة المركزية الأميركية تقدما مهما بعد موافقة مجلس الأمن الدولي على خطة ترامب.
إعلان تقييم إسرائيل الأمنيوتقدّر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن "قدرة حماس على تهديد جنوب إسرائيل تراجعت بشدة نتيجة انخفاض مخزونها من الصواريخ وصعوبة تنفيذ هجمات منظمة". لكنها تحذر من أن تأخر تطبيق خطة ترامب وعدم وجود سلطة بديلة في غزة يمكّنان الحركة من تعزيز قبضتها على السكان بقوة السلاح.
ويرى نتنياهو -خلافا لتقديرات المؤسسة العسكرية- أن السيطرة على الوضع لا يمكن أن تتحقق دون نزع كامل لسلاح حماس، وأن إسرائيل ستسعى للحصول على مساحة مشابهة لتلك التي منحها الأميركيون لها في جنوب لبنان ضد حزب الله.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي -أمس الاثنين- إن المرحلة الأولى من خطة ترامب بشأن غزة توشك على الانتهاء، مؤكدا أمام الكنيست أن المرحلة المقبلة تركز على نزع سلاح حماس وتجريد القطاع من قدراته العسكرية إما "بالطريقة السهلة أو بالطريقة الصعبة".
وأشار نتنياهو إلى أن حماس "تواصل خرق وقف إطلاق النار"، مستشهدا بتصريح خالد مشعل بأن الحركة "مستمرة في طريقها ولن تُجرد من سلاحها".
وأضاف "لن نسمح لمسلحي حماس بالعودة لتهديدنا… نعمل يوميا لمنع ذلك، وهذه المهمة ستُنفَّذ -كما قلت وكما قال الرئيس ترامب- إما بالطريقة السهلة أو بالطريقة الصعبة".
كذلك، أعلنت متحدثة باسم مكتب نتنياهو أن لقاءه مع ترامب سيعقد في 29 ديسمبر/كانون الأول الجاري. ومن المتوقع -وفق القناة 12 الإسرائيلية- أن يعقد الزعيمان اجتماعين خلال زيارة تستمر 8 أيام في منتجع مار إيه لاغو بولاية فلوريدا.
ويقول نتنياهو إنه سيناقش مع ترامب "فرص السلام" في الشرق الأوسط، مؤكدا توقعه الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وذلك بعد استكمال إعادة جميع الأسرى الأحياء ورفات القتلى.