لجريدة عمان:
2025-05-11@07:38:34 GMT

يمكن للصين تجنب فخّ اليابان

تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT

هل وصلت فترة النمو الاقتصادي السريع نسبيا في الصين إلى نهايتها؟ كان ذلك موضوع مقال سابق لي في هذا الشهر. للإجابة عن هذا السؤال حاججت بأن الصين لا تزال لديها القدرة على اللحاق بالمستويات المعيشية لبلدان العالم الغنية لأنها فقيرة نسبيا.

لكن هذا لا يعني أنها ستفعل ذلك. فهي تواجه عوائق كبيرة لمواصلة نجاحها.

وفي هذا المقال سأتناول واحدة من أهم هذه العوائق.. إنها نقص أو عدم كفاية الاستهلاك.

كان ينبغي أن تدحض تجربة العقدين الماضيين وجهةَ النظر القائلة بأن الاقتصادات تميل بطبعها إلى التوظيف الكامل. بل على العكس من ذلك يمكن أن تقود النزعات المفرطة للادخار إلى نقص مزمن في الطلب. هذا النقص يلزم تعويضه بسياسات مالية ونقدية توسعية على الرغم من أن هذه «الحلول» قد تتولَّد عنها مشكلات أخرى.

تحليل الأزمة المالية العالمية خلال 2007-2009 في كتابي «التحولات والصدمات» ارتكز إلى حد كبير على هذه النقطة. فقد لاحظت أن المدخرات الفائضة أدت دورا مركزيا في تدهور اقتصاد اليابان. والمدخرات الزائدة عن الحد في ألمانيا أيضا أدت دورا مركزيا في أزمة منطقة اليورو.

حكاية الصين شبيهة بذلك لكن على نطاق أكبر. فمدخراتها القومية الإجمالية بلغت ذروتها عندما شكلت 52% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008. (هذا يعني أن جزءا كبيرا من الدخل في الصين يُدَّخر بدلا من أن يُنفق- المترجم.) وكانت هذه المدخرات لا تزال عند 44% من هذا الناتج في عام 2019 قبل حلول الجائحة.

في الفترة السابقة لعام 2008 ذهب ما يقرب من 20% من هذه المدخرات الضخمة إلى فائض الحساب الجاري للصين (بمعنى أن الصين كانت تصدر أكثر مما تستورد- المترجم.) وبعد الأزمة صارت مثل هذه الفوائض في الحساب الجاري غير مقبولة سياسيا واقتصاديا. وتبيَّن أن البديل لذلك كان قدرا أكبر من الاستثمار الداخلي تركَّز معظمه في العقارات. وارتفع الاستثمار الإجمالي من 40% إلى 46% من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة من 2007 إلى 2012.

مع ذلك تزامن هذا الارتفاع في الاستثمار مع هبوط ملحوظ في معدل النمو. ويمكن الإشارة إلى هذا الاقتران بالتغيرات في المعامل الحدّي لرأس المال إلى الإنتاج. أي نسبة الاستثمار إلى معدل النمو. هذا المعامل ارتفع بقدر كبير من ثلاثة في عام 2007 إلى سبعة قبل ذروة جائحة كوفيد في عام 2019. ويشير ذلك إلى انخفاض ملحوظ في العائد على الاستثمارات.

في الأثناء وكما ذكرت في مقالي الذي أشرت إليه آنفا ارتفع معدل الدَّين بشدة مضيفا بذلك هشاشة مالية إلى المشهد.

قبل فترة طويلة تعود إلى عام 2007 حذّر وين جياباو رئيس الوزراء وقتها من أن الاقتصاد الصيني «غير مستقر وغير متوازن ويفتقر إلى التنسيق وغير قابل للاستدامة.» وكان مصيبا. حاجج بذلك أيضا وبالتفصيل مايكل بيتِس الأستاذ بمدرسة جوانجوا للإدارة التابعة لجامعة بكين في مناسبات عديدة.

من المستحيل معرفة متى ستصل الأنشطة غير المستدامة إلى نهايتها. لكن ذلك سيحدث، فكما أخبرنا الراحل هيرب شتاين رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيسين نيكسون وفورد: «إذا كان شيء ما لا يستطيع الاستمرار إلى ما لا نهاية سيتوقف».

ويبدو كأنما الاقتصاد (الصيني) غير المتوازن يتوقف الآن بانهيار عقاري ضخم. فحسب بنك «يو بي اس» المشروعات العقارية الجديدة التي بدأت في يوليو كانت أقل بنسبة 65% من مستواها في النصف الثاني من عام 2020. أيضا من المتوقع استقرار المبيعات والإنشاءات العقارية عند نسبة تتراوح بين 50% إلى 60% من الذروة التي بلغتها في 2020-2021.

وبما أن القطاع العقاري يشكل حوالي ربع اقتصاد الصين يشير هذا إلى استمرار ضعف الطلب وبالتالي إلى شيء يماثل تجربة اليابان. (أي إلى الركود الاقتصادي وانكماش الأسعار في تسعينات القرن الماضي والعقد الأول من هذا القرن تقريبا أو ما يسمى العقد الضائع في اليابان أو فخ اليابان - المترجم).

الخطورة ليست في نشوب أزمة مالية ضخمة، فالصين بلد دائن وديونها في أغلبيتها الغالبة بالعملة الوطنية وحكومتها تملك كل البنوك المهمة؛ لذلك من الممكن أن تكون سياسة القمع المالي فعالة تماما (الحكومة يمكنها تطبيق إجراءات تهدف إلى ضبط وإدارة النظام لتجنب حدوث أزمة مالية حادة- المترجم.)

تتمثل الخطورة في استمرار ضعف الطلب. وسيكون من المستحيل في الوضع العالمي الحالي تحقيق ازدهار ضخم في الصادرات أو فوائض مستديمة في الحساب الجاري. وفي الواقع معدل الاستثمار مرتفع سلفا على نحو ملفت فيما يتباطأ النمو. مع ذلك لا يمكن تبرير ارتفاع الاستثمار غير العقاري.

البدائل الواضحة هي أن يكون هنالك مستوى أكثر ارتفاعا للاستهلاك الخاص والعام. لكن بالنظر إلى الصعوبات المالية التي تواجه الحكومات المحلية سيتطلب الاستهلاك العام قدرا أكبر من الإنفاق من جانب الحكومة المركزية. في الأثناء سيستلزم الاستهلاك الخاص تحولا في توزيع الدخل باتجاه العائلات. وكما يظهر من غير المرجح على الإطلاق أن يتحقق أي منهما. فالحكومة المركزية تبدو خائفة إلى الحد الذي يمنعها من اتخاذ مثل هذه الخطوات الجذرية.

الحقيقة الأساسية في الاقتصاد الصيني هي أن استهلاك العائلات يشكل حوالي 40% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. نعم هذا يعود في جزء منه إلى أن معدل ادخاراتها بلغ في المتوسط حوالي 35% من الدخل العائلي المتاح للإنفاق (بعد الضريبة والاستقطاعات الإلزامية الأخرى) في سنوات ما قبل جائحة كوفيد. بل أيضا خصوصا لأن الدخول العائلية المتاحة للإنفاق تشكل 60% فقط من الناتج المحلي الإجمالي.

أما النسبة الأخرى (40%) فتعود إلى المؤسسات الأخرى وتحديدا الكيانات الحكومية والشركات المملوكة للحكومة والخاصة. ومعدل مدخرات هذه الكيانات يتراوح كما يبدو حول 60% من إجمالي الدخول. وتلك النسبة تتضاءل إزاءها المدخرات العائلية التي يُتبَاهى بها.

الصين في الحقيقة «مفرطة في رأسماليتها» فنسبة ضخمة من الدخل القومي تذهب إلى المسيطرين على رأس المال وهؤلاء يدَّخرونها، خلال الفترة المبكرة للنمو المفرط كان ذلك أمرا جيدا. لكن المدخرات في الوقت الحاضر تفيض عن حاجة الإنتاج.

يلزم أن يذهب الدخل الآن لأولئك الذين سينفقونه. من شأن ذلك أن يولِّد نموا أكبر للاستهلاك في الأجل المتوسط ومستويات أعلى للاستهلاك في الأجل الطويل ويشكل بذلك أساسا صلبا لطلب داخلي يقود إلى التوسع في المستقبل. لكن هذا سيتطلب إعادة توزيع الدخل والأصول لمصلحة الناس العاديين إلى جانب تحول لافت في الوجهة التي يركز عليها الإنفاق العام. كما ستتوجب أيضا إعادة هيكلة مبكرة للديون غير المسدَّدة.

اللحظة الراهنة تبدو حاسمة في التاريخ الاقتصادي الحديث للصين. إذا أدركت الحكومة أن النموذج القديم لمستويات الادخار والاستثمار المرتفعة قد تحطم يمكنها توليد نمو معقول باقتصاد يقوده الاستهلاك ومتوازن بقدر أكبر. فمعدل ادخار يتراوح مثلا بين 30% و35%من الناتج المحلي الإجمالي سيكون كافيا. لكن لبلوغ أي شيء مثل ذلك على الحكومة إحداث تحولات ثورية في توزيع الدخل وفي أولوياتها. ذلك سيكون أمرا جيدا للصين. ويمكِّنها من تجنُّب مصيدة اليابان.. لكن هل ستفعل؟

مارتن وولف كبير معلقي الاقتصاد بصحيفة الفاينانشال تايمز.

عن الفاينانشال تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من الناتج المحلی الإجمالی فی عام

إقرأ أيضاً:

بالصور.. كيف محَت الحرب العالمية الثانية خرائط اليابان وأوروبا؟

انتهت الحرب العالمية الثانية سنة 1945، لكن آثارها ظلت محفورة في ذاكرة البشرية، ليس فقط بما جرفته من أرواح، بل أيضا بما خلفته من دمار طال البنى التحتية والمدن الكبرى من طوكيو شرقا إلى برلين غربا، مخلفا مدنا مدمرة وأجيالا تنوء بإرث ثقيل.

وبلغ الدمار في اليابان ذروته بإلقاء أولى القنابل الذرية في التاريخ، في سابقة لا تزال موضع جدل أخلاقي وسياسي حتى اليوم.

هيروشيما، كانت مستودعا للأسلحة، مركزا صناعيا كبيرا ويبلغ عدد سكانها أكثر من ٣١٨ ألف نسمة (غيتي)

ففي السادس من أغسطس/آب 1945، ألقت الولايات المتحدة القنبلة الذرية الأولى، "الولد الصغير"، على مدينة هيروشيما، متسببة بدمار شبه كامل للمدينة، حيث تساقطت المباني وتبخرت أجساد آلاف من المدنيين في لحظة خاطفة.

وبعد ثلاثة أيام، في التاسع من أغسطس/آب، استُخدمت القنبلة الثانية، "الرجل البدين"، على مدينة نجازاكي، موقعة 39 ألف قتيل و25 ألف جريح.

نجازاكي المدمرة بعد القصف الذري الأميركي للمدينة اليابانية (غيتي)

المدينة الصناعية لم تصمد أمام الانفجار النووي، فانهارت منشآتها واكتست سماءها بسحب مشعة، جعلت الحياة فيها مستحيلة لأعوام لاحقة.

ولم تكن هيروشيما وناغازاكي وحدهما ضحايا القصف، فقد شهدت مدن أخرى كـطوكيو موجات من القصف الجوي العنيف، أبرزها في مارس/آذار 1945، حين أُحرقت العاصمة اليابانية بقصف أميركي مكثف، خلّف قرابة 100 ألف قتيل في ليلة واحدة، وسوّى أحياء بأكملها بالأرض.

يوكوهاما اليابانية، ثاني أكبر مدينة في البلاد بعد طوكيو سويت أحياؤها بالأرض، وسقط الآلاف تحت الأنقاض والنار (غيتي)

وفي أوروبا، لم تسلم المدن الكبرى من الدمار الذي خلّفته الجبهات المتنقلة، والقصف الجوي المكثف، والاشتباكات الضارية بين دول المحور والحلفاء.

برلين سقطت تحت نيران الحلفاء والسوفيات، ودُمرت أكثر من 70% من مبانيها في معركة النهاية (غيتي)

فقد تحولت برلين، عاصمة ألمانيا النازية، إلى أنقاض في نهاية الحرب، إثر حصار عنيف وقصف جوي استمر أسابيع، وبلغ حجم الدمار فيها أكثر من 70% من مبانيها، فيما فاق عدد القتلى المدنيين والعسكريين مئات الآلاف.

ألمانيا كانت مركز اندلاع الحرب العالمية الثانية، ودفعت ثمنا باهظا بانهيار مدنها وسقوط نظامها وتقسيم أراضيها (غيتي)

أما باريس، ورغم احتلالها من قبل النازيين عام 1940، فقد نجت من الدمار الواسع الذي لحق بمدن أوروبية أخرى، حيث انسحبت القوات الألمانية منها في أغسطس/آب 1944 دون قتال واسع، عقب انتفاضة المقاومة الفرنسية.

فرنسا عاشت تحت الاحتلال الألماني، ورغم نجاتها من الدمار الكامل، فقد عانت من القصف والمقاومة والدم (غيتي)

لكن مناطقها الريفية وخطوط النقل الحيوية تعرضت لهجمات وغارات متكررة طوال الحرب.

دمار بلدة سان سير، غرب فرنسا، أثناء تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني صيف عام ١٩٤٤ (غيتي)

وفي المقابل، واجهت لندن موجات متكررة من القصف الجوي، عُرفت باسم "الـبليتز" (Blitz)، شنها سلاح الجو الألماني النازي بين عامي 1940 و1941، وأودت بحياة أكثر من 40 ألف شخص، وتسببت في تدمير أحياء سكنية كاملة ومحطات قطارات ومستشفيات، ما أجبر الملايين من السكان على اللجوء إلى الملاجئ الأرضية.

لندن واجهت موجات من القصف النازي خلال "الـبليتز"، فانهارت أحياؤها (غيتي)

إلى جانب هذه المدن، عانت مدن مثل روتردام الهولندية، ووارسو البولندية، ولينينغراد السوفياتية (التي عرفت لاحقا باسم سانت بطرسبرغ)، من دمار هائل.

وارسو البولندية مُسحت تقريبا عن الخريطة بعد انتفاضة 1944، وبلغ دمارها أكثر من 85% من مبانيها (غيتي)

فقد شهدت وارسو تدميرا شبه كلي بلغ 85% من مبانيها بسبب الانتفاضة ضد الاحتلال الألماني عام 1944، بينما خضعت لينينغراد لحصار نازي استمر أكثر من 900 يوم، خلّف مجاعة ووفاة أكثر من مليون مدني.

النازيون حولوا جزءا من مدينة وارسو إلى غيتو يهودي، ثم دمّروا الغيتو بأكمله وسكانه لاحقا (غيتي)

و لم تكن الحرب العالمية الثانية مجرد صراع بين جيوش، بل كانت كارثة إنسانية وحضارية، اختُبرت فيها أقصى درجات العنف المسلح.

النيران تشتعل في أسطول أميركي بعد قصف ياباني للقاعدة البحرية الأميركية في هاواي (الفرنسية)

مدن بأكملها مُحيت، وأجيال دفعت ثمن قرارات سياسية وتوسعية، غيرت خريطة العالم ومعها مصائر شعوبه.

إعلان

ومع أن الحرب وضعت أوزارها في سبتمبر/أيلول 1945، فإن رائحة الرماد ما زالت تشهد على دمار لم تعرف البشرية له مثيلا حتى اليوم.

مقالات مشابهة

  • غدًا.. انطلاق "الطاولة المستديرة" للصين حول الانضمام إلى "التجارة العالمية"
  • توقعات للأرصاد بأجواء حارة في السواحل وأمطار رعدية على المرتفعات
  • جرائم الحرب تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
  • الصين تدعو الهند وباكستان إلى تجنب التصعيد
  • تجنبًا لأي إساءة | محمد معيط يوجّه طلبا عاجلا إلى هذه الجهات لهذا السبب
  • القناة الخاصة لولي العهد تنشر لقطات جديدة من زيارته إلى اليابان (فيديو)
  • البطولة.. المغرب التطواني يسير نحو تجنب الهبوط المباشر للقسم الثاني
  • هجوم موجات شمسية فى هذا التوقيت .. اعرف الموعد وطرق الحماية
  • ترامب عن إمكانية خفض الرسوم الجمركية على الصين: يمكن حدوث ذلك
  • بالصور.. كيف محَت الحرب العالمية الثانية خرائط اليابان وأوروبا؟