لجريدة عمان:
2025-07-06@04:08:14 GMT

نوافذ: تلفظ أنفاسها الأخيرة

تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT

«يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال»، لم يكن هذا الرأي تعليقًا على عملية «طوفان الأقصى» الأخيرة التي كتبتْ صفحة جديدة في تاريخ المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، وإنما اعتراف عمره سبع سنوات كتبه الكاتب الإسرائيلي آري شبيت عام 2016 ونشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية.

في هذا المقال يستدعي شبيت مقالًا آخر للباحث الإسرائيلي روجل ألفر يرى فيه أن إسرائيل «وقّعت على شهادة وفاتها، ولم يبق لها سوى انتظار الدمار المحتوم» ويقترح مغادرتها فورًا. يقول شبيت تأييدًا لهذا الاقتراح: «على الإسرائيلي اليوم أن يقول وداعًا لأصدقائه وينتقل إلى سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس. من هناك؛ من أرض القومية الألمانية المتطرفة الجديدة، أو من أرض القومية الأمريكية المتطرفة الجديدة، يجب على المرء أن يراقب بهدوء، ويشاهد دولة إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة».

المثير للتأمل هنا، أن هذا الرأي المتنبئ بنهاية إسرائيل ليس جديدًا، لكن الإسرائيليين والصهاينة لا يتذكرونه إلا عندما يتلقون ضربات المقاومة الموجِعة. ونستذكر هنا على سبيل المثال ما جاء في مقال للباحث المصري الراحل عبدالوهاب المسيري صاحب موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية» بعنوان «نهاية إسرائيل» (نشِر في «الجزيرة نت» في 18 سبتمبر 2006م) من أنه في أوج حرب إسرائيل على لبنان عام 2006 والصمود المشرف للمقاومة اللبنانية؛ نشر الصحفي الإسرائيلي يونتان شيم مقالًا متشائمًا في صحيفة معاريف (في 17 أغسطس 2006م) بعنوان: «أُسِّستْ تل أبيب في عام 1909، وفي عام 2009 ستصبح أنقاضًا» وجاء في المقال أنه «قبل مائة عام أقاموا أولى المدن العِبرية، وبعد مائة عام من العزلة قُضِي أمرها».

إلى هنا، لا يبدو ما يكتبه الإسرائيليون عن «دولتهم» المزعومة وهشاشتها واحتمالات زوالها مثيرًا للدهشة، فهم يرون بأمهات أعينهم كل عدة سنوات ما يواجه كيانهم المحتل لأرض فلسطين من بسالة المقاوِمين، الذين كلما ضُيِّق عليهم ابتكروا طرقًا جديدة للمقاومة تثير إعجاب العالم ودهشته. لكن أن يأتي هذا التشاؤم من مؤسس إسرائيل وعقلها الاستراتيجي ديفيد بن جوريون فهذا بالفعل ما يدعو للتوقف قليلا. فقد أورد الباحث اللبناني سركيس أبو زيد في كتابه «إسرائيل إلى نهايتها» نقلًا عن السياسي ناحوم جولدمان، وهو أحد مؤسسي إسرائيل أيضًا ورئيس اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية، وكان صديقا لـ«بن جوريون»، أورد تنبؤًا من هذا الأخير بنهاية إسرائيل، وهي لم تتجاوز عامها الثامن بعد. إذ يروي جولدمان في كتابه «المفارقة اليهودية» تفاصيل لقاء ليليّ طويل جمعه في منزل بن جوريون سنة 1956، وُصِفَ بــ«لقاء البوح الخطير». يكتب جولدمان: «في تلك الليلة الجميلة فتح كل منّا قلبه للآخر، وكان حديثنا حول مشكلتنا مع العرب. أنا لا أفهم سبب تفاؤلك، قال لي بن جوريون. بنظري لا يوجد أي سبب يشجع العرب على إقامة سلام معنا. ولو كنتُ، أنا شخصيا، زعيمًا عربيًا لما وقّعت على شيء مع إسرائيل، وهذا طبيعي جدًّا، إذْ نحن الذين قمنا بالسطو على بلدهم»، ثم يضيف: «إنهم لا يرون سوى شيء واحد: لقد جئنا وسرقنا بلدهم. فلماذا عليهم أن يقبلوا بذلك؟».

ليس هذا كل ما قاله بن جوريون، فقد نقل عنه جولدمان ما هو أخطر: «اسمع يا ناحوم. لقد أصبحتُ على مشارف السبعين من عمري. فإن سألتَني ما إذا كان سيتم دفني، إثر موتي، في دولة إسرائيل لقلت لك نعم. فبعد عشر سنوات أو عشرين سنة ستبقى هنالك دولة يهودية. ولكن إذا ما سألتَني ما إذا كان ابني عاموس، الذي سيبلغ الخمسين من عمره في أواخر السنة الجارية (1956)، سيكون له الحظ أن يدفن بعد موته في دولة يهودية فسوف أجيبك: 50/50». قاطعه جولدمان: «كيف لك أن تنام على هذا التوقع فيما أنت رئيسٌ لحكومة إسرائيل؟!» فأجاب بن جوريون بهدوءِ من يحذّر من الآتي: «من قال لك إنني أعرف ما هو النوم يا ناحوم»!

علينا أن نتذكّر هنا أن بن جوريون مَثّل في تاريخ إسرائيل «القابِلة»، والأم الحنون، والعقل المفكّر الذي ينظر إلى بعيد البعيد، وهو صائغ استراتيجيتها للأمن القومي، كما أنه صاحب العبارة الممتلئة تفاؤلًا ببقاء الكيان المحتل عندما قال عن الفلسطينيين إن كبارهم سيموتون والصغار سينسون، فإذا كان هذا هو استشراف مؤسس إسرائيل لمستقبلها وهي طفلة في عمر ثماني سنوات، فإن علينا ألا نندهش عندما يقول إسرائيلي اليوم ممن مَرّغت المقاومةُ الفلسطينية الباسلة أنوفهم في الوحل إن إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بن جوریون

إقرأ أيضاً:

ماذا قصدت القسام بـالإغارة في عمليتها الأخيرة بخان يونس؟

قال الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد الركن حاتم كريم الفلاحي إن مصطلح "الإغارة" الذي استخدمته كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في وصف عمليتها الأخيرة وسط خان يونس جنوبي قطاع غزة يشير إلى أسلوب قتالي دقيق يستند إلى أسس القتال الخاص.

وأوضح الفلاحي في تحليل للمشهد العسكري في قطاع غزة أن هذا الأسلوب ينفذ عبر قوة متحركة تباغت هدفا ثابتا ومحددا ثم يتبعها انسحاب فوري وسريع نحو نقطة آمنة، وتكون هذه العمليات مدعومة بفرق مساندة تكلف بمهام الحماية والستر، إلى جانب قاعدة تنطلق منها القوة المهاجمة وتعود إليها بعد التنفيذ.

وأشار إلى أن ما حدث في خان يونس -وفق رواية القسام- يحمل مؤشرات واضحة على أن العملية كانت معقدة وناجحة، خصوصا أن الاشتباكات التي أعقبتها استمرت 5 ساعات متواصلة، ومنعت قوات الاحتلال من تنفيذ عملية إخلاء سريعة للقتلى والجرحى، في ظل كثافة النيران وصعوبة السيطرة الجوية.

وكانت كتائب القسام أعلنت أن مقاتليها نفذوا عملية نوعية صباح أمس الجمعة وسط خان يونس استهدفت تجمعا لجنود الاحتلال قرب مديرية التربية والتعليم، حيث دمرت ناقلة جند بقذيفة "الياسين 105″، ثم باغتت قوة إنقاذ إسرائيلية وأوقعت إصابات مباشرة في صفوفها.

وأضافت القسام أنها فجرت عبوتين من نوع "شواظ" في دبابتين من طراز ميركافا، مؤكدة أن طاقميهما سقطا بين قتيل وجريح.

ورصدت الكتائب -وفق بيانها- هبوط مروحيات إسرائيلية نفذت عمليات إخلاء امتدت لساعات، دون تعليق رسمي إسرائيلي.

وبشأن تصاعد العمليات في خان يونس تحديدا، رأى الفلاحي أن الموقع الجغرافي للمدينة واتساع مساحتها وتداخل بنيتها التحتية عوامل تجعل منها مسرحا ملائما للقتالات الخاصة، مشيرا إلى أن طبيعة الأرض هناك تفرض على الجيش الإسرائيلي خوض معارك مزدوجة فوق الأرض وتحتها في آن واحد.

إعلان عمليات مباغتة

ولفت الفلاحي إلى أن تضاريس المنطقة وتراكم الأنقاض يتيحان للمقاومة تنفيذ عمليات مباغتة، مستفيدة من إمكانات التستر والتخفي، كما أن الأنفاق تعد عنصرا مفصليا في هذه المعادلة، إذ تمكن المقاتلين من الوصول إلى مناطق التماس دون رصد مسبق.

وتزامنت عملية خان يونس الأخيرة مع إعلان الجيش الإسرائيلي مقتل جنديين في عمليات منفصلة بكل من خان يونس وبيت حانون، في حين واصلت فصائل المقاومة تنفيذ سلسلة هجمات ضد قوات الاحتلال، مؤكدة تحقيق إصابات مباشرة في صفوف الجنود والآليات.

وبيّن العقيد الفلاحي أن الإصرار الإسرائيلي على البقاء في خان يونس رغم الخسائر يعكس رغبة في التوغل إلى عمق المدينة، استنادا إلى ما تدّعيه من سيطرة على مساحات واسعة هناك، لكن التكلفة المرتفعة المترتبة على ذلك قد تعيق هذا التوجه.

وأضاف أن الجيش الإسرائيلي إذا قرر توسيع عملياته فسيصطدم بجملة من التعقيدات، أبرزها الكثافة السكانية ومخاطر المساس بالأسرى وصعوبة القتال في الأحياء الحضرية الضيقة التي لم تُخترق بالكامل في السابق، فضلا عن ضيق الوقت السياسي الممنوح للعمليات الميدانية.

وأشار الفلاحي إلى أن المقاومة أثبتت خلال الأشهر الماضية كفاءة قتالية متنامية في حرب المدن، وأنها تمكنت من تحويل التوغل الإسرائيلي إلى عبء عسكري مستنزف عبر عمليات نوعية متواصلة منذ منتصف مايو/أيار الماضي طالت وحدات الاحتلال بشكل يومي تقريبا.

وتُظهر بيانات الجيش الإسرائيلي أن 883 عسكريا قتلوا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، منهم 439 في المعارك البرية داخل القطاع، في حين تجاوز عدد الجرحى 6 آلاف، مما يشير إلى عمق الاستنزاف الذي يواجهه الجيش رغم التعتيم الرسمي المتواصل.

مقالات مشابهة

  • زيلينسكي يعلق على مكالمته الأخيرة مع ترامب
  • "حدود الدم".. مشروع بيتزر للشرق الأوسط الجديد والحرب الأخيرة
  • 5 سيناريوهات إسرائيلية للوضع الإيراني بعد الهجمات الأخيرة
  • ماذا قصدت القسام بـالإغارة في عمليتها الأخيرة بخان يونس؟
  • العربية تكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل إعلان موقف حماس من الهدنة في غزة
  • تفاصيل اللحظات الأخيرة لنجم ليفربول قبل وفاته
  • اللحظة الأخيرة في حياة جوتا نجم ليفربول.. احتفل بزوجته قبل الوفاة
  • «زفاف وتتويج».. الأيام الأخيرة لـ جوتا قبل وفاته واشتعال سيارته
  • اليوم.. 4 مباريات مثيرة في الجولة الأخيرة من منافسات نجوم العراق
  • ظلّ بجانب مرضاه حتى اللحظة الأخيرة .. الطبيب السلطان قتله الاحتلال مع عائلته في غزة