شيخوخة السكان والنمو الاقتصادي في آسيا
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
ازدياد عدد السكان مِمَّن هُم في سِن العمل نعمة لكل بلد. فكثرة العاملين تعني أنهم يعيلون عددا أقل نسبيا من الأطفال والمتقاعدين.
وطالما أمكن لسوق العمل استيعاب الأعداد المتزايدة من الباحثين عن عمل سيزداد الإنتاج مقابل الفرد (دخل الفرد). وذلك يمكن أن يعزز المدخرات والاستثمار ويقود إلى مستوى أعلى من النمو الاقتصادي وإلى المزيد من مكاسب الإنتاجية ويسرِّع العملية التنموية.
لنأخذ على سبيل المثال تايوان التي يشيخ سكانها بسرعة. ففي عام2021 بلغت نسبة التايوانيين في سن 65 سنة فأعلى 14% من جملة السكان. هذه عتبة كثيرا ما تستخدم لتحديد شيخوخة سكان أي بلد. وقريبا ستشهد تايلند مثلها مثل اليابان وكوريا الجنوبية ومعظم البلدان الغربية تناقصا في عرض العمالة. وبدون اتخاذ إجراءات استثنائية ستشهد أيضا تراخيا في الإنتاجية والنمو.
لكن تايلاند التي بلغ ناتجها المحلي الإجمالي للفرد 7 آلاف دولار فقط في عام2021 بعكس اليابان وكوريا الجنوبية ومعظم بلدان الغرب ليست بلدا متقدما. لقد شاخت قبل أن تصبح غنية. وعندما كانت لدى اليابان هذه النسبة نفسها من كبار السن كانت أغنى بحوالي خمسة أضعاف تقريبا من تايلند اليوم.
هذا عائق كبير أمام تنمية اقتصاد تايلند في المستقبل. ولكي تحمي مواطنيها الذين يشيخون والعديد منهم فقراء سيتوجب على الحكومة التايلندية إنفاق المزيد على الرعاية الصحية ورواتب التقاعد. ذلك سيزيد من صعوبة الاستثمار في المهارات المعززة للإنتاجية والبنية التحتية. وحيثما تمضي تايوان في هذا الجانب ستتبعها العديد من البلدان النامية.
في آسيا التي تستفحل فيها هذه المشكلة بقدر أكبر من المرجح أيضا أن يشيخ سكان اندونيسيا والفلبين عند مستويات دخول أدنى مقارنة ببلدان العالم الغني. وسريلانكا التي يقل متوسط الدخل فيها بحوالي الثلث مقارنة بتايلند ستشيخ بحلول عام 2028.
البلدان التي يشيخ سكانها قبل أن تصبح غنية إما أخفقت في انتهاز فرصتها (ميزتها) السكانية أو شاخت بأسرع مما ينبغي أو عانت من كلا المشكلتين.
في الفترة بين 1960 و1996 (قبل الأزمة المالية الآسيوية مباشرة) كان اقتصاد تايلند ينمو بمعدل 7.5 % سنويا في المتوسط. وكان ذلك نموا مثيرا لكنه أدنى من معدل اليابان الذي يتكون من رقمين (أكثر من 9%) في سنوات ازدهارها. في الأثناء وبفضل تحسن معدل العمر وعوامل أخرى بدأت تايلند تشيخ بسرعة. وتضاعفت نسبة كبار السن بين سكانها من 7% إلى 14% خلال عقدين. لقد احتاجت اليابان إلى 24 عاما لكي تشهد التغيير نفسه (في معدل شيخوخة سكانها) وأمريكا إلى 72 عاما ومعظم بلدان أوروبا الغربية إلى أكثر من قرن.
سرعة الشيخوخة وتباطؤ النمو الاقتصادي ظاهرتان واسعتا الانتشار في العالم النامي. فالفيتناميون ثراؤهم نصف ثراء التايلنديين ويشيخون بوتيرة أسرع. واقتصاد الهند أحد أسرع الاقتصادات نموا في العالم لكن ليس بنفس سرعة نمو اقتصاد تايلند أثناء فترة ازدهارها. وفي العشرية الثانية من هذا القرن شهدت الهند معدل نمو سنوي بلغ 6.6% في المتوسط.
من بين ما يمكن استنتاجه من كل هذا أن البلدان التي بها عدد أكبر من السكان في سن العمل يلزمها استغلال هذه الميزة لتحقيق المزيد من النمو. وقد لا تتوافر للهند أبدا فرصة أفضل من الآن. فهي تحت قيادة ناريندرا مودي لديها حكومة قوية ومنحازة لقطاع الأعمال ومن المرجح أن تفوز في الانتخابات في العام القادم.
هنالك إجماع حول الإجراءات التي يمكن أن تزيد من وتيرة نموها بما في ذلك الخصخصة وقواعد الاستثمار الأجنبي الأقل تشددا. مثل هذه الإصلاحات من شأنها أن تساعد الهند على الاستفادة من مساعي الغرب لنقل سلاسل التوريد من الصين. وإذا كانت الهند بحاجة إلى ما يدفعها إلى ذلك لا تحتاج إلى النظر أبعد من ولاياتها الجنوبية التي تشيخ بسرعة. ففي «كيرالا» 17% من السكان أعمارهم 60 سنة فما فوق.
استنتاج آخر وهو أن على البلدان النامية الشروع في التخطيط لشيخوخة السكان في وقت مبكر. يجب عليها إصلاح أنظمتها التقاعدية بما في ذلك رفع سن التقاعد.
كما يلزمها دعم وتطوير أسواقها المالية وإيجاد خيارات للادخار (والاستثمار) في الأجل الطويل والتأمين الصحي. وهي بحاجة إلى إيجاد الظروف الملائمة للرعاية الاجتماعية الخاصة والمنظمة بشكل جيد. كما يجب عليها
أن تحاول بشدة زيادة مشاركة الإناث في قوة العمل. ففي الهند نسبة مشاركتهن في العمل بائسة ولا تتعدى 24% أو نصف المتوسط العالمي.
توظيف المزيد من النساء سيعظِّم العائد الديموغرافي (يزيد الإنتاجية) ويساعد على التعامل مع حقيقة أن النساء أطول أعمارا من الرجال لكن غالبا ما تكون مدخراتهن ورواتب تقاعدهن أضعف وبالتالي يواجهن أوضاعا معيشية صعبة في شيخوختهن.
أخيرا يجب أن تتعلم البلدان النامية من أخطاء البلدان الغنية وذلك باتخاذ موقف براجماتي من الهجرة. ورغم صعوبة ذلك سياسيا إلا أنه كثيرا ما يكون أيسر السبل لتحقيق التقدم الاقتصادي. مواقع البناء في بانكوك تعج بالمهاجرين البورميين غير الشرعيين وبتقنين أوضاعهم يمكن للساسة التايلنديين تحويلهم إلى عمالة أكثر إنتاجا.
تشكل الهند المثال الأسعد لذلك. فازدهار هذا البلد الذي بحجم قارة تعززه الهجرة الداخلية. حسب آخر إحصاء سكاني لها في عام2011 بلغ عدد المهاجرين الداخليين 450 مليون نسمة. ويسافر العديدون من الشمال الفقير إلى الجنوب والغرب الأكثر ثراء لاقتناص فرص الوظائف الجديدة وتلك التي يُخلِيها باطراد كبار السن في الجنوب. هذه التجربة تشكل مثالا ملهما لما يمكن أن تفعله أسواق العمل المتحررة من القيود نسبيا وتقدم درسا لليابان وتايلند والحكومات في كل مكان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: البلدان النامیة
إقرأ أيضاً:
البنية التحتية الإعلامية عصرية وتتيح التوسع والنمو
دبي: محمد ياسين
قالت ميثا السويدي، المدير التنفيذي لقطاع الاستراتيجية والسياسات الإعلامية في مجلس الإمارات للإعلام، إن قانون تنظيم الإعلام الجديد استند إلى استبيان وطني شامل شارك فيه مختلف المعنيين بالقطاع، وتبين من نتائجه أن 56% من التحديات تتعلق بتنمية المواهب الإعلامية، فيما رأى 65% من المشاركين أن هناك حاجة ملحة لتطوير السياسات والتشريعات الخاصة بقطاع الإبداع والرواية.
ووفقاً للاستبيان، فقد أشار 70% من الطلبة إلى رغبتهم في العمل ضمن المجال الإعلامي، بينما أكد 66% سهولة الحصول على التمويل والاستثمار لا سيما في إمارتي دبي وأبوظبي، و90% من المشاركين أن البنية التحتية الإعلامية تتمتع بجودة عالية، واعتبر 88% أن هذه البنية عصرية، وتتيح إمكانات واسعة للتوسع والنمو.
وقالت، إن القانون الجديد يعدّ أول تشريع شامل لتنظيم قطاع الإعلام يصدر منذ أكثر من 40 عاماً؛ بهدف تطوير بيئة تشريعية واستثمارية حديثة قادرة على مواكبة التحولات المتسارعة في المشهد الإعلامي، وتنظيم الأنشطة الإعلامية بكافة أشكالها وأنواعها، والارتقاء بالمحتوى المحلي، وتحفيز إنتاج محتوى يتماشى مع معايير دقيقة وواضحة تضمن الجودة وتعزز من حضور الرسالة الإعلامية الإماراتية.
وتضمن القانون ولائحته التنفيذية 20 معياراً للمحتوى الإعلامي يتم اعتمادها عند التداول والنشر داخل الدولة، حرصاً على حماية المجتمع والحفاظ على الهوية الوطنية، ودعماً لمسيرة الابتكار والتميز في القطاع، كما يشمل القانون سياسات تنظيمية متكاملة تغطي مختلف القطاعات الإعلامية، مثل التصنيف العمري وضوابط وشروط الإعلانات وسياسات متابعة المحتوى الإعلامي والمنصات الإخبارية.
كما يمنح القانون ولأول مرة تصريحاً مطولاً يمتد لثلاث سنوات، ويعزز من تمكين المحتوى المحلي، ويتيح للمستثمرين والشركات مرونة أوسع وخيارات متعددة لترخيص منشآتهم الإعلامية وفق ضوابط محددة، كما يتيح لجميع الأفراد تملك الوسائل والمؤسسات الإعلامية ضمن شروط واضحة، بما يُسهم في رفع تنافسية القطاع على المستوى المحلي، ويمكّن الجهات المحلية من الإسهام الفاعل في تطوير صناعة الإعلام، ويدفع نحو خلق تخصصية إعلامية أعمق على مستوى كل إمارة، مما يشكل خطوة نوعية نحو بناء مشهد إعلامي إماراتي أكثر ابتكاراً وتكاملاً.