هل من رابط بين “طوفان الأقصی” و”الإتفاق النووي”؟
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
22 أكتوبر، 2023
بغداد/المسلة الحدث:
محمد صالح صدقيان
لم تمضِ أيام قليلة على “طوفان الأقصى”، حتى كان وزيرا خارجية أمريكا أنتوني بلينكن وإيران حسين أمير عبدالليهان، أول الوافدين إلى الشرق الأوسط، ولو أن لكل منهما برنامجه وصديقه وحليفه.. وأيضاً حساباته الدقيقة؛ إلا أن السؤال المطروح هو كيف ستتصرف كل من واشنطن وطهران دعماً لحليف كل منهما في عقر داره؟
ثمة موقف معقد ومحرج لمعظم الدول المعنية بالقضية الفلسطينية وتاريخ هذه القضية منذ العام 1948، ولا سيما للطرفين الأمريكي والإيراني.
وفيما يتابع العالم مآلات الساحات الملتهبة سواء في الداخل الفلسطيني أو في شمال فلسطين المحتلة عند الحدود مع لبنان؛ تتحدث إسرائيل عن تهجير جديد للفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية نحو صحراء سيناء، وتسعى لتنفيذ هذا المشروع بواسطة حمم النيران والقنابل، ولا سيما القنابل الفوسفورية التي تنهمر على قطاع غزة يومياً، في إطار حملة إبادة جماعية لسكان القطاع المحاصر؛ وثمة خشية أنه في حال نجاح مشروع الترحيل نحو صحراء سيناء، سيكون ترحيل سكان الضفة الغربية نحو الأردن هو الخطوة التالية، في خطوة تعيد للأذهان ما حصل للفلسطينيين خلال نكبة العام 1948.
وفي المعلومات؛ رفضت إيران، مقترحاً أمريكياً للعودة إلى الإتفاق النووي مقابل إقناع “حزب الله” بعدم فتح الجبهة الشمالية. وهذا المُقترح الأمريكي قدّمه طرف ثالث معني بالمفاوضات الإيرانية الأمريكية، ونقل إلى طهران استعداد واشنطن لبدء مفاوضات مباشرة لتنفيذ الإتفاق النووي الذي أُبرم في العام 2015 والالتزام بالقرار الأممي 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.
المقترح جاء في إطار مباحثات شهدتها سلطنة عمان في الصيف الفائت وأسفرت عن تبادل المعتقلين بين طهران وواشنطن الشهر الماضي وكان من المفترض أن تُستأنف بعد تنفيذ الصفقة المذكورة بين الجانبين.
أراد الوسيط بين طهران وواشنطن أجوبة علی أسئلة أمريكية محددة تتعلق بمجملها بدعم إيران لأصدقائها وحلفائها ضمن محور المقاومة وإلی أي مستوی يُمكن أن يصل ويستمر؟ وماذا عن فكرة “وحدة الساحات”؟ وامكانية فتح جبهة الشمال عن طريق حزب الله؟.
وحسب المعلومات إياها، كان الجانب الإيراني واضحاً في أجوبته، ولا سيما عندما تجدّد التواصل عبر الوسطاء، غداة السابع من تشرين/أكتوبر حيث إعتبر أن ما قامت به “حماس” هو نتيجة طبيعية للإحتلال والإستيطان والإذلال والتجاهل وعقود من القهر والتمييز العنصري الإسرائيلي؛ وأن جميع الاحتمالات اليوم مطروحة علی الطاولة. أما قرار “وحدة الساحات”، فإنه بيد الفصائل والقوی الميدانية ورهن تطورات الموقف، وفق قاعدة “غزة ليست وحدها” وضمن مسار لن ينتهي عند غزة، بمعنی أن هذه الحرب لن تكون مجرد جولة تنتهي كسالفاتها، بل يجب أن تفضي إلى حلول ملموسة تنهي معاناة الفلسطينيين في القطاع والضفة “وبالتالي ما قبل 7 أكتوبر ليس كما بعده”، علی حد تعبير المرشد الإيراني الأعلی السيد علي خامنئي.
أما ما يتعلق بالإتفاق النووي، فإن الجانب الإيراني رفض بشكل قاطع العودة إلى الإتفاق النووي إذا كانت وظيفتها تشريع الحرب الأمريكية الغربية علی قطاع غزة؛ مشيراً إلی أن المفاوض الإيراني الذي يُحاور الأمريكي بشكل غير مباشر لا يحق له الكلام في هذه القضية لا من قريب ولا من بعيد؛ منتقداً في الوقت ذاته وقوف الولايات المتحدة إلى جانب الكيان المحتل في عدوانه علی غزة، مُحذراً من أن هذا الإنخراط الأمريكي يساهم في بلورة الاحتمالات المطروحة ومنها كيفية ترجمة “وحدة الساحات”.
وقد وجهتُ سؤالاً إلى مصدر مواكب للتطورات بشأن مآلات الموقف في غزة وهل ستنتهي الحرب هناك كما انتهت الحروب السابقة؟ وكيف يمكن معالجة آثار وتداعيات العقاب الجماعي لسكان قطاع غزة؟ أجابني المصدر أن قوات الاحتلال لم يعد بمقدورها التنصل من مسؤوليتها عما يرتكب من جرائم وإبادة عرقية؛ وأن الدول الغربية الداعمة للكيان أصبحت مكشوفة أمام معظم دول وشعوب العالم. أما عن المآلات، فإنها تعتمد علی تطورات الموقف الميداني في القطاع والجهود الدبلوماسية والسياسية التي تبذلها عديد الاطراف في الإقليم وخارجه. وكيف ستنتهي المعركة؟
يجيب المصدر أن هذه الحرب ستنتهي بشكل مختلف عن سابقاتها لأن الظروف أيضاً مختلفة. فلا إسرائيل اليوم هي كما كانت سابقاً ولا الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة مستعدة لبذل المزيد من الأكلاف المادية والأمنية والعسكرية والسياسية، كما أن انهيار الجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول كان شاهداً ومؤشراً علی حقائق كثيرة لطالما كنا نتحدث عنها. في المقابل – يضيف المصدر المواكب – وضع فصائل المقاومة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها أصبح حالياً أفضل من أي وقت مضى من حيث القوة والتنسيق، وهو الأمر الذي لم يسبق له مثيل على مدى العقود الخمسة الماضية؛ وما يدعم هذه النظرية هو التوقيت الذي اختارته حركة “حماس” لتنفيذ “طوفان الاقصی”، فضلاً عن التخطيط والتنفيذ وتحديداً العناصر الميدانية التي أرهبت العدو من البر والبحر والجو.
لهذه الأسباب، يقول المصدر إن النتائج سوف تكون مختلفة في القواعد والتوازن والأطر. سألته ماذا يعني ذلك؟ أجاب أن تاريخ القضية الفلسطينية شهد عدة مشاريع لتصفيتها ولعل أبرزها كان مشروع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وليام روجرز الذي قدّمه في يونيو/حزيران عام 1970 والذي تم رفضه من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر وانتهاء بمشروع “صفقة القرن” الذي طرحه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مروراً باتفاقيات كامب ديفيد ومؤتمر مدريد وحل الدولتين إلخ… إلا أن المرحلة الراهنة تختلف عن كل هذه المشاريع إن من حيث المضمون أو من حيث الشكل؛ فالوضع المحلي والإقليمي والدولي لا يشبه الأوضاع السابقة، بل يشبه فقط هذه اللحظة التاريخية الإستثنائية.. لذا، ستأتي النتائج مختلفة. سألته عن امكانية طرح “مشروع الإستفتاء” لتحديد طبيعة النظام السياسي على أرض فلسطين وصولاً إلى انهاء التمييز العنصري، كما حصل في جنوب إفريقيا؟ قال المصدر إن ذلك غير مستبعد لكن الأكيد أن قواعد اللعبة قد تغيّرت ولا مكان للكيان الإسرائيلي في الشرق الأوسط الجديد.
قلت له وماذا بعد؟ فأجاب “وقضينا إلی بني إسرائيل في الكتاب لتُفسِدُنّ في الأرض مرتين ولتعلُنّ عُلُوا كبيرا؛ فاذا جاء وعد أُولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أُولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا“.. صدق الله العظيم.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: الإتفاق النووی
إقرأ أيضاً:
لصالح مشروع طهران.. الحوثيون يصعّدون هجماتهم لإفشال سلام غزة
في وقتٍ يترقب فيه العالم انفراجة دبلوماسية عبر خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة، تواصل ميليشيا الحوثي التصعيد العسكري في البحر الأحمر وخليج عدن وحتى العمق الإسرائيلي، في خطوة تكشف حجم التناقض بين خطابها الدعائي حول "نصرة فلسطين" و"مساندة غزة حتى إنهاء الحرب".
التصعيد الحوثي الحالي لا ينفصل عن الأجندة الإيرانية التي تسعى إلى إطالة أمد التوتر الإقليمي وإعطاء مليشيا الحوثي شماعات لتبرير الهجمات البحرية وضد إسرائيل. فطهران تستغل هذه الميليشيا كأداة رئيسية لتعويض الضربات التي تلقاتها فصائلها المسلحة الرئيسية في مقدمتها حزب الله في لبنان.
ومنذ اندلاع الحرب في غزة، رفعت جماعة الحوثي شعارات مساندة القضية الفلسطينية لتبرير تدخلاتها العسكرية في البحر الأحمر وبحر العرب. لكن الوقائع على الأرض تكشف أن غالبية الهجمات استهدفت سفنًا مدنية وتجارية تابعة لدول لا علاقة لها بإسرائيل، كان آخرها استهداف سفينة هولندية قبل أيام. هذه العمليات التي توصف بالإرهابية باتت تهدد أحد أهم الممرات الملاحية الدولية وتعرض أمن الطاقة والتجارة العالمية لمخاطر جسيمة.
في خطابه الأخير، شن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي هجومًا حادًا على خطة ترامب، مجددًا التمسك بخيار التصعيد العسكري ضد إسرائيل وضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر. وقال الحوثي إن جماعته ستواصل حشد المقاتلين وتطوير ترسانتها العسكرية استعدادًا لما وصفها بـ"الجولة المقبلة من المواجهة"، في خطاب رآه مراقبون مملوءًا بالتحدي ويعكس رغبة في تقويض المسار السياسي الجاري بشأن غزة.
التصعيد الحوثي تزامن مع إعلان الجيش الإسرائيلي، الأحد، اعتراض صاروخ أُطلق من الأراضي اليمنية باتجاه إسرائيل. وأكد الجيش أن الإنذارات دوّت في مناطق عدة، فيما أُغلق مطار بن غوريون الدولي مؤقتًا أمام حركة الطيران كإجراء احترازي. هذا التطور يعكس دخول الحوثيين في مسار تصعيدي مباشر ضد إسرائيل، بما قد يوسع نطاق الحرب ويعقّد جهود الوسطاء.
لم يقتصر التصعيد الحوثي على استهداف السفن التجارية والعمق الإسرائيلي، بل شمل أيضًا تهديدات مباشرة ضد شركات الطاقة الأميركية الكبرى، إذ توعدت الجماعة بأن سفن هذه الشركات ستكون أهدافًا لها، على الرغم من تقارير سابقة تحدثت عن تفاهمات غير معلنة بين الحوثيين وواشنطن لوقف استهداف السفن مقابل تخفيف الضربات الجوية الأميركية ضد مواقعهم. ويرى محللون أن هذه التهديدات تمثل ردًا على العقوبات الأميركية والأوروبية ضد طهران، ما يعزز الطرح القائل بأن الحوثيين باتوا أداة متقدمة في خدمة المحور الإيراني.
ويسعى الحوثيون من خلال هذا التصعيد- بحسب المراقبين- إلى إفشال جولة المفاوضات غير المباشرة الجارية بمشاركة وفود من إسرائيل والولايات المتحدة وحركة حماس إلى جانب مصر وتركيا، والتي تركز على تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب لإطلاق سراح الرهائن ووقف الحرب. هذا التوجه يعكس خشية الميليشيا من سقوط الذريعة التي استخدمتها منذ اندلاع الحرب تحت شعار "نصرة غزة"، بعد قبول حماس بمبدأ التسوية.
ويرى الناشط السياسي في حضرموت، محمد باحمران، إن التصعيد الحوثي الأخير يكشف العديد من الحقائق التي لم تعد خافية على أحد، وفي مقدمتها سقوط ذريعة "نصرة غزة" التي طالما رفعتها الجماعة كشعار لتبرير هجماتها على الملاحة الدولية.وأوضح أن الميليشيات الحوثية، وبإيعاز مباشر من طهران، لن تسمح بأي تقدم في مسار التسوية بغزة، لأنها تدرك أن أي اتفاق سلام سيُفقدها الغطاء الذي تتذرع به لمواصلة أعمالها الإرهابية في البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن.
وأضاف باحمران أن الحوثيين سيسعون إلى اختلاق مبررات جديدة للاستمرار في ضرب السفن التجارية، ما دام أن إيران لم تنجح في الحصول على امتيازات ملموسة بشأن ملفها النووي أو تخفيف العقوبات المفروضة عليها.
وأشار باحمران إلى أن التصعيد الحوثي لا يقتصر على تهديد الملاحة الدولية، بل يمتد إلى الداخل اليمني، حيث ستعاود الجماعة تصعيد أنشطتها الميدانية وفرض مزيد من القيود الأمنية والاقتصادية كورقة ضغط وابتزاز للمجتمع الدولي والأمم المتحدة، التي تأمل أن يشكل إحلال السلام في غزة بوابة لإنهاء الأزمة اليمنية الممتدة منذ أكثر من 11 عامًا.
واعتبر أن الحوثيين يحاولون عبر هذه التحركات تأكيد حضورهم كـ"أداة أساسية" في المشروع الإيراني بالمنطقة، حتى وإن كان ذلك على حساب استقرار اليمن والمنطقة بأسرها.
بالموازاة مع هذه التطورات، كشفت مصادر إسرائيلية عن استعدادات عملية تشمل إعداد خرائط للانسحاب من مناطق في قطاع غزة، وبحث قوائم السجناء الفلسطينيين الذين قد يُفرج عنهم ضمن صفقة تبادل، بما يتماشى مع خطة ترامب التي تنص على إطلاق سراح نحو 250 أسيرًا محكومين بالمؤبد. غير أن استمرار التصعيد الحوثي يهدد بخلط الأوراق وإدخال المنطقة في دائرة جديدة من عدم الاستقرار.
بينما تسعى الأطراف الدولية لتمهيد الطريق نحو وقف الحرب في غزة، يصر الحوثيون على تصعيدهم العسكري ضد الملاحة الدولية وإسرائيل، في خطوة يرى المراقبون أنها تعكس ولاءً مطلقًا للأجندة الإيرانية أكثر من كونها التزامًا بالقضية الفلسطينية. وهو ما يضع مستقبل الممرات الملاحية الدولية، وجهود السلام في المنطقة، أمام اختبارات صعبة قد تعرقل أي تسوية قادمة.