قحت والدعم السريع: لا تلعبوا بالنار طالما ليس بوسعكم إخمادها متى اشتعلت «2- 2»
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
قحت والدعم السريع: لا تلعبوا بالنار طالما ليس بوسعكم إخمادها متى اشتعلت «2- 2»
د. عبد الله علي ابراهيم
استغربت لكيف أمنت “قحت” لـ”الدعم السريع” حتى قبلت منها دعواها عن الحرب وما بعدها بغير نأمة ريبة. فزكّى السياسي المخضرم والقيادي في “قحت” ياسر عرمان، “الدعم السريع” لأنها على جانب الصحة في موقفها من الحرب وما بعدها، فقال إن الدعم “تقول عبارات صحيحة بأنها تريد إنهاء الحرب.
علماً بأن هذه ليست مرة عرمان الأولى في التعاطي مع جيش غير نظامي، فكان اختلف مع الحزب الشيوعي في 1988 حول ما وصفه بموقف الحزب السلبي من حركة تحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق، ورغب عرمان في أن يرى حماسة أكبر لهما من الحزب، بل انتظاماً من عضويته في سلكهما لبناء السودان الجديد المقطوع من قماشة برنامج الشيوعيين أنفسهم. ولم يتفق موقفه للحزب الذي كان يرى استنفاد النظام الديمقراطي القائم آنذاك بفضل ثورة أبريل 1985. وافترقا ليلتحق عرمان بالحركة الشعبية ويتميز سياسياً بين صفوفها وعند زعيمها.
فماذا كانت محصلة هذا الجيش غير النظامي، الذي هاجر إليه عرمان من وطن ديمقراطي يطلب ديمقراطية أفضل، في الحكم؟ لن نطيل وسنكتفي بالقول إنه لا أحد، بعد أن رأينا من حال جنوب السودان بعد استقلاله، يأتي بذكر السودان الجديد على فمه هذه الأيام. كأن مأمولاً أن يكون جنوب السودان واجهة تسوق للفكرة فصار مقبرة لها.
ولم يصمد الجيش الشعبي الذي علق عليه عرمان بناء السودان الجديد لا لخلاف جنرالاته حول الانتخابات في 2010 قبل الانفصال عن السودان ولا لترتيبات الحكم بعده. فاندلعت “ثورة الجنرالات”، في قول الصحافي خالد أبو أحمد، إثر احتجاجات مختلفة على نتائج الانتخابات التي خاضها بعضهم. فاحتج الفريق قلواك قاي على سقوط السيدة أنجلينا، زوجة رياك مشار، نائب رئيس الجمهورية، لنيل ولاية الوحدة بدعوى أنهما معاً من شعب النوير، الخصم التقليدي لشعب الدينكا الذي منه تعبان دينق الفائز بالمنصب. فلما احتج قاي على ذلك أقصوه من الجيش ليتعين نائباً لمدير سجون ولاية الوحدة. فأعلن تمرده في 20 ألف جندي قائلاً إن جوبا لا تعرف غير لغة السلاح. وطلب في تفاوض لاحق مع الحكومة إبعاد تعبان دينق من المنصب ومحاكمته، وكان قد نسب دينق إلى شمال السودان، وقال إنه من قرية شبشة بولاية النيل الأبيض واسمه الأصلي محمد الحسن حاج الصديق الملقب بـ”تعبان”.
وكان من بين من احتج على الانتخابات الفريق جورج طور في هيئة أركان قيادة الجيش الشعبي منذ 1983 وهو من شعب النوير أيضاً. فسقط في الانتخابات ليكون والياً على جونقلي أمام مرشح الحركة الشعبية كوال ميانق، فهجم على مدينة ملكال، وكانت حربه صعبة لتمرسه في القتال ضد جيش الحكومة السودانية. وخسر العقيد ديفيد ياو ياو، قائد قوة الكوبرا في الجيش الشعبي، الانتخابات فتمرد. وانعقد الحلف بين هؤلاء الضباط العظام وانضم إليهم كل من قائد سلاح المدفعية في الجيش الشعبي فيتر قاديت وغابربيل تانج، وقائد شمال منطقة بحر الغزال عبد الباقي أول أقانج وجون ألونج. وجعلوا قاي رئيساً لهيئة أركان حرب جيشهم. فحاصر قاي عاصمة ولاية الوحدة وكاد يجتاحها، فاعتقلوا عائلته، ورفض المساومة مع الحكومة على رغم ذلك لأنها تحت سيطرة الدينكا في قوله.
أما قاديت، فتمكن من هزيمة الجيش الشعبي وهدد بإزالة حكومة سلفاكير في ثلاثة أسابيع. واستسلم تانج للأسر بعد معركة مع الجيش الشعبي. وقتلت الحكومة قاي خلسة فقفلت باب التفاوض مع الجنرالات المتمردين لاستنكارهم الغدر من وراء مقتله. وصدر للمتمردين “إعلان ميوم” الذي طالب بحل الحكومة ووقعه قاديت وقائد القوة المدمجة مع جيش الخرطوم كارلو كول والعقيد بول جاتكوث عضو برلماني سابق في حلف مع أطور.
أما تفرق الجيش الشعبي إلى دينكا ونوير والتطهير العرقي الذي وقع في أثر ذلك، فكان بعض مادة كتاب إليزابيث شاكلفورد “قناة المنشق” (2020). وكانت شاكلفورد دبلوماسية في سفارة أميركا بجنوب السودان اضطرت إلى الاستقالة لإساءة السفارة استخدام نفوذها من أجل حماية دولة جنوب السودان من المؤاخذة المستحقة. فكانت السفارة تلطف من تقاريرها شفقة بدولة وصفتها بأنها خرجت إلى الوجود من عدم “أسطورة خلق” أميركية. فكانت أميركا لا تريد أن تبدو كمن تدين نفسها لاصطناع دولة خرقاء. فبعد تعدٍّ لجماعة من الجيش الشعبي على دبلوماسية مع الأمم المتحدة، كتبت شاكلفورد “على رغم كل جهودنا ودولاراتنا لم يتغير شيء. فالجيش الشعبي جيش غابة وليس جيشاً مهنياً. ولن يصبح جيشاً وطنياً بهوية وطنية. لن تتغير طبيعته، بخاصة أنه لم يكن هذا التغيير مما شغل القادة في الدولة”، بل أنشأ سلفاكير ميليشيات خاصة لحمايته من خاصة أهله الدينكا عرفت بـ”صبيان لوري” ولوري هي مزرعة سلفاكير القريبة من جوبا، وأصر على دمجها في حرسه الجمهوري، كتيبة النمر، ولم يسمع لاعتراض قيادة الجيش الشعبي على ذلك.
واستولى سلفاكير على بلدة هجليج السودانية على رغم تحذير الرئيس أوباما نفسه له بألا يفعل ذلك، ودارت الحرب بين السودان وجنوب السودان لستة أشهر حتى استردها السودان لحظيرته. كما نصحته السفيرة الأميركية وكبار موظفي وزارة الخارجية والقصر الجمهوري ألا يفصل نائبه رياك مشار، ففعل، واندلعت الحرب بين قواتهما، دينكا ضد نوير.
لا يعرف المرء إن كان جسد الأمة سيتحمل مخاطرة أخرى مع جيش غير نظامي على بينة تصريحات منه عن الديمقراطية والمدنية لا تزيد على كونها مادة علاقات عامة بينما الشيطان في تفاصيل بنيته. فإذا أضربنا عن معرفتها والحكم عليها بفراسة كان اعتزال “قحت” للقوات المسلحة التي ذاقت منها الأمرين والتواثق مع “الدعم السريع” مثل ما ذاع عن الممثلة الأميركية ماي وست وقولها إنها إذا واجهها الخيار بين شرّين اختارت الشر الذي لم تجربه من قبل. ومعلوم أن “قحت” جربت العلقم من “الدعم السريع” مع ذلك، ولكن ليس في سدة الحكم.
IbrahimA@missouri.edu
قحت والدعم السريع: لا تلعب بالنار إن لم يكن بوسعك إخمادها (1-2)
الوسومالحركة الشعبية الدعم السريع السودان القوات المسلحة جنوب السودان د. عبد الله علي إبراهيم سلفاكير قوى الحرية والتغيير هجليج ياسر عرمانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحركة الشعبية الدعم السريع السودان القوات المسلحة جنوب السودان د عبد الله علي إبراهيم سلفاكير قوى الحرية والتغيير ياسر عرمان الدعم السریع جنوب السودان الجیش الشعبی
إقرأ أيضاً:
بعثة تقصي الحقائق: جرائم دولية وانتهاكات مروعة في السودان
بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق قالت إن ما بدأ كأزمة سياسية وأمنية، أصبح الآن حالة طوارئ خطيرة على مستوى حقوق الإنسان والحماية.
التغيير: وكالات
حذرت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان من تصاعد حدّة الحرب الأهلية في السودان مما أدى إلى عواقب مميتة لعدد لا يحُصى من المدنيين العالقين في النزاع. ودعت البعثة المجتمع الدولي لتنفيذ حظر على الأسلحة وضمان مساءلة المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان.
واستعرضت البعثة أحدث النتائج التي توصلت إليها أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف أمس الثلاثاء، مشيرة إلى أنها وثقّت تصاعدا في استخدام الأسلحة الثقيلة في المناطق المأهولة بالسكان وارتفاعا حادا في العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي.
وأشارت إلى أن المساعدات الإنسانية تسُتخدم كسلاح وأن المستشفيات والمرافق الطبية تتعرض لحصار.
عسكرة المجتمع وتدخل جهات أجنبيوقال رئيس بعثة تقصي الحقائق، محمد شاندي عثمان: “لنكن واضحين: النزاع في السودان لم يقترب من نهايته بعد. حجم المعاناة الإنسانية لا يزال يتفاقم، و أيضا تفكّك الحكم وعسكرة المجتمع وتدخل جهات أجنبية، كلّها عوامل تغُذي أزمة تزداد دموية يوما بعد يوم”.
وقد أدت الحرب – التي اندلعت في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع – إلى مقتل آلاف السودانيين حتى الآن وإلى نزوح 13 مليون سوداني معرضة إياهم إلى العنف الجنسي والنهب وتدمير المنازل والمرافق الصحية والأسواق وغيرها من البنى التحتية.
“جرائم دولية تلطخ سمعة جميع المتورطين”وقالت عضوة بعثة تقصي الحقائق، منى رشماوي: “ما بدأ كأزمة سياسية وأمنية، قد أصبح الآن حالة طوارئ خطيرة على مستوى حقوق الإنسان والحماية وقد شمل ذلك ارتكاب جرائم دولية تلطخ سمعة جميع المتورطين فيها. من الفادح أن تدخل هذه الحرب المدمّرة عامها الثالث دون أي مؤشر على قرب انتهائها. ونحن جميعا نعلم، ولكن ربما يقتضي التذكير، أن المدنيين لا يزالون يتحملون العبء الأكبر من تصاعد العنف والاشتباكات”.
منذ تقريرها الأخير لمجلس حقوق الإنسان، قامت البعثة بإجراء 240 مقابلة، وتلقت 110 إجابات مكتوبة، وتحققت من صحة 30 مقطع فيديو، محددّة المواقع الجغرافية لثماني هجمات، وهي تقوم بجمع ملفات تحدّد هوية جناة محتملين.
وذكرت البعثة أنها بدأت تعاونا سريا مع هيئات قضائية معنية. و”على الرغم من رفض السودان السماح للبعثة بدخول البلاد”، ذهبت البعثة إلى أوغندا وتشاد للتحقيق وأجرت أيضا محادثات رفيعة المستوى مع مسؤولي الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، إثيوبيا.
وجدت البعثة أن طرفي النزاع قد كثفا من استخدام الأسلحة الثقيلة في المناطق المأهولة بالسكان. حيث تعرض المدنيون في محيط الفاشر للاعتداء والاحتجاز والقتل كما تمت مهاجمة وإحراق قرى ونهب ممتلكات من قبل قوات الدعم السريع. وخلال هجوم واحد لهذه القوات من 10 الى 13 أبريل، قتل أكثر من 100 مدني في حين أسفر قصف آخر لقوات الدعم السريع على الكومة عن مقتل ما لا يقل عن 15 مدنيا.
أعمال انتقامية واسعة النطاقوفي المناطق التي استعادت القوات المسلحة السودانية السيطرة عليها كالخرطوم والجزيرة وسنّار، قامت البعثة بتوثيق أعمال عنف انتقامية واسعة النطاق بين أواخر عام 2024 ومنتصف عام 2025. وقد تعرّض أفراد هناك يعتقد أنهم دعموا قوا ت الدعم السريع — بمن فيهم مدافعون عن حقوق الإنسان وعاملون في المجال الطبي وموظفو الإغاثة — للاعتقال التعسفي والتعذيب وفي بعض الحالات، الإعدام. كذلك قامت قوات الدعم السريع ايضا بهجمات انتقامية مع قتلها لـ30 مدنيا في حي الصالحة بأم درمان يوم 27 أبريل.
استخدام الإغاثة كسلاحوذكرت البعثة أن الإغاثة الإنسانية اُستخدمت ولا تزال تستخدم كسلاح. وقد فرضت القوات المسلحة السودانية قيودا بيروقراطية؛ فيما قامت قوات الدعم السريع بنهب القوافل ومنعت إيصال المساعدات بالكامل.
وحذرت البعثة من أن هذه الأفعال تدفع البلاد نحو المجاعة، خاصة في دارفور. وفي الثاني من يونيو، قصفت قافلة تابعة للأمم المتحدة في الكومة في طريقها إلى الفاشر، مما أسفر عن مقتل خمسة من موظفيها. وقد قصفت قوات الدعم السريع المستشفى السعودي في الفاشر عشرات المرّات. وفي مايو، قصفت طائرة مسيرة تابعة لقوات الدعم السريع مستشفى الأبيض الدولي في شمال كردفان مما أسفر عن مقتل ستة مدنيين وتسبب في إغلاق آخر العيادات الصحية العاملة في المنطقة.
وجدت بعثة تقصي الحقائق ارتفاعا حادا في العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي حيث تتعرّض النساء والفتيات إلى الاغتصاب والاغتصاب الجماعي والخطف والعبودية الجنسية والزواج القسري في الأغلب في مخيمات النازحين القابع ة تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
المساءلة ليست ترفاوقالت خبيرة بعثة تقصي الحقائق جوي نغوزي إزييلو: “المساءلة ليست ترفا؛ بل هي شرط أساسي لتحقيق سلام مستدام. إذ إن غيابها يغذي النزاع. ينبغي المطالبة بتحقيق العدالة وأن تكون قضايا العدالة في جوهر أي اتفاق سلام لمعالجة غياب المحاسبة وهو الذي يشكل أحد الأسباب الجذرية للنزاع في السودان”.
الوسومالسودان القوات المسلحة بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان جنيف جوي نغوزي إزييلو دارفور قوات الدعم السريع مجلس حقوق الإنسان محمد شاندي عثمان منى رشماوي