ماذا تستفيد إيران من عنف جديد في الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
ما إن شنت حماس غارتها "المفاجئة" على إسرائيل حتى اتجهت أنظار العالم أجمع نحو إيران، لأن صدمة التوغل داخل الأراضي الإسرائيلية وحجم العملية وتعقيدها، دفعت العديد من المتخصصين إلى الشك فيما إذا كان من الممكن التخطيط والتنسيق الكامل من قبل حماس وحدها، من دون تدخل خارجي.
يدرك جميع الأطراف العواقب الكارثية التي يمكن أن يخلفها الصدام المباشر
وبحسب تقرير لـ"ناشونال إنتريست" تكهّن البعض بأن إيران قد تكون وراء هذا العمل بعد الإشادة بالهجمات من قبل السلطات الإيرانية، وبعيداً عن درجة تورط النظام الإيراني في عملية "طوفان الأقصى"، تثار عدد من الأسئلة عن مدى مصلحة الإيرانيين في اندلاع أعمال العنف المفاجئة هذه في الشرق الأدنى، وما الذي يمكن أن يحدث؟ وما هي العواقب طويلة المدى لتجدد التوتر مع إسرائيل وحلفائها؟.
???? BREAKING: Iran Helped Plot Attack on Israel Over Several Weeks, The Islamic Revolutionary Guard Corps gave the final go-ahead last Monday in Beirut pic.twitter.com/cTPq95ydSK
— Benny Johnson (@bennyjohnson) October 8, 2023 مساعدة لوجستيةأثار مستوى التخطيط والخبرة المطلوبة لهجوم حماس الجوي والبرمائي والبري والجوي، مسألة ما إذا كانت الحركة الفلسطينية قد تصرفت بمفردها أو إذا تلقت مساعدة لوجستية من إيران، ومع ظهور الصور الأولى لعملية "طوفان الأقصى" عبر الشاشات في جميع أنحاء العالم، سارعت صحف عالمية إلى التأكيد على أن ضباط الحرس الثوري، الجيش الأيديولوجي للجمهورية الإيرانية، قد استعدوا، مع حماس، للتوغلات في الأراضي الإسرائيلية.. خلال عطلة نهاية الأسبوع المشؤومة.
Hamas-Israel War: What’s in it for Iran? https://t.co/G6jTzSMrae via @TheNatlInterest
— Nino Brodin (@Orgetorix) October 26, 2023وكانت طهران من أوائل العواصم التي أثنت على العملية التي شنتها حماس، وهي الحركة التي مولتها إيران علناً منذ إنشائها في عام 1988، وفي اليوم التالي أعلن الرئيس إبراهيم رئيسي أن "إيران تدعم الدفاع المشروع عن الأمة الفلسطينية".. وقبل أسبوع من الهجوم، حث المرشد الأعلى الإيراني ورئيس الجمهورية الدول العربية على عدم إبرام اتفاق مع إسرائيل لضمان أمنها، مضيفين أن القيام بذلك سيكون بمثابة "الرهان على الحصان الخاسر".
وأشارت ناشونال إنتريست أنه حتى كتابة هذا التقرير، لا يوجد دليل ملموس على تورط إيران المباشر في عملية "طوفان الأقصى"، وسرعان ما توصل المسؤولون العسكريون الأمريكيون والإسرائيليون إلى النتيجة نفسها.
وفي بيان منفصل، وصفت بعثة النظام الإيراني لدى الأمم المتحدة الهجوم، بأنه "مستقل بشدة ومتوافق بحزم مع المصالح المشروعة للشعب الفلسطيني".. بعد 3 أيام من أحداث غزة المأساوية، رفض خامنئي الاتهامات بأن بلاده كانت وراء الهجوم الضخم، وقال: "لقد روج مؤيدو النظام الصهيوني شائعات خلال اليومين أو الثلاثة أيام الماضية، بما في ذلك أن إيران تقف وراء هذا العمل.. إنهم كاذبون".
Russia and China refuse to condemn Hamas atrocity: As Western nations express anger at terror group, Moscow and Beijing only comment on violence...as Iran praises Israel horror https://t.co/yzS3vVAjoa pic.twitter.com/VLVgGbarcb
— Daily Mail US (@DailyMail) October 9, 2023 إيران "الأخ الأكبر"وفي حين ترفض إيران الاتهامات بمسؤوليتها المباشرة عن إحداث "طوفان الأقصى"، فإنها لا تخفي تضامنها الكامل مع حماس.. وتم توضيح ذلك في اليوم التالي لأحداث غزة فيما تم توثيق علاقات إيران بحماس منذ فترة طويلة، وتقدر أجهزة الاستخبارات الغربية أن إيران تساهم بمبلغ 100 مليون دولار في ميزانية حماس السنوية البالغة 500 مليون دولار.
وأثبت تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2021، أن حماس تلقت التمويل والأسلحة من إيران ومنظماتها المختلفة مثل الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، ويعتقد العديد من الخبراء أن إيران أقامت شراكة إستراتيجية قوية مع حماس، على الرغم من أن الأخيرة هي حركة سنية تنبع من منظمة الإخوان المسلمين العابرة للحدود الوطنية.. وعلى الرغم من أن تفاصيل التعاون الإيراني الفلسطيني لا تزال غامضة، إلا أن واشنطن ليس لديها أدنى شك حول مسؤولية إيران في الهجوم الذي وقع في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ضد إسرائيل.
Iran lauds Hamas attack even as it denies involvementhttps://t.co/28jv7mNxt5 pic.twitter.com/jN564ZGIxw
— Nation Africa (@NationAfrica) October 10, 2023 دوافع جيوسياسيةوبعيداً عن التحالف الإيديولوجي بين إيران وحماس، تظل هناك مسألة المصلحة الإستراتيجية التي قد تحظى بها إيران في حالة اندلاع أعمال العنف فجأة في الشرق الأوسط، وتعتبر السلطات الأمريكية أن التشجيع الإيراني المباشر أو غير المباشر، مدفوع بالرغبة في تعطيل عملية التقارب الدبلوماسي بين إسرائيل و عدد من الدول العربية.
ومن خلال إعادة إشعال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يبدو أن إيران وحماس قد نجحتا جزئياً في عرقلة قيام اتفاقات سلام جديدة في الشرق الأوسط، فيما تهز أزمة غزة المشهد السياسي في الشرق الأوسط، وسط القصف المكثف لسلاح الجو الإسرائيلي على قطاع غزة وسقوط ضحايا مدنيين ودمار، أجبر العواصم العربية على النأي بنفسها عن حكومة نتانياهو اليمينية المتطرفة.
في المقابل اتهمت الغالبية العظمى من العواصم العربية رسمياً الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بأنه مصدر الأزمة الحالية.. وتقوم مصر والأردن، تحت ضغط الرأي العام فيهما، بمراجعة الروابط الناشئة مع الدولة اليهودية.. وعلى المدى الطويل، فإن الفتور الذي يخيم على عملية التقارب الإسرائيلي العربي يهدد بالتشكيك في إستراتيجية عزل إيران التي بدأتها واشنطن.. ما لم يؤدي كل هذا بالطبع إلى حريق عسكري واسع النطاق.
#AMAY | Hamas and Iran are longtime allies. Did Tehran help with its attack on Israel?https://t.co/kljJhNAab4 pic.twitter.com/sSLQrHhK6V
— Egypt Independent (@EgyIndependent) October 10, 2023 هل هي الحرب؟ويتساءل العديد من المراقبين الآن ما إذا كانت الأزمة الحالية قادرة على أن تؤدي إلى صراع مفتوح. للوهلة الأولى، هناك عناصر معينة لا تشجع على التفاؤل.. الشرق الأوسط، مثله كمثل منطقة البلقان في بداية القرن العشرين، أصبح بمثابة برميل بارود حقيقي، وكما حدث في عام 1914 فإن لعبة التحالفات قد تؤدي إلى صراع إقليمي أو قد تؤدي إلى توسعه عالمياً.
وبحسب الصحيفة من الممكن أن يؤدي تكثيف هجمات حزب الله على الجليل إلى انتقام إسرائيلي واسع النطاق، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى تصعيد التوترات التي من المرجح أن تؤدي إلى حرب إسرائيلية أوسع نطاقاً علاوة على ذلك، فإن السمة المميزة لهذا النوع من التنافس في "المنطقة الرمادية" هو الافتقار إلى الوضوح والتواصل، ما يترك مجالاً للتصعيد الخاطئ.
ومع ذلك، تشير عناصر أخرى إلى أن الصراع الإقليمي ليس أمراً حتمياً تماماً حيث يدرك جميع الأطراف العواقب الكارثية التي يمكن أن يخلفها الصدام المباشر في ساحة المعركة التقليدية، ولهذا السبب امتنعوا عن مواجهة بعضهم بشكل مباشر، واعتمدوا بدلاً من ذلك على الوكلاء والنهج غير المباشر.. وعلى الرغم من أن إيران هددت "بالتدخل في الصراع" إذا شنت إسرائيل عملية برية في قطاع غزة، فإنهم جميعاً مترددون في الشروع بصراع مكشوف بين جميع الأطراف.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل إيران أمريكا فی الشرق الأوسط طوفان الأقصى pic twitter com أن إیران تؤدی إلى
إقرأ أيضاً:
"حدود الدم".. مشروع بيتزر للشرق الأوسط الجديد والحرب الأخيرة
د/ محمد بن خلفان العاصمي
في يونيو من عام 2006م، كتب الجنرال الأمريكي المتقاعد رالف بيتزر مقالاً في مجلة أمريكية متخصصة بالشؤون العسكرية تسمى (آرمدفورسز جورنال)، اقترح فيه تقسيم جديد لدول الشرق الأوسط إلى دول سنية وشيعية وكردية، إضافة إلى دولة إسلامية تضم الأماكن المقدسة مستقلة عن السعودية، وكذلك مملكة الأردن الكبرى ودويلات أخرى.
وبحسب فرضية الجنرال الأمريكي المتقاعد فإنَّ تقسيم المنطقة على أساس الطوائف والإثنيات، بحيث تعيش كل طائفة أو قومية منفصلة عن الطوائف والقوميات الأخرى في دولة سياسية مستقلة، من شأنه أن ينهي العنف في هذه المنطقة. ويستطرد الجنرال المتقاعد في حديثه ليضيف "أن الشرق الأوسط لديه مشكلات كثيرة، منها الركود الثقافي وعدم المساواة الفاضحة والتطرف الديني المُميت، لكن المشكلة الأكبر في فهم أسباب فشل المنطقة ليس الدين، وإنما الحدود الدولية البشعة".
واستدرك قائلاً: "بالطبع، لا يمكن لأي تعديل في الحدود مهما كان ضخماً وكاسحاً، أن ينصف كل الأقليات المهضوم حقها في الشرق الأوسط"، وعلى الرغم أن الخريطة التي اقترحها سترفع الظلم عن أكثرهم معاناة مثل الأكراد والبلوش والعرب الشيعة حسب زعمه، إلا أنها تعمدت تجاهل طوائف أخرى مثل المسيحيين والبهائيين والإسماعيليين والنقشبنديين والكثير من الأقليات الأقل عدداً، إلا أنه على ما يبدو فإنَّ الهدف كان واضحاً من هذا المقال وهو تغليف مشروع التقسيم بغلاف ديموقراطي حقوقي، وتفتيت الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط تمهيداً لقيام إسرائيل الكبرى.
رالف بيتزر هو عراب مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهو من مواليد عام 1952، عمل ضابطا بالجيش الأمريكي حتى وصل لمنصب نائب رئيس هيئة الأركان للاستخبارات العسكرية الأمريكية في وزارة الدفاع، وهو يدعو دائما إلى إعادة تقسيم خريطة الشرق الأوسط بما يتفق مع المصالح الغربية والصهيونية، ويرى أن التقسيم سوف يجعل الشرق الأوسط أفضل وخالياً من المشاكل التي يعاني منها والتي تؤثر على العالم بشكل عام.
وهذه الرواية التي اتخذها مدخلاً لمشروعه المخطط بشكل متقن، وفي سياق التسويق لهذا المشروع تحدث بوش الابن وديك تشيني وكونداليزا رايس في العديد من المحافل عن مشكلات الشرق الأوسط الحقوقية والسياسية وسعيهم إلى إيجاد حلول لها، وهي الذرائع التي قدمت فيما عرف بـ"الربيع العربي" الذي اجتاح الوطن العربي في عام ٢٠١١م.
لقد انتهج هذا المشروع سياسة خبيثة في سبيل تنفيذ مراحله، حيث يبدأ بإثارة النعرات الطائفية والتحديات السياسية والتحريض على السلطة تحت غطاء الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدينية، ويستمر في زعزعة الاستقرار العام داخل الدول مركزاً على ملفات تمثل تحديات حقيقية مثل البطالة والفقر وغياب العدالة الاجتماعية والفساد المالي والإداري والسياسي، ويستمر في اختلاق المشكلات لهذه الدول عن طريق المنظمات التي تمثل الأذرع الرئيسية المساعدة في تنفيذ هذا المخطط، هذه المنظمات التي تتخذ شكل الوصي على الحقوق في الظاهر إلا أن سياساتها ترتكز حوّل السيطرة على القرار السياسي داخل الدول، كما تلعب ثعالب الاقتصاد من داخل الدول وخارجها دورا في تعميق المشاكل الاقتصادية من خلال سلوكهم الاستغلالي واستعدادهم للاستفادة من الفرص تحت أي ظرف كان.
وبعد أن تصل الدول إلى مرحلة الضعف وعدم القدرة على مواجهة التحديات والإعياء الاقتصادي والإنهاك الإداري، يأتي الفصل الأخير من الخطة وهو تغيير الأنظمة السياسية بأنظمة جاهزة تمَّ تحضيرها مسبقاً لهذه اللحظة، هذه الأنظمة تسلم كل مفاصل الدولة خاصة الاقتصادية والمالية لهم، وهذه هي وظيفتهم التي وضعوا من أجلها في مناصبهم السياسية، وعلى مر السنوات شاهدنا هذا النموذج يتكرر بشكل واضح جدا لا يحتاج إلى مزيد من التفكير والتوضيح والتحليل.
إنَّ مشروع الشرق الأوسط الجديد لن يتوقف بالهدنة التي تم التوصل إليها في الحرب الأخيرة، ومخطئ من يظن أنَّ إسرائيل سوف تكتفي بأرض فلسطين أو حتى بخدعة التطبيع، ويغالط التاريخ ونفسه من يعتقد أن مشروع إسرائيل الكبرى سوف يتوقف عند حدود القانون الدولي، فهذه القوانين والأنظمة والمنظمات لا تستطيع كبح جماح هذا المحتل الذي جلب الحرب والدمار إلى المنطقة منذ قدوم أول مهاجر إلى اليوم، هذه المنطقة التي عانت كثيراً من هذا المشروع المشؤوم ومازالت تعاني من الأطماع المتزايدة المتصاعدة يوماً بعض يوم.
إن أهمية إدراك كل ما ذكر أعلاه يتمثل في قدرتنا على زيادة الوعي الذاتي حول ما يخطط ضد الأمة العربية والإسلامية من مؤامرات، ولا أريد أن أكرّس نظرية المؤامرة ولكن علينا أن نتحلى بالفكر الذي يجعلنا قادرين على فهم ما يدور حولنا من أحداث وأن تكون لدينا نظرة واعية حول ما يحدث، وأن ندرك تمام الإدراك الأساليب التي تتبع لهدم الأوطان وزعزعة استقرارها وتقويض أمنها، فالشعارات التي تردد والخطب الشعبوية والعاطفية ما هي إلا أدوات لغايات أبعد، وعلينا أن نعي أنَّ الإصلاح الذاتي يصل بنا إلى الوضع الذي نرجوه لوطننا من تنمية وازدهار، وعندما يكون المجتمع مصلحاً لذاته فلن نحتاج إلى الحديث عن استيراد أفكار ضالة تعبث بأمن أوطاننا ومجتمعاتنا.