كان خطاب نتنياهو بشأن بدء الاجتياح البري لغزة دعوة مبطنة لجنود الاحتلال لتنفيذ عملية إبادة جماعية، عبر ترديد مقتطفات من التوراة، تعطي شرعية لإبادة الفلسطينيين، دون أن يفهم ذلك المستمعُ العادي من غير اليهود أو غير المتخصصين في الدراسات اليهودية.

 

وأعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أول من أمس، أن المرحلة الثانية من الحرب ضد حماس بدأت مع دخول مزيد من القوات البرية إلى غزة، الليلة الماضية.

 

وفي سعيه لإعطاء مزيد من الحماسة للجنود، استشهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتوراة قائلاً: "عليكن بتذكر ما فعله العماليق بالإسرائيليين. نحن نتذكر، ونحن نقاتل".

 

ويقول نتنياهو إن جنود جيش الاحتلال جزء من إرث المحاربين اليهود الذي يعود تاريخه إلى 3000 عام منذ عهد يوشع بن نون إلى أبطال حروب 48، و67، و73، وكل حروب إسرائيل، حسب تعبيره، وأكد أن هدفهم واحد: "دحر العدو القاتل، وضمان وجودنا في أرضنا".

 

تبدو هذه كلمات عادية من نتنياهو لتشجيع جنوده عبر الإشارة إلى ما يعتبره اليهود معاناة تاريخية تعرضوا لها من قبل العماليق، وهو عدو أسطوري مشكوك في وجوده تاريخياً.

 

يجب إبادة رجال ونساء وأطفال العماليق وحتى حيواناتهم

 

ولكن لفهم المغزى الخطير لما قاله نتنياهو يجب ذكر الأجزاء التي تتحدث عن العماليق في التوراة وما يجب أن يُفعل بهم من وجهة النظر الواردة فيها.

 

ففي كتاب صموئيل، الفصل 15، تقول الآية 3: "والآن اذهب واضرب العماليق وحرموا كل ما لهم ولا تعفوا عنهم. بل اقتلوا على السواء الرجل والمرأة، الطفل والرضيع، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً".

 

والتحريم هنا بمعنى الإبادة.

 

ولقد استشهد موقع Medium الأمريكي بهذه الآية، وقال إن الآية تشرح بشكل مثالي موقف إسرائيل من الإبادة الجماعية ومن فلسطين وحرقها العشوائي للنساء والأطفال الفلسطينيين منذ عام 1947، وذلك استناداً إلى التوراة، ويقول تقرير موقع  Medium إن  مثل هذه الأعمال تجعل مجموعة من الصهاينة في العالم مكافئة بشكل جذري لتنظيم داعش.

 

ويضيف الموقع تتضمن مثل هذه الآيات أيضاً قواعد الإبادة الجماعية والرجعية التي بررت الحرق العشوائي للنساء والأطفال اليابانيين بقنبلتين نوويتين. وهذا يجعل مجموعة من الليبراليين في العالم المسيحي الغربي مكافئة بشكل جذري لتنظيم داعش، حسب تعبيره.

 

والعماليق" صاروا تمثيلاً لذروة الشر في التقاليد اليهودية، ولأجل هذا استخدم الحاخامات وغيرهم من العوام مصطلح "عماليق" للتعبير عن الشعوب التي تُهدِّد الوجود اليهودي، حسبما ورد في تقرير لموقع الجزيرة.نت.

 

خطاب نتنياهو ذكر يوشع بن نون القائد الذي قتل 12 ألفاً من الرجال والنساء

 

أما يوشع بن نون الذي أشار إليه نتنياهو ضمن من وصفهم بأبطال إسرائيل التاريخيين على مدار ثلاثة آلاف عام وهو الوحيد الذي ذكره بالاسم، فإنه من قاد بني إسرائيل لدخول أرض فلسطين لأول مرة بعد خروجهم من فترة "التيه"، ويذكر أهل الكتاب والمؤرخون أنه قطع ببني إسرائيل نهر الأردن، وانتهى إلى أريحا، وكانت من أحصن المدائن، وأعلاها قصوراً وأكثرها أهلاً فحاصرها 6 أشهر.

 

ويذكر في التوراة أنهم أحاطوها يوماً وضربوا بالقرون، أي الأبواق، ودخلوها وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم، وقتلوا 12 ألفاً من الرجال والنساء.

 

وفي سفر يشوع يذكر أن "يشوع" عند اقتحامه أرض كنعان -فلسطين التاريخية- مع جيشه من بني إسرائيل، لم يُبقوا عِرقاً ينبض بالحياة في كل المدن التي اقتحموها. فبعد أن أخذوا أريحا "حرَّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير، بحد السيف.. وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها". والتحريم هنا معناه الإبادة، وكذلك فعلوا بـ"عاي" التي يحكي النص أن "يشوع" أحرقها "وجعلها تلاً أبدياً خراباً".

 

وبحسب ما قاله دكتور محمد عمارة: "فإن النبي التوراتي يوشع بن نون ادعى أن الأوامر الإلهية أن تدعوهم إلى تدمير كل الأغيار من البشر إلى الشجر إلى الحجر، ومن الحيوان إلى الطبيعة، ومن الكبار إلى الأطفال، ومن الرجال إلى النساء".

 

أوامر بإبادة استناداً لفهمهم للتوراة

 

وبالتالي نحن أمام ما قد يكون دعوة مبطنة لجنود الاحتلال لتكرار أوامر التوراة بشأن العماليق، وكذلك تكرار ما فعله يوشع بن نون، أي تنفيذ عملية إبادة جماعية تؤدي لإبادة غزة والقضاء عليها كمجتمع.

 

وأشار عدد مستخدمي الإنترنت الإسرائيليين إلى أن الكلمات تدعو للإبادة الجماعية، في حين أشار البعض إلى أنها ليست أول مرة يفعل نتنياهو ذلك.

 

ويرى البعض أن هذا يفسر عملية استهداف الأهداف المدنية مثل المستشفيات بطريقة واضحة لا لبس فيها.

 

لا نؤمن بالقوانين الدولية بل التوراة فقط

 

في عددها الصادر لشهرَيْ مايو/أيار ويونيو/حزيران 2009، نشرت مجلة "مومِنت" (Moment) اليهودية الأمريكية حواراً مع الحاخام الصهيوني "مانيس فريدمان" حول الطريقة المثلى لتعامل اليهود بفلسطين المحتلة مع جيرانهم من العرب، وقد أتت إجابة "فريدمان" صريحة: "إنني لا أومن بالأخلاقيات الغربية، بمعنى أن عليك ألا تقتل المدنيين أو الأطفال، وألا تُدمِّر الأماكن المقدسة، وألا تقاتل في المناسبات الدينية، وألا تقصف المقابر، وألا تُطلق النار قبل أن يطلقها عليك الآخرون.. إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية: دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم". وقد علَّل "فريدمان" ذلك بأنه الرادع الوحيد والحقيقي للتخلُّص من ثبات الفلسطينيين ومقاومتهم المستمرة، وأن تلك هي قيم التوارة التي ستجعل الإسرائيليين "النور الذي يشع للأمم التي تعاني الهزيمة بسبب هذه الأخلاقيات (الغربية) المُدمِّرة التي اخترعها الإنسان".

 

الصهيونية رغم كونها حركة علمانية استغلت التوراة

 

في كتابه "الجريمة المقدسة"، ذكر الدكتور "عصام سخنيني"، أستاذ التاريخ السابق في جامعة "البترا" الأردنية، أن خطاب الإبادة الصهيوني استخدم التوراة وأسفارها لشرعنة جرائمه وممارسته في فلسطين.

 

ورغم التعارض الصارخ بين الصهيونية بوصفها حركة علمانية والتوراة بوصفها نصاً دينياً، فقد استغلت الأولى الشريعة اليهودية حتى تتحقَّق لها أطماعها الاستعمارية في فلسطين.

 

بالنظر إلى النص التوراتي، بوصفه مرجعاً تاريخياً للحركة الصهيونية، سنجد أن سفر التثنية يشرح بوضوح الاستراتيجية الحربية الواجب اتباعها عند دخول البلدان، حيث يقول: "حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفُتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويُستعبد لك، وإن لم تسالمك، بل عملت معك حرباً، فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب".

 

انطلاقاً من هذا التأصيل الكتابي، يرى الدكتور "رشاد الشامي"، الباحث المخضرم في الشؤون العبرية، أن هذه القوانين الكتابية "هي التي يتسلمها القادة الإسرائيليون كمصدر وحي، وكشريعة مقدسة لاستئناف البعث الإسرائيلي في فلسطين، على أساس أن كل جريمة تصبح شرعية وقانونية من أجل تحقيق وعد الرب"، حسبما ينقل عنه تقرير الجزيرة نت.

 

العماليق هم ذروة الشر في العقلية الإسرائيلية

 

ويرى الدكتور "عصام سخنيني"، أستاذ التاريخ السابق في جامعة "البترا" الأردنية، مؤلف كتابه "الجريمة المقدسة" أنه جانب رمزية أرض كنعان وفلسطين التاريخية، أن ثمة رمزية أخرى أكثر شيوعاً في الفكر الإبادي الصهيوني، وهي أسطورة "عماليق" التي تتردَّد كثيراً على ألسنة الإسرائيليين وأقلامهم، وتُقدِّم نموذجاً لما ينبغي التعامل به مع العرب الفلسطينيين. بيد أن ما يجعل قصة "عماليق" أسطورة هو افتقاد الرواية التوراتية لأي سند تاريخي سواها، حتى إنها تتعارض أحياناً في نسبة هؤلاء العماليق؛ مرة إلى زمن نبي الله "إبراهيم"، ومرة إلى زمن حفيده "عيسو بن إسحاق"، الذي هو أبو المدعو "عماليق" نفسه، حسبما ورد في تقرير الجزيرة.

 

 

تذكر القصة أن قوم عماليق سكنوا شبه جزيرة سيناء وجزءاً من أرض كنعان (فلسطين اليوم)، فأكثروا حرب أنبياء بني إسرائيل حتى أمر "يهوه" النبي "موسى" باجتثاث ذكرهم من على الأرض، ومحاربتهم جيلاً بعد جيل، فأتى الأمر بعد ذلك إلى النبي "صموئيل" بإبادة قوم عماليق ودوابهم وكل ما نبض بالحياة في بلادهم. وقد صارت صورة "عماليق" المطلوب إبادتهم "نموذجاً كلاسيكياً للآخر المغاير".

 

وهو ما يؤكده "جيرالد كرومر"، أستاذ علم الجريمة بجامعة "بار إيلان" الإسرائيلية، حيث يقول إن "عماليق" صاروا تمثيلاً لذروة الشر في التقاليد اليهودية، ولأجل هذا استخدم الحاخامات وغيرهم من العوام مصطلح "عماليق" للتعبير عن الشعوب التي تُهدِّد الوجود اليهودي.  وقد وصف بعض الإسرائيليين بالفعل أعداء الكيان الصهيوني بهذا الوصف، مثل مفتي القدس، والرئيس المصري الأسبق "جمال عبد الناصر"، ونظيره العراقي "صدام حسين"، وحتى الرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات". ولذا تأسَّست منظمة صهيونية باسم "مراقبة القاتل" للتحرِّي عن أماكن المقاومين الفلسطينيين وتقديمهم للمحاكمة بهدف إبادتهم، ورفعت المنظمة شعار: "تذكَّر عماليق".

 

نسبة كبيرة من طلاب المدارس يؤيدون إبادة القرى العربية

 

 لم تقتصر تلك العقيدة الاستئصالية المدعومة بالأساطير الدينية على القرارات السياسية والعسكرية فحسب، بل امتدت عبر عقود الاحتلال إلى صلب المؤسسة التعليمية ذاتها، حتى إن أستاذ علم النفس بجامعة تل أبيب "جورج تمارين" أجرى دراسة استقصائية على نحو ألف طالب وطالبة من المدارس الثانوية في إسرائيل، لرصد تأثير أفعال الإبادة المنسوبة إلى "يشوع" في تفكيرهم، فوجد أن نحو 80% من الطلاب وافقوا على صِحَّة ما هو منسوب إلى "يشوع" في أريحا ومكيدة، بينما رأى 38% منهم أن على الجيش الإسرائيلي تكرار الإبادة نفسها بالقرى العربية التي يدخلها.

 

ونتنياهو هو نقطة التقاء، بين الصهيونية العلمانية البراغماتية، وبين الصهيونية الدينية المتطرفة، ولذا نراه يتلو على جنوده إحالات تاريخية مجتزئة، لن يفهم معزاها الحقيقي إلا اليهود، وبالتالي فإن جنود الاحتلال المشحونين والذين تشكل روايات التوراة جزءاً من تركيبتهم وأفكارهم يفهمون المغزى، ويبدو أنهم قد بدأوا ينفذون بالفعل أوامر نتنياهو.

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: فلسطين اسرائيل غزة حماس الكيان الصهيوني وألا ت التی ت

إقرأ أيضاً:

استخدام إسرائيل سلاح التجويع بحربها على غزة من منظور القانون الدولي الإنساني

يُعَاني قطاع غزَّة أزمة إنسانيَّة متفاقمة ومتعددة الأبعاد والتَّداعيات، نتيجة سياسات التَّجويع التي تستخدمها قوَّات الاحتلال الإسرائيلي تجاه القطاع منذ السَّابع مِن تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث تستخدم إسرائيل سلاح الجوع والتَّجويع كإحدى أدوات وأساليب الحرب، فقد أعلنت منذ اليوم الأول للحرب عن فرض حصار شامل وكامل على القطاع، وقطعت إمدادات المياه والكهرباء، وأغلقت المعابر الحدوديَّة، واعتبرت قطاع غزَّة كيانا معاديا.

تحدث هذه الجريمة رغم أن القانون الدَّولي الإنساني يحظر استخدام تجويع السُّكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، ولا يجوز للطَّرف الذي يفرض الحصار أن يعمد إلى حرمان المدنيِّين من الإمدادات الأساسيَّة لبقائهم على قيد الحياة (مثل الغذاء والمياه والإمدادات الطبيَّة) في منطقة مُحاصَرة، وأن يتَّخذ ذلك وسيلة مشروعة لإخضاع عدوِّه.

يُعدُّ تجويع المدنيين أسلوبا محظورا من أساليب الحرب في القانون الدولي الإنساني الحديث. وقانونيّا يُعرَّف التَّجويع بأنّه حرمان المدنيِّين عمدا من الطَّعام إلى جانب حرمانهم من دُخُول المساعدة الإنسانيَّة، وهو ما يعتبر دليلا كافيا على أنَّ تجويعَهُم هو الغَرض الأساسي مِن الحِصار. وتستمدُّ هذه القاعدة شرعيَّتها من مبدأ التَّمييز المنصوص عليه في القانون الدَّولي الإنساني، للمرَّة الأولى في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 المادة 54 (1) من البروتوكول الإضافي الأول: المادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني، واليوم تعتبر قانونا عرفيّا في النِّزَاعات المسلَّحة الدوليَّة وغير الدوليَّة (القانون الدَّولي الإنساني العرفي، القاعدة 53).

يعتبر التَّجوِيع جزءا من الإبادة الجماعيَّة التقليديَّة، التي تُركِّز على التَّدمِير الجسدي والبيولوجي للمجموعة العرقيَّة، ويعتبر التجويع أحد الأفعال الماديَّة التي إذا ما ارتكبت في سياق معيَّن يمكن اعتباره فعلا مِن أفعال الإبادة الجماعيَّة في اتفاقيَّة الإبادة الجماعيَّة لعام 1948
كما نصَّ نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة عام 1998 على أنَّ تجويع المدنيِّين عمدا عبر "حرمانهم من العناصر الأساسيَّة لبقاء حياتهم، بما في ذلك تعمُّد عرقلة إمدادات الإغاثة"، يُعدُّ جريمة حرب، ولا يشتَرط القصد الإجرامي اعتراف المعتدي؛ بل يمكن استنتاجُه من مجمل الظُّروف المحيطة بالحملة العسكريَّة، ومع ذلك فإنَّ هذا التصنيف ينطبق فقط على النِّزاعات المسلَّحة الدوليَّة.

يعتبر التَّجوِيع جزءا من الإبادة الجماعيَّة التقليديَّة، التي تُركِّز على التَّدمِير الجسدي والبيولوجي للمجموعة العرقيَّة، ويعتبر التجويع أحد الأفعال الماديَّة التي إذا ما ارتكبت في سياق معيَّن يمكن اعتباره فعلا مِن أفعال الإبادة الجماعيَّة في اتفاقيَّة الإبادة الجماعيَّة لعام 1948. ويُعرّف التَّعليق على البروتوكولات الإضافيَّة لاتفاقيَّات جنيف لعام 1977 التَّجويع بأنَّه "سلاحٌ لإبادة السُّكَّان أو إضعافهم"، إلَّا أنَّ النصَّ الصَّرِيح الذي يحمي المدنيين، ويَحْظِر استخدام التَّجْوِيع كسِلَاح حربٍ مَوجُود في المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول، وتنصُّ على أنَّه "يُحظَر مُهَاجمَة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد الَّتِي لا غنى عنها لبقاء السُّكَّان المدنيين، مثل المواد الغذائيَّة والمناطق الزراعيَّة لإنتاجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشُّرب والإمدادات وأعمال الري، بغرضٍ محدَّدٍ هو حرمان السكَّان المدنيِّين أو الطَّرف الخصم من قيمتها الغذائيَّة، مهما كان الدَّافع، سواء كان ذلك لتجويع المدنيِّين أو لإجبارهم على النُّزُوح أو لأيِّ دافع آخَر".

منظَّمَة أوكسفام الخيريَّة الدولية، أكدت في تقاريرها أنَّ التَّجويع يُستخدم كسِلَاح حرب ضد المدنيِّين في غزَّة، وجدَّدَت دعوتها للسَّمَاح بدخول الغذاء والماء والوقود وغيرها من الضَّرُوريات، وقامت الوكالة الدوليَّة بتحليل بيانات الأمم المتحدة، ووَجَدت أنَّ 2 في المئة فقط من الغِذَاء الَّذِي كان من المفترض أن يتمَّ تسليمُه دخَل غزَّة منذ فرض الحِصَار الشَّامل الَّذِي قد شُدِّد حاليا.

كما أن اللَّجنة الخاصَّة للأمم المتَّحدة للتحقيق في الممارسات الإسرائيليَّة كانت قد أصدرت تقريرا سابقا، أكَّدت فيه على أنَّ الحرب التي تشنُّها إسرائيل في غزَّة تتسق مع خصائص الإبادة الجماعيَّة، مع سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيِّين، وفرض ظروف تُهدِّد الحياة عمدا على الفلسطينيِّين هناك. ويغطي التقرير الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى تموز/ يوليو 2024. وقالت اللَّجنة: "من خلال حصارها لغزة، وعرقلة المساعدات الإنسانيَّة، إلى جانب الهجمات المستهدفة وقتل المدنيِّين وعُمَّال الإغاثة، وعلى الرغم من النِّداءات المتكرِّرة للأمم المتحدة، والأوامر الملزمة من محكمة العدل الدوليَّة، وقرارات مجلس الأمن، فإن إسرائيل تتسبَّب عمدا في المَوت والتَّجويع والإصابات الخطيرة، باستخدام التَّجويع -كأسلوب من أساليب الحرب- وفرض عُقُوبَات جماعيَّة على السكَّان الفلسطينيِّين".

إسرائيل تتسبَّب عمدا في المَوت والتَّجويع والإصابات الخطيرة، باستخدام التَّجويع -كأسلوب من أساليب الحرب- وفرض عُقُوبَات جماعيَّة على السكَّان الفلسطينيِّين
وكانَ مَسؤُول السياسة الخارجيَّة في الاتِّحاد الأوروبي السَّابق "جوزيب بوريل" قد أكَّد على "أنَّ إسرائيل تتسبب في مجاعة في غزة، وتستخدم التَّجويع كسلاح حرب، وقال بوريل في افتتاح مؤتمر حول المساعدات الإنسانيَّة لغزَّة في بروكسل: "في غزَّة لم نعد على شفا المجاعة، نحن في حالة مجاعة تُؤثِّر في آلاف الأشخاص"، بينما أكَّد مُفوِّض عام وكالة الأمم المتَّحدة لغوث وتشغيل اللَّاجئين الفلسطينيِّين "أونروا" فيليب لازاريني أنَّ إسرائيل استخدمت الجُوع كسِلَاح في قطاع غزَّة، مشيرا إلى حرمان السُّكَّان من الضَّرُوريات الأساسيَّة للبقاء على قيد الحياة.

بفضل هذه السياسات ويواجه أكثر من مليوني فلسطيني في غزَّة أزمة إنسانيَّة غير مسبوقة نتيجة القيود الإسرائيليَّة المفْرُوضة على دُخُول المساعدات منذ مطلع آذار/ مارس 2025، عقب انهيار المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة. ووفقا لتقرير التَّصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي الصَّادر مؤخرا، سيواجه 470 ألف شخص في غزة جوعا كارثيّا (المَرْحلة الخامسة والأشد من التَّصنيف) خلال الفترة بين أيار/ مايو وأيلول/ سبتمبر 2025، بزيادة قدرها 250 في المئة عن تقديرات التَّصنِيف السَّابقة. ويُحدِّد التَّقرير أنَّ السُّكَّان بأكملهم يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما يُتوقَّع أن يحتاج 71 ألف طفل وأكثر من 17 ألف أُم إلى علاج عاجل من سوء التَّغذية الحاد.

وفي بداية عام 2025 قدَّرَت الوكالات أنَّ 60 ألف طفل سيحتاجون إلى العِلَاج العاجل، حيث أكدت "هيُومن رايتس ووتش" أنَّ أطفال غزَّة يموتُون مِن مُضَاعفات الجُوع منذ أن بدأت الحكومة الإسرائيليَّة في استخدام التَّجويع كسِلَاح حرب، وهو ما يُعدُّ جريمة حرب. وقد ذكر أطبَّاء وعائلات في غزَّة أنَّ الأطفال -بالإضافة إلى الأمَّهات الحوامل والمرضعات- يُعَانون من سوء تغذية حاد وجفاف، وعدم تأهيل المستشفيات لعلاجهم.

مقالات مشابهة

  • بعد خطاب تضامني مع فلسطين.. معهد ماساتشوستس الأمريكي يحرم طالبة من حضور حفل تخرجها
  • لوتان: يجب التعرف على جريمة الإبادة الجماعية لمنح ما يحدث بغزة اسما مناسبا
  • استخدام إسرائيل سلاح التجويع بحربها على غزة من منظور القانون الدولي الإنساني
  • فلسطين: منع إسرائيل وصول وزراء عرب إلى الضفة جوا “انتهاك فاضح”
  • أحمد موسى: إسرائيل هددت بضم الضفة إذا اعترفت دول كبيرة بدولة فلسطين
  • رئيس وزراء ماليزيا: الإبادة الجماعية في غزة هي اختبار لضميرنا الجمعي
  • «حشد»: إسرائيل تواصل ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية الأكثر بشاعة في التاريخ
  • أونروا: المساعدات التي ترسل لغزة سخرية من المأساة الجماعية
  • إسرائيل ترفض دخول وزراء خارجية عرب إلى رام الله وتعرقل اجتماعاً لدعم فلسطين
  • بن آند جيري تتهم الاحتلال بارتكاب الإبادة الجماعية.. تعرف على تاريخ الشركة وأبرز مواقفها