البحث عن المياه في ظل الجفاف.. سكان الأهوار في بلاد ما بين النهرين يواجهون خطرًا وجوديًا
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
بغداد اليوم - ذي قار
بعد أن قضى الجفاف على ثمانية من جواميسه، أضطر حيدر الموسوي (28 سنة) مطلع آب/أغسطس 2023، إلى الرحيل مع زوجته وطفليهما عن منطقة سكناهم الأصلية في "ايشان أبو نسلة" وهي عبارة عن جزر صغيرة داخل اهوار الجبايش شرق الناصرية مركز محافظة ذي قار، إلى منطقة العدل القريبة من مدينة العمارة، ذات البيئة المختلفة.
يقول بأن منطقته الجديدة التي تتغذى من نهر العز، متأثرة أيضا بنحو عام بالجفاف الذي يضرب الأهوار الجنوبية في العراق والذي دفع الكثير من سكانها للهجرة إلى أماكن في اعالي الأنهار بالمناطق المحادة لمدينتي الكوت والعمارة، في محاولة لإدامة بعض أسلوب حياتهم الممتد لآلاف السنين في بلاد الرافدين او التوجه نحو المدن والانخراط في حياة جديدة.
يأمل الموسوي الاستقرار في موطنه الجديد "لم يتبق لدينا سوى ستة جواميس، هي مصدر معيشتنا الوحيد، فنحن نعتمد علي بيع حليبها، ربما يكون هنا الحال أفضل"، لكنه لا يستبعد أن يقوم ببيع عدد جواميسه لضمان معيشة عائلته إذا استمرت موجة الجفاف "قد ابيع واحدة أو اثنتين، وأبدل الأخرى بأصغر منها لأستفيد من فرق السعر، لأن ذلك أفضل من نفوقها" يقول بامتعاض.
ابن عمه حمزه (30 سنة) حدث له ذات الشيء، إذ فقد سبعاً من جواميسه، ولم يبق لديه سوى خمس فقط، وهو يفتش الآن مع أفراد عائلته عن مكان تتوافر فيه المياه ليستطيعوا المكوث فيه أطول فترة ممكنة بما يؤمن الطعام والبيئة المناسبة لجواميسه، مصدر رزقه الوحيد.
حيدر وحمزة، من بين آلاف الأشخاص الذين سجل ديوان محافظة ذي قار تغييرهم لأماكن سكناهم بسبب نقص المياه، مقدرا في إحصائيات خاصة به، أعداد العائلات المرتحلة للسنوات 2021 و 2022 و 2023 بأكثر من 1400 عائلة، بمعدل يتراوح بين عائلة إلى اثنتين يومياً، تغادر الأهوار بحثا عن مكان يناسبها ويلائم معيشتها.
وهو ما ينعكس سلبا وبنحو مدمر، وفق مسؤولين محليين على الواقع الديموغرافي للأهوار، وبالتالي على الوضع الاقتصادي في المحافظة ولاسيما المتعلق منها بالثروة الحيوانية والفرص السياحية.
والاهوار هي عبارة عن مسطحات مائية موغلة في القدم، تضم العديد من أقدم المواقع الاثارية العالمية، لذلك فهي منطقة جذب للسياح. يعيش فيها وفقاً للمتخصص في علم الجغرافيا حسين الزيادي 340 ألف نسمة، يعتمدون في معيشتهم على تربية الجاموس بالدرجة الاولى كمورد اقتصادي بالاستفادة من حليبها، فضلاً عن صيد الطيور والاسماك، ويعتمدون كذلك على القصب والبردي اللذين يكثر نموهما هناك، إذ يدخلان في صناعة الحصيرة القصبية والبيوت المسماة (المضيف).
وتتجاوز مساحة اهوار ذي قار الـ 5000 كيلو متر، وهي متصلة بأهوار البصرة وميسان وتبلغ المساحة الصالحة للزراعة في المناطق الاهوارية بنحو عام 640 الف دونم.
تغير مناخي حاد
يؤكد د. محسن عزيزي، مدير بيئة ذي قار على أن نزوح السكان المحليين له تأثير مباشر على طبيعة المنطقة من الناحية الاجتماعية والبيئية، "هم سكان المنطقة الأصليون ووجودهم في المكان يمنحه ميزته وهي العيش بذات الاسلوب القديم كما ويفعل الحركة السياحية، وغيابهم يعني افتقاد الأهوار لركن أساسي من أركانها التي عرف بها على مدى عشرات الأجيال".
ويستبعد عزيز، أن يتسبب الجفاف بخروج الأهوار من لائحة التراث العالمي، ويوضح: "هنالك قوة قاهرة لا دخل مباشر للإنسان فيها، وهي التغير المناخي". وذكر بأن الحكومة العراقية تبحث باستمرار مع كل من تركيا وإيران، الأولى منبع نهري دجلة والفرات، والثانية تنبع منها العديد من الأنهر والجداول الفرعية التي تصب في الأهوار "للحصول على حصص مائية كافية لعموم البلاد وحصة مقررة خاصة بالأهوار".
أما عدنان الموسوي، مدير مركز انعاش الاهوار التابع لوزارة الموارد المائية، فأكد بأن نقص المياه في الاهوار، فضلاً عن ترك آثار كبيرة على السكان، يؤثر بنحو واضح على التنوع الاحيائي الفريد الذي تمتاز به المنطقة وستخسر غطائها النباتي الذي عرفت به.
ولفت إلى أن وزارة الموارد المائية، تقوم بإجراءات عملية للحفاظ على الأهوار، من خلال كري الأنهار التي تغذيها بنحو مستمر للسماح بوصول المياه اليها "اذ يتغذى هور الحويزة الواقع بين محافظتي ميسان والبصرة على سبيل المثال، من القنوات المائية المنحدرة من دجلة عبر مدينة العمارة، أما الاهوار الوسطى فتتغذى من نهر الفرات، وكذلك من قنوات مائية من نهر دجلة أيضا، اما هور ابو زرك، الواقع شرقي الناصرية، فيتغذى من قناة نهر شط ابو لحية الذي يحصل على مياهه من نهر الغراف المتفرع من دجلة" يقول الموسوي موضحاً.
الخبير المائي في منظمة طبيعة العراق جاسم الأسدي، يُذكِر بأن الأهوار في محافظة ذي قار، تعرضت لمواسم جفاف حادة بعد عام 2003 بفعل آثار التغير المناخي وكانت أوجها بين عامي 2015 و 2018 وما تلى 2020 ولغاية الآن.
ويقول بأن المساحة التي كان مقرراً اغمارُها ما بعد 2003 بلغت 5560 كيلو متراً مربعاً، لكن ذلك لم يحدث بسبب النقص الحاد في المياه، باستثناء عام 2019، إذ تم إغمار 80% من تلك المساحة، نتيجة الموسم المطري الغزير في تلك السنة. ويستدرك:"لكن لم يتبق من هذه المساحة المغمورة الآن سوى نسبة قليلة لا تتجاوز الـ 10%".
انخفاض في منسوب الأنهر
وكانت محافظة ذي قار، قد سجلت في عامي 2020 -2021 معدلات مطرية منخفضة جداً بحسب مدير الانواء الجوية في الناصرية علي طارق، اذ بلغ اجمالي الكميات في هذين العامين 31 ملم، وهي كمية قليلة جدا لم تسجلها المحافظة منذ خمسين عاما، حسبما ذكر.
ويقول بأن المعدلات المطرية تغيرت في عامي 2022 – 2023، فقد ارتفعت سبعة أضعاف ما كانت عليه قبل ذلك. ويتابع :"لكنها لا تكفي لتعويض الجفاف الذي حصل في الارض على مدى السنوات الماضية".
الناشط البيئي أياد الأسدي، قال بأنه يتابع باستمرار نسب انخفاض وارتفاع مياه نهر الفرات وما يدخل منها لأهوار الجبايش، ويؤكد بأن هذا المسطح المائي الطبيعي، فقد 25 سنتمتراً خلال حزيران/يونيو2023، إذ بلغ منسوبه 63 سم، بعد أن كان يبلغ 88 سم، ويضيف:"هذا الانخفاض استمر بشكل يومي في شهري تموز وآب مما تسبب بارتفاع نسب الملوحة والتراكيز الأخرى في المياه".
حسين عبد، الذي كان يسكن ايشان الكبة، بدء قبل أيام رحلة النزوح مع أفراد عائلته مصطحبين معهم جواميسهم الخمسة عشر. يقول بأنهم سيتوجهون نحو قضاء الحسينية في مدينة الكوت: "يوجد هناك مسطح مائي، لجواميسي، سيساعدنا ذلك على البقاء والاستقرار لحين عودة الأهوار إلى عهدها السابق وفيرة المياه كما عرفناها وعرفها أجدادنا".
حلول مؤجلة
الحكومة المحلية في ذي قار، تعرف جيداً بأن بقاء معظم سكان الأهوار مرهون بما يمتلكونه من جواميس، فإذا فقدوها بسبب قلة المياه أو كانوا مهددين بذلك، سيتخذون طريق النزوح بحثاً عن المياه في أماكن أخرى، وذلك لأنهم لايجيدون عملاً آخر غير تربية الجواميس.
لذلك، يكشف معاون المحافظ فيصل الشريفي، عن حلول قال بأنها يمكن أن تسهم في استقرار العائلات المتبقية وثنيها عن قرار النزوح، ويوضح:"نعمل مع البنك الدولي على مبادرة ستنطلق قريباً، لتدريب اكثر من 2000 رب أسرة من الرجال والنساء، لتعلم مهن مختلفة تكون ملائمة لأجواء الأهوار، كصيانة الزوارق والمحركات وغيرها، ويمنح كل شخص بعد إتمام الدورة، قرضا ماليا للبدء بمشروعه الخاص"، ويرى بأن من شأن ذلك التخفيف كثيراً عن كواهلهم، ويدفعهم للصمود لفترة أطول قبل اتخاذ قرار النزوح كلياً.
البعض من سكان الأهوار لا يجد في المبادرة حلاً لمشكلتهم، لأن الأمر كله متعلق بالمياه، ونقصها يؤثر على مجمل فعالياتهم الحياتية بما فيه عمل صانعي الزوارق، لذلك فلن تكون هنالك قيمة لصيانة الزوارق ومحركاتها مادامت ستركن دون استخدام لعدم وجود المياه، وفقاً لما يقولون.
فصانعو الزوارق أنفسهم هناك يفكرون بالبحث عن مهن أخرى، تنجيهم من شبح الفقر المدقع. سلام حسين كَنطار البالغ من العمر 36 سنة وهو صانع زوارق في هور الجبايش، واحد من هؤلاء الذين يبحثون عن عمل. هو تعلم مهنة صناعتها من والده الذي كان قد ورثها بدوره عن جده.
يقول بحزن بالغ:"الجفاف سيضطرني إلى ترك مهنة اجدادي، فأنا كنت قبل سنوات انتج العديد من الزوارق بالطرق التقليدية، وأبيعها في الأهوار، أما اليوم لم أعد انتج سوى القليل فقط، وأكثرها يشتريها زبائن من خارج الأهوار!".
لكن رمضان حمزة، خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية ومدير معهد استراتيجيات المياه والطاقة في إقليم كردستان العراق، يرى ان الحل النهائي يكمن في "الاستغلال الأمثل" لكل قطرة مياه تسقط او تصل البلاد من تركيا وإيران التي تتحكم بالمياه وفق مصالحها ولا يمكن توقع حسم خلافات الحصص المائية معهم خاصة مع التوقعات باستمرار مواسم الجفاف نتيجة التغيرات المناخية.
ويشدد حمزة على ضرورة تأهيل منخفض الثرثار الذي يستوعب خزين استراتيجي يصل الى نحو 80 مليار متر مكعب من المياه الصالحة للزراعة، وذلك من خلال عزل الطبقات الجبسية التي تتسبب في ملوحة المياه، واعتماد سياسة حصاد وتجميع مياه الأمطار والسيول وتصريف متقن للمياه باستخدام التقنيات الحديثة في الري بالشكل الذي يساهم في استدامة الزراعة على طول حوضي دجلة والفرات، فضلا عن وصول الكميات الكافية من المياه الى الأهوار في جنوب البلاد لضمان ادامة حياة السكان في جزء منها على الأقل، وبالتالي حفظ ذلك التراث الانساني المهدد بالفناء.
* انجز التحقيق ضمن مشروع "الصحافة البيئية" بدعم من منظمة "انترنيوز" وتحت اشراف شبكة "نيريج"
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: محافظة ذی قار یقول بأن من نهر
إقرأ أيضاً:
ضحايا حرب غزة يواجهون نقصًا حادًا في الأطراف الاصطناعية
غزة (زمان التركية)ــ في يوليو/تموز 2024، دمرت غارة جوية إسرائيلية منزل حنين المبحوح في وسط غزة بينما كانت هي وعائلتها نائمين. قُتلت بناتها الأربع، بمن فيهن طفلتها الرضيعة البالغة من العمر خمسة أشهر. وأُصيب زوجها بحروق بالغة. سُحقت ساقا المبحوح تحت الأنقاض، واضطر الأطباء إلى بتر ساقها اليمنى فوق الركبة.
تجلس حنين المبحوح على كرسيها المتحرك، تحلم بإعادة بناء أسرتها، وبحمل طفل جديد بين ذراعيها. تحلم بالمشي مجدداً. لكن بعد أن فقدت ساقها خلال حرب الإبادة الإسرائيلية، توقفت حياتها في غزة، كما تقول، وهي تنتظر السفر إلى الخارج لتلقي المزيد من العلاج.
“على مدى العام ونصف العام الماضيين، لم أتمكن من التنقل، أو العيش مثل الآخرين. على مدى العام ونصف العام الماضيين، كنت بلا أطفال”، قالت ذلك وهي تتحدث في منزل والديها.
لم يُسفر وقف إطلاق النار في غزة، الذي مضى عليه شهران، عن تقديم المساعدة الكافية لآلاف الفلسطينيين الذين فقدوا أطرافهم جراء القصف الإسرائيلي خلال العامين الماضيين . وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى وجود ما بين 5000 و6000 شخص مبتوري الأطراف جراء الحرب، 25% منهم أطفال .
أولئك الذين فقدوا أطرافهم يكافحون من أجل التأقلم ، في ظل نقص الأطراف الاصطناعية والتأخيرات الطويلة في عمليات الإجلاء الطبي من غزة.
أعلنت منظمة الصحة العالمية أن شحنة من المستلزمات الأساسية للأطراف الصناعية وصلت مؤخراً إلى غزة. ويبدو أن هذه أول شحنة كبيرة تصل منذ عامين.
وبحسب لؤي أبو سيف، رئيس برنامج الإعاقة في منظمة المعونة الطبية للفلسطينيين (MAP)، ونيفين الغصين، المديرة بالإنابة لمركز الأطراف الاصطناعية وشلل الأطفال في مدينة غزة، فإن إسرائيل لم تسمح سابقاً بدخول أي أطراف صناعية جاهزة أو مواد لتصنيع الأطراف منذ بدء الحرب.
لم ترد الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن تنسيق المساعدات، والمعروفة باسم “كوغات”، عندما سُئلت عن عدد الإمدادات التعويضية التي دخلت خلال الحرب أو عن سياساتها المتعلقة بهذه الإمدادات.
مستقبلي مشلولقالت المبحوح إنها كانت نائمة وطفلتها الرضيعة بين ذراعيها عندما ضربت الغارة منزلهم في النصيرات. ولم تكن المبحوح تعلم بمقتل طفليها طوال أسابيع قضتها في المستشفى تتعافى.
خضعت لعدة عمليات جراحية . لا تزال يدها تعاني من صعوبة في الحركة. أما ساقها المتبقية فلا تزال محطمة، مثبتة بقضبان معدنية. وهي بحاجة إلى ترقيع عظمي وعلاجات أخرى لا تتوفر إلا خارج غزة.
تم إدراج اسمها في قائمة الإجلاء الطبي قبل 10 أشهر، لكنها لم تحصل بعد على إذن بمغادرة غزة.
تنتظر فرصتها للرحيل، وهي تعيش في منزل والديها. تحتاج إلى مساعدة في تغيير ملابسها، ولا تستطيع حتى الإمساك بقلم، وما زالت تعاني من حزن شديد على ابنتيها. قالت عن طفلتها: “لم أسمعها تنطق كلمة ‘ماما’، ولم أرَ سنها الأول، ولم أشاهدها تخطو خطواتها الأولى”.
إنها تحلم بإنجاب طفل جديد، لكنها لا تستطيع ذلك حتى تتلقى العلاج.
“من حقي أن أعيش، وأن أنجب طفلاً آخر، وأن أستعيد ما فقدته، وأن أمشي، فقط أن أمشي مجدداً”، قالت. “أما الآن فقد شُلّ مستقبلي. لقد دمروا أحلامي”.
عمليات الإجلاء الطبي لا تزال بطيئةلم يسفر وقف إطلاق النار إلا عن زيادة طفيفة في عمليات الإجلاء الطبي لـ 16500 فلسطيني تقول الأمم المتحدة إنهم ينتظرون الحصول على علاج حيوي في الخارج – ليس فقط مبتوري الأطراف، ولكن المرضى الذين يعانون من أنواع عديدة من الأمراض المزمنة أو الجروح.
حتى الأول من ديسمبر، تم إجلاء 235 مريضاً منذ بدء وقف إطلاق النار في أكتوبر، أي ما يقارب خمسة مرضى يومياً. في الأشهر التي سبقت ذلك، كان المتوسط حوالي ثلاثة مرضى يومياً.
أعلنت إسرائيل الأسبوع الماضي استعدادها للسماح للمرضى وغيرهم من الفلسطينيين بمغادرة غزة عبر معبر رفح الذي تسيطر عليه إسرائيل بين غزة ومصر، لكنها لن تسمح بعودتهم. وتصر مصر، التي تسيطر على الجانب الآخر من المعبر، على ضرورة فتح رفح أيضاً لعودة الفلسطينيين إلى ديارهم، وفقاً لما ينص عليه اتفاق وقف إطلاق النار.
صرح الدكتور ريتشارد بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لوكالة أسوشييتد برس، بأن تراكم الحالات يعود إلى نقص الدول القادرة على استضافة المرضى الذين يتم إجلاؤهم. وأضاف أن هناك حاجة لفتح طرق إجلاء طبي جديدة، لا سيما إلى الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، حيث المستشفيات جاهزة لاستقبال المرضى.
أما بالنسبة للمنتظرين، فإن الحياة تتوقف تماماً.
يرقد ياسين معروف في خيمة بوسط غزة، وقد بُترت قدمه اليسرى، بينما بالكاد تُربط ساقه اليمنى بقضبان معدنية.
تعرض الشاب البالغ من العمر 23 عامًا وشقيقه لقصف إسرائيلي في مايو/أيار أثناء عودتهما من زيارة منزلهما في شمال غزة، الذي أُجبرت عائلتهما على الفرار منه. قُتل شقيقه. وبقي معروف ينزف على الأرض، بينما هاجم كلب ضال ساقه اليسرى الممزقة.
يقول الأطباء إن ساقه اليمنى ستحتاج أيضاً إلى بتر، ما لم يتمكن من السفر إلى الخارج لإجراء عمليات جراحية قد تنقذها. وقال معروف إنه لا يستطيع تحمل تكلفة المسكنات ولا يستطيع الذهاب إلى المستشفى بانتظام لتغيير ضماداته كما هو مطلوب.
وقال: “إذا أردت الذهاب إلى الحمام، فأنا بحاجة إلى شخصين أو ثلاثة ليحملوني”.
كان محمد النجار يدرس للحصول على شهادة في تكنولوجيا المعلومات في جامعة فلسطين قبل الحرب.
قبل سبعة أشهر، اخترقت شظايا ساقه اليسرى خلال قصف المنزل الذي كانت عائلته تحتمي فيه. قام الأطباء ببتر ساقه فوق الركبة. كما أصيبت ساقه اليمنى بجروح بالغة، ولا تزال الشظايا عالقة في أجزاء من جسده.
على الرغم من خضوعه لأربع عمليات جراحية وعلاج طبيعي، إلا أن الشاب النجار البالغ من العمر 21 عاماً لا يستطيع الحركة.
وقال: “أود أن أسافر إلى الخارج وأضع طرفاً صناعياً وأتخرج من الجامعة، وأن أعيش حياة طبيعية مثل الشباب خارج غزة”.
غزة تواجه نقصاً في الأطراف الاصطناعيةبشكل عام، تسببت القوات الإسرائيلية في إصابة ما لا يقل عن 170 ألف فلسطيني وقتلت أكثر من 70300 – معظمهم من النساء والأطفال – منذ أكتوبر 2023.
وقالت منظمة الصحة العالمية في تقرير صدر في أكتوبر/تشرين الأول إن نحو 42 ألف فلسطيني عانوا من إصابات غيرت حياتهم في الحرب، بما في ذلك عمليات بتر الأطراف، وإصابات الدماغ، وإصابات الحبل الشوكي، والحروق الشديدة.
لقد تحسّن الوضع “بشكل طفيف” بالنسبة للأشخاص ذوي الاحتياجات المساعدة، لكن “لا يزال هناك نقص كبير في المنتجات المساعدة”، مثل الكراسي المتحركة والمشايات والعكازات. وأفادت منظمة الصحة العالمية في بيان لوكالة أسوشيتد برس أن غزة لا تضم سوى ثمانية أخصائيين في الأطراف الصناعية قادرين على تصنيع وتركيب الأطراف الاصطناعية.
أفاد مدير مركز الأطراف الاصطناعية وشلل الأطفال في مدينة غزة، وهو أحد مركزين لا يزالان يعملان في القطاع، أن المركز تلقى شحنة من المواد اللازمة لتصنيع الأطراف الاصطناعية قبيل بدء الحرب عام 2023. ودخلت شحنة صغيرة أخرى في ديسمبر 2024، لكن لم تصل أي شحنات منذ ذلك الحين.
وقال الغصين إن المركز تمكن من توفير أطراف صناعية لـ 250 حالة خلال فترة الحرب، لكن الإمدادات بدأت تنفد.
بحسب أبو سيف من منظمة MAP، لم تدخل أي أطراف صناعية جاهزة، وقال إن إسرائيل لا تحظرها، لكن إجراءاتها تتسبب في تأخيرات و”في النهاية يتجاهلونها”.
يريد إبراهيم خليف ساقاً اصطناعية يمنى حتى يتمكن من الحصول على وظيفة في الأعمال اليدوية أو تنظيف المنازل لإعالة زوجته الحامل وأطفاله.
في يناير/كانون الثاني، فقد ساقه عندما ضربت غارة جوية إسرائيلية مدينة غزة بينما كان يخرج لشراء الطعام.
قال خليف: “كنتُ المعيل لأطفالي، أما الآن فأنا جالس هنا. أفكر في كيف كنتُ وما أصبحتُ عليه”.
Tags: الحرب في غزةضحايا حرب غزة