الحرب الإسرائيلية ضد غزة توجه ضربة لمشروع الدولة القومية والحدود القطرية
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
لا شك أن ما بعد السابع من تشرين أول / أوكتوبر 2023 سيكون تاريخًا فارقًا في السياق الفلسطيني بل والمنطقة ككل. فهناك أبعاد كثيرة سوف تساهم في خلق واقع جديد سواء من ناحية النظر والتعامل مع إسرائيل كقوة إقليمية متفوقة في الشرق الأوسط، أو من ناحية إعادة إنتاج نظرة الإنسان العربي إلى نفسه ورفع سقف الطموح السياسي المرتبط بالقضية الفلسطينية.
أبعاد طوفان الأقصى على القضية الفلسطينية
ابتداءً فإن حالةً من رفع سقف التوقع السياسي المرتبط بالحق الفلسطيني بشكل غير مسبوق قد ظهرت آثارها عند جميع المتابعين للقضية الفلسطينية، حيث تجاوز المخيال العربي عمومًا مسألة تقسيم فلسطين بين العرب والصهاينة، وصولًا إلى الحديث المعلن عن التحرير الكامل لأرض فلسطين من النهر إلى البحر. وهذا الأمل الذي بدأ ينمو وهو مختلف عن الأماني بطبيعة الحال ستكون له أبعاد وجدانية ونتائج توعوية ستنعكس على تحمل الشدائد والصبر والصمود والمقاومة والتضحية في الأيام التالية.
لقد أثبتت عملية طوفان الأقصى بما لا يدع مجالًا للشك أن هناك حسابات للقدرات العسكرية والمادية ستتغير إذا ما كان الصراع مرتبطًا بحقوق ثابتة غير قابلة للنسيان أو التفاوض وشعوب تصرُّ على الحصول على حقها. فالصراع على فلسطين صراع حق وباطل حاول العالم الغربي والقوى الكبرى ذات النفوذ خلال القرن الماضي أن يجعلاه صراعًا داخليًا بين شعبين يختلفان على بعض الحقوق.
لقد بينت الحرب الدائرة أن المسجد الأقصى هو قلب القضية الفلسطينية ومحرك الصراع الأبرز في المنطقة، ولذلك جاءت سياسات الاحتلال ومحاولة فرض أمر واقع وفصل الضفة عن قطاع غزة بل وتجزئة القضية والمدن الفلسطينية ـ جاءت ـ كلها بنتائج عكسية فتحرك الشعب الفلسطيني بكل إمكانياته التي تتوجت بما حصل من غزة.
وكان تعنُّت الاحتلال والتطرف والعنصرية المتأصلة في المجتمع الصهيوني ذات أثر عكسي واستجلب ردات فعل فلسطينية فاعلة على مدار الوقت، فالاحتلال يرفض منذ سنوات التفاوض بموضوع الأسرى وها هو اليوم يقف أمام حقيقة أسر عدد كبير من جنوده وضباطه لدى المقاومة وسيضطر عاجلًا أم آجلًا إلى التعاطي مع مسألة الأسرى وصولًا إلى الإفراج عنهم أو عن عدد منهم مكرهًا. لذا، أثبتت هذه الحرب أن الشرعية الفلسطينية لمن يقاوم الاحتلال، حتى من لا يؤيدون خط المقاومة فقد أصبحوا في هذه الظروف يدعمون دفاعها عن فلسطين والشعب الفلسطيني، فيما تقف قوى العالم الكبرى متحدة ضد الحق الفلسطيني.
يمكن القول: إن غزة لن تقبل بالعودة لمرحلة ما قبل السابع من تشرين أولا / أكتوبر الماضي، فالتهدئة مقابل السماح للمساعدات والغذاء بالدخول لن يكون كما كان. بعبارة أخرى، سوف تفرض هذه الحرب معادلات جديدة في طبيعة التعامل مع القطاع المُحاصر في المستقبل القريب على الصعيدين الإسرائيلي والعربي.
أبعاد الحرب ضد غزة على المنطقة
صمود أهل فلسطين عامة وأهل غزة خاصة ودفاعهم عن بلادهم ومقدساتهم وعلى رأسها المسجد الأقصى قدم دروسًا للأمة جمعاء في التضحية والصمود من جانب والتخطيط المُحكم والعمل الدؤوب كأهم أسس لتحرير الشعوب من كل أشكال الظلم والاستبداد والاستعباد. فالسكوت عن الظُلم لا يجلب إلا ظلمًا أكبر، وعدم مُجابهة الظلم يؤذن بتفشي ظُلم أعظم وهو ما تؤكده حالة الضفة الغربية التي لا يزال الاحتلال يهدم بيوت أهلها ويصادر أراضيها ويقتل أبناءها على الرغم من خضوعها لسيطرة السلطة الفلسطينية التي يتبنى رئيسها الحل السلمي والمقاومة السلمية ويرفض أعمال المقاومة المسلحة بشكل صريح ومباشر، ولذا، كان لعملية طوفان الأقصى أثر كبير على الوعي والوجدان لدى الكثير من أبناء الأمة خاصة ما يتعلق بالعمل الدؤوب والتخطيط على كل الأصعدة المُمكنة للتخلص من الاستعباد بكل أشكاله.
تشهد إسرائيل حالة انحطاط بسبب الانقسامات الحادة وعلى كل الأصعدة، وما يحدث الآن من ارتباك على الساحة السياسية هو أيضا بسبب صراعات واختلافات كبيرة بين الاسرائيليين انفسهم. لكن طوفان الأقصى جعل صورة المُجتمع الإسرائيلي المُنقسم والمرتبك ظاهرة بشكل لا يدع مجال للشك.ولقد رفعت المقاومة الفلسطينية من تطلعات الأمة، وبينت للجميع كيف أن الحصار وقلة الإمكانيات ليست ذريعة، حيث شكلت الإرادة الصلبة والخطة المُحكمة والعمل الدؤوب كسرًا لقواعد المستحيل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ستكون فكرة تخطي الحدود التي قام بها المُقاومون عملًا ملهمًا لجيل يتخطى ويحطم حدود المستحيل التي فُرضت عليه من الاستعمار الداخلي والخارجي.
نرى اليوم كيف أن هناك فشلًا لمشروع الدولة القومية والحدود القطرية بشكل عجيب. الاستعمار الأوروبي جلب لنا فكرة الدولة القومية وهي بنية ذات سياق أوروبي لحل أزمات أوروبية، بطبيعة الحال صُدرت للعالم والعالم المسلم أيضا، فأصبح الكثير من أبناء الأمة يفكر أولا بقوميتة أو قطريته الضيقة بل وغابت فكرة الأمة عن كثير منها بل غاب حتى التفكير بالأمة عن الكثير من الحركات الإسلامية. المقاومة الفلسطينية تبين لنا أن الأرض المباركة أي فلسطين هي قاسم مشترك بل وأعظم من القطرية والقومية.
أثبت العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أن التطبيع لا فائدة لإسرائيل منه، ولا فائدة للمُطبعين من إسرائيل، بعض الدول التي أرادت أن تُطبع مع الكيان الصهيوني فعلت ذلك لأجل حماية نفسها من دول أخرى في المنطقة، وها هي المقاومة تبين لنا أن إسرائيل لم تستطع أن تحمي نفسها، فكيف لها ان تحمي غيرها؟! لذلك الهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني ضُرب ضربة قاسية من وكأن ما يجري هو طوفان ضد التطبيع أيضا. لذا، من شأن هذه الحرب أن تُجمد اتفاقيات التطبيع أو حتى قد تنهار وخصوصا إذا ما استمر سقوط المدنيين الشهداء ونقل الصور إلى العالم، فالشعوب سوف تقف بشكل صارم بالمستقبل ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني.
لا يوجد هناك شيء اسمه الحياد في هذا الصراع. فإما أن تكون مع المُستعمِر أو المُستعمَر إما أن تكون مع الظالم أو المظلوم. بعبارة أخرى، إما أن تكون مع الحق أو الباطل، فلا يوجد منطقة وسطى ومُحايدة في هذا الصراع. طوفان الأقصى وما تبعه من عدوان إسرائيلي هائل سوف يُنتج شعوبا عربية ذات مواقف واضحة من العدوان وسوف يزداد الدعم والتضامن العربي مع أهل فلسطين. والآن نحن بحاجة لتوجيه هذه الشعوب لتحويل هذه العواطف إلى فعل على أرض الواقع. فمثلا موضوع المقاطعة يجب أن يفعل على كل الأصعدة في المنطقة.
إسرائيل أنفقت المليارات على الدعايات السياسية لتحسين صورتها أخلاقيًا وسياسيًا وعسكريًا. لقد أوضحت المقاومة الفلسطينية أن هذا الكيان مُهشم وضعيف حتى أكثر مما كنا نتخيل. وبالتالي صورة الجيش الإسرائيلي بأنه الجيش الذي لا يقهر لم تعد موجودة لا في الخيال الفلسطينيي ولا عربي. فهذا الجيش تهشم بفعل المقاومة والصور التي رأيناها لن تُمسح من الذاكرة إطلاقا.
تشهد إسرائيل حالة انحطاط بسبب الانقسامات الحادة وعلى كل الأصعدة، وما يحدث الآن من ارتباك على الساحة السياسية هو أيضا بسبب صراعات واختلافات كبيرة بين الاسرائيليين انفسهم. لكن طوفان الأقصى جعل صورة المُجتمع الإسرائيلي المُنقسم والمرتبك ظاهرة بشكل لا يدع مجال للشك.
في النهاية يمكن القول، أننا على أبواب مرحلة جديد سوف تكون قاسية ومُكلفة على أهل فلسطين خاصة لكنها سوف تغير الكثير من المفاهيم والوقائع وكل ذلك سيكون مؤذن لمرحلة ينهي بها هذا الظلم الإسرائيلي. لكن يجب القول أن هناك مسؤوليات جمة تقع على عاتق الجميع، وهي دعم المقاومة بكل الأشكال، ودعم صمود الشعب الفلسطيني، والتصدي على كل الأصعدة للرواية الصهيونية.
*أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الفلسطيني الحرب الاحتلال غزة احتلال فلسطين غزة حرب تداعيات أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة طوفان الأقصى الکثیر من
إقرأ أيضاً:
مسيرات حاشدة في الضالع تحت شعار “طوفان الأقصى.. عامان من الجهاد والتضحية حتى النصر”
الثورة نت /..
شهدت مديريات دمت والحشاء وقعطبة وجُبّن بمحافظة الضالع اليوم، مسيرات حاشدة تحت شعار “طوفان الأقصى.. عامان من الجهاد والتضحية حتى النصر”.
ورفع المشاركون في المسيرات، التي تقدّمها في دمت القائم بأعمال المحافظ عبداللطيف الشغدري، ومسؤول التعبئة أحمد المراني، العلمين اليمني والفلسطيني ورددوا شعار البراءة من أعداء الله.
وأكدوا أن يوم السابع من أكتوبر مثل طوفانا ضد الغطرسة والهمجية الصهيونية بحق أبناء الشعب الفلسطيني.. معتبرين عملية “طوفان الأقصى” حدثا مفصليا في تاريخ القضية الفلسطينية، قضى على مشاريع التطبيع ومساعي الأعداء لتغيير ملامح الشرق الأوسط.
وأعلن المشاركون في المسيرات الثبات مع غزة في إطار موقف اليمن المتكامل في نصرة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.
وبارك بيان صادر عن مسيرات الضالع، لأبناء الشعب الفلسطيني عمومًا وأبناء غزة ولأبطال المقاومة خصوصًا صمودهم العظيم وصبرهم منقطع النظير وتضحياتهم التي فاقت التوقعات، والذي كان من ثماره إفشال العدو في تحقيق أهدافه التي أعلنها منذ اليوم الأول، فلم يستطع استعادة أسراه دون صفقة تبادل، ولم يُنهِ المقاومة، وفشل في مخطط التهجير، وبقي عاجزًا رغم الدعم الذي لا مثيل له من الأمريكي ومعظم الأنظمة الغربية.
وأكد أن المقاومة المجاهدة ومعها الشعب الفلسطيني استمروا بثقتهم العظيمة بالله، وصبرهم وصمودهم وثباتهم على موقفهم لم يتزعزعوا ولم يخضعوا ولم يتراجعوا، وقدموا درسًا للأمة وللعالم في انتصار الحق مع الوعي والصبر وإن قل نصيره، وانكسار الظلم والطغيان وإن عظم نفيره.
وعبر البيان عن الحمد لله الذي وفق الشعب اليمني وهداه بدينه الحق، وبكتابه العظيم، وبالقيادة القرآنية الصادقة إلى أعظم موقف، وتوجه بشرف وفخر إسناد غزة لعامين كاملين، ونجاه من عار الخذلان والهوان وثبته ونصره أمام أطغى طغاة الأرض الصهاينة والأمريكان، فلم يتراجع ولم ينكسر بفضل الله وكرمه، ولم يخذل غزة ولم يخضع لغير الله، الذي أعزه بعزته وأمده بقوته وربط على قلوب أبنائه وثبتهم وسدد ضرباتهم.
وأكد أن الخروج اليوم في مسيرات استثنائية، جهادًا في سبيل الله وابتغاءً لمرضاته، مباركةً للشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعزاء، وتتويجًا لعامين من الاحتشاد الجهادي المشرف في مساندة الشعب الفلسطيني، وتأكيدًا للثبات على الموقف الإيماني الراسخ حتى النصر المبين والفتح الموعود بإذن الله.
ولفت البيان إلى أن الخروج الشعبي يعبّر عن ثبات وإصرار الشعب اليمني على مبدأ الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وتجديد الولاء للقيادة القرآنية المتمثلة بالسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذي شكل مصدر إلهام وقوة للجماهير في مواجهة التحديات والصمود أمام العدوان الصهيوني والأمريكي.
وأوضح أن عامين من الصمود والتضحية أظهرا قدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة العدوان وتحقيق صمود غير مسبوق، رغم كل الحصار والدمار الذي تعرض له قطاع غزة.
كما بارك البيان لقائد المسيرة القرآنية السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثى الذي أنعم الله به علينا، ورفع الله قدرنا بمواقفه وثباته وشجاعته وحكمته.
وحيا صمود وثبات كل الأوفياء الصادقين الذي ضحوا مع غزة وبذلوا وثبتوا وصبروا وفي مقدمتهم الأخوة في حزب الله في لبنان الذين ضحوا أعظم التضحيات وكانوا الأوفياء في وعدهم لغزة وفلسطين والقدس، وكذا الجمهورية الإسلامية في إيران الثابتة على النهج، والداعم والسند لغزة والمقاومة دون تراجع، وكذا للأخوة في المقاومة في العراق الذين كان لهم حضورهم في الاسناد.
وأكد الاستعداد الدائم للتحرك في مواجهة أي تصعيد عدواني إجرامي إسرائيلي أو أمريكي أو غيره، سواءً استمرت هذه الجولة من الصراع أو في غيرها من الجولات، واليقظة الدائمة لكل مخططات الأعداء تجاه بلدنا أو بلدان المنطقة لإغراقها من جديد في أي صراعات تصرفها عن القضية الأساسية والمركزية، والاستعداد بعون الله وتوفيقه لمواجهتها وإفشالها.
وجدد البيان التأكيد على التمسك المستمر بالقضية الفلسطينية، والوقوف الدائم والصادق مع أبناء الشعب الفلسطيني، وأضاف ” نقول لأبناء فلسطين كما قال قائد الثورة: لستم وحدكم، ولن تكونوا وحدكم الله معكم، ونحن معكم، وسنبقى على الدوام معكم حتى تحرير فلسطين كل فلسطين، وزوال الكيان المغتصب المؤقت، الظالم، الإجرامي بإذن الله”.