أظهرت دراسة حديثة أن رياح الأعاصير تمزج طبقات مياه المحيط فتدفع المياه السطحية الدافئة إلى داخل المحيط وتولد أمواجا تحت سطح الماء تحمل المياه الدافئة إلى أعماق بعيدة، فلا يمكن فقد الحرارة منها إلا بعد عدة سنوات بعد عبورها آلاف الأميال محمولة بتيارات المحيط العميقة.

الدراسة التي نشرت في دورية "ذا بروسيدنغز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس" (PNAS) يوم 20 يونيو/حزيران الجاري تحسم الجدل الذي دام عقدين حول إذا ما كان الماء الدافئ الذي يدفعه الإعصار إلى داخل المحيط يستطيع أن يصل للعمق الذي تسري فيه تيارات المحيط فيُحمل بذلك إلى أماكن بعيدة ويُحدث تغييرات مناخية وبيئية فيها.

وذكر بيان صحفي نُشر في موقع جامعة براندايس (Brandeis University) -إحدى الجامعات التي شاركت في الدراسة- أن الأمواج التي تنشأ داخل المحيط بفعل الإعصار تحمل المياه الدافئة إلى عمق يبلغ 4 أضعاف ما قد تصل إليه بفعل تحريك رياح الإعصار فقط.

رياح الأعاصير تهب في شكل دائري قطره قد يصل إلى مئات الكيلومترات (بيكسابي) ما الإعصار؟

الإعصار هو عاصفة قوية جدا قد تصل سرعتها إلى 240 كيلومترا وتهب رياحها في شكل دائري قطره قد يبلغ 320 كيلومترا، وتنشأ على سطح المحيطات في النطاق المداري ويستطيع بعضها عبور محيطات كاملة.

وتحدث سنويا 80 عاصفة مدارية، وللمحيط الهادي النصيب الأكبر منها، يليه المحيط الهندي ثم الأطلسي.

وتنشط الأعاصير في فصل الصيف، الذي يوافق شهور يوليو/تموز وأغسطس/آب وسبتمبر/أيلول في نصف الكرة الأرضية الشمالي، أما في نصف الكرة الأرضية الجنوبي فإنه يوافق شهور يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط ومارس/آذار.

ويحدث الإعصار حين تؤدي حرارة مياه المحيط السطحية إلى رفع الهواء المحمل بالرطوبة والملاصق لسطح المحيط إلى الأعلى مثل منطاد الهواء، ما يخلق ضغطا منخفضا على سطح المحيط يسحب مزيدا من الهواء الرطب لتعويض نقص الضغط.

وتتواصل هذه العملية مولدة رياحا قوية جدا وسُحبا يصل ارتفاعها إلى ارتفاع قمة إيفرست.

ويصاحب الأعاصير كثير من الدمار ما بين انهيارات أرضية وفيضانات وغيرها، وتتسبب في خسائر سنوية تبلغ مليارات الدولارات، وهي تلي الزلازل من حيث عدد ضحاياها.

فبين عامي 1998 و2017، تعرض 726 مليون شخص للضرر بسبب الأعاصير بين الإصابة الجسدية أو فقد المسكن والنزوح أو الإجلاء إذا أُعلنت حالة الطوارئ.

كما أنها كثيرا ما تدمر البنى التحتية فتحرم ضحاياها من الماء العذب أو تمنع وصولهم إلى إمدادات الطعام أو المستشفيات.

الأعاصير يصاحبها كثير من الدمار (بيكسابي) كيف يؤثر الإعصار على المحيط؟

بدءا من سطح الماء وحتى عمق 50 مترا يكون الماء دافئا (27 درجة مئوية)، تلي هذه الطبقة طبقات من الماء البارد. وفروق الحرارة بين الطبقات تمنع امتزاجها فتحافظ كل منها على حرارتها، ولكن حين يهب الإعصار فإن رياحه القوية تمزج طبقات الماء فتنتقل حرارة الطبقة السطحية إلى الطبقة التي تليها.

ودرس الباحثون 3 أعاصير مرت بجزر الفلبين، وفي أثناء الدراسة استخدموا مسبارا يهبط لعمق 300 مترا تحت سطح الماء ويقيس الاضطراب في حركة المياه وكذلك درجة حرارتها وقارنوا قراءات المسبار قبل مرور الأعاصير وبعد مرورها.

في هذا العمق، استطاع المسبار تسجيل اضطرابات في حركة الماء في شكل أمواج نشأت جراء الأعاصير، وحملت هذه الأمواج الحرارة التي دخلت للمحيط إلى عمق يجعل من غير الممكن خروجها للسطح.

ماذا يحدث للحرارة داخل المحيط؟

حين تصل المياه الدافئة لعمق كاف فإنها تُحمَل بتيارات المحيط العميقة التي تسري لمسافات بعيدة، يعني هذا أنه -تبعا لاتجاهات تيارات المحيط الهادي- يمكن لإعصار ضرب جزر الفلبين غربي المحيط أن ينقل الماء الدافئ إلى الإكوادور في شرق المحيط بعد مرور عدة سنوات.

وعند الوصول لهذه المرحلة، تصعد الحرارة أخيرا إلى الأعلى بفعل التيارات التي تحمل الرواسب إلى الجروف القارية أو بفعل تيارات الماء الصاعدة.

ارتفاع درجة الحرارة يسبب تبييض الشعاب المرجانية (شترستوك) كيف تؤثر الحرارة على البيئات التي تصل إليها؟

عند صعود المياه الدافئة إلى الأعلى فإنها تقابل الشعاب المرجانية التي توجد في المياه السطحية. وتعد الشعاب المرجانية من أهم الأنظمة البيئية البحرية، فمثلا يؤوي 800 نوع من هذه الشعاب 32% من أنواع الكائنات البحرية المعروفة، و37% من الأسماك ترتبط حياتها بها بشكل أو بآخر.

وهذه الأرقام مرشحة للزيادة إذ إن هناك تقديرات أن العدد الفعلي لأنواع الشعاب المرجانية قد يتعدى 800 ألف نوع.

وعلى الرغم من أهميتها وتنوعها البيولوجي فإنها حساسة جدا للتغيرات البيئية، إذ يقدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن 25-50% من الشعاب المرجانية قد فُقدت بالفعل، و60% منها مهددة بذلك، بل إن 90% منها قد يُفقد بحلول عام 2050 إذا ظل الاحتباس الحراري عند 1٫5 درجة مئوية.

وتحت تأثير ارتفاع درجة الحرارة، تفقد الشعاب المرجانية لونها في ما يعرف بتبييض الشعاب المرجانية، حيث يطرد المرجان الطحالب التي تعيش فيه وتوفر الغذاء له وتكسبه لونه، بذلك يبيض المرجان ويضعف ويصبح معرضا للموت وتغادره الكائنات التي كانت متعايشة معه.

وقد يحدث أن تبيَضّ الشعاب المرجانية حتى لو كانت البيئة التي توجد فيها طبيعية، والسبب في ذلك قد يكون إعصارا حدث في الجانب الآخر من المحيط قبل عدة سنوات تسبب في إدخال الماء الدافئ إلى بيئة الشعاب المرجانية.

لكن الصورة ليست بهذا السوء، إذ إن احتباس الماء الدافئ داخل المحيط  يحجز الحرارة داخله لعقود ويمنعها من أن تسهم في الاحتباس الحراري.

وتُظهر هذه الدراسة أن المحيط والإعصار يتبادلان التأثير، فحرارة سطح المحيط هي التي تُنشئ الإعصار الذي بدوره يرفع درجة حرارة باطن المحيط.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

عودة سكان سواحل المحيط الهادئ بعد تراجع خطر «التسونامي»

عواصم (الاتحاد)

أخبار ذات صلة بالصور.. 14 وجهة عالمية ساحرة نمو مبيعات التجزئة في اليابان بنسبة 2%

بدأ، أمس، ملايين من سكان سواحل المحيط الهادئ، من اليابان إلى الإكوادور، العودةَ إلى ديارهم بعدما تسبب الزلزال الذي ضرب أقصى شرق روسيا في اليوم السابق، هو من بين الأشد على الإطلاق، في إنذارات بوقوع تسونامي.
وأفادت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، بأن زلزالا بقوة 8.8 درجات وقع في الساعة 11.24 صباحاً بالتوقيت المحلي، الأربعاء الماضي، على عمق 20.7 كيلومتراً وعلى بعد 126 كيلومتراً قبالة ساحل بتروبافلوفسك كامتشاتسكي، عاصمة شبه جزيرة كامتشاتكا الروسية.
وضربت المنطقة بعد ذلك ست هزات ارتدادية على الأقل، إحداها بقوة 6.9 درجات. وتعد منطقة كامتشاتكا ذات الكثافة السكانية المتدنية، حيث ثار بركان كليوتشيفسكوي أيضاً، واحدةً من أنشط المناطق الزلزالية في العالم، إذ تقع عند نقطة التقاء الصفائح التكتونية للمحيط الهادئ وأميركا الشمالية.
وهذا أقوى زلزال منذ ذلك الذي ضرب قبالة سواحل اليابان في مارس 2011 وبلغت قوته 9.1 درجات، مما تسبب في حدوث تسونامي، أسفر عن مقتل أكثر من 15 ألف شخص.
وتسببت الإنذارات من تسونامي في اضطرابات واسعة النطاق، لكن المخاوف من وقوع كارثة لم تتحقق، حيث رفعت الدول المعنية أو خفّضت مستوى التحذيرات، وأبلغت سكان المناطق الساحلية بإمكانية العودة.

مقالات مشابهة

  • وفاة شاب غرقا داخل حوض مائي بتبسة
  • أطعمة ومشروبات صيفية تسهم في ترطيب الجسم وتقليل احتباس المياه |فيديو
  • السوداني يفتتح مشروع تقوية المياه في مناطق تكريت
  • زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب سواحل جزر الكوريل الشمالية في المحيط الهادئ
  • الإعصار «جيل» يتشكل في شرق المحيط الهادئ
  • عودة سكان سواحل المحيط الهادئ بعد تراجع خطر «التسونامي»
  • «نعمة المياه مقوم أساس للحياة».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة غدا الجمعة
  • دراسة جديدة: التدهور المناعي يبدأ قبل علامات الشيخوخة الظاهرة بعشر سنوات
  • انخفاض بدرجات الحرارة.. كيف سيكون طقس بداية آب؟
  • دراسة على 17 دولة تكشف ارتباط ارتفاع درجات الحرارة بالسرطان - تفاصيل