سودانايل:
2025-06-25@11:45:57 GMT

هاشم صديق صور من المحبة والجد

تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT

كان الابداع الشعري فقرة في الفعاليات الوارفة التي تحتفي فيها مدرسة العلوم الإدارية بجامعة الخرطوم بتخريج طلابها كل عام، إلى جانب عدد من الفقرات الثقافية والترفيهية. وتستقبل المدرسة كبار الشعراء يعرضون إبداعاتهم ويلقون جديد أشعارهم وسط جمهور من الطلاب يهتم بالشعر وأهله، حينما كانت الجامعة تتمتع بهامش مناسب من الحرية عقب اتفاقية السلام التي أبرمت مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق وأفرزت واقعاً مختلفاً في الحياة السياسية والاجتماعية في السودان.

وقد كلفت مع بعض الأساتذة بالتواصل مع الأستاذ هاشم صديق للمشاركة في أحد تلك الفقرات الشعرية، وربما كان لعلاقتي بالقريض دور في هذا التكليف رغم عدم معرفتي الشخصية بالأستاذ هاشم، إلا من خلال ابداعاته في الفضاء الثقافي شعراً ومسرحاً وبرامج تليفزيونية وإذاعية، فهو أحد الذين وضعوا بصمة في حقل الثقافة السودانية وساهموا في تشكيل الوجدان الشعبي.

اجتهدت في الوصول إلى الأستاذ هاشم في منزله بحي بانت بأم درمان، بعد أن حصلت على رقم هاتفه من بعض الزملاء. فاستقبلنا في ديوانه الذي أول ما يطالع الزائر فيه الحب والجدية. ففي جانب منه طاولة عليها آلة طبع ومكتبة ضمت نخبة من الكتب والمراجع، وتذخر جدرانه بعشرات اللوحات التذكارية التي حصل عليها الأستاذ هاشم في مناسبات ثقافية مختلفة اشترك في إحيائها، كما ضم عدداً من إهداءات المعجبين التي تنبي هم عن محبة مكنونة في الصدور. وعرضنا عليه أن يشارك في احتفال تخريج الطلاب، فوافق.

جاء هاشم وأبدع في إلقاء عدد من قصائده الجديدة وتفاعل معها الحضور طلاباً وأساتذة تفاعلاً مميزاً، وكان من بينها قصيدته قرنتية التي أثارت حواراً عريضاً لمضامينها السياسية ونقدها للنظام الحاكم عن بعد وتعرض بسببها لملاحقات الأجهزة الأمنية.
"لا بلعت عديل السوق .
لا نضمت بدون طايوق .
لا كنزت دهب أو ماس .
لا ظلمت بدون احساس .
لا عصرت شباب الناس .
لا كتمت على الانفاس .
لا قطعت عشم بي فاس .
لا داستنا زندية"

حينما انتهت الفعالية سعيت لتسليم الأستاذ هاشم مبلغاً مالياً خصصته له اللجنة المنظمة لحفل التخريج، من المبالغ التي جمعها الطلاب من الشركات الراعية. فقد كانت المدرسة تمتلك رصيداً من العلاقات العامة مع الشركات الاقتصادية نسبة لوجود خريجيها من الإداريين والمحاسبين في مناصب مؤثرة في هذه الشركات. فامتنع هاشم في إباء عن أخذ أي مبلغ نقدي وقال لي " أنا لا أخذ أجراً عن إلقاء شعري للطلاب". وحاولت إقناعه أن هذا المبلغ ليس من ميزانية الجامعة أو من الطلاب، وإنما خصصته الشركات التي تولت رعاية الاحتفال لإقامة الفعاليات. لكنه تمسك بموقفه، وقال إنه يكفيه فقط شهادة تمنحه شعوراً بعلاقته مع الطلاب. فاحترمنا منطقه ومن ثم سعينا إلى إصدار شهادة تقدير له عن مشاركته في احتفالات تخريج طلاب مدرسة العلوم الإدارية، احتلت موقعها بين الشهادات التي يعرضها في ديوانه.

قارنت بين موقفه الزاهد في هذا المقام، والوقفة القوية التي وقفها في سبيل إثبات حقوق الملكية الفكرية للشاعر بما فيها حقوقه الأدبية وحقوقه في الانتفاع المالي بثمرات إبداعه وتفعيل تشريعات الملكية الفكرية التي تقرر الحقوق الأدبية المالية للمؤلف. وهما موقفان لا يعبران عن تناقض وإن بدا الظاهر على هذا النحو، وإنما يدلان على شخصية متماسكة تحتفي بمودة الناس وتعلي من قيمة المشاعر الإنسانية بلا مقابل، لكنها في ذات الوقت يهمها الحق وتكره الظلم وتحب أن ترى الحق مطبقاً في حياة الناس. وقد خاض هاشم في ذلك غمار مواجهات بلغت تحذير أجهزة النشر ومن بينها هيئة الإذاعة والتليفزيون ودور الصحافة بضرورة الانتباه إلى هذه الحقوق، وشملت مواجهته بعض زملائه من المطربين الكبار الذين تغنوا بكلماته، بلغت إصدار إنذارات قانونية لهم بعدم ترديد أشعاره إلا بعد الاتفاق معه حول حقوق الملكية الفكرية. ثم واجه بعض الأجهزة الإعلامية في ساحات المحاكم، وحصل على أحكام قضائية قررت حقه الأدبي وحكمت له بتعويض.

أوضح الأستاذ هاشم صديق موقفه في سبيل تفعيل تشريعات حقوق المؤلف في إفادته للأستاذ أسعد العباسي فذكر (أؤكد بخلاف ما يعتقده البعض أنني لم أجرجر في يوم من الأيام أي مطرب أو فنان إلى ساحات المحاكم إنما كنت من الذين ابتدروا النهوض بحقوق الشعراء وتبصيرهم بهذه الحقوق، وقد كان ذلك أوضح ما يكون في الدعوى التي أقمتها ضد تلفزيون السودان وكسبتها بعد سباق قضائي ماراثوني حتى أضحت هذه الدعوى سابقة قضائية يسير على هديها القانونيون ويستمد منها المؤلفون المعايير التي تكرس حقوقهم ويستلهمون منها ثقافة الحماية والملكية الفكرية. وأقول أيضا أنه ليس صحيحاً ما يشاع بأنني قد سحبت أعمالي من التداول الإعلامي ومنعت تداولها. وحتى يستقيم الفهم في هذا الشأن أقول إنني كنت قد منعت حوالي إثني عشر عملاً من التداول ولم يكن ذلك تعسفاً في استعمال الحق إنما الغرض كان تبصير المؤلفين بحقوقهم التي صانها القانون على أنني عدت ولست سنوات خلت بالإفراج عنها جميعا)

كانت حقوق الملكية الفكرية للمؤلف منظمة بموجب قانون حماية حق المؤلف لسنة 1974، وهو أول تشريع سوداني وضع القواعد العامة لحماية حقوق المؤلفين بمن فيهم الشعراء. ولم يكن يتضمن تفصيلاً وافياً للقواعد التي تحكم حقوق المؤلف، ثم حل محله قانون حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 1996، واشتمل على تفصيل مناسب لحقوق المؤلف بما فيها حقوقه المالية، وبين كيفية تنظيم العلاقة بين الأطراف ذات العلاقة وطبيعة العلاقات التعاقدية التي يتعين إبرامها لوضع الحماية موضع التنفيذ. وقد جاء هذا القانون مسايراً للتطور العملي الذي صاحب الأعمال الفنية حيث انتقلت من مجرد أداة ترفيه من خلال الإذاعة والتلفزيون والحفلات التي يقيمها الفنانون، إلى وسيلةدخل تجاري مقدر من خلال شركات الإنتاج الفني والتي تولت نشر الأعمال الفنية على أسس تجارية وربحية.

كل صور الحرب مؤذية غاية الأذى، إلا أن صورة الأستاذ هاشم صديق أحد مهندسي الوجدان السوداني، وصناع المزاج العام وهو محمول على عربة كارو من منزل اتسم بالجد والمحبة واستعصم به ما استطاع، إلى مكان أكثر أمناً، ستترك في الذاكرة جرحاً عميقاً يعز على النسيان. فالذي حمل على الكارو لم يكن الأستاذ هاشم وحده وتمسكه ببيته وأم درمانه، وإنما قدرٌ من القيم التي ظل المجتمع السوداني يتمتع بها، ويحرص عليها.

أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب

abuzerbashir@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الملکیة الفکریة حقوق المؤلف هاشم صدیق هاشم فی

إقرأ أيضاً:

حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..

هو واحد من أبرز الإعلاميين.. قضى من عمره «عقودًا» في العمل الصحفي ..عاش بين رواد الأدب والصحافة السعودية وأجيال شتى من المبدعين على اختلاف معارفهم، وسطر بقلمه ألوف الصفحات كاتبًا ومحاورًا .. الذين عملوا مع الأستاذ حامد مطاوع في جريدة الندوة يشهدون له بتجربتة الصحفية الغنية بمفرداتها ، وعمله الدؤؤب وقدرته على توظيف قدرات من حوله، وتوزيع الأدوار بينهم..
في “شعب علي”أحد أقدم أحياء مكة المكرمة ولد حامد مطاوع في عام 1347هـ وفي الثالثة من طفولته المبكره توفي والده؛ فعاش يتيمًا في كفالة جده لأمه الشيخ صالح باعيسى ونشأ في حضن أمه الرؤوم التي منحته كل عنايتها وحبها. ألحقه جده بحلقات المسجد الحرام حيث بدأ تعليمه بالقراءة وحفظ القرآن الكريم، وتعلم الحديث والتوحيد، ثم التحق بمدرسة الرحمانية ومنها التحق بمدرسة تحضير البعثات في قلعة «جبل هندي» وتخرج منها عام 1364هـ/ 1365هـ، ثم التحق بالمؤسسة العلمية للثقافة الشعبية عام 1367هـ ودرس علم الاقتصاد وإدارة الأعمال والشؤون المحاسبية، ثم خاض غمار الحياة العملية؛ فالتحق بوظيفة مساعد رئيس شعبة بالمديرية العامة للحجً بوزارة المالية سابقًا، وعن طريق صديقه الأديب والكاتب عبدالعزيز ساب، الذي كان يعمل بجريدة البلاد، دخل حامد مطاوع باب الصحافة عام 1372، وعمل أمينًا لصندوق جريدة البلاد السعودية، ثم مسؤول الحسابات بها ، وفي عام 1380 أصبح مديرًا لإدارتها، وحين صدر نظام المؤسسات الصحفية عام 1383هجرية.
.انضم حامد مطاوع لعضوية مؤسسة مكة للطباعة والإعلام، وأصبحت جريدة الندوة تصدر عنها، ولعلنا نشير هنا إلى أن جريدة الندوة تأسست في عام 1958 على يد الأديب والمؤرخ الكبير والرائد الصحفي أحمد السباعي، الذي أنشأ مؤسسة” دار الندوة للطباعة والنشر” .وأصدر عنها جريدة الندوة في مكة المكرمة، التي صدر عددها الأول يوم 26 فبراير 1958م وكانت تصدر في البداية بصفة أسبوعية، ثم مرتين في الاسبوع ثم ثلاثة أعداد في الأسبوع قبل ان تتوقف بعد أحد عشر شهرًا من صدورها.. لتندمج فيما بعد مع جريدة (حراء) التي كان يصدرها صالح محمد جمال- رحمه الله- وصدرتا باسم (الندوة) في 30 ینایر عام 1959م وفي شهر مارس من العام نفسه اشترىصالح جمال حصة الاستاذ السباعي، وآصبح صاحب امتياز نشرها. وبعد صدور نظام المؤسسات الصحفية في عام 1383 تكونت ثماني مؤسسات صحفية..كانت «مؤسسة مكة للطباعة والإعلام»إحداها، وكان حامد مطاوع أحد أعضائها وأصبحت جريدة الندوة الجريدة الوحيدة الصادرة في مكة المكرمة.. وأسندت إليه مهمة إداراتها وكان يرأس تحريرها الأستاذ الكبير محمد حسين زيدان، ثم عين حامد مطاوع نائبًا له قبل أن يتولى رئاسة تحريرها عام 1384 وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى عام 1406هجرية ..حين غادرها تاركًا في في جنباتها أثرًا لايمحى ودورًا بارزًا في انتشارها، وحضورها الإعلامي وكانت فترة رئاسته لتحرير (الندوة) متميزة بالاستقرار، وبروز عدد من كتابها ومحرريها في العمل الصحفي .. وفي يوم تكريمه بالاثنينية في عام 1415 هجرية بحضور عدد كبير من الأدباء والمثقفين..
ــ قال عنه صاحب الاثنينية عبدالمقصود خوجه : (إن الأستاذ الكبير حامد حسن مطاوع ــ الذي نتشرف بالاحتفاء به هذه الليلة ــ يعتبر من الأساتذة الذين قامت على عاتقهم النهضة الصحافية في بلادنا.. وصاحب حاسة أدبية ارتفعت بالقيمة التحليلية التي امتازت بها كتاباته، الى درجة اكسبته طابعاً مميزاً أصبح معروفاً به، وبخصائصه وبصماته الذاتية).
ــ كما تحدث عنه في تلك الأمسية محمد احمد الحساني رفيق دربه في جريدة الندوة، وأحد محرربها الكبار قائلاً: (كان الأستاذ حامد
مطاوع من اصحاب الشفاعات الحسنة، يوظف علاقاته مع ولاة الأمر والمسؤولين لخدمة من حوله، ومن يطرق بابه من اصحاب الحاجات، حتى ان مكتبه في الجريدة كان يتحول كل مساء الى مكتب خدمات للمحتاجين الذين يتسلمون ــ بيد الشكر ــ خطاباته النبيلة الحاملة لشفاعاته الحسنة، وهم متفائلون بنجاح مساعيهم، وأن التوفيق سوف يكون حليفهم، لأن صاحب الشفاعة لا يريد منهم جزاء ولا شكورا، وكنا نرى الفرح يشع من عينيه عندما يبلغه أن حاجة من سعى إليه قد انقضت، ويهتف قائلاً : الحمد لله رب العالمين).
وتقديرًا لمسيرته الصحفية الثرية، منح حامد مطاوع وسام بدرجة قائد من الملك الحسن الثاني ملك المغرب..كما كرمته وزارة الثقافة والإعلام في حفلها في 27-3-2009م ضمن عدد من كبار الإعلاميين في المملكة نظير جهودهم في مسيرة الأدب والصحافة» ولحامد مطاوع العديد من المؤلفات؛ من بينها “فيصل وأمانة التاريخ “، و “شيء من الحصاد “،و”المقال والمرحلة”، و “ابن حسن ” [ مقالات باللهجة العامية المكية الدارجة] {مخطوط..}
توفي حامد مطاوع رحمة الله في ربيع الآخر عام 1431هـ، وقد ووري جثمانه ثرى مكة المكرمة الطاهرة في مقبرة «المعلاة»..

مقالات مشابهة

  • عبلة كامل في ظهور مفاجئ: شكرا على المحبة
  • حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..
  • انطلاق فعاليات التدريب الصيفى الميدانى لطلاب زراعة الوادى الجديد
  • قصة وعبرة
  • مدرب الوداد المغربي يتعرض لحادث مروري بأمريكا
  • التقطيع الثقافي للسرد.. مقاربة معرفية جديدة في الخطاب الأدبي الجزائري
  • المحبة والزلّة
  • متى كان الانقلاب العسكري سيحدث في إسرائيل بسبب البرنامج النووي؟
  • هاشم: لاتّخاذ كل الخطوات لدرء الاخطار عن لبنان
  • هاشم: لا بد من إيجاد باب لتأمين تمويل للبلديات المنتخبة