سودانايل:
2025-06-21@03:01:22 GMT

هاشم صديق صور من المحبة والجد

تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT

كان الابداع الشعري فقرة في الفعاليات الوارفة التي تحتفي فيها مدرسة العلوم الإدارية بجامعة الخرطوم بتخريج طلابها كل عام، إلى جانب عدد من الفقرات الثقافية والترفيهية. وتستقبل المدرسة كبار الشعراء يعرضون إبداعاتهم ويلقون جديد أشعارهم وسط جمهور من الطلاب يهتم بالشعر وأهله، حينما كانت الجامعة تتمتع بهامش مناسب من الحرية عقب اتفاقية السلام التي أبرمت مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق وأفرزت واقعاً مختلفاً في الحياة السياسية والاجتماعية في السودان.

وقد كلفت مع بعض الأساتذة بالتواصل مع الأستاذ هاشم صديق للمشاركة في أحد تلك الفقرات الشعرية، وربما كان لعلاقتي بالقريض دور في هذا التكليف رغم عدم معرفتي الشخصية بالأستاذ هاشم، إلا من خلال ابداعاته في الفضاء الثقافي شعراً ومسرحاً وبرامج تليفزيونية وإذاعية، فهو أحد الذين وضعوا بصمة في حقل الثقافة السودانية وساهموا في تشكيل الوجدان الشعبي.

اجتهدت في الوصول إلى الأستاذ هاشم في منزله بحي بانت بأم درمان، بعد أن حصلت على رقم هاتفه من بعض الزملاء. فاستقبلنا في ديوانه الذي أول ما يطالع الزائر فيه الحب والجدية. ففي جانب منه طاولة عليها آلة طبع ومكتبة ضمت نخبة من الكتب والمراجع، وتذخر جدرانه بعشرات اللوحات التذكارية التي حصل عليها الأستاذ هاشم في مناسبات ثقافية مختلفة اشترك في إحيائها، كما ضم عدداً من إهداءات المعجبين التي تنبي هم عن محبة مكنونة في الصدور. وعرضنا عليه أن يشارك في احتفال تخريج الطلاب، فوافق.

جاء هاشم وأبدع في إلقاء عدد من قصائده الجديدة وتفاعل معها الحضور طلاباً وأساتذة تفاعلاً مميزاً، وكان من بينها قصيدته قرنتية التي أثارت حواراً عريضاً لمضامينها السياسية ونقدها للنظام الحاكم عن بعد وتعرض بسببها لملاحقات الأجهزة الأمنية.
"لا بلعت عديل السوق .
لا نضمت بدون طايوق .
لا كنزت دهب أو ماس .
لا ظلمت بدون احساس .
لا عصرت شباب الناس .
لا كتمت على الانفاس .
لا قطعت عشم بي فاس .
لا داستنا زندية"

حينما انتهت الفعالية سعيت لتسليم الأستاذ هاشم مبلغاً مالياً خصصته له اللجنة المنظمة لحفل التخريج، من المبالغ التي جمعها الطلاب من الشركات الراعية. فقد كانت المدرسة تمتلك رصيداً من العلاقات العامة مع الشركات الاقتصادية نسبة لوجود خريجيها من الإداريين والمحاسبين في مناصب مؤثرة في هذه الشركات. فامتنع هاشم في إباء عن أخذ أي مبلغ نقدي وقال لي " أنا لا أخذ أجراً عن إلقاء شعري للطلاب". وحاولت إقناعه أن هذا المبلغ ليس من ميزانية الجامعة أو من الطلاب، وإنما خصصته الشركات التي تولت رعاية الاحتفال لإقامة الفعاليات. لكنه تمسك بموقفه، وقال إنه يكفيه فقط شهادة تمنحه شعوراً بعلاقته مع الطلاب. فاحترمنا منطقه ومن ثم سعينا إلى إصدار شهادة تقدير له عن مشاركته في احتفالات تخريج طلاب مدرسة العلوم الإدارية، احتلت موقعها بين الشهادات التي يعرضها في ديوانه.

قارنت بين موقفه الزاهد في هذا المقام، والوقفة القوية التي وقفها في سبيل إثبات حقوق الملكية الفكرية للشاعر بما فيها حقوقه الأدبية وحقوقه في الانتفاع المالي بثمرات إبداعه وتفعيل تشريعات الملكية الفكرية التي تقرر الحقوق الأدبية المالية للمؤلف. وهما موقفان لا يعبران عن تناقض وإن بدا الظاهر على هذا النحو، وإنما يدلان على شخصية متماسكة تحتفي بمودة الناس وتعلي من قيمة المشاعر الإنسانية بلا مقابل، لكنها في ذات الوقت يهمها الحق وتكره الظلم وتحب أن ترى الحق مطبقاً في حياة الناس. وقد خاض هاشم في ذلك غمار مواجهات بلغت تحذير أجهزة النشر ومن بينها هيئة الإذاعة والتليفزيون ودور الصحافة بضرورة الانتباه إلى هذه الحقوق، وشملت مواجهته بعض زملائه من المطربين الكبار الذين تغنوا بكلماته، بلغت إصدار إنذارات قانونية لهم بعدم ترديد أشعاره إلا بعد الاتفاق معه حول حقوق الملكية الفكرية. ثم واجه بعض الأجهزة الإعلامية في ساحات المحاكم، وحصل على أحكام قضائية قررت حقه الأدبي وحكمت له بتعويض.

أوضح الأستاذ هاشم صديق موقفه في سبيل تفعيل تشريعات حقوق المؤلف في إفادته للأستاذ أسعد العباسي فذكر (أؤكد بخلاف ما يعتقده البعض أنني لم أجرجر في يوم من الأيام أي مطرب أو فنان إلى ساحات المحاكم إنما كنت من الذين ابتدروا النهوض بحقوق الشعراء وتبصيرهم بهذه الحقوق، وقد كان ذلك أوضح ما يكون في الدعوى التي أقمتها ضد تلفزيون السودان وكسبتها بعد سباق قضائي ماراثوني حتى أضحت هذه الدعوى سابقة قضائية يسير على هديها القانونيون ويستمد منها المؤلفون المعايير التي تكرس حقوقهم ويستلهمون منها ثقافة الحماية والملكية الفكرية. وأقول أيضا أنه ليس صحيحاً ما يشاع بأنني قد سحبت أعمالي من التداول الإعلامي ومنعت تداولها. وحتى يستقيم الفهم في هذا الشأن أقول إنني كنت قد منعت حوالي إثني عشر عملاً من التداول ولم يكن ذلك تعسفاً في استعمال الحق إنما الغرض كان تبصير المؤلفين بحقوقهم التي صانها القانون على أنني عدت ولست سنوات خلت بالإفراج عنها جميعا)

كانت حقوق الملكية الفكرية للمؤلف منظمة بموجب قانون حماية حق المؤلف لسنة 1974، وهو أول تشريع سوداني وضع القواعد العامة لحماية حقوق المؤلفين بمن فيهم الشعراء. ولم يكن يتضمن تفصيلاً وافياً للقواعد التي تحكم حقوق المؤلف، ثم حل محله قانون حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 1996، واشتمل على تفصيل مناسب لحقوق المؤلف بما فيها حقوقه المالية، وبين كيفية تنظيم العلاقة بين الأطراف ذات العلاقة وطبيعة العلاقات التعاقدية التي يتعين إبرامها لوضع الحماية موضع التنفيذ. وقد جاء هذا القانون مسايراً للتطور العملي الذي صاحب الأعمال الفنية حيث انتقلت من مجرد أداة ترفيه من خلال الإذاعة والتلفزيون والحفلات التي يقيمها الفنانون، إلى وسيلةدخل تجاري مقدر من خلال شركات الإنتاج الفني والتي تولت نشر الأعمال الفنية على أسس تجارية وربحية.

كل صور الحرب مؤذية غاية الأذى، إلا أن صورة الأستاذ هاشم صديق أحد مهندسي الوجدان السوداني، وصناع المزاج العام وهو محمول على عربة كارو من منزل اتسم بالجد والمحبة واستعصم به ما استطاع، إلى مكان أكثر أمناً، ستترك في الذاكرة جرحاً عميقاً يعز على النسيان. فالذي حمل على الكارو لم يكن الأستاذ هاشم وحده وتمسكه ببيته وأم درمانه، وإنما قدرٌ من القيم التي ظل المجتمع السوداني يتمتع بها، ويحرص عليها.

أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب

abuzerbashir@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الملکیة الفکریة حقوق المؤلف هاشم صدیق هاشم فی

إقرأ أيضاً:

الصفحة الرسمية لوزارة الأوقاف تحيي ذكرى وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي

تحيي الصفحة الرسمية لوزارة الأوقاف اليوم ذكرى وفاة الشيخ الجليل محمد صديق المنشاوي -رحمه الله- الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى في 20 من يونيو عام 1969م، عن عمر ناهز 49 عامًا، بعد مسيرة مباركة في خدمة كتاب الله -عز وجل-، شكّلت مدرسة خاشعة في التلاوة، ومثالًا نادرًا في الخشوع والتأثر بكلام الله.

في ذكرى وفاته.. لماذا رفض الشيخ محمد صديق المنشاوي الانضمام للإذاعة؟

وُلد الشيخ محمد صديق المنشاوي في 20 من يناير عام 1920م، بقرية المنشاة التابعة لمحافظة سوهاج، ونشأ في بيت علم وقرآن؛ فوالده الشيخ صديق المنشاوي من أعلام قرّاء عصره، وقد أتمَّ الشيخ محمد حفظ القرآن الكريم في سنٍّ مبكرة، ثم تلقّى علوم التلاوة والقراءات على يد كبار المشايخ، فنبغ فيها حتى أصبح من أشهر قرّاء الإذاعة المصرية والعالم الإسلامي.

سجّل الشيخ المنشاوي المصحف المرتل كاملًا بصوته، كما سجّل ختمةً مجودةً لا تزال تُبث في إذاعة القرآن الكريم، وقد لقّبه جمهوره بـ"الصوت الباكي" لما تميز به من أداء خاشعٍ صادقٍ يلامس القلوب. وشارك الشيخ في بعثات قرآنية إلى دول عدة، منها: فلسطين، وسوريا، والسعودية، وليبيا، وإندونيسيا، وغيرها، ممثلًا لمصر والأزهر الشريف، حيث لقي التكريم والتقدير في كل مكان حلّ به.

ورغم أن عمره كان قصيرًا، فإن أثره العلمي والروحي باقٍ وممتد؛ إذ خلّف تراثًا صوتيًّا لا يزال مصدر إلهام للقراء والمتعلمين، ومدرسة قائمة بذاتها في الخشوع وحُسن الأداء. وقد عُرف -رحمه الله- بتواضعه الشديد وابتعاده عن مظاهر الأضواء، مفضّلًا أن يبقى خادمًا لكتاب الله في السر والعلانية.

وإننا في وزارة الأوقاف، إذ نُحيي هذه الذكرى العطرة، لنتضرع إلى الله تعالى أن يتغمد الشيخ محمد صديق المنشاوي بواسع رحمته، وأن يجعل ما قدمه من تلاوة وتعليم ونشر لكتاب الله في ميزان حسناته، وندعو أبناءنا وبناتنا إلى التأسي بنموذجه في الإخلاص، وإتقان التلاوة، والارتباط بالقرآن الكريم سلوكًا وأسلوبَ حياة.

طباعة شارك الشيخ الجليل محمد صديق المنشاوي وفاة الشيخ الجليل محمد صديق المنشاوي الأوقاف التلاوة خدمة كتاب الله القراءات الإذاعة المصرية

مقالات مشابهة

  • حسام موافي يكشف عن تجربته الشخصية في المذاكرة التي جعلته من أوائل دفعته
  • الصفحة الرسمية للأوقاف تحيي ذكرى وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي
  • الصفحة الرسمية لوزارة الأوقاف تحيي ذكرى وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي
  • في ذكرى وفاته.. لماذا رفض الشيخ محمد صديق المنشاوي الانضمام للإذاعة؟
  • القرقاوي: محظوظون بقيادتنا المحبة للخير
  • محافظ المنيا يشهد مراسم تجليس نيافة الأنبا بُقطر أسقفًا لإيبارشية ديرمواس ودلجا للأقباط الأرثوذكس
  • نواف العصيمي لياهلا بالعرفج: العناوين التي فيها ألوف وملايين تلفت النظر دائماً
  • عبد العزيز مستاوي: تأجير الملكية الفكرية أداة استراتيجية لتعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
  • لقجع: مونديال 2030 صديق للبيئة والمغرب أصبح فاعلا رئيسيا في كرة القدم العالمية
  • موقع إيطالي: هذه المؤسسة الفكرية الأميركية تضغط على إدارة ترامب لضرب إيران