"مذنب شيطاني" يعيد نمو "قرونه" المميزة في طريقه نحو الأرض
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
اندلع "المذنب الشيطاني" البركاني الذي يتجه نحو الأرض مرة أخرى في عيد الهالوين، ما أدى إلى إعادة نمو "قرونه" المميزة.
ويعد الانفجار الأخير، والذي كان الثاني خلال شهر والثالث منذ يوليو، بمثابة تذكير بأن المذنب أصبح أكثر نشاطا بركانيا بينما يواصل رحلته نحو قلب النظام الشمسي.
The massive volcanic comet 12P/Pons-Brooks, which grows giant horns when it erupts, has exploded for a third time in five months as it continues to race toward the sun.
The Devils in the detail as Comet Pons-Brooks AGAIN, Does the Devil dance for the 3rd time, Comet 12P Pons-Brooks, currently mag 10.4 is again manifesting the "devil horns" coma as the outburst becomes more transparent. This is the third outburst to produce the devil's horn coma,… pic.twitter.com/mIcq8oiTUY
— Stargazers Nation (@STARGAZERNATION) November 5, 2023المذنب، المسمى 12P/Pons-Brooks (12P)، هو مذنب بركاني بارد. ومثل المذنبات الأخرى، يحتوي 12P على نواة صلبة، وقشرة جليدية صلبة مليئة بالجليد والغاز والغبار، محاطة بسحابة غامضة، أو غشاء ضبابي مصنوع من مواد تتسرب من داخل المذنب.
COMET 12P ERUPTS AGAIN: Comet 12P/Pons-Brooks just did it again. On Halloween, it abruptly brightened almost 100-fold, indicating a new outburst of cryovolcanic activity. Retired biology professor and now-amateur astronomer Eliot Herman has been monitoring the comet and caught… pic.twitter.com/aDeqkDdunq
— The Watchmen Earth and Space Connection (@TWESC2023) November 4, 2023وعلى عكس المذنبات غير البركانية، يمكن لإشعاع الشمس أن يسخن الجزء الداخلي لـ 12P، ما يتسبب في تراكم الضغط حتى يصبح شديدا جدا لدرجة أنه يكسر قشرة النواة من الداخل وينشر "أحشاءها" الجليدية في الفضاء.
وتتسبب هذه الانفجارات في توسيع الغلاف الجوي الضبابي للمذنب وسطوعه لأنها تعكس المزيد من ضوء الشمس نحو الأرض.
إقرأ المزيدوعندما ينفجر المذنب، يتشكل "قرنين" شيطانيين من الغشاء الضبابي. ويحدث هذا لأن نواة 12P الكبيرة، والتي يمتد عرضها نحو 17 كم (10.5 ميل)، لديها "شق" غير عادي على سطحها، ما يمنع تدفق الصهارة الباردة إلى الفضاء ويتسبب في نمو ذؤابتها (سحابة من الغاز والغبار التي تحيط بالنواة الصلبة) الموسعة بشكل غير منتظم.
وفي 20 يوليو، اكتشف علماء الفلك المذنب 12P وهو يفجر قمته للمرة الأولى منذ 69 عاما عندما نمت ذؤابته المشوهة إلى أكثر من 7000 مرة أكبر من نواتها. ثم، في الخامس من أكتوبر، شاهد العلماء انفجار المذنب مرة أخرى بقوة أكبر.
وفي الأسبوع الماضي، في 31 أكتوبر، اكتشف عالم الفلك الهاوي إليوت هيرمان انفجارا آخر حيث أصبح 12P أكثر سطوعا بنحو 100 مرة من المعتاد، حسب ما أفاد موقع Spaceweather.com.
وقال هيرمان: "في عيد الهالوين، انفجر الشيطان مرة أخرى في ثوران عنيف كبير استمرت حتى اليوم التالي". وأضاف أن الملاحظات اللاحقة أظهرت أن الذؤابة توسعت بشكل كبير وأعادت نمو قرونه، رغم أنها لم تكن متميزة كما كانت في الانفجارات السابقة".
إقرأ المزيدويمتلك 12P مدارا بيضاويا، ما يعني أنه يتم سحبه بالقرب من الشمس قبل أن يُقذف مرة أخرى إلى النظام الشمسي الخارجي، حيث ينجرف ببطء قبل أن يتراجع في النهاية نحو النظام الشمسي الداخلي. ويشبه هذا المسار إلى حد كبير مدار المذنب الأخضر نيشيمورا، الذي قام بمناورة مماثلة حول الشمس في سبتمبر.
ويستغرق 12P نحو 71 عاما لإكمال رحلة كاملة حول الشمس، يقضي معظمها مخفيا في النظام الشمسي الخارجي. ونتيجة لذلك، لا يستطيع علماء الفلك رؤية المذنب بوضوح إلا عندما يبدأ في الاقتراب من الشمس إلى أقرب نقطة له، وهو ما يحدث الآن.
وسيصل 12P إلى أقرب نقطة من الشمس، أو الحضيض الشمسي، في 24 أبريل 2024، عندما سيصل إلى مسافة لا تقل عن 116.7 مليون كم (72.5 مليون ميل)، وهي أقرب إلى الشمس من الأرض ولكنها أبعد من كوكب الزهرة، بحسب موقع TheSkyLive.com.
وبعد الدوران حول الشمس، سيصل المذنب إلى أقرب نقطة له من الأرض في 2 يونيو من العام المقبل عندما سيمر على مسافة 231.9 مليون كم (144.1 مليون ميل)، أو نحو 1.5 مرة أبعد من الشمس عن الأرض، في طريق عودته إلى ظلال النظام الشمسي الخارجي. وسيبقى هناك حتى عام 2094، وفقا لموقع TheSkyLive.com.
ومع اقتراب 12P من الشمس، سيتباهى بانتظام بـ"قرونه الشيطانية" لأنه يمتص المزيد من الإشعاع الشمسي الذي يغلي أحشائه الجليدية ويجعل الانفجارات أكثر احتمالا.
المصدر: لايف ساينس
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: الارض الشمس النظام الشمسي النظام الشمسی مرة أخرى من الشمس
إقرأ أيضاً:
قمة “لاهاي” 2025: كيف يعيد ترامب توجيه بوصلة حلف “الناتو”؟
هيمنت قضية رفع سقف الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لأعضاء حلف الناتو على أجندة قمة لاهاي 2025، متقدمة على قضايا شكلت محوراً رئيسياً لثلاث قمم سابقة (مدريد 2022، فيلنيوس2023، واشنطن 2024) مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والموقف من الصين، وتنامي الاهتمام بالاندو-باسيفيك. كما توارى الحديث عن طبيعة عمليات التشغيل المشترك، وتقدير الموقف الخاص بالتسلح النووي، والتطوير المشترك لمنظومات الدفاع الصاروخي، ومستوى الاستثمار في الابتكار الدفاعي، والتنظير الخاص بالقضايا الاستراتيجية ذات الصلة بالأمن الجماعي والردع.
ويميل العديد من محللي الدفاع إلى أن تحليل بنود الإنفاق العسكري قد يفسر طبيعة السياسة الدفاعية للحلف، على أساس أوجه الإنفاق، خاصة وأن هناك تحديد لتوزيع الإنفاق، ما بين 3.5% للقدرات الصلبة و1.5% للقدرات اللوجستية والعمليات ذات الطابع المدني العسكري. مع الأخذ في الاعتبار أنه وفق احصائيات صادرة عن العديد من مؤسسات الدفاع والتمويل فإنه وبحلول فترة تطبيق الزيادة في 2035، سيكون نمو الإنفاق الدفاعي هو عملية اضطرارية، بالنظر لعوامل كثيرة، من بينها حسابات التسعير وعامل التضخم، لكن في الوقت ذاته سيكون هناك فائض حسابي في معدل النمو يقدر بهامش 300 مليار دولار، على أساس أن حساب التكلفة يقدر بزيادة تصل إلى 500 مليار دولار، بينما إجمالي نمو الناتج المحلي الإجمالي يتوقع أن يتجاوز حاجز الـ 800 مليار دولار.
مع ذلك؛ فالسؤال الكبير هنا، هو كيف ستدار المرحلة الانتقالية وفق الجدول الزمني بحلول العام 2035، على سبيل المثال لا الحصر: ما هي خطة عمل الحلف خلال العام 2026 -2027؟ وعليه تأتي وجهة النظر الأخرى، التي تميل إلى أنه يتعين النظر إلى ما لم يتضمنه محتوى أو نص البيان الختامي، وإمكانية تفسير ذلك باعتباره مؤشر تحول في السياسة الدفاعية للحلف بقيادة الولايات المتحدة (في عهد إدارة ترامب الثانية)، فبغض النظر عن ذكر التفاصيل، ومن أبرز هذه المؤشرات المنظر الأمريكي لصيغة الأمن الجماعي تحت مظلة الحلف، وما أثير من جدل مكتوم حول موقف الرئيس ترامب من المادة الخامسة من ميثاق الحلف، والتي قال إنه لها تفسيرات عديدة أو يتوقف الأمر على حسب الحالة. المسألة الأكثر بروزاً أيضاً، هي الفصل الأمريكي الواضح ما بين (الأمن الأطلسي والأمن الأوروبي).
في هذا السياق يمكن تحليل بعض المؤشرات التي تعكس مظاهر تحول في ضوء قمة لاهاي 2025 وانعكاساتها المحتملة.
أولًا: تجسيد القيادة الأمريكية في صياغة أجندة الحلف
كرست القمة هيمنة الرؤية الأمريكية، حيث جاء قرار رفع الإنفاق الدفاعي استجابة مباشرة لضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اعتبره “انتصارًا عظيمًا”، حتى أنه عرض رسالة خاصة تلقاها من الأمين العام للحلف مارك روته يمتدح فيها قدرته على تحفيز الدول الأعضاء للقبول بمعدل 5%. وفي المقابل، لم تطرح تحفظات أوروبية حقيقية، بل جرى تحييد أي لغة قد تفسر كموقف معارض للرئيس ترامب، باستثناء واقعة اسبانيا، والتي رد عليها الرئيس ترامب على النحو المتوقع والضغط بورقة التعريفة الجمركية.
في واقع الأمر، لا يتعين تجاهل أن القمم السابقة أيضاً طغي عليها أجندة السياسية الأمريكية، لاسيما من حيث الموقف من الصين، التي وصفت بالخصم في بيان مدريد 2022. إذن قمة لاهاي ليست المقياس في فرض الأجندة، لكن قد تكون مقياس لحصرية الأجندة واختزالها في المطلب الأمريكي، من جهة، وتنحية رغبات الحلفاء في إدراج ملفات على الأجندة من ناحية أخري.
ثانياً: أولوية الإنفاق الدفاعي.. مخاطرة مالية دون استراتيجية
يكشف هذا الاتجاه عن تحول في أولويات الحلف من التركيز على سياسات الأمن الجماعي إلى أولوية الامتثال المالي، تحت ضغط القيادة الأمريكية، وتبرز أهمية هذا التحول عند مقارنة الواقع القائم بأهداف القمة، إذ لم يحقق سوى 23 من أصل 32 عضوًا في الناتو حاليًا هدف 2% من الناتج المحلي الإجمالي، رغم مرور عقد على تعهد قمة ويلز 2014 بالوفاء بهذه النسبة. ويشير تقرير الناتو لعام 2024 إلى أن متوسط إنفاق الأعضاء الأوروبيين لا يزال عند 1.9% فقط، ما يظهر الفجوة الكبيرة التي ينبغي تجاوزها لبلوغ نسبة 5%.
هذه الفجوة تثير شكوكا إضافية حول القدرة التنفيذية للتعهدات الجديدة، ومدى الجدية السياسية في الالتزام طويل الأمد. لكن بالإضافة إلى ذلك، ثمة درس مستفاد من تجربة الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تري الإدارة الحالية أن الإنخراط المكلف للحرب يتعين وقفه، لا يعني ذلك وقف عملية تمويل أوكرانيا كلياً، لكن سيكون التمويل من خارج ميزانية الحلف، وبالتالي ستتحملها ميزانيات الدفاع الخاصة بكل دولة.
ثالثاً: “أمن الأطلسي” أم “الأمن الأوربي”
وفقاً لـ”بوليتكو” الأمريكية شدد الرئيس ترامب- في اجتماع مجلس القيادة المغلق- على الالتزام بالأمن الجماعي، في إطار القيادة الأمريكية، لكنه لم يبدد الغموض في تصريح أخر متزامن مع الحدث أشار فيه إلى قضايا في صميم الأمن الإقليمي للحلفاء، في ضوء تسريبات حول مراجعات البنتاغون للانتشار الأمريكي في أوربا خلال الربع الأخير من العام الجاري، أو على الأقل سحب بعض الوحدات الاستراتيجية من بعض المواقع الأوروبية، ما يشكك في ضمانات الأمن الجماعي، وسيكون لذلك انعكاساته على قيادة بعض العمليات التشغيلية. في المقابل تظهر مؤشرات البنتاغون أن مراجعة وضع القوات الأمريكية قد تفضي إلى خفض فعلي للوجود الأمريكي في أوروبا، لصالح إعادة الانتشار في آسيا والشرق الأوسط.
مع ذلك أقرت وثيقة للناتو خلال المؤتمر بمحورية وأهمية القيادة الأمريكية للحلف إلى درجة الاعتمادية شبه الكاملة على الولايات المتحدة في مجالات حيوية مثل الاستخبارات، والمراقبة، والتزود بالوقود جوًا، والدفاع الصاروخي، والقيادة والتحكم. وبينما التزمت الدول الأوروبية بزيادة إنفاقها العسكري فإن القدرة على تطوير هذه القدرات محلياً لا تزال محدودة. وفي ظل هذا الاتجاه، يواجه الأوروبيون تساؤلًا استراتيجيًا حاسمًا: هل ينبغي الاستثمار في بناء ركيزة مستقلة داخل الناتو تعوض عن الانسحاب الأمريكي المحتمل؟ أم الاستمرار في الاعتماد على الولايات المتحدة؟ ويعزز هذا الاتجاه من موقف أوربي متنامي مفاده أنه بات من الضروري أن يتحول الأمن الأوروبي إلى أولوية أوروبية، لا مجرد رهينة لتقلبات السياسة الأمريكية.
رابعاً: أوكرانيا والحلف.. من الشراكة إلى التهميش
الموقف الأمريكي من الحرب الروسية في أوكرانيا مؤشر في هذا السياق بالنسبة للأمن الأوربي، فقد تم تجميد حزم الدعم والانسحاب من قيادة مجموعة الاتصال، على الرغم من عدم احراز تقدم في المفاوضات مع موسكو، بل إن روسيا تتقدم ميدانيا بوتيرة متسارعة في أوكرانيا، وقد يتزايد الأمر خلال الصيف، في الوقت الذي تعاني فيه كييف من اختناقات في تدفقات الأسلحة الأمريكية التي تم التدريب عليها خلال مرحلة الحرب.
وفي هذا السياق، بدأ رئيس الأركان الأوكراني يتحدث عن إمكانية تأجير معدات مثل بطاريات الدفاع، والتناقض اللافت هو كثرة التوقعات الأمريكية باحتمالات توسع روسيا في أوكرانيا، بل وقد تتجاوزها في المستقبل، وبغض النظر عن مدى المصداقية أو الثقة في هذه التنبؤات، فإحالة ترامب الأمر إلى الأوربيين هو نقلة شاملة في عكس الاتجاه السابق. من مساعي لضم أوكرانيا إلى الحلف في مرحلة ما بعد الحرب، إلى إبعاد أوكرانيا عن الحلف.
خامساً: تباين الرؤى الأوروبية والأمريكية حول مفهوم الردع
فسر بعض القادة الأوروبيين الالتزامات الدفاعية الجديدة باعتبارها عودة إلى نمط الحرب الباردة، بينما ترى الإدارة الأمريكية أن الإنفاق الدفاعي هو وسيلة لإبقاء التزام واشنطن تجاه الحلف، وليس تجسيدا لاستراتيجية متماسكة. وفي ظل غياب تفسير موحد للمادة الخامسة على نحو ما سلفت الإشارة، وبالتالي تبقى مسألة الردع الجماعي مرهونة بالضبابية السياسية.
ومع ذلك عكست القمة حالة من الانقياد الأوروبي للمزاج السياسي الأمريكي، لكن هذا النهج يكشف عن هشاشة القيادة الجماعية داخل الحلف. بالنسبة للولايات المتحدة فإن عامل الردع تشكله القوة التراكمية للحلف، والتي سيعززها الإنفاق، دلالة ذلك سيل التسريبات الأمريكية حول تراجع المخزون العسكري الأمريكي من الذخائر التي استنزفت خلال المرحلة السابقة في أوكرانيا.
سادساً: الفجوة الصناعية الدفاعية الأوروبية والاستقلال الاستراتيجي
أظهرت قمة لاهاي أحد أبرز أوجه الضعف البنيوي في السياسة الدفاعية الأوروبية، والمتمثلة في الفجوة الصناعية الدفاعية التي تقيد قدرة الدول الأوروبية على تنفيذ التزاماتها العسكرية بمعزل عن القدرات الأمريكية. فعلى الرغم من رفع سقف الإنفاق إلى 5%، فإن الواقع الصناعي الأوروبي لا يزال عاجزاً عن توفير الذخائر والمعدات بالوتيرة المطلوبة، وهو ما برز جلياً في الاستجابة المتعثرة لحاجات أوكرانيا خلال العامين الماضيين.
وكدلالة تشير تقارير الوكالة الأوروبية للدفاع إلى أن أكثر من 70% من المشتريات الدفاعية لدول الاتحاد الأوروبي ما تزال تتم عبر الولايات المتحدة، ما يكرس التبعية بدلًا من تقليصها. كما أن نقص الإنتاج المشترك، وضعف التنسيق في سلاسل التوريد، ومحدودية الاستثمارات في الصناعات الحربية الثقيلة، كلها تحد من قدرة أوروبا على بناء قاعدة صناعية مستقلة تعزز استقلالها الاستراتيجي. وتثير هذه الفجوة تساؤلات حول مدى قدرة القارة على التعامل مع السيناريو الأسوأ، وهو انسحاب تدريجي أمريكي من القيادة التشغيلية. وفي ظل التراجع المتواصل لمخزونات الذخيرة الثقيلة، والاعتماد على شركات محدودة في دول مثل فرنسا وألمانيا، أصبح الاستثمار في صناعات الدفاع الأوروبية ليس خيارًا استراتيجيًا فحسب، بل ضرورة وجودية لبقاء الناتو كتحالف فعال ومتوازن.
سابعاً: الموقف الجيوسياسي والتمدد نحو الاندو-باسفيك
شكلياً سعت القمة إلى تعزيز الشراكات مع دول آسيا والمحيط الهادئ، لكن من حيث المضمون ورغم حضور ممثلين عن قادة آسيا وتحديد مجموعة (IP4) والتي تضم اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، إلا أنه لا يقارن بالزخم السياسي لهذا التوجه مقارنة بالقمم السابقة.
كذلك؛ فإن تخفيف اللهجة أو غياب اللهجة التنافسية والعدائية تجاه الصين إلا أن بكين أعادت تسليط الضوء على القضية من خلال تحليلها للإنفاق الدفاعي، بالإشارة إلى أن سياسات تمدد الناتو نحو الشرق الآسيوي هو مبرر للتوسع لا للاستقرار. ووصفت وزارة الخارجية الصينية القمة بأنها جزء من “تضليل متعمد يؤجج المواجهة”، كما اتهمت الأمين العام لحلف الناتو مارك روته بتشويه الحقائق وافتعال ذريعة لزيادة الإنفاق العسكري، مشيرة إلى أن الحلف تجاوز نطاقه الجيوسياسي وتدخل في شؤون منطقة آسيا والمحيط الهادئ. كما أكدت على أنها لا تزود روسيا بأسلحة، وتدعو إلى تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا.
ما بعد لاهاي؟
لم تكن قمة لاهاي إعلاناً عن فشل، لكنها أيضاً لم تكن دليلاً على تماسك استراتيجي، فقد عكست القمة ديناميكية جديدة في عمل الناتو، تركز على الامتثال المالي مقابل التراجع السياسي، وعلى الشكل المؤسسي بدلاً من العمق الاستراتيجي.
كذلك؛ لا يمكن اعتبار قمة لاهاي نقطة تحول نهائية في مسار الناتو، لكنها تشكل لحظة مفصلية تفرض على الأوروبيين إعادة تعريف دورهم داخل الحلف، والتمييز بين الامتثال المالي والانخراط الاستراتيجي، وبينما تبقى القيادة الأمريكية محوراً حاسماً، فإن بروز هوية أوروبية مستقلة يظل الرهان الأهم في معادلة الأمن الجماعي للمرحلة المقبلة في ظل التحديات الأوربية، لكنها ستظل بحاجة في الوقت ذاته إلى حلف قوى وأكثر تماسكاً وتوازناً.
لا يقاس مستقبل الحلف بمخرجات قمة لاهاي، لكن في الوقت ذاته لا يمكن تجاهل أنها تطرح أسئلة مهمة من المبكر الإجابة عنها في المرحلة الحالية، فهل يواجه الحلف فعلياً إشكالية هوية. أم أنها لحظة ظرفية فرضتها ضرورات التعامل مع إدارة ترامب، مما يفتح الباب لمراجعة أوسع مع تغير القيادة الأمريكية مستقبلًا.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”