جفاف الحنجرة.. أين ذهبت الأغنية الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى؟
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
حملت الأغنية الفلسطينية منذ بدايات النضال الفلسطيني في القرن الماضي، كل شجون المجتمع من أحزانه وتمجيده للشهداء إلى بطولاته وانتصاراته في جولات القتال التي لم تنقطع، إلى انكساراته وحنينه لبلاد أخرج منها ولم تخرج منه، ووعوده الدائمة بالعودة والتمترس خلف البندقية.
وشكلت الأغنية الفلسطينية شكلا من التدوين التاريخي لثورات فلسطين، ونكبتها، ونكستها، وعمليات المقاومة، وقادتها الشهداء والأسرى، ومعارضة الناس للتسوية، وأحلامهم بالعودة والاستقلال، وهو دور لم ينقطع، وإن تبدلت أشكال الأغنية واللحن فيها وتنوعت بين أذواق الأجيال، واختلافات المدارس، وصعود أشكال وتراجع أخرى، ونقد على المحتوى والتفاصيل الفنية.
يرصد هذا التقرير الحالة الفنية، وحضور الأغنية وغيابها، خلال معركة "طوفان الأقصى".
إنشاد من وسط المعركةفي أوج العمليات القتالية لمعركة طوفان الأقصى أصدرت كتائب القسام إنتاجا فنيا "كليب" من إنتاج الجوقة العسكرية بعنوان "طوفان أقصانا" بدأ بمقطع من خطاب القائد العام للكتائب، محمد الضيف، الذي أعلن فيه انطلاق العملية، بعد تقديم جرد لعدوان الاحتلال على الشعب الفلسطيني ومقدساته.
تقول الكتائب للاحتلال: "الرعب أقبل والردى فالضيف قد لبى الندا"، وتعرض مع الأنشودة مشاهد من عملياتها في معسكرات ومستوطنات الاحتلال، ثم مشاهد للأسرى والأسيرات وتؤكد على أحد أهداف العملية "سنحطم القيد اللعين"، وتوجه رسالة للضفة "في ضفة الأحرار نار.. تغلي وإعصار وثار".
وتعرض القسام مشاهد لعضو المجلس العسكري فيها، القائد أيمن نوفل، الذي ارتقى خلال القصف الإسرائيلي أثناء المعركة، وتختم برسالة من الناطق باسمها أبو عبيدة: "ندعو قوى المقاومة وشباب شعبنا الثائرين للدخول في المعركة".
وخلال أيام المعركة، نشرت الكتائب عبر حسابها الرسمي على تطبيق "تليغرام"، فيديو لأنشودة "يا قدس فاشهدي"، كانت قد أصدرتها الجوقة العسكرية بعد حرب "سيف القدس"، مع مشاهد من معركة "طوفان الأقصى".
نشاط عربي وغياب فلسطينيفي الواقع، فإن المتابعة تقول إن الوسط الفني الفلسطيني لم يشهد نهضة لإنتاج أعمال فنية فلسطينية تحاكي الحدث الضخم، الذي يعمل ما يعمل في الواقع هدما وتشييدا.
ويظهر من البحث أن الإنتاج الفني للمعركة على المستوى الفلسطيني، في حده الأدنى، وعلى موقع "الساوند كلاود" نشرت أغنية تحمل عنوان "خيل خيالة"، وهي من النمط "السريع" الذي يحمل معان تتعلق بالفروسية والفدائية وموسيقى معروفة في السياق الغنائي الوطني الفلسطيني، منذ بدايات الثورة الفلسطينية المعاصرة، مع إضافات موسيقية جديدة وأصوات الرصاص والقتال.
وتشارك "عروة ميكس" مع الشاعر الشعبي عدنان بلاونة في أغنية "صقور الأرض"، في نمط حماسي يؤكد على بطولات المقاومة، الذين "من السما تهاجكم صقور.. تعمل موج البحر الجسور.. رجال الخوف ما يهزا.. تحفر أنفاق العزة".
في السياق الأعم فإن الأعمال الفنية التي واكبت المعركة كانت في أغلبها من خارج فلسطين المحتلة. الفنان اللبناني محمد حسين خليل أصدر أنشودة "الطوفان"، وكلماتها من الشعر الفصيح تتحدث عن "وعد الله" الذي اقترب بالتحرير، من دم الشهداء، ومن ذات المدرسة التي تنتمي إلى "محور المقاومة" كانت أغنية الفنان البحريني "لا أمن بعد اليوم" ومحورها الأساسي "إسرائيل" التي هي "فرعون" الذي يغرقه "طوفان الأقصى".
وحملت أغنية الفنان أحمد العلي "غزة اليوم تنادي" وهي من الغناء الشعبي وتتحدث عن "قيم الجهاد" والصمود في وجه الحصار والعدوان، وغنى الفنانون أنس البرقي ووليد هاني ومصطفى مكي تحت "هذا طوفاني.. إنما يرمي الإله وليس نحن من يرمي"، وللمنشدين لطوفان الأقصى انضم المنشد عماد رامي بصوته الجبلي الذي يناغم على ألحان الكلمات الفصيحة "طوفان الأقصى أتاكم من حيث لا تدرون.. برجال صناديد أشاوس".
الفنان فارس حميدة غنى "أنا الطوفان" وهو يؤكد فيها على "تروح فدا البلاد الروح" و"لست جبان". المعركة التي كانت حدثا هازا للمجتمعات العربية والإسلامية وظهرت آثار الهزة في التظاهرات، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وعودة صدارة القضية الفلسطينية وصلت إلى دفع فناني "الغناء الشعبي" في مصر المعروفين في "الحفلات" مثل حمو بيكا، وعلي قدورة، ونور التوت للغناء لـ"طوفان الأقصى"، ولشعب فلسطين غنى الفنان الشعبي المصري وائل زياد "أنا حزين نفسي أشوفكم منصورين.. راجعين معاكم رايات النصر وفرحانين".
لم يكن دخول الجبهة اليمنية فقط على صعيد عمليات عسكرية، وتظاهرات حاشدة، بل على الجبهة الفنية أيضا، وسجل الفنان الشعبي أيوب طارش أغنية للمعركة وهو يحث الشعب الفلسطيني على "واصل زحفك من غير تأخير فورا نصرك جيش التحرير"، وفي أغنيته التي قال إنها هدية من أبناء اليمن للشعب الفلسطيني غنى الفنان أكرم السند "للغضب الذي هب..والناصر القادم".
و"إلى أهالي فلسطين من الشعب المصري" كانت مقدمة أغنية الفنانين ليل المحمدي وأحمد السواحلي، وعلى طريقة "الراب" يبدأ محمود بدر و محمود هلال أغنيتهم بالأغنية الشعبية التي غنتها حاجة فلسطينية في مخيمات لبنان "شدوا بعضكم"، ثم يذكروا الاحتلال بهزيمة 1973 ويؤكدون "يا فلسطين احنا وراك ليوم الدين"، وفي أغنيته "فداكي فلسطين" يقول الفنان عمر الكراون "طوابير راح نيجي بالملايين" في لحن حزين ينطلق من أجواء المجزرة نحو أمل بالتحرير والعودة.
وفي أنشودته يسأل الفنان صالح الأزهري عن "صلاح" الذي يسأل عنه الأقصى، ويشكو من "ظلم اليهود.. وصمت العرب"، ويبدأ الفنان أحمد حسن الأقصري أغنيته للطوفان بموال للأقصى "أقصانا مسرى الرسول ومرسانا ملك لنا ليس لسوانا"، ومن كلمات ثورية في وجه المجزرة يغني الفنان أسامة الشلبي "قوتنا أنت يا غزة".
لماذا تأخرت الأغنية الفلسطينية؟شح الأغاني الثورية الفلسطينية التي تنطلق من حدث "طوفان الأقصى"، حتى اللحظة، يمكن تفسيره من عدة أرضيات أولها: "الصدمة" التي أصابت قطاعا من الشعب الفلسطيني، خاصة خارج قطاع غزة، الذين وقفوا مشدوهين أمام مشاهد العبور، ولم يخبروا حدثا بهذا الحجم.
انعكست "الصدمة" في الأيام الأولى على حركة الشارع، قبل أن يستعيد مبادرته تدريجيا، وهو ما قد ينطبق على الحركة الفنية، كأحد تفسيرات ضعفها وعدم مجاراتها حتى الآن لما ارتقت له الأحداث الجارية.
تاريخيا كان للفرق الفنية التي تتبع للتنظيمات دور في تأريخ الأحداث الكبرى، وعمليات الحشد والتحريض ضد الاحتلال، وتجويد القطاع الفني ومده بألوان جديدة من الغناء. وذروة هذه الفرق التنظيمية كانت في تجربة "الجوقة العسكرية" التابعة لكتائب القسام، التي صعدت في السنوات الأخيرة، وخلدت معظم المعارك الكبرى وعلى رأسها "سيف القدس" في مايو/أيار2021.
وفي ساحة الضفة والداخل، غابت هذه الأشكال التنظيمية من العمل الفني، مثلما تفتقد للتنظيم نفسه الذي يدفع الناس لأداء الأدوار الفنية والاجتماعية على هامش العمل العسكري والتنظيمي.
وأحد الأسباب الذي قد يصلح لتفسير غياب الحالة الفنية، هو حملة الاعتقالات الواسعة التي نفذها جيش الاحتلال، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، في الضفة المحتلة. إذ طالت شخصيات سياسية واجتماعية وصحفيين وكوادر تنظيمية، خاصة من حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، بالإضافة لنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
هؤلاء عادة ما تطالهم الحملة في الأحداث الكبرى تحت حجة "منع التحريض"، وهذه الملاحقة الضارية لا بد أن تخنق أنفاس أية مجموعة تحاول إنتاج عمل فني للمعركة، خاصة وأن الاحتلال اعتقل في السنوات الأخيرة بعد "هبة القدس" والعمليات الفردية عددا من الفنانين الذين غنوا لأبطالها.
السبب الذي قد يكون رئيسيا في تفسير الظاهرة، هو أن قطاع غزة الذي شكل مركزا للعمل التنظيمي والنضالي الفلسطيني بكل ما يلحقه من أعمال فنية واجتماعية وسياسية، يتعرض لحرب وحشية من قبل الاحتلال، طالت كل مقومات الحياة فيه، وهو ما أثر بالطبع على الإنتاج الفني حتى اللحظة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الأغنیة الفلسطینیة طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
ناشطون يخلّدون ذكرى "طوفان الأقصى": ستبقى حاضرة في الوعي الفلسطيني
غزة - خاص صفا
شهد وسم #طوفان_الأحرار، و#طوفان_الأقصى في ذكراها الثانية، تفاعلًا واسعًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث تداول النشطاء والمغردين الوسم للتعبير عن رسوخ التاريخ في الذاكرة الفلسطينية، مؤكدين أن "الطوفان" شكّل نقطة تحول في مسار الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وتنوّعت المشاركات على الوسوم، بين مقاطع توثّق مشاهد من المعركة وأخرى تخلّد الشهداء والمقاومين، إضافة إلى تعليقات تشيد بصمود الشعب الفلسطيني وثبات المقاومة رغم حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة.
كما ربط ناشطون بين الذكرى وما تشهده غزة اليوم من دمار وحصار، مؤكدين أن "روح الطوفان لا تزال حاضرة في وعي الأجيال، وأن المقاومة ستبقى عنوان الكرامة والحرية للشعب الفلسطيني".
تغريدات
الناشط عبد الكريم الماضي كتب عبر "فيس بوك"، "اليوم 7 اكتوبر يوم لا ينسى من حياتنا، تاريخ بدأت حكايته ولم تنتهي بعد... فقدنا أناس يعزوا علينا، من اخوة واقارب وأصدقاء كان لنا معهم أجمل الذكريات التي لا تنسى، غيابهم أثر في حياتنا، هم أسماء وليسوا بأرقام، نسأل الله أن يوقف هذه الإبادة، وأن تتوقف معاناة الناس بالقريب العاجل اللهم نسألك الصبر والثبات والانتصار .... انتصار الدم على السيف".
أما الصحفي والناشط الفلسطيني محمد سامي فقال "في السابع من اكتوبر رحم الله أشجع وأشرف وأتقى شبابنا الذين أثبتوا للأمة جمعاء أن الكيان مهما كانت قوته وعتاده يمكن هزيمته إذا هوجم بغتةً وفي ساعات قليلة.. وهذا ما حصل وشاهدناه في ساعات السابع الأولى!
وتابع "لكن هذا الدليل خُذِل من الضفة والقدس والداخل والعالم الإسلامي والعربي بأكمله وتَبِع هذا الانتصار ما نشهده من هذه الأيام العجاف السابع من اكتوبر الذي كان نتيجة 20 عامًا من الحصار على غزة هذا الحصار الذي كانت تودع فيه مرضاها وهم بانتظار العلاج على المعابر نتيجة الاغلاق، الحصار الذي ودعت فيه خيرة شبابها في بحار اليونان للهجرة من الوضع القاسي وقلة الفرص !، السابع من اكتوبر الذي كان نتيجة لتدنيس المسجد الأقصى وسحل المرابطين والمرابطات في القدس !، السابع من اكتوبر الذي كان تلبية ل "مشان الله يا غزة يالله" نتيجة الاغتيالات والقتل اللامبرر والاستيطان في الضفة !، نعم ألمنا عظيم ومأساتنا كبيرة فقد فقدنا كل شيء !!، لكننا سنعتبر تذكيرنا للعدو بهذا اليوم بأنه إغاظة العدو وإساءة وجهه …، سنظل نستذكر بأس رجالنا ونستذكر جنودهم وهم يُسحلون على الارض وقد بُصِمت على جباههم الكندرة الغزاوية".
الأكاديمي الدكتور جمال الخالدي كتب على صفحته في "فيس بوك"، "عامان؛ رفعت فيهما غزةُ أقواماً، وحطت آخرين.، لله دركم يا أهل غزة!".
أما الناشط سلطان العجلوني فقال "عندما بزغ هذا الصباح أفلت شمس الكيان".
وقال محمد أبو الروس "السابع من اكتوبر يوم من أيام الله، سطر فيها الثلة المجاهدة معاني العزة والنصر والتمكين وكان فرصة لفرض قواعد اشتباك جديدة لو تكاثفت الأمة".
وتابع "لكن للأسف خذلتنا الشعوب العربية والحكومات والدول، وتركت غزة تحت جحيم النيران لسنتين كاملات وبدأ العام الثالث وما زالت غزة تنزف الدماء والأشلاء وتقول يا ربنا لا ملجأ إلا إليك، فقدنا فيها أطهر وأشرف رجالاتنا وما زال البعض يواصل المسير وحتما سيكتب الله لهذه المذبحة الخلاص وسيكتب لنا التحرير ولو بعد حين".
أما الناشط أبو هادي الخالدي فكتب في ذكرى "طوفان الأقصى" الثانية، "ذكرى أعظم انجاز عسكري واستخباراتي في تاريخ الأمة العربية والإسلامية ضد أعتى منظومة أمنية في العصر الحديث، وبين الذكرى والواقع نعيش أسوء نكبة وأشرس إبادة على مر العصور بحق الشعب الفلسطيني! رحم الله احباب القلب ولا ضيع الله جهدكم يا رجال".
وقال الناشط محمد نشبت، "في السابع من أكتوبر تزلزلت صورة إسرائيل الأمنية والعسكرية. ذلك اليوم لم يكن عابرًا، بل زلزالًا هزّ يقينها وكشف أن “الجيش الذي لا يُقهر” قابل للكسر".
وتابع "كانت غزة وحدها مَن جرّدت الأسطورة من هالتها، وأعلنت أن الخوف يمكن أن يسقط كما يسقط جدارٌ هشّ، لكن بينما كانت الدماء تُكتب بمداد البطولة على حدود غزة، صمتت الضفة، وغابت القدس، وانكمش الداخل، هم الذين ردّدوا طويلًا شعارات العزة: “حطّ السيف قبال السيف… إحنا رجال محمد الضيف”، فلما دقّ الناقوس وانطلق نداء الضيف، ولّى الجميع وجوههم. لم يخرجوا، لم يتحركوا، ولم يرفعوا السيف الذي تغنّوا به. تركوا غزة وحيدة تواجه الذبح، ثم غطّوا عجزهم بأعذار رخيصة صنعتها ماكينة الاحتلال قبل ألسنتهم".
وأردف الناشط نشبت في تغريدته "عامان مرا، وما زال هذا الغياب وصمة تطاردهم. مدن كاملة ارتضت أن تكون متفرّجة، متستّرة خلف حجج سطحية، بينما كُتب على الغزّي أن يدفع ثمن الدم وحده مرارًا، كانت لحظة يمكن أن تتحوّل إلى وحدةٍ فلسطينيةٍ شاملة، لكنّهم اختاروا أن يتركوا غزة تُستنزف، يتفرجون عليها تُباد وهم ينعمون بخيبة الحياد، أما غزة نفسها، فلم تسلم من الانقسام. انقسمت على ذاتها بين من يدافع عن الفعل باعتباره الحق في المقاومة، وبين من يجلد الفعل وأهله تحت وطأة الثمن المدفوع، كأنها تحمل فوق دمارها صراعًا آخر لا يقل قسوة".
وقال "لم ينسَ التاريخ أنّ لبنان رغم جراحه أسند، وأن اليمن البعيد لم يخذل. بينما هنا، في قلب الجغرافيا الفلسطينية، تراجع من نادى بالقتال ساعة الجدّ، فبان خواء الشعارات، لم يبقَ إلّا المقاوم الذي ما زال بعد عامين قابضًا على سلاحه، يواجه إسرائيل كأنه جبل من صبر وحديد. وحده يقول بدمه: “السابع من أكتوبر لن يُمحى، وإن هانت مدنٌ كانت تدّعي أن السيف سيفها، فللسيف في غزة رجال لا يتركونه يسقط".
وكتب الناشط محمد عزيز على صفحته في "فيس بوك"، "الســابــ7ــع من أكــتوبــر "وذكرهم بأيام الله" "اللهم في سبيلك وابتغاء مرضاتك"، تاريخ لن يمحى من ذاكرة الأمة والأجيال".