نقد السّرديّـة الاشتـراكيّة
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
ربّما كانتِ السّرديّةُ الاشتراكيّة أكبر السّرديات المعاصرة تأثيرا ونفوذا ومزاحمةً للسّرديّة اللّيبراليّة، على امتداد فترةٍ طويلة فاصلة بين نهاية أربعينيّات القرن التّاسع عشر ونهاية ثمانينيّات القرن العشرين. الفكرتان معا تبادلتا السّلطةَ الإيديولوجيّة على معظم شعوب العالم، وتهيّأت لكلّ واحدةٍ منهما أسبابُ ذلك السّلطان المعنويّ في النّاس، وأوّلها المورِد الأساس الذي مَـتَحَتْ كلُّ منهما مشروعيّـتها منه.
مَبْنَى الفكرة الاشتراكيّة على نقد ما ازْوَرَّتْ عنه الفكرةُ اللّيبراليّة في منظومة حقوق مواطني الدّولة الحديثة، وعلى نقْد ما حسِبتْه مقدَّسَها السّياسيّ. لقد أَتَت تاليةً على اللّيبراليّة في التّطوّر، لذلك ما كان لها غير أن تؤسِّس پاراديغماتها في ضوء ما استحدثتْهُ سابقتُها. وهكذا، في مقابل فكرة تشديد اللّيبراليّة على المساواة في الحقوق السّياسيّة للمواطنين أمام القانون، انتصب تشديد الفكرة الاشتراكيّة على وجوب تحقيق المساواة في الحقوق الاجتماعيّة- الاقتصاديّة، وعلى وجوب توزيع الثّروة توزيعاً عـادلاً. العدالة الاجتماعيّة في مقابل الحرّية، ولكن لا بمعنى أنّ العدالة تلغي الحرّية، بل بمعنى أنّ الحرّية نفسَها لا تكتمل إلاّ متى شملتْ حقوقَ مَن يقع التّمييز والمُـفاوَتَةُ بين حقوقهم، فيُعْدَل في ما بينهم على صعيد حقوقهم. وهذه ظلّت مَـوْطن نقد اللّيبراليّة التي لم تكن ترى في فكرة تكافؤ الفرص والعدالة في الثّروة سوى محاولة متنكّـرة لضرب قُـدْس أقداسها: حرّية التّملّـك.
ولمّا كان مبْنى السّرديّـة الاشتراكـيّة، ثانياً، على القـول إنّ المُلْـكـيّة ينبغي أن تكون عامّـة - للمجتـمع رُمّـةً - لا خاصّة حتّى ترتفع الأسبابُ الحاملةُ على التّفاوُت الاجتماعيّ بين النّاس؛ التّفاوت الذي يجعلهم ينقسمون إلى طبقات: طبقات مالكة لوسائل الإنتاج وطبقات محرومة من وسائل الإنتاج...، كان على النّـقد اللّيبراليّ لها أن ينصرف إلى بيان ما تُضْمِرُه تلك السّرديّـة من قـوْلٍ بوجوب إبطال مبدإ الحرّية من الأساس؛ لأنّ أُسَّـه الأساسَ هو حرّية التّـملُّـك: ومتى بَطَـل هذا سقطتِ الحرّيةُ جملةً (= في المعتقد اللّيبراليّ). وإلى ذلك فإنّ تأميم المُلكيّـة ووسائل الإنتاج -الذي تدعو إليه الفكرةُ الاشتراكيّة- نقضٌ لأهمّ قوانين الاقتصاد والإنتاج عند اللّيبراليّة؛ أي نقضٌ لمبدأ المنافسة التي بها تَعْظُم الثّروة، لذلك ترفض القولَ به وتنتقده. ثمّ إنّ الدّولة حين تُخضع الاقتصاد والإنتاج ووسائله والملكيّة والثّروة لسلطتها، باسم المجتمع، تعتدي اعتداءً سافرًا -في نظر اللّيبراليّة- على حقٍّ طبيعيّ ومدنيّ يعود إلى الأفراد. هكذا، باسم المجتمع، تمارس الاحتكار وتصادر الحقوق الفرديّة والحريّـات، والحال إنّه ليس للدّولة -يقول النّـقد اللّيبراليّ- أن تتدخّل في الاقتصاد، أو أن تزاحم الخواصّ في الإنتاج والاستثمار، بل واجبها الوحيد هو أن تَحْمِيَ المُلكيّة الخاصّة وتُحيطَها بالضّمانات القانونيّة، وأن تحميَ الاقتصاد الحـرّ ممّا يتهدّده: أي منها هي أيضاً!
ولمّا كانت الفكرةُ الاشتراكيّة وجدت لنفسها تجسيدا، سياسيّا ومؤسسيّـا، في النّظام السّوفـييتيّ وردائفه في بلدان أوروبا الشّرقـيّة -أي في ما عُـرِف، في ما مضى، باسم المعسكر «الاشتراكيّ»-؛ ولمّا كان مضمون هذه «الاشتراكيّة» السّوفييتـيّة هو سيطرة الدّولة على الاقتصاد وتأميم وسائـل الإنتاج والإشراف المباشر على القطاعات العامّة للاقتصاد، صار أكثرُ النّـقد اللّيبراليّ للسّرديّـة الاشتراكيّة نقداً سياسيّاً للـتّجربة السّياسيّة السّوفييتـيّة ونظائرها، وليس نقداً فكريّـاً للنّظريّة الماركسيّة في الاشتراكيّة و، بالتّالي، بات سهلاً تصيُّـد أخطاء تلك التّجربة وخطاياها وتركيب استنتاجات عليها تطال الفكرةَ والنّظريّة معاً، لا فقط النّظام السّياسيّ الذي قام باسمهما. وهكذا حينما وقعت الواقعة وانهار الاتّحاد السّوفييتيّ، تحت وطأة تناقضاته القوميّة والسّياسيّة الدّاخليّة، وجد النّـقدُ اللّيبراليّ في سقوطه دليلَه الماديّ على بطلان الفكرة التي عليها قام (أي الاشتراكيّة)، من غير أن يحترم المسافة بين الفكرة العليا وتطبيقاتها التي لا تكون، في الغالب، مطابِقة ولا واحدة.
على أنّ ما ميّز السّرديّة الاشتراكيّة عن مثيلتها اللّيبراليّة أنّها لم تكن موضعَ نقـدٍ من الخارج، من اللّيبراليّة حصراً، بل وقع انتقادُها حتّى من الدّاخل؛ أي من قِبَـل مَن تشكّكوا في أن تكون روايتُها عن الاشتراكيّة روايةً صحيحة، ومَن أصرّوا على أنّها رواية سوفييتـيّـة لا رواية اشتراكيّة. كان في جملة هؤلاء الصّين: ماوتسي تونج وتلامذته، والتروتسكيّون، والمجالسيّون، ومدرسة فرانكفورت، والتيّار الألتوسيريّ، وماركسيو العالم الثّالث ومدرسة التّبعيّة (أندريه غاندر فرانك، سمير أمين)، وشارل بيتلهايم: صاحب الدّراسة الأوسع والأشـمل (ثلاثة أجزاء) عن الاتّحاد السّوفييتيّ وتلامذته من الاقتصاديين الغربيّين...إلخ. وما كان نقد هؤلاء للسّرديّـة تلك أقـلّ حـدّةً وشدّة من النّـقد اللّيبراليّ لها، بل كثيراً ما تخطّاه إلى الأبعد؛ ولم تكن تلك حالُ اللّيبراليّين مع السّرديّة اللّيبراليّة إلاّ جزئيّاً و، غالباً، في فترات التّـأزّم الرّأسماليّ.
إذا كان لنا تلخيص جوهر النّقد الماركسيّ -غيرِ المُسَفـيَت- للسّرديّـة «الاشتراكيّة» السّوفييتيّة، فإنّ أظهر ما يفرض نفسَه علينا في ذلك النّـقد قضايا ثـلاث نعْرِضها في إسراعٍ. أوّلها أنّ الاشتراكيّة، بوصفها مرحلةً انتقاليّة، ليست تمركُزًا للسّلطة وتضخُّمـاً لجهاز الدّولة -على نحو ما حصل في الاتّحاد السّوفييتيّ وشرق أوروبا- بل سمتُها الرّئيس هي اضمحلال الدّولة التّدريجيّ وبلوغ المجتمع مرحلة النّضج لتنظيم نفسه ذاتيّـاً. وثانيها أنّ الاشتراكيّة، في تعريفها النّظريّ، هي المرحلة الاجتماعيّة التي تفتح الطّريق نحو السّيطرة المباشرة على وسائل الإنتاج من قِبَـل المنتجين، بينما انتهت الاشتراكيّة المُسَـفْـيَـتَة إلى سيطرة الدّولة على تلك الوسائل فتحوّلتِ الدّولةُ بذلك إلى مالكٍ رأسماليّ جديد، وأقامت نمطَ إنتاجٍ جديد هو رأسماليّة الدّولة (سمَّـتْه اشتراكيّة). وثالثها أنّ الاشتراكيّة تديرها سلطة مؤلّـفة من القوى المنتجة أو من مجالس تمثّـلها، والحال أنّ الطّبقة التي تدير سلطة الاشتراكيّة السّوفييتيّة هي برجوازيّـة الدّولة. وقد اقترن نقد المضمون الاجتماعيّ للاشتراكيّة المطبَّـقة هـذا بنقد مضمونها السّياسيّ، وخاصّة بنقد نموذج النّظام الكُـلاّنيّ (= التّـوتاليتاريّ) الذي شهد على بناء أساساته ومعماره في العهد السّتالـينيّ، واستمرّ قائماً إلى حين انهيار الاتّحاد السّوفييتيّ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ة الاشتراکی ة الاجتماعی ة الس یاسی ة ة الد ولة الحر یة الن ظام ة التی ردی ـة
إقرأ أيضاً:
المبتكرات العمانيات.. من الفكرة إلى الإنجاز
"العُمانية": وسط التقدم التكنولوجي والعلمي، وفي عالم متسارع بالنهوض التقني والفكري، تبرز أسماء نسائية عمانية شابة، تُحدث فرقًا حقيقيًّا في عالم الابتكار وتحمل في صميمها الأمل والتجديد، من هنا تتألق المبتكرات العمانيات اللواتي استطعن أن يترجمن أفكارهن إلى مشاريع واقعية وإبداعات مميّزة تخدم المجتمع، من صميم المختبرات والبرمجيات، وفكرة ريادة الأعمال، آمنت هؤلاء الشابات بأهمية الابتكار في تشكيل المستقبل وبرهنت على القدرة الفذة والعزيمة العميقة التي لا تلين من أجل تحسين جودة حياة ورسم مستقبل جديد للمؤسسات وإيجاد حلول للنهضة بالقطاعات بمختلف مجالاتها.
عُمان ترعى فكر الابتكار
وقد أشار جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم في خطاباته السامية إلى تعزيز بنى العلم والمعرفة والابتكار والأبحاث، إذ أكد جلالته على أن الاهتمام بقطاع التعليم وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار من الأولويات الوطنية، إضافة إلى دور الابتكار والتقنية في دعم الاقتصاد الوطني، حيث جاء في النطق السامي: (إننا إذ نُدرك أهمية قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وقطاع ريادة الأعمال، لا سيما المشاريع التي تقوم على الابتكار والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، وتدريب الشباب وتمكينهم، للاستفادة من الفرص التي يتيحها هذا القطاعُ الحيوي، ليكون لبنةً أساسية في منظومة الاقتصاد الوطني).
وبلغ عدد الطلبات الوطنية المسجلة للمبتكرين العمانيين في عام 2020، 107 طلبًا مودعًا، ليبلغ في عام 2024، 127 طلبًا لدى المكتب الوطني للملكية الفكرية التابع لوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار.
تسنيم تقود التحول البيئي
وقالت المبتكرة تسنيم بنت محمد الداودية، صاحبة مشروع "تخفيف النفط الثقيل باستخدام تقنية الحقن الهيدروجيني" ومسجلة لثلاث براءات اختراع في مجال النفط والطاقة المتجددة، ومهندسة أبحاث وتطوير، ومؤسس لشركة النفط الأخضر للطاقة، إن أهمية تسليط الضوء على تمكين ودور المرأة في الابتكار ليس بالعهد الجديد في سلطنة عُمان وقد أكد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم على أهمية دور المرأة الفعّال في مختلف القطاعات، ويعد الابتكار أحد أهم قوى العالم في تحريك الاقتصادات وقد أثبتت المرأة العمانية جدارتها ونجاحها في مجال الابتكار، بما فيها أبحاث النفط والطاقة كونها بيئة خصبة بها الكثير من الإمكانيات والفرص.
وأضافت تسنيم وهي أول عمانية تحقق المركز الأول على مستوى براءات الاختراع الخليجية ممثلة في مكتب براءات اختراع الخليج في عام 2019، أن للابتكار دورا فعالا في إيجاد نقلة اقتصادية نوعية في المجتمع والتي تنعكس بدورها على التطور الاجتماعي، الأمر الذي يجعل مواكبة التطورات العالمية ضرورة قصوى، وهذا ما اهتمت به سلطنة عُمان حيث جعلت من الابتكار إحدى أهم أولويات النمو الاقتصادي وهذا ما ساعد في ظهور المبتكرين من مختلف شرائح المجتمع وهذا مؤشر صحي على أن المستقبل القريب سيشهد حقبة نوعية اقتصادية وفكرية مبنية على أسس الابتكار.
وأكدت على أن المبتكرات العمانيات يحظين اليوم بدعم من جميع المؤسسات الحكومية والخاصة، المتمثل منها في برامج المسرعات من ريادة، وتمكين المبتكرات من تمثيل سلطنة عُمان في المعارض العالمية للابتكار، إضافة إلى المشاركة في البرامج المحلية التي تسلط الضوء على إنجازات المبتكرين والتي تمثل بدورها حلقة وصل بين المبتكر والمجتمع بشكل عام، مشيرة إلى أن المجتمع العماني يشهد انفتاحًا معرفيًّا وفكريًّا أيضًا على المستوى الأسري وهو الأساس الذي ينبع منه الدعم للمبتكر من أجل إيجاد الفرص واحتوائها.
تأتي رسالة تسنيم الداودية كمبتكرة من أجل إيجاد ثقافة جديدة مبنية على فكرة الأبحاث والتطوير في مجال البتروكيماويات ليكون لها دور فعال في تغيير المنظومة الاقتصادية من الاعتماد الكلي على الاستيراد في مجال البتروكيماويات إلى ثقافة التصنيع، والحفاظ على البيئة ودعم سياسة الوصول إلى الحياد الصفري وذلك من خلال إيجاد وتطوير منتجات عضوية قادرة على أن تكون بديلا يكافئ المنتجات الكيميائية فنيًّا واقتصاديًّا.
وحصدت المبتكرة وهي أول عمانية تحقق ميدالية ذهبية في معرض جنيف العالمي في عام 2019، عددًا من الجوائز منها الجائزة الكبرى والميدالية الماسية مع منظمة جاوبل وين العالمية 2022، والميدالية الذهبية مع مرتبة الشرف في معرض اينا العالمي في ألمانيا 2020، والمركز الأول في مسابقة الجدران المتساقطة لتمثيل سلطنة عمان في برلين 2023.
سليمة تبتكر طاقة نظيفة
من جانبها أشارت المبتكرة سليمة بنت سعيد المشرفية عضوة في شركة HydroFuel المهتمة بتحويل نفايات الطعام لغاز الهيدروجين الحيوي، صاحبة مشروع "التقليل من الآثار الضارة للإجهاد اللاحيائي على النبات" إلى أن سلطنة عُمان اهتمت بالمرأة العمانية بشكل عام والمبتكرة بشكل خاص في جميع المجالات وعلى مختلف الأصعدة، وركزت على دورها في البحث والابتكار في خطوة مهمة نحو تحقيق التنمية المستدامة في سلطنة عُمان فاستثمرت الجهود والأفكار وواجهت التحديات من أجل توفير بيئة مناسبة تضم ابتكاراتها واختراعاتها في مختلف المجالات.
وأكدت على أن الاهتمام بالابتكار من الركائز الأساسية التي تسهم في نهضة الدول وتقدمها، مشيرة إلى نهج جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- الواضح في وضع الابتكار في صميم التنمية الوطنية وما جسّدته رؤية عُمان 2040 من خلال تبنّي الابتكار والبحث العلمي كأحد الممكنات الأساسية للاقتصاد والمجتمع، إلى جانب الجهود والسياسات والمبادرات الوطنية التي تسعى إلى دعم وتمكين المرأة العمانية وإتاحة الفرص أمامها للمشاركة الفاعلة في مختلف مجالات الابتكار والبحث العلمي، الأمر الذي يعكس الإيمان بدور المرأة كشريك أساسي في مسيرة التنمية، ويعزز من حضورها في المشهد العلمي والابتكاري ويفتح أمامها آفاقًا أوسع للإبداع.
وأفادت بأن الأسرة هي الداعم الأساسي للفرد، ومنها تخرجت أجيال مبتكرة قادرة على مواجهة تحديات المستقبل، بالإضافة إلى الدور الإيجابي الذي تؤديه المؤسسات التعليمية في دعم الأفكار الإبداعية، وتبنّي المشاريع المبتكرة وتحويلها إلى واقع ملموس من خلال مبادرات الطلبة في تأسيس شركات ناشئة، والحصول على براءات اختراع، الأمر الذي أسهم في ظهور العديد من المبتكرات العُمانيات اللاتي برزن في مجالات علمية، مما يعكس حجم الإمكانات الواعدة لدى المرأة العمانية في مجال الابتكار.
وأوضحت أن للمبادرات والبرامج الحكومية والخاصة والمؤسسات التعليمية دورًا محوريًّا للمبتكرات العمانيات في دعم وتوفير المساحة والفرص وتبنّي الأفكار وتطويرها وتحويلها إلى نماذج ومشاريع واعدة لتسهم في تشجيع المشاريع ضمن منظومة أكاديمية محفزة في الاقتصاد الوطني.
وحصلت المبتكرة سليمة على المركز الأول في مجال الاستدامة في مسابقة "نحن عمان" بمشروع تحويل نفايات الطعام إلى غاز حيوي، والمركز الثاني في هاكاثون جنوب الشرقية للجامعات تحت تنظيم مبارزة لريادة الأعمال.
ليان تدعم الصم تقنيا
وأكدت المبتكرة ليان بنت سعيد الرحبية، الرئيسة التنفيذية لشركة “سريوس”، على أن سلطنة عُمان تسعى دائمًا في مجال تمكين المرأة في مختلف القطاعات والمجالات ومنها مجال الابتكار كونها تؤمن بأن المرأة ركيزة أساسية لبناء أجيال مبدعة ومؤثرة، وأن المرأة العمانية أثبتت وجودها وجدارتها واستحقاقها للوقوف اليوم في الصفوف الأمامية للباحثين والمخترعين ورواد الأعمال، بالإضافة إلى دورها في تنشئة المبتكرين، وتوسيع آفاق الابتكار داخل الأسرة والمجتمع، مما يجعل تمكينها مسؤولية وطنية مستمرة.
ووضحت أن الأسرة والمجتمع والمؤسسات التعليمية لها الدور الأبرز في تنشئة جيل واعٍ بأهمية الابتكار، بالإضافة إلى دورهم في عملية الدعم والتحفيز والتشجيع للانخراط في هذا المجال بكل ثقة، وأن المجتمع العماني يشهد اليوم تحولًا إيجابيًّا واعيًا فيما يخص هذا القطاع.
وأشارت إلى أن الابتكارات تؤدي دورًا حيويًّا في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما عند ملامسة هذه الابتكارات احتياجات الأفراد وإتاحة المجال أمامهم للعمل والمشاركة المجتمعية.
وتعد “سريوس” شركة طلابية ناشئة معتمدة من وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، مختصة في مجال الابتكار وريادة الأعمال، ومن أبرز اختراعاتها “لُغة”، وهو أول ابتكار من نوعه على مستوى العالم يخدم فئة الصم والبكم، حيث يتيح لهم إمكانية التواصل الفعّال دون الحاجة لاستخدام لغة الإشارة.
وحصدت الشركة على مجموعة من الجوائز منها، المركز الأول في مسابقة “إنجاز عمان” لأفضل إعلان ترويجي لاختراع “لُغة”، والمركز الثاني والميدالية الفضية عالميًّا في مجال الذكاء الاصطناعي والخدمة الاجتماعية - جائزة نوبل للاختراعات.
ملاك بنت خليفة الحارثية، طالبة في كلية عمان لطب الأسنان، صاحبة مشروع "أول إسمنت حيوي سني مدعّم بأكسيد الجرافين"، تؤكد على أن تسليط الضوء على دور المرأة وتمكينها في الابتكار خطوة استراتيجية لتعزيز تنوّع الأفكار وتعدد زوايا التفكير، ففي المشاريع التي تنطلق منها أفكارها، تكون المرأة العمانية حاضرة في المختبر وفي التحليل، وفي التقييم البيولوجي، وفي صياغة نموذج الإنتاج، الأمر الذي يجعل تمكينها يحمل معنىً جوهريًّا لا شكليًّا.
وقالت إن الابتكار ليس ترفًا فكريًّا، بل هو محرك مباشر لتحسين نوعية الحياة، وتحقيق الاستقلالية الاقتصادية، وتعزيز الهوية الوطنية، ومجالًا لآفاق أوسع وأرحب لفرص وظيفية جديدة، ويعيد توجيه الاقتصاد نحو المعرفة بدلًا من الاستهلاك، مشيرة إلى دور الأسرة في كونها الحاضنة الأولى للإبداع، بالإضافة إلى دور المجتمع والمؤسسات التعليمية، التي من خلالها يتم توفير البيئات التجريبية والتثقيفية وعبرها يُترجم الفضول إلى حلول، مؤكدة على دعم المؤسسات الحكومية والخاصة عبر البرامج والمبادرات التي أصبحت تراهن بجدّية على المرأة العمانية كمحور أساسي في مشاريع البحث والابتكار.
وتم ترشيح المشروع للمشاركة في محافل علمية محلية ودولية، كما تم اختيار المبتكرة لتمثيل سلطنة عُمان في معرض الابتكار الدولي في ماليزيا.
الدكتورة وُرْدة بنت زايد السعيدية، متخصصة في تطوير أجهزة الذاكرة النانوية، صاحبة مشروع "تصميم سلك نانوي مغناطيسي يتيح التحكم بحركة وتموضع “السكايرميونات” لتخزين بيانات متعددة الحالات ضمن مقطع واحد"، ترى أن أهمية تسليط الضوء على دور المرأة وتمكينها في الابتكار ضرورة لتحفيز التغيّر الحقيقي في بيئة الأبحاث، كما أن وجود قدوات نسائية لا يمنح فقط مثالًا للنجاح، بل يخلق بيئة محفزة تدفع المهتمات لاستكشاف مجالات جديدة بثقة وجرأة، وهذا ما تزخر به ساحة الابتكار النسائية في سلطنة عُمان مع وجود العديد من المبتكرات العمانيات في مختلف المجالات، الأمر الذي أدى إلى إثراء التنوع الفكري والتقني، وعزز الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية عبر حلول أكثر شمولًا وفاعلية.
وأكدت على أن الابتكارات تسهم في فتح آفاق اقتصادية جديدة عبر إنشاء شركات ناشئة وتطوير الصناعات، كما توفر وظائف، وتُحسّن نوعية الحياة عند تطبيقها في الطب والتعليم والطاقة وغيرها من المجالات، أما على الصعيد الاجتماعي فهي تعزز روح التعاون والعمل الجماعي وتدفع عجلة التحول الرقمي في المؤسسات الحكومية والخاصة.
وفي حديثها حول دور الأسرة والمجتمع والمؤسسات التعليمية في دعم المبتكرات العمانيات فقالت إن الأسرة تؤدي دورًا جوهريًّا من خلال تشجيع الفتاة منذ الصغر على الاهتمام بالعلوم وتوفير الدعم بكافة أشكاله، كما يُعزّز المجتمع العماني هذا التوجه بالعديد من الفعاليات والمسابقات العلمية المحلية والملتقيات التي تتيح عرض الأفكار، أما فيما يخص المؤسسات التعليمية فإنها توفر بيئة خصبة عبر تشجيع الطلبة على طرح الأسئلة والتجربة دون خوف من الفشل وتوفير الموارد اللازمة في المختبرات المتخصصة، والتي تسهم بدورها في نشر الأبحاث وتبادل الخبرات البحثية عالميا.
وحازت المبتكرة على جائزة أفضل ورقة بحثية عرض شفوي في مؤتمر (GSRC 2024) عن بحث في الذاكرة متعددة الحالات بالسكايرميونات، كما تم اختيارها كعالمة شابة في ملتقى لنداو للفيزياء 2024 تقديرًا لإسهاماتها البحثية.
يسرى بنت يوسف الغدانية، خريجة تخصص الكيمياء من جامعة السلطان قابوس، ومهتمة بالابتكار البيئي والاستدامة، تعمل على مشروع ابتكاري يحمل اسم InkClear، وهو عبارة عن مادة تم تطويرها من حبر الحبار، تستخدم في تنقية المياه الصناعية الملوثة الناتجة عن استخراج النفط، والتي تصل كمياتها إلى ١٠ ملايين برميل يوميًّا، أكدت على أن المرأة العمانية تعكس صورة واقعية عن قدراتها وكفاءتها كونها مساهمة حقيقية في مسيرة التنمية المستدامة في مجال الابتكارات والاختراعات.
وأفادت بأن سلطنة عُمان من خلال وضعها للاستراتيجية الوطنية للابتكار فهي تؤمن أن الابتكار محرك رئيس للتنمية الشاملة، سواء على المستوى الاقتصادي أو البيئي أو الاجتماعي، ومن خلاله يمكن إيجاد الحلول وتحقيق استقلالية في الموارد والتقنيات.
جدير بالذكر أن المبتكرة تستعد لتمثيل سلطنة عُمان في معرض ITEX بماليزيا، وهو من أكبر المعارض العالمية في مجال الابتكار.