هنا يكتب التاريخ ملحمته
تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT
مسعود الحمداني
Samawat2004@live.com
(1)
(ع).. عُمان بلاد التاريخ، منبع الأصالة، مزون الحكمة، ونهر الجود، بلاد ليس كمثلها بلاد، تسير نحو الأفق، ترتدي وشاحا من الجمال، وتعبر محيطات العالم بذاكرة من ماء، تسيل إلى آخر الكون، وتلهم الأساطيل البحرية قوتها وسطوتها، ونفوذها، تاريخ من النبل والوفاء، والإضافات المتينة للإنسانية، تشعرك بالفخر وأنت تجوب فيافيها، وترتاد سهولها، وتلوذ بجبالها، وتعبر بحارها، تشعر وكأنَّ التاريخ يبسط ذراعيه، وأنَّه من هنا مر الكرام، ومن هنا عبروا، ومن هنا بدأت صياغة الحياة.
(2)
(م).. ملحمة من العطاء والإنجاز، تسير نحو العلى، وتتهادى كقمة شمس لا تخفت، يقودها قائد مُحنك، وينجزها شعب عظيم، يحملون معهم مبادئا وقيما، أصالة وكرما، شجاعة وبسالة، هكذا هي صفات أهل سلطنة عمان حكومة وشعبًا، لا يتكلمون كثيرًا، ولكن يفعلون كثيرًا، لا يثرثرون في الخلافات العربية والإقليمية، ولكنهم يتدثرون بلباس الخلق العظيم، لا يصمتون حيت يكون الكلام واجبًا، ولا يجادلون حين يكون الصمت أدبًا، في "فلسطين" تظهر مواقفهم، وفي الخلافات العربية تبين معادنهم، وحين يشتد الوطيس يزمجرون كالرعد لا يثنيهم عن الحق شيء، يرسمون المستقبل، ويخططون للغد، ولا ينسون الحاضر، يفعلون ما تمليه عليهم ضمائرهم الحية، ولا يرفعون شعارات القومية العربية ككثير من الدول، ولكنهم يطبقونها حين تظهر الحاجة لها، ويسعون لها، ولا يترددون في إثباتها على أرض الواقع، وليس في الخطب وكلام الإنشاء العام.
(3)
(أ).. أخلاقهم أعمالهم، وأقوالهم أفعالهم، أسلموا دون سيف أو حرب، وجاسوا البلاد حتى وصلوا أصقاع أفريقيا، وآسيا، وأمريكا الشمالية، وجهات الأرض الأربع، وتركوا آثارهم شاهدة عليهم، كانوا ساسة قبل أن يعرف الكثيرون معنى السياسة، وكانوا عقلانيين في زمن الجنون، وكانوا فصحاء في مواقفهم في زمن التلعثم، والخيانات، وكان صوتهم على منابر الأمم المتحدة صوتا واحدا، لا يتغير أو يتلون، وقفوا مع مصر حين تخلى عنهم العرب، وثبتوا مع العراق حين انهزم الباقون، وسجّلوا مواقفهم المشرفة في سوريا حين غلبت العاطفة البدوية على قرارات الجامعة العربية، ولم يتخلوا عن اليمن حين تخلى عنها الكثيرون، ونصروا "فلسطين" و"غزة" حين توارى الكثيرون خلف عباءاتهم، أولئك الذين يلعبون مع الصهاينة ليلاً، ويدغدون مشاعر العامة نهارا، لم تثنهم الهجمات المضادة، ولم تفت في عضدهم كثرة الاتهامات المُكالة ضدهم، ولم يزعزع مواقفهم المال الإقليمي، أو الإغراءات الدولية، فالمواقف ثابتة كثبات جبال عمان، وراسخة كرسوخ مبادئها.
(4)
(ن).. نِعم البلد بلادي، ونِعم الرجال رجالها، ونِعم القادة قادتها، ينظرون إلى الأفق فيحملون معهم الحلم، ويسعون إلى تحقيقه، ويجعلون من المستحيل ممكناً، ومن الممكن سهلاً، ومن السهل طريقاً يمشون فيه إلى المستقبل، وها هي سلطنة عمان بعد ثلاثة وخمسين عاماً من الجهد والاجتهاد، ومن البناء والتعمير، ومن العمل والكفاح تتبوأ مكانتها، وتتسيّد مكانها، وتعلن أنها دولة لا تقدم، ولا تشيخ، ولا تتكاسل أو تعجز عن الوصول إلى أهدافها، دولة قادها المغفور له بإذن الله قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وواصل بناءها وتمكينها صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله- فلذلك لا خوف على هذه البلاد، ولا تثريب.
عامًا جديدًا مباركًا، وعيدًا دائمًا، وقائدًا صادق الوعد كعهده، وإنجازًا رائعًا، وشعبًا عظيمًا كعظمة هذا الوطن، ورسوخه.. كل عام وعُمان بألف خير ونعمة وسلام.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
د. عصام محمد عبد القادر يكتب: نفاق الذات
ندرك ماهية الكذب، والخداع، كخلق ذميم يمارس من قبل البعض على الآخرين؛ لكن هناك نفاق نحو الذات، تترجمه ممارسات عديدة، منها أن الشخص يصدع لسانه بالفضيلة، وحينما يخلو مع نفسه؛ فإنه لا يتورع عن ممارسة الرزيلة، وأن يتحدث برطب الكلم، ومحاسن الحديث، وعندما ينفرد بذاته يتأفف بكلمات تضير السمع، ولا تتسق مع الخلق الحميد، وأن يظهر انضباطًا في سلوك ظاهري، وريثما يتخفى عن الأنظار، لا نرصد منه إلا انحطاطًا في الممارسات، التي تؤذي الوجدان، إلى غير ذلك من صور نفاق الذات، التي يصعب حصرها.
أغلى ما يمتلكه الوجدان يكمن في الاتصاف القيمي، الذي يوجه ممارسات الإنسان منا؛ فيصدقك القول، والفعل، في السر، والعلن، ومن يؤتمن فيحافظ على الأمانة، ويدعو إلى التحلي بها، كفضيلة تغرس الطمأنينة بين المجتمعات، وتحافظ على لحمتها، وتزيدها قوة، وثباتًا، وعندما يصاب الفرد بانفصال بين القول، والفعل؛ فإنه يقع في دائرة نفاق الذات؛ فيعيش في ظلام دامس، لا يشعر مطلقًا بنور الهدى، ولا يتحمل ضياء جنبات الخير.
فضح الفضاء كثير ممن يدعون الورع، والتورع عن الحرمات، بل، يغالون في أمورنا الحياتية البسيطة؛ فيزيدونها تعقيدًا، ويصرون على تنغيصها بسكب أحكام جائرة، لا تتحملها النفوس، ولا تتوق إليها، وفي المقابل يستحلون ما تم تحريمه، وفق مبررات يصدرونها لذواتهم؛ فتتكشف على الملأ بفضل ما تبثه التقنية عن قصد، وغير قصد؛ فتظهر غور نفاق الذات لديهم، وللأسف، لا يبدون ندمًا، أو أسفًا لخداع من أقدم على تصديق ما تنطعون به، عبر متلون البوابات الإعلامية.
نفاق الذات تكشفه العدالة الزائفة، التي تبدو جلية في صور التمييز بين الأشخاص على معيارية النفعية، والتقرب من أجل مصالح فردية، وهذا للأسف يؤكد على ازدواجية المعايير، التي باتت متفشية بين متلون المجتمعات، وفي خضمها، وأدت حقوقًا، وانتهكت حرمات، وسفكت دماء بريئة، وصار الظلم، والعدوان، يمثلان شعار المرحلة؛ فتاهت القيم الحميدة، بل، إن شئت فقل: ذابت وسط ركام صخور سوداء، تكونت جراء أذى الآخرين.
يصعب أن نتحصل على ثقة في النفس، والآخرين من خلال من يعاني نفاقًا للذات؛ حيث في واقع الأمر، لا يستشعر الخجل، أو الإحساس بالذنب، ولا يقع في معترك التوتر، والقلق، ولا يضع في حسبانه المساءلة، ولا يحوز الاهتمام، والانتباه إلى صورة العلاقات الاجتماعية؛ لأن فساد النفوس، يجعل الفرد لا يرى، ولا يسمع، ولا يعتبر إلا لمصلحته الخاصة، بغض النظر عن الأدلة، التي يقوم عليها الحق، ويفرق بينه، وبين الباطل، وهذا دون مواربة، سقوط في هاوية التخلي عن القيم النبيلة؛ فيصبح ذلك مبررًا لخلق غير قويم.
نتغلب على نفاق الذات عبر تبني استراتيجيات، تسهم في غرس القيم النبيلة، التي تعزز السلوك الإيجابي، الذي يزيد من الوعي بصورة متكاملة، تؤكد على مطابقة القول مع الفعل؛ مرتبطًا بقناعة داخلية، تستثير الرقابة الذاتية، التي تتأتى من مشاعر جياشة، تحفز على قيم السلوك، وهنا يستطيع الفرد أن يصل إلى مستوى من الصراحة، التي من شأنها أن تعضد المصداقية، بما يسهم في تجاوز الخطأ؛ لتبدأ حالة رأب الصدع؛ حيث ترميم فجوات حفرتها آثار نفاق داخلي، توطن في سجايا النفوس.
دعونا نكشف عن جنبات الذوات لدينا؛ لنتعرف بصدق على واقعها، ونعمل بقصد لرقيها؛ لتربوا عن ملامح نفاق، قد يراود سجايا النفس، التي تتحكم في تصرفات نستطيع أن نوجهها إلى سلامة الطريق، ونبحر في خلجاتها، وندعم صورة الإيجابية في مكنونها، وندحض الخوف، والتحسب من تقويم يظهر الضعف فيها؛ ومن ثم نصرفها عن نفاق، يضير بها، ويسقطها في أنهار مليئة بضباب يورث خلق غير قويم.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.