د. يوسف عامر يكتب.. مقومات الإسلام (4)
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
.. والعالَم دليل: «العالَم» الخلق، وقد أشار العلماء إلى أن أصل كلمة «العالَم» اسم لما يعلم به، وهذه الصيغة تسمى بها الآلات كالطابع اسم لما يطبع به، والخاتم اسم لما يختم به، والسبب فى بناء الكلمة على هذه الصيغة أن «العالَم» كالآلة فى الدلالة على صانعه، ولهذا أحالنا الله تعالى عليه فى معرفة وحدانيته، فقال: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَىْءٍ} [الأعراف: 185].
نعم... فالناظر إلى العالَم يجده يقوم على نظام محكم دقيق يستحيل معه أن يقال: إنه وجد عن طريق المصادفة البحتة.. والبعض يتعامى عن هذه الحقيقة ويدعى أن الكون المنتظم نتيجة للمصادفة ويضرب لهذا مثلاً فيقول: إن الضرب العشوائى لملايين السنين على آلات للكتابة لا يستبعد معه أن تظهر فى إحدى النتائج العشوائية قصيدة شعرية!!
وهذا المذهب فى الحقيقة ليس إلا محاولة للهروب الخائب من الاعتراف بحقيقة تشهد بها الفطرة، ويذعن لها العقل، وجاءت بها رسالات السماء..إذ كيف ينتج النظام الدقيق من عشوائية لا نظام فيها؟! وكيف تتوقف عمليات العشوائية عن عملها بعد ذلك؟!
ثم إن هذا الهذيان لم يجب عن سؤال أهم ألا وهو: ما نقطة البداية؟ إذا نتج العالَم المنتظم من عمليات عشوائية متتالية عبر ملايين السنين، فكيف وجدت المادة التى حصلت فيها هذه العمليات المتتالية؟! ومن الذى قام بهذه العمليات؟! إنها أسئلة لا توجد لها إجابات مقنعة صحيحة عند أصحاب هذا الاتجاه..
ولا يجدى أن يقول قائل: إن المادة التى كانت موجودة نتجت عن مادة سابقة عليها! لأننا سنعود متسائلين: ومن الذى أوجد المادة السابقة؟ فإن قيل: صدرت عن مادة أسبق، سيظل السؤال أيضاً دون إجابة شافية: ومن الذى أوجد المادة الأسبق؟! ومهما تسلسلت الإجابات سيظل السؤال قائماً دون إجابة شافية، لا بد إذاً من نقطة بداية أوجدها خالق حكيم لا يصح أبداً أن يكون مخلوقاً وإلا بقى التسلسل.
وإذا قيل: إن العالَم أوجد نفسه بنفسه! سيقف هنا العقل الحر حائراً؛ لأن الموجِد سابق على الموجَد بالضرورة، وهذا يقتضى أن يكون الكون موجوداً أولاً حتى يوجد نفسه ثانياً! كما أنه يقتضى فى الوقت ذاته أن يكون الكون معدوماً حتى يوجد؛ إذ كيف يوجد الموجود؟!.. نعم.. هذا أيضاً هروب خائب من حقيقة ثابتة جلية لا يمارى فيها حس ولا عقل!
وقد نزل القرآن الكريم منكراً هذا التهريف [الهذيان] {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35].. إن القائلين بتسلسل الموجودات يدعون أن العالم خلق بدون أن يكون له خالق، والقائلين: إن العالم أوجد نفسه بنفسه يدعون أنهم -باعتبارهم جزءاً من هذا العالم- خالقون؛ لأنهم يقولون: إن العالم خلق نفسه بنفسه! إنه هذيان لا يقر به عاقل!
والعاقل كما يرفض القول بهذا بداهة فإنه يرفض ثماره المرة.. فالحنظل لا يثمر إلا حنظلاً، فالعاقل أيضاً يأبى ما ينادى به أصحاب مذهب «الفوضى الخلاقة»؛ لأن الكون المحكم لا بد فيه من السير بحكمة، وإلا حصل تصادم يفسد معه الكون؛ لأن الفوضى ضد الحكمة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: العال م العلماء العلم الفطرة العال م أن یکون
إقرأ أيضاً:
بلا خيام وبلا مقومات.. الغزيون يواجهون منخفضا جويا فاقم معاناتهم
الذهاب إلى:انتشار الأوبئة
مع استمرار الأوضاع المأساوية للغزيين التي سببتها الحرب الإسرائيلية عليهم طوال عامين، جاء المنخفض الجوي الذي يضرب المنطقة ليفاقم معاناة سكان قطاع غزة، ويحرمهم حتى من الاحتماء تحت خيامهم المهترئة، ويتلف كل ما يملكونه من مقومات بسيطة للحياة من ملابس وفراش، ويتسبب في وفاة اثنين.
إذ توفيت الرضيعة رهف أبو جزر ذات الأشهر الثمانية التي لم تحتمل البرد القارس والأمطار التي أدت إلى غرق خيام النازحين في منطقة المواصي بخان يونس جنوبي القطاع، بحسب ما أكدته وزارة الصحة، كما توفي فلسطيني آخر بعد انهيار جدار بسبب الأمطار في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، حسبما أفاد به مصدر في الإسعاف والطوارئ.
وسلط تقرير لوليد العطار على قناة الجزيرة الضوء على جوانب من معاناة الغزيين الذين جاءت الكارثة الطبيعية لتزيد من محنتهم، بعد أن تعرضوا طوال عامين للقتل على يد الحرب الإسرائيلية، التي دمرت بيوتهم وشتتتهم في خيام غير قادرة على مقاومة برد وأمطار فصل الشتاء.
وقبل مرور شهرين على سريان اتفاق وقف الحرب الإسرائيلية، جاء المنخفض الجوي ليزعزع الاستقرار الهش الذي يعيشه مليونا غزي.
بدوره، حذر الدفاع المدني بغزة أمس الخميس من أن 250 ألف أسرة في مخيمات النزوح يواجهون البرد والسيول بخيام مهترئة.
وتلقى الدفاع المدني خلال 24 ساعة 2500 نداء استغاثة من مواطنين تضررت خيامهم في جميع محافظات القطاع، كما وثق غرق مخيمات بأكملها في منطقة المواصي ومدينة غزة والنصيرات ودير البلح في ظل انعدام الإمكانيات.
وحسب الدفاع المدني، فقد شهد أمس الخميس انهيار عدة مبان بسبب الأمطار في كل من حي النصر وتل الهوا والزيتون بمدينة غزة.
وكان المكتب الإعلامي الحكومي بغزة قد أطلق في سبتمبر/أيلول الماضي تحذيرا من أن 93% من خيام النازحين غير صالحة للإقامة، ثم عاد بعد شهرين من اتفاق وقف الحرب ليندد بمنع الاحتلال إدخال 300 ألف خيمة وبيت متنقل إلى القطاع.
إعلانومن جهته، حذر المجلس النرويجي للاجئين في السياق نفسه من احتياج 1.29 مليون شخص بغزة إلى مأوى للنجاة خلال الشتاء، مؤكدا شدة الاحتياج إلى آليات ثقيلة ومواد إيواء ومعدات لم يدخل منها -وفق المجلس- خلال شهرين سوى كميات ضئيلة.
انتشار الأوبئةولم تدخل الأمطار التي جلبها المنخفض الجوي بخير على ساكني الخيام، فقد جاءت مياه الأمطار مخلوطة بمياه صرف صحي انهار نظام معالجتها كليا، وفق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ليترك باب التوقعات مفتوحا على نذر انتشار لأمراض وأوبئة يفترض أن يواجهها نظام صحي متهاو وبلا إمكانيات.
ووصف مراسل الجزيرة شادي شامية ما يتعرض له الفلسطينيون في غزة بالأمر القاسي جدا، ونقل عبر كاميرا الجزيرة مشاهد مؤلمة من مخيم للإيواء في حي النصر بمدينة غزة، وظهر سكان المخيم الذي غرق كباقي المخيمات وهم يحاولون وضع سواتر ترابية لمنع تدفق مياه الأمطار إلى داخل الخيام.
ويقول شامية إن المواطنين لا يملكون خيارات أخرى سوى البقاء في خيامهم التي لم تعد تصلح لا لفصل الصيف ولا لفصل الشتاء، مؤكدا أن الغزيين بحاجة إلى بيوت متنقلة وإلى إعادة إعمار بلدهم.