الروبوت.. عامل نظافة «المستقبل»
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
حسونة الطيب (أبوظبي)
أخبار ذات صلةربما لم يعد قطاع إعادة التدوير في أميركا، مجدياً من الناحية الاقتصادية، نظراً لارتفاع التكاليف والنقص في الأيدي العاملة، ولتحقيق النمو والأرباح، اتجه القطاع للاستعانة بالماكينات العاملة بالذكاء الاصطناعي وآليات الفرز الضوئي.
وتراجعت النفايات الصلبة في أميركا، من 35% في 2015، إلى 32% في 2018، بحسب آخر إحصائيات وكالة حماية البيئة، ويمكن للماكينات المدعومة ببرامج الذكاء الاصطناعي، فرز 80 قطعة قابلة للتدوير في الدقيقة، بينما تتراوح مقدرة الشخص الواحد، بين 50 و80 قطعة في الدقيقة. لكن تقوم آليات الفرز الضوئي الأكثر كفاءة، بفرز نحو 1000 قطعة في الدقيقة.
وتبنت مرافق إعادة التدوير الكبيرة منها والصغيرة، كلا الخيارين، لجمع أكبر قدر من النفايات وتحقيق القدر المطلوب من الإيرادات. وتعاني هذه المرافق، من نقص حاد في العمالة، التي يتراوح توفرها بين 20 و80%، حيث يعني ذلك عدم إمكانية تشغيلها بكامل سعتها، ما دفعها للاستعانة بالذكاء الاصطناعي لجسر تلك الفجوة.
ويمكن لهذه الآليات، التي لا تحتاج لفترات راحة أو عطلات سنوية، العمل دوامين بدلاً من الدوام الواحد. ومن المتوقع، تراجع تكلفتها دون مستوى العامل البشري على المدى الطويل، لتزيد بذلك استثمارات مرافق إعادة التدوير، في أنظمة الذكاء الاصطناعي. ورغم أنها تتطلب صيانة وعمليات تطوير مستمرة، ألا أنها لا تزال تقوم بفرز قطع أكثر بتكلفة أقل.
تعتمد نحو 32% من مرافق فرز النفايات في أميركا، على الروبوتات في الوقت الحالي، من واقع 9% فقط في العام 2019. ويمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي الضوئية، فحص الأشكال والأحجام وحتى العلامات التجارية، باستخدام تقنية التعلم العميق، وذلك لاكتشاف ما يمكن تدويره مثل، البلاستيك والورق والزجاج والمعادن، بحسب وول ستريت جورنال.
وغالباً ما تعمل ماكينات الفرز الضوئي، في مرافق النفايات الكبيرة في أميركا، حيث تنجز أكثر من 50% من عمليات الفرز، باستخدام الضوء وأدوات الاستشعار. وفي حين تعمل الروبوتات، جنباً إلى جنب مع البشر، تتطلب الأنظمة الضوئية مساحات أوسع ومراكز فرز جديدة مهيأة خصيصاً لتشغيلها.
تراهن دبليو أم، أكبر مؤسسة لإدارة النفايات في أميركا، على الذكاء الاصطناعي كجزء من أهدافها لزيادة المواد القابلة للتدوير، بنحو 60% بحلول عام 2030. واستثمرت في العام الماضي، أكثر من مليار دولار في البنية التحية، بما في ذلك 40 مركزاً للتدوير حتى العام 2026، حيث يُخصص معظم المبلغ لعمليات الأتمتة والذكاء الاصطناعي.
ولا يزيد عدد العاملين في مرافق تدوير المؤسسة التي تعتمد على التشغيل الآلي حالياً، عن 4 إلى 6 أشخاص بجانب الروبوتات والماكينات، بالمقارنة مع 50 في غير العاملة بالأتمتة.
وتخطط ريبوبليك للخدمات، ثاني أكبر شركة لإعادة التدوير في أميركا، لاستخدام الروبوتات بنسبة 20% في مراكزها البالغ عددها 74 حول أنحاء البلاد المختلفة، وذلك بغرض خفض تكاليف التشغيل والعمالة.
لا تخلو الروبوتات من بعض التحديات، فبالإضافة لعمليات الصيانة والتطوير المتكررة، تتراوح تكلفة الروبوت الواحد بين 150 و300 ألف دولار. كما أن إعداد مراكز فرز النفايات لتتلاءم مع أنظمة الفرز الضوئي، أكثر تكلفة حيث تتراوح، بين مليون ومليوني دولار للنظام الواحد، فضلاً عن أنها تتطلب فترة توقف.
ورغم أن الروبوتات تغطي تكلفة قيمتها، إلا أن وجود العامل البشري لا يزال مهماً في مرافق التدوير، حيث يمكنه القيام بأداء أدوار أفضل. وفي حين يمكن للفرد البشري الإمساك بمجموعة من الزجاجات البلاستيكية التي تنزل على الحزام الناقل دفعة واحدة وبسرعة، يتعين على الروبوت التقاطها واحدة تلو الأخرى.
الذكاء الاصطناعي
تراهن دبليو أم، أكبر مؤسسة لإدارة النفايات في أميركا، على الذكاء الاصطناعي كجزء من أهدافها لزيادة المواد القابلة للتدوير، بنحو 60% بحلول عام 2030. واستثمرت في العام الماضي، أكثر من مليار دولار في البنية التحية، بما في ذلك 40 مركزاً للتدوير حتى العام 2026، حيث يُخصص معظم المبلغ لعمليات الأتمتة والذكاء الاصطناعي.
ولا يزيد عدد العاملين في مرافق تدوير المؤسسة التي تعتمد على التشغيل الآلي حالياً، عن 4 إلى 6 أشخاص بجانب الروبوتات والماكينات، بالمقارنة مع 50 في غير العاملة بالأتمتة.
وتخطط ريبوبليك للخدمات، ثاني أكبر شركة لإعادة التدوير في أميركا، لاستخدام الروبوتات بنسبة 20% في مراكزها البالغ عددها 74 حول أنحاء البلاد المختلفة، وذلك بغرض خفض تكاليف التشغيل والعمالة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الروبوت الذكاء الاصطناعي النفايات الاستدامة كوب 28 مؤتمر الأطراف مؤتمر المناخ الذکاء الاصطناعی فی أمیرکا فی مرافق
إقرأ أيضاً:
منظمة دولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي.. ضرورة عالمية؟!
عارف بن خميس الفزاري
persware@gmail.com
في ظل الطفرات المُتلاحقة في مجال الذّكاء الاصطناعيّ، تتزايد الحاجة إلى ضرورة إنشاء مُنظمة دولية مُستقلة تُعنى بتنظيم هذا المجال الآخذ في التوسع بشكل غير مسبوق. فبينما تحقق أنظمة الذّكاء الاصطناعيّ إنجازات مُذهلة في قطاعات متعددة، من الرعاية الصحية إلى أنظمة الدفاع، تتنامى المخاوف بشأن التهديدات الأخلاقية والقانونية وحتى الوجودية التي قد تنشأ عن غياب إطار دولي موحد يضبط هذا التطور. وقد عبّر عن هذه المخاوف البروفيسور جيفري هينتون (Geoffrey Hinton)، أحد مؤسسي تقنيات التعلم العميق، محذرًا من أنّ الذّكاء الاصطناعيّ قد يصبح أذكى من البشر، وأنه "من غير الواضح إن كنَّا سنتمكن من السيطرة عليه لاحقًا" (Vincent, 2023).
تصريحات هينتون تعكس قلقًا متناميًا بين خبراء الصناعة بشأن تسارع الذّكاء الاصطناعيّ وتجاوزه للقدرة التنظيمية الحالية، وهو ما يجعل الحاجة إلى تدخل دولي أكثر من أيّ وقت مضى.
لقد بات الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. فهو يُستخدم في المستشفيات لتشخيص الأمراض، وفي المؤسسات الأمنية لرصد التهديدات وفي الأنظمة التعليمية لتحليل أداء الطلاب وتقديم محتوى مخصص لهم، بل وحتى في أنظمة العدالة لاتخاذ قرارات متعلقة بالإفراج أو التوصية بالأحكام. لكن هذا الانتشار السريع ترافقه تحديات عميقة ترتبط بالخصوصية والتمييز وشفافية الخوارزميات وغياب المساءلة القانونية في حال وقوع ضرر. السؤال الذي يُطرح اليوم: من يملك سلطة رسم الخطوط الحمراء لاستخدام الذكاء الاصطناعي؟ هل يُترك الأمر لتقديرات كل دولة على حدة، أم أن الأمر بات يستوجب تدخلاً دوليًا شاملًا، يضمن الاستخدام الآمن والعادل والمسؤول لهذه التقنية؟ في الواقع تعكف العديد من الدول الكبرى وتتنافس على تطوير نماذج متقدمة من الذكاء الاصطناعي، منها ما يمتلك قدرات توليدية قادرة على كتابة النصوص وإنتاج الصور، بل وحتى محاكاة المشاعر. هذه النماذج، إذا تُركت دون رقابة قد تُستخدم في التزييف العميق والتحريض السياسي والتلاعب بالأسواق، أو حتى إدارة أنظمة أسلحة مُميتة ذاتيًا دون تدخل بشري مباشر.
وفي ظل هذه التحديات، بدأت بعض التكتلات مثل الاتحاد الأوروبي في وضع تشريعات تنظم الذّكاء الاصطناعيّ، مثل قانون الذّكاء الاصطناعيّ الأوروبي (AI Act)، الذي يُعد من أوائل المحاولات الجادة لتصنيف المخاطر وفرض معايير للشفافية والمساءلة وفق تكتلات سياسية واقتصادية والذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس 2024م. كما تبنّت منظمة اليونسكو في عام 2021 توصيات أخلاقية بشأن الذّكاء الاصطناعيّ والتي ركزت على احترام حقوق الإنسان وتعزيز التنمية المستدامة. غير أن هذه المبادرات، رغم أهميتها تبقى ذات طابع إقليمي أو توجيهي غير ملزم للغير، مما يبرز الحاجة إلى كيان دولي يتمتع بصلاحيات أوسع. وفي هذا السياق، حذرت دراسة صادرة عن جامعة أكسفورد ومراكز بحثية دولية من أن الاستخدامات الخبيثة للذكاء الاصطناعي ستتزايد بشكل خطير في غياب تنظيم دولي فعال.
وقد أكدت الدراسة- التي حملت عنوان The Malicious Use of Artificial Intelligence: Forecasting, Prevention, and Mitigation، والصادرة عن معهد مستقبل الإنسانية بجامعة أكسفورد (Future of Humanity Institute, University of Oxford)- على أن المخاطر تشمل التضليل الإعلامي، والتحكم الآلي في الأسلحة، والهجمات السيبرانية المتقدمة، داعية إلى إنشاء منظمة دولية تعزز التعاون بين الدول، وتضع أطرًا للوقاية والتخفيف من التهديدات المستقبلية. وإلى جانب التهديدات السياسية والأمنية، تناولت ذات الدراسة أيضًا أبعادًا اقتصادية مقلقة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي الخبيثة، مشيرة إلى أن الذّكاء الاصطناعيّ قد يُستخدم في أتمتة الهجمات المالية والابتزاز الرقمي والتلاعب بالأسواق.
فقد أوضحت أنّ المهاجمين السيبرانيين يمكنهم استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل قواعد بيانات ضخمة وتحديد الأهداف بناءً على الثروة أو السلوك الشرائي، مما يسمح بشن هجمات موجهة بدقة على مؤسسات أو أفراد بعينهم. وتضيف أنّ انخفاض تكلفة تنفيذ مثل هذه الهجمات بفعل الأتمتة وسرعة انتشارها، قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية على نطاق واسع وتهدد الاستقرار المالي خصوصًا في الدول ذات البنية الرقمية الهشة. بل إنّ الدراسة حذّرت من أنّ هذه الهجمات قد تضعف الثقة في الأنظمة المالية الرقمية وتُحدث خللًا في السوق العالمي نتيجة تكرار الهجمات المعتمدة على تزييف البيانات أو نشر المعلومات الكاذبة عبر شبكات ذكية تعمل بشكل ذاتي دون رقابة بشرية مباشرة. (Brundage et al., 2018)
إنّ إنشاء منظمة دولية تُعنى بتنظيم الذّكاء الاصطناعيّ، تحت مظلة الأمم المتحدة يكتسب أهمية متزايدة في الأوساط الأكاديمية والبحثية والاقتصادية والسياسية. هذه المنظمة من المفترض أن تضطلع بعدة مهام رئيسة، منها على سبيل المثال لا للحصر: وضع إطار تشريعي وأخلاقي ملزم ومراقبة التطبيقات العسكرية والأمنية والتجارية للذكاء الاصطناعي وتسهيل نقل التكنولوجيا للدول النامية بالإضافة إلى ضمان احترام الخصوصية والعدالة وعدم التمييز في خوارزميات التعلم الآلي. ومع ذلك، ربما قد تواجه الفكرة تحديات سياسية واقتصادية كبيرة، إذ تخشى بعض الدول الصناعية من أن يؤدي وجود منظمة رقابية إلى كبح جماح الابتكار أو التأثير على تفوقها التقني والاقتصادي. وتبرز هنا إشكالية تحقيق التوازن بين حرية التطوير من جهة، وضرورة التنظيم والحماية من جهة أخرى. وفي هذا السياق، يمكن الاستفادة من نماذج ناجحة لتعاون دولي قائم، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تنظم الاستخدام السلمي للطاقة النووية أو منظمة الصحة العالمية التي تدير التنسيق الصحي العالمي. فكما أنّ الطاقة النووية والصحة تمسان مصير البشرية، فإنّ الذّكاء الاصطناعيّ بات اليوم في صميم القرارات المصيرية والمجتمعية. إنّ إنشاء منظمة دولية للذّكاء الاصطناعيّ لا يُعد ترفًا تنظيميًا فحسب، بل ضرورة استراتيجية لحماية البشرية من انفلات تقني قد يؤدي إلى كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية. فكلما تأخر العالم في وضع أسس مشتركة، زادت الفجوة بين الدول وتعاظمت المخاطر المحتملة.
والسؤال الذي ينبغي أن يُطرح على طاولة قادة الذّكاء الاصطناعيّ والمعنيين ليس "هل يجب أن ننظم الذّكاء الاصطناعيّ؟" بل "هل نستطيع أن نتحمل تكلفة عدم تنظيمه؟".