غزة- بخطىً متسارعة، غادر محمد عوض وأسرته منزلهم في شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ونزح مجددا إلى مركز إيواء في مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في غرب المدينة، إثر انهيار مباحثات تمديد اتفاق الهدنة المؤقتة بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وإسرائيل.

واستيقظ من حالفه الحظ بخطف ساعات قليلة من النوم من سكان القطاع، صباح اليوم الجمعة، على أصوات انفجارات هائلة هزت أرجاء القطاع، ناجمة عن تجدد الغارات الجوية الإسرائيلية، شنتها مقاتلات حربية بعد دقيقتين فقط من انتهاء اتفاق الهدنة عند الساعة السابعة صباحا.

وحتى اللحظات الأخيرة من اليوم السابع للهدنة، كان الغزيون على أمل أن تنجح الوساطة القطرية في إعلان تمديد اتفاق الهدنة، الذي استمر أسبوعا هو الأكثر هدوءا والأقل نزفا للدماء منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما شنت إسرائيل حربها على القطاع عقب إطلاق فصائل المقاومة معركة طوفان الأقصى.

توقف الإمدادات والمساعدات الإنسانية والطبية والوقود عبر معبر رفح يعمق من الواقع المنهار في غزة (الجزيرة) خيبة أمل

يشعر محمد بخيبة أمل كبيرة من تجدد الحرب وعودة نزيف الدم والدمار، ويقول للجزيرة نت "عدت إلى منزلي في اليوم الثاني من اتفاق الهدنة، وكبر الأمل بداخلي بنجاح قطر في تمديدها عدة مرات، واعتقدت أن الحرب قد انتهت وأننا نقترب من اتفاق لوقف كامل لإطلاق النار".

وتزداد مخاوف هذا الأب (36 عاما) الذي يعيل أسرة مكونة من 5 أفراد، من اجتياح بري إسرائيلي لجنوب القطاع، إثر منشورات ألقاها جيش الاحتلال على مناطق شرق خان يونس، تطالب سكانها بالنزوح عن منازلهم نحو مدينة رفح أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر.

وأشار محمد إلى المنشور الموقع باسم "جيش الدفاع الإسرائيلي" وكان مذيلا بتهديد "لقد أعذر من أنذر"، جاء فيه مطالبة لسكان مناطق القرارة وخزاعة وعبسان وبني سهيلة، بالإخلاء فورا والتوجه إلى الملاجئ في منطقة رفح، ويقول إن "مدينة خان يونس هي منطقة قتال خطيرة"، ويتساءل عوض باستغراب وغضب "عن أي ملاجئ يتحدث الاحتلال والقتل والدمار في كل مكان؟".

ولا تتوفر في القطاع الساحلي الصغير، بمساحة 360 كيلو متر مربع، ويقطنه ما يقارب 2.2 مليون نسمة، أي ملاجئ تأوي النازحين في أوقات الحروب والطوارئ، وشهدت مدينة رفح المشار إليها في منشور جيش الاحتلال، منذ اللحظات الأولى لاستئناف الحرب، غارات جوية عنيفة على منازل سكنية أسفرت عن استشهاد وجرح عشرات المدنيين، جلهم من النساء والأطفال، بحسب لجنة الطوارئ الصحية في المدينة.

وقرر محمد العودة إلى منزله في عبسان الكبيرة، الواردة في منشور جيش الاحتلال، في اليوم الثاني من اتفاق الهدنة السبت الماضي، في حين بقي أفراد من عائلته الممتدة في مركز الإيواء بمدينة خان يونس، ويقول إنهم "لم يكونوا واثقين من ثبات اتفاق الهدنة ويتوقعون انهيارها في أي لحظة".

حكاية محمد ليست استثنائية، فقد شهدت مراكز الإيواء في المدارس وساحات المستشفيات والمرافق العامة على مستوى القطاع عودة لنازحين، بالإضافة إلى لجوء نازحين جدد.

وتسيطر حالة من القلق الشديد على محمد وسكان مدينة خان يونس والنازحين إليها، ويخشون مصيرا شبيها لما ارتكبه جيش الاحتلال في مدينة غزة ومناطق شمال القطاع، باجتياح بري يقتل ويدمر كل شيء في طريقه.


اغتيال الحياة

ومع استئناف جيش الاحتلال للحرب وتجدد الغارات الجوية، أصابت حالة من "الشلل" مفاصل الحياة في القطاع، وخلت الشوارع من المارة، وأغلقت الأسواق والمحال التجارية أبوابها، وفضلت مساجد عدم إقامة صلاة الجمعة، واقتصرت الصلاة في مساجد أخرى على أعداد قليلة من المصلين.

وامتنع ناصر عبد الخالق عن الذهاب للمسجد لأداء صلاة الجمعة، ويقول للجزيرة نت: "كنت أتجهز لصلاة الجمعة عندما أخبرني ابني بقصف مسجد في خان يونس، وقررت الصلاة في المنزل".

وقبيل صلاة الجمعة، دمرت غارات جوية إسرائيلية مسجد حليمة في مدينة خان يونس، واستهدف جيش الاحتلال بقذائف المدفعية مسجد التقوى في حي الشيخ رضوان في مدينة غزة، لينضما إلى 88 مسجدا دمرت كليا و174 مسجد أصابها دمار جزئي، بحسب توثيق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

واعتذر ناصر (66 عاما) عن زيارة لابنته في حي تل السلطان غرب مدينة رفح، رغم أنه لم يتمكن من زيارتها خلال أيام الهدنة السبعة التي قضاها مصابا بالإنفلونزا، وقال "لا مكان آمن في قطاع غزة، ولكن الحركة في الشوارع أكثر خطرا في ظل العدوان الإسرائيلي الهمجي الشرس".

ولا يتوقع هذا الفلسطيني الستيني نهاية قريبة للحرب، وهو الذي عايش حروبا عدة على القطاع، ويجيد اللغة العبرية ويتابع باستمرار الإذاعات الإسرائيلية، وبرأيه فإن "استمرار الحرب طوق نجاة لنتنياهو من المحاكمة والسجن بسبب فساده".

لم تكن مساعدات أيام الهدنة السبعة كافية لإنهاء أزمات الغزيين المركبة (الجزيرة) انهيار المنظومة الصحية

وبتجدد الحرب، توقف تدفق المساعدات الإغاثية والطبية والوقود عبر معبر رفح البري مع مصر، واقتصر بحسب مدير الإعلام في المعبر وائل أبو محسن للجزيرة نت على سفر أعداد من الجرحى والمرضى للعلاج بالخارج.

ويعمق إغلاق معبر رفح من الواقع الإنساني المتدهور، فهو الممر الوحيد للمساعدات في ظل إغلاق إسرائيل معبر كرم أبو سالم التجاري منذ اندلاع الحرب، ووفقا لرئيس لجنة الطوارئ الصحية في رفح الدكتور مروان الهمص، فإن الحاجة ماسة لاستمرار فتح هذا المعبر أمام حركة سفر الجرحى والمرضى، وتدفق المساعدات الإنسانية والطبية والوقود.

واستقبلت مستشفى أبو يوسف النجار في المدينة منذ ساعات صباح اليوم 50 شهيدا و150 جريحا، جراء غارات جوية على منازل سكنية مأهولة، ويقول الهمص للجزيرة نت إن القطاع الصحي في حالة انهيار، وغالبية المستشفيات خرجت عن الخدمة، والمساعدات التي وردت بموجب اتفاق الهدنة لا تستجيب لأولويات واحتياجات المستشفيات.

وناشدت وزارة الصحة المواطنين وسكان مدينة رفح تحديدا؛ أن يسرعوا بالتوجه إلى مستشفى أبو يوسف النجار للتبرع بالدم بكل فصائله، دعما ومساهمة في علاج الأعداد الكبيرة من الجرحى.

وبحسب تأكيد الناطق باسم وزارة الصحة أشرف القدرة فإن "الهدنة المؤقتة لم تسعف المنظومة الصحية"، وقال في تصريح صحفي نشره على الحساب الرسمي للوزارة على منصات التواصل "نحتاج إلى ضمان تدفق الإمدادات الطبية والوقود لكل مستشفيات قطاع غزة".

وقال المتحدث ذاته إن الطواقم الطبية تتعامل مع أعداد كبيرة من الجرحى مع انتهاء الهدنة وتجدد قصف المدنيين، ويفترش هؤلاء الجرحى الأرض في أقسام الطوارئ، وأمام غرف العمليات، وبحسب توثيق وزارة الصحة بلغت حصيلة العدوان منذ صباح اليوم 109 شهداء ومئات الجرحى.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: مدینة خان یونس اتفاق الهدنة جیش الاحتلال للجزیرة نت مدینة رفح

إقرأ أيضاً:

مصطفى حافظ.. مأساة مدرسة في غزة حوَّلها الاحتلال من مركز إيواء لمحرقة

غزة- سمعت إسلام حجيلة -فجر اليوم الخميس- صوت القصف الذي وقع كزلزال هز أرجاء مدرسة مصطفى حافظ في قطاع غزة، حيث تنزح، فهرعت على الفور إلى الخارج، وسط حالة من الفزع والرعب لم تعشها من قبل.

وكان القصف استهدف المبنى المجاور الذي يضم عديدا من أقارب إسلام، التي رأت -بعد وقت قصير- كيف تشتعل النار في المبنى، وتلتهم ألسنة اللهب أجساد الأطفال والنساء.

وأسفر القصف الإسرائيلي الذي استهدف المدرسة عن استشهاد 16 شخصا، بينهم نساء وأطفال، وإصابة العشرات، حسب وزارة الصحة الفلسطينية، وبين الشهداء 13 شخصا من عائلة واحدة، إضافة إلى 3 أسرى سابقين، أبعدتهم إسرائيل قسرا من الضفة الغربية، بينما تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورا مروعة للمجزرة، بينها أب يحتضن طفله، وقد التهمتهما النيران.

وتوقفت المدرسة عن استقبال الطلاب منذ الأشهر الأولى للحرب، بعدما تحوَّلت لمركز إيواء لعشرات الأسر، معظمها من حي الشجاعية شرق مدينة غزة.

جثث بكل مكان

وتقول إسلام حجيلة -للجزيرة نت- وهي تحاول استرجاع التفاصيل وسط الصدمة، رأيت "أجسادا مقطعة، وجثثا محترقة في كل مكان"، وتضيف بعد أن أجهشت بالبكاء "كنا نائمين، وفجأة سمعنا انفجارا كبيرا، وتطايرت النوافذ والأبواب فوق رؤوسنا، وخرجنا نركض، فوجدنا أقاربنا ممزقين ومحترقين والنار تشتعل فيهم".

وبحسب حجيلة، لم تكن هناك وسائل لإطفاء النيران، فسارع الناجون إلى جالونات الماء التي يستخدمونها للشرب والغسل، لكنهم فوجئوا بأنها مثقوبة ونفد محتواها بفعل شظايا الانفجار. ورغم ذلك، فإنهم حاولوا جاهدين إخماد النيران بأيديهم، وبما تبقى من الماء، لمحاولة إنقاذ الجرحى الذين كانت النار تلتهم أجسادهم.

مجزرة مدرسة مصطفى حافظ بغزة أتت فيها قنابل الاحتلال على كل شيء (الجزيرة)

وتكمل وهي تعتصر حزنا: "استشهد أولاد عمي صقر وزوجته اكتمال الأربعة، وزوجة عمي الثانية ماتت، وأخي مصاب، وأبناء عمي محترقون، لم نستطع إنقاذ أحد من داخل المبنى، وأطفأنا النار بأيدينا".

إعلان

وسادت حالة من الفوضى والهلع، عقب القصف، حيث ركض النازحون محاولين إنقاذ الجرحى وانتشال الشهداء.

ومدرسة مصطفى حافظ ليست أول مركز إيواء يتم استهدافه خلال الحرب، إذ سبق أن تعرضت عشرات المدارس التي تؤوي نازحين في قطاع غزة للقصف، ووقوع مجازر مماثلة.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي الفلسطيني، اليوم الخميس، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكب خلال الـ48 ساعة الماضية 26 مجزرة دموية راح ضحيتها أكثر من 300 شهيد، ومئات الجرحى.

الطفلة حلا حجيلة تروى مجزرة المحرقة التي ارتكبتها إسرائيل في مدرسة مصطفى حافظ التي تؤوي نازحين (الجزيرة) مشاهد مرعبة

وفي القسم المجاور، كانت الطفلة حلا حجيلة (13 عاما) نائمة حين دوّى الانفجار، وبلهجة طفولية باكية، تروي ما حدث قائلة: "كنت نائمة، وفجأة كل شيء تحطم من حولي، طلعنا (خرجنا) لنجد القسم الثاني احترق بالكامل، وشفت (رأيت) طفلة صغيرة وهي تحترق، والنار تلتهم كامل جسدها".

وتتوقف حلا هنيهة باكية بحرقة، ثم تتابع: "رأيت قدم رجل كبير مقطوعة ويحملها طفل صغير بيده، ورأيت شقيقين يحتضنان بعضهما بعضا، وقد التصقا بفعل الحرق، ولحمهما ذاب على بعض من النار".

وتقول حلا إنها حملت شقيقها الصغير، وركضت باتجاه مدرسة أخرى تقيم فيها جدتها، خوفا من تكرار القصف.

ونددت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بالاستهداف الذي تعرضت له مدرسة مصطفى حافظ، معتبرة أنه استمرار في سياسة استهداف المنشآت التعليمية.

وقال الناطق باسم الوزارة صادق الخضور "نعتبر استهداف المدارس -التي تعمل حاليا مراكز إيواء- جزءا من استهداف القطاع التعليمي بأكمله، حيث تضرر أكثر من 90% من مباني المدارس منذ بدء العدوان".

وأضاف للجزيرة نت أن "هذه المؤسسات، وفق القانون الدولي الإنساني، يجب أن تكون محمية، ونأمل من المؤسسات الدولية والحقوقية والأممية أن تتحمل مسؤوليتها في حماية هذه المدارس والمنشآت".

إسرائيل ارتكبت مجزرة بحرقها النازحين داخل مدرسة مصطفى حافظ بغزة كما فعلت مرارا (الجزيرة) سياسة المجازر

من جهته، يقول رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الدكتور رامي عبده إن "الجريمة المروعة" التي ارتكبتها إسرائيل بقصف النازحين داخل مدرسة مصطفى حافظ في مدينة غزة، تمثل "امتدادا لنمط متكرر من استهداف مراكز الإيواء منذ 21 شهرا".

وأشار عبده -الذي فقد ابنة عمّه "ضحى" و3 من أطفالها في هذا القصف- إلى أن الاحتلال "أصدر أوامر تهجير لسكان شرق غزة، ثم استهدفهم عند لجوئهم غرب المدينة بقذائف حارقة ومدمّرة، حتى تفحَّمت أجسادهم".

وأضاف "في هذه المدرسة كان مشهد الأب الذي يحتضن طفله في لحظاته الأخيرة، شهادة دامغة على فظاعة ما يتعرض له المدنيون في غزة، وخلال الأيام الثلاثة الماضية فقط، قُصفت 7 مدارس، بعضها مأهول بالنازحين وبعضها بعد إخلائه، مما يؤكد وجود نهج تدميري شامل يستهدف مقومات الحياة في القطاع".

واعتبر عبده أن "المجزرة ليست معزولة، بل تأتي في سياق سياسة ممنهجة هدفها بثّ الرعب وتفريغ غزة من سكانها، وتكريس واقع الإبادة الجماعية".

وأشار إلى أن "ارتفاع وتيرة المجازر تزامن مع الحديث عن تهدئة مرتقبة، في محاولة لاستخدام دماء المدنيين كورقة ابتزاز سياسي".

إعلان

وختم عبده بمطالبته بتحرك دولي عاجل، وقال إن "المطلوب من المجتمع الدولي ومؤسسات العدالة الدولية الخروج من دائرة الصمت، والعمل على وقف هذه الإبادة ومساءلة مرتكبيها، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب".

مقالات مشابهة

  • الدوحة تطلب من قادة حماس تسليم أسلحتهم الشخصية في إطار جهود الهدنة
  • قيادي بفتح: اقتراب الإعلان عن هدنة محتملة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي
  • الكشف عن تفاصيل قد تعطل إبرام اتفاق الهدنة في غزة
  • مصطفى حافظ.. مأساة مدرسة في غزة حوَّلها الاحتلال من مركز إيواء لمحرقة
  • “الأورومتوسطي”: الكيان الصهيوني حوّل غالبية مناطق غزة إلى أراضٍ مدمّرة غير قابلة للحياة
  • عشرات الشهداء ونزوح آلاف السكان من شمال غزة
  • ارتفاع حصيلة القصف الإسرائيلي على شمال وجنوب غزة إلى 20 شهيدا
  • مذابح يومية في غزة وإخلاءات متواصلة تحت نيران القصف
  • في يوم واحد.. 81 شهيدًا فلسطينيًا في قصف الاحتلال على قطاع غزة
  • استُشهاد 4 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مدينة غزة