سلطت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية الضوء على الفشل الاستخباري الذي منيت به إسرائيل جراء "الخداع المثالي"، الذي مارسته حركة حماس قبل تنفيذها عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية إسرائيلية، أن الأجهزة الأمنية، بما فيها الاستخبارات العسكرية (أمان) وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) والاستخبارات الخارجية (الموساد)، فشلت في رصد مؤشرات تنبئ بالهجوم الذي استهدف مقار عسكرية ومستوطنات في غلاف غزة، لأن حماس خدعت الجيش والاستخبارات بشكل "كامل"، وفقا لما ترجمه "الخليج الجديد".

وقال أحد المصادر إن رئيس حماس في غزة، يحيى السنوار وقائد كتائب القسام، محمد الضيف، كانا علم بمراقبتهما استخباراتيا ولذلك استخدما الأساليب السرية لتوصيل الرسائل التي يريدانها.

وأوضح المصدر التكتيكات التي يستخدمها قادة حماس العسكريون لنقل الرسائل، قائلا: "من المُحتمل أن التفاصيل والتعليمات السرية كانت محفوظة كي تتم خلال المحادثات وجها لوجه أو عبر وسائل أخرى".

كما قال المصدر الأمني إن رسائل قادة حماس في غزة لم تكن مفهومة لا للمخابرات العسكرية ولا للموساد ولا للشاباك، و"إلا لما تركوا الحدود بدون حراسة وبدون أي رد أولي من الأرض أو الجو في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي".

ونقلت الصحيفة عن المصادر الأمنية أن بعض أدوات التجسس الإسرائيلية التي زُرعت خلال عملية نفذها الجيش الإسرائيلي عام 2018 في خان يونس جنوبي قطاع غزة وقعت بيد حماس، وأنها ربما استطاعت فك رموزها بمساعدة إيران.

وفي العام الماضي، قال السنوار، في خطاب أمام تجمع ضم الآلاف من مؤيدي حماس في غزة إن حماس ستنشر رجالها وصواريخها في ضربة شرسة على إسرائيل، وهو ما لم تنتبه إليه أجهزة الأمن الإسرائيلية، باعتبار أن هكذا خطابات تحمل بصمات المبالغة في إرضاء الجماهير.

وبعد أقل من عام، اكتشفت إسرائيل أنها لم تكن أمام تهديد أجوف، إذ اخترق مسلحو حماس سياج غزة، ما أسفر عن مقتل حوالي 1200 إسرائيليا واحتجاز أكثر من 200 أسيرا.

وبحلول وقت إلقاء الخطاب، كان السنوار والضيف، قد وضعا بالفعل خططًا سرية لعملية "طوفان الأقصى"، وهو اليوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل الذي يبلغ 75 عامًا، بحسب المسؤول الأمني.

تأثير السنوار

وقالت 3 مصادر من حماس إن السنوار يقود المفاوضات بشأن تبادل الأسرى ويدير العمليات العسكرية مع الضيف وقائد آخر من أنفاق غزة، حسبما أوردت وكالة "رويترز".

وقال مسؤول أمني إسرائيلي كبير للصحفيين هذا الأسبوع إن السنوار كان له تأثير على المحادثات التي توسطت فيها قطر والتي أدت إلى وقف إطلاق النار الذي انتهى يوم الجمعة بعد إطلاق إسرائيل سراح أكثر من 200 أسير فلسطيني مقابل إطلاق سراح عشرات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة.

وفي الأيام التي تلت هجوم 7 أكتوبر، شوهد السنوار من قبل بعض الأسرى الإسرائيليين في الأنفاق، حسبما قال بعض المفرج عنهم. ولم تعلق حماس والمسؤولون الإسرائيليون علنًا على هذه الرؤية المزعومة.

وتشير "جيروزاليم بوست"، في هذا الصدد، إلى أن مسألة تبادل الأسرى تعتبر شخصية للغاية بالنسبة للسنوار، الذي قضى نصف حياته خلف القضبان، وتعهد بإطلاق سراح جميع السجناء الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل.

وفي بيانه الوحيد منذ الهجمات، دعا السنوار جمعيات رعاية السجون إلى إعداد أسماء الفلسطينيين المسجونين في إسرائيل، مشيرا إلى أنه سيتم إعادتهم جميعا إلى وطنهم.

وكان السنوار واحدًا من 1027 فلسطينيًا تم إطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية في مقابل جندي إسرائيلي واحد محتجز في غزة، هو جلعاد شاليط، في عام 2011.

وقال رئيس حماس خلال تجمع حاشد في مدينة غزة بعد إطلاق سراحه: "أدعو المقاومة إلى التعهد بإطلاق سراح السجناء المتبقين. ويجب أن يتحول هذا على الفور إلى خطة عملية".

وقال مسؤولون إسرائيليون إنه من غير المرجح أن تنهي إسرائيل الحرب في غزة قبل قتل السنوار أو أسره، حسبما نقلت "جيروزاليم بوست".

وبرز السنوار على الساحة باعتباره رئيسًا لجهاز "مجد" الأمني الذي تعقب وقتل الفلسطينيين المتهمين بالتعاون مع المخابرات الإسرائيلية، قبل أن يتم سجنه.

مخلص استثنائي

ويتفق كل من قادة حماس والمسؤولين الإسرائيليين الذين يعرفون السنوار على أنه مخلص للحركة بشكل غير عادي، ووصفه أحد شخصيات حماس المتمركزة في لبنان بأنه "متشدد يتمتع بقدرة مذهلة على التحمل".

وقال مايكل كوبي، مسؤول سابق في الشاباك الذي استجوب السنوار لمدة 180 ساعة في السجن، إنه برز بوضوح لقدرته على التخويف والقيادة.

وسبق لكوبي أن سأل السنوار، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 29 عامًا، لماذا لم يكن متزوجًا؟ فقال له: "حماس هي زوجتي، وحماس هي طفلي. وحماس بالنسبة لي هي كل شيء".

وكان السنوار قد اعتقل عام 1988 وحكم عليه بالسجن المؤبد المتتالي بتهمة التخطيط لاختطاف وقتل جنديين إسرائيليين. وفي السجن، استمر موقفه المتشدد ضد المتعاونين مع الدولة العبرية، كما قال الإسرائيليون الذين تعاملوا معه.

وقال الرئيس السابق لقسم المخابرات في مصلحة السجون الإسرائيلية، يوفال بيتون، في تصريحات أدلى بها للقناة 12 العبرية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن مسعفين إسرائيليين أزالوا ورماً في دماغ السنوار في عام 2004، مضيفا: "لقد أنقذنا حياته وهذا شكره لنا".

ووصف كوبي السنوار بأنه مكرس لتدمير إسرائيل وقتل اليهود، فيما وصفه مسؤول إسرائيلي الكبير بأنه "مختل عقليا"، مضيفا: "لا أعتقد أن الطريقة التي يفهم بها الواقع تشبه طريقة الإرهابيين الأكثر عقلانية وبرجماتية".

وأشار بيتون إلى أن زعيم حماس كان على استعداد لتحمل معاناة هائلة من أجل قضية يؤمن بها، مشيرا إلى أن السنوار قاد ذات مرة 1600 سجينا إلى حافة الإضراب الجماعي عن الطعام حتى الموت إذا لزم الأمر، احتجاجًا على معاملة سجينين، وقال "إنه مستعد لدفع أي ثمن مقابل هذا المبدأ".

اقرأ أيضاً

كيف خدعت حماس إسرائيل وتمكنت من مفاجأتها بطوفان الأقصى؟

المصدر | جيروزاليم بوست/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غزة يحيى السنوار طوفان الأقصى محمد الضيف القسام الشاباك الموساد جیروزالیم بوست إطلاق سراح إلى أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

محلل إسرائيلي: حماس انتصرت معنويا وأضعفت روح التضامن الإسرائيلية

رأى المحلل السياسي الإسرائيلي والخبير في الشؤون الشرق أوسطية، أفي يسسخاروف، أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تمكنت من تحقيق انتصار معنوي على إسرائيل، رغم الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة والخسائر الكبيرة التي تكبدتها الحركة في صفوف قياداتها.

وقال يسسخاروف إن الضربة الأعمق التي وجهتها حماس لم تكن فقط عسكرية، بل مجتمعية وأخلاقية، مشيرا إلى أنها قوضت روح التضامن في الداخل الإسرائيلي، وضربت ما وصفه بـ "البنية الأخلاقية" للمجتمع الإسرائيلي، التي لطالما تفاخر بها أمام العالم.

وأشار إلى أن الانقسام العميق داخل إسرائيل حول قضية الأسرى المحتجزين في غزة، والخلافات الحادة بشأن كيفية التعامل مع هذا الملف، تعكس هشاشة الجبهة الداخلية وتآكل ما تبقى من الإجماع الوطني.

وأضاف أن مظاهر التفاخر العلني من قبل عدد من السياسيين الإسرائيليين بحرب الإبادة في قطاع غزة ساهمت في تشويه صورة إسرائيل الأخلاقية داخليا وخارجيا، وأضعفت مناعة المجتمع الإسرائيلي من الداخل.

انهيار أخلاقي

وتساءل يسسخاروف بمرارة -في مقاله المنشور في صحيفة يديعوت أحرونوت تحت عنوان "ليس كل الإسرائيليين إخوة لبعضهم"- "ما الذي حدث لنا في هذه الحرب؟ عسكريا نهضنا من الضربة، ونجحنا إلى حد ما في هزيمة حزب الله، ووجهنا ضربات قوية لحماس، ودمرنا غزة، والشعب الغزي الذي هلّل في البداية لهجوم السابع من أكتوبر بات يبحث عن لقمة الخبز، ومع ذلك، يبدو أن حماس قد انتصرت علينا بدرجة ما".

إعلان

وبغض النظر عن فشل جيش الاحتلال في تحقيق أهدافه في القضاء على حماس، يكتفي يتسحاقاروف بالقول إن حماس لم تنتصر في الميدان، لكنه في الوقت نفسه لا ينسى أن يقول إن حماس حققت انتصارا، في مكان أعمق وأخطر، على ما أسماه "الروح الإسرائيلية".

وأضاف أن إسرائيل تمكنت من تصفية رئيس حركة حماس يحيى السنوار وأخيه القائد العسكري محمد السنوار، وكذلك قادة التنظيم الذين خططوا لعملية "طوفان الأقصى"، لكن "الضرر الأكبر الذي ألحقوه بنا هو تمزيق النسيج الداخلي الإسرائيلي وضرب قيم التضامن".

وحذر يسسخاروف مما سماه "التحولات القيمية المقلقة" في المجتمع الإسرائيلي، مستشهدا بتعامل فئات من الجمهور مع ملف الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة.

وقال: "مجرد أن ترى شريحة صاخبة -حتى وإن لم تكن أغلبية- أن الأسرى وعائلاتهم يمثلون مأساة خاصة وليست جماعية، فهذا يعكس حجم الانهيار الأخلاقي".

وتابع في نقده الحاد: "أن تُقاس قيمة الأسير أو عائلته بمدى ولائه الأعمى لرئيس الحكومة أو امتنانه له، فذلك يدل على مدى التعفن الذي وصلنا إليه".

وهاجم يسسخاروف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على خلفية قراره تعيين عضو الكنيست ديفيد زيني رئيسا لجهاز الأمن العام (الشاباك)، المعروف بمواقفه الرافضة لصفقات تبادل الأسرى، ووصفه للحرب ضد الفلسطينيين بأنها "حرب أبدية".

واعتبر يسسخاروف أن هذا التعيين بمثابة رسالة لحماس مفادها: "لقد انتصرتم"، مشيرا إلى أن الهدف من تعيين زيني لا يتعلق بأمن إسرائيل، بل بتعزيز موقع نتنياهو سياسيا، في مواجهة الانتقادات المتعلقة بالمساعدات الإنسانية لغزة، ومنع فتح تحقيقات جنائية في ملفاته القضائية.

تأييد الإبادة الجماعية

ومن زاوية أخرى، انتقد يسسخاروف بحدة تعاظم نبرة التحريض والعنف في المجتمع الإسرائيلي، قائلا: "كل من يندد بقتل الأطفال أو النساء أو الشيوخ الأبرياء في غزة، يُتهم بالخيانة"، ولا ينسى أيضا أن يشير إلى أن "بعض السياسيين والمغردين باتوا يلمحون صراحة إلى وجوب ارتكاب إبادة جماعية، لا أقل".

إعلان

ورغم تحميله لحماس المسؤولية عن الكارثة الإنسانية في القطاع، يشدد الكاتب على أنه "لا يمكن الاستمرار في الكذب على أنفسنا، فالعالم كله يشاهد صور الفلسطينيين وهم يتقاتلون على قطعة خبز، ويسمع بشكل يومي عن أطفال يُقتلون تحت القصف".

وأردف: "إظهار الحقيقة ونقلها للناس ليست خيانة، بل واجب أخلاقي يهودي".

كما سلط الكاتب الضوء على غياب المسؤولية السياسية، منتقدا نتنياهو، قائلا: "كيف لرئيس حكومة هو الأطول بقاءً في المنصب، أن يتنصل من مسؤوليته عن أسوأ مجزرة بحق الإسرائيليين منذ المحرقة؟"، في إشارة إلى فشل الحكومة في منع عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ولم ينس يسسخاروف الإشارة إلى تصريحات نتنياهو، حول عدم علمه بوصول الأموال القطرية لحماس -حسب زعمه- رغم أنه نفسه من دعم فكرة إدخالها إلى القطاع.

واختتم المحلل السياسي مقاله بنبرة حادة تنم عن المرارة، مؤكدا أن "السنوار وأتباعه نجحوا في ما فشلت فيه جيوش العرب طوال 75 عاما، وهو كسر شعور الوحدة الأخلاقية لدى جزء من الإسرائيليين".

ومع ذلك، يرى يسسخاروف أن هذا النصر "مؤقت وجزئي"، موضحا أن "الأغلبية ما زالت تشعر بالمسؤولية تجاه الأسرى والجنود القتلى وعائلاتهم، وترفض قيادة نتنياهو ودائرته الإعلامية، التي تنشر الكراهية وتبرر القتل الجماعي في غزة".

وختم بالقول إن أغلب الإسرائيليين الذين يرون في نتنياهو رمزا للفشل السياسي والأخلاقي في هذه الحرب باتوا يدركون أنه لا يمكن أن يواصل شغل منصب رئيس الوزراء.

مقالات مشابهة

  • جيروزاليم بوست: واشنطن طلبت من إسرائيل تأجيل العملية البرية في غزة
  • الصحف الصهيونية تحتفي بها.. تخاريف و أكاذيب داليا زيادة في جيروزاليم بوست الإسرائيلية
  • جيروزالم بوست: واشنطن تطلب من إسرائيل تأجيل العملية البرية الشاملة في قطاع غزة
  • جيروزاليم بوست: واشنطن طلبت من إسرائيل تأجيل العملية البرية بغزة
  • محلل إسرائيلي: حماس انتصرت معنويا وأضعفت روح التضامن الإسرائيلية
  • جيروزاليم بوست: إسرائيل تعاني من أزمة داخلية حادة ستدمرها
  • إسرائيل على شفا الانقسام.. هويات متصارعة ومجتمع يتفكك
  • واشنطن بوست: حلفاء إسرائيل يهددون بقطع العلاقات التجارية بسبب غزة
  • اغتيال محمد السنوار.. غياب الأسرى كشف الموقع وسلاح الجو نفّذ الضربة القاتلة
  • الدبلوماسي العاري.. من هو المبعوث الأممي توم فليتشر الذي يقف في وجه إسرائيل؟