مثل المستعمرات البريطانية الأخرى، استعمرت بريطانيا فلسطين من خلال المعاملات المالية الفاسدة، واستغلال النفوذ، وعنف تم تبريره بمفاهيم التفوق العنصري، لكن مثل كينيا وزيمبابوي وجنوب أفريقيا، يثبت الفلسطينيون أنهم مصرون على النضال لتقرير المصير في وطنهم، بحسب ماري سيروماجان في تقرير بموقع "أفريكان أرجيومنتس" (African Arguments).

ماري تابعت، في التقرير الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أن "الإمبراطورية العثمانية سقطت بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وبعدها قامت عصبة الأمم بجعل الأجزاء المكونة لها، بما في ذلك فلسطين، أراضٍ منتدبة".

وأضافت أنه "في المناقشات التي دارت في البرلمان البريطاني، تمت الإشارة إلى فلسطين (تحت الانتداب البريطاني) على أنها أرضٍ محتلة ومستعمرة. وعندما طالب بالسماح للشركات البريطانية ببعض الامتيازات لمشاريع التنمية في فلسطين، قال النائب ج. بوتشر: "نحن في فلسطين كدولة محتلة وطالبنا بأن يكون للعمال والمصنعين البريطانيين حصة في الغنائم".

ولفتت إلى أن "بريطانيا أبرمت اتفاقا مع المنظمة الصهيونية لمساعدة أعضائها في إنشاء وطن لليهود في فلسطين، وهو ما يُعرف باسم وعد بلفور لعام 1917".

وزادت بأنه "تم تشكيل اللجنة الصهيونية لتقديم عروض إلى عصبة الأمم، وأُتيحت لها الفرصة لتقديم حججها بشأن الوطن بناءً على ادعاءات تاريخية".

اقرأ أيضاً

محكمة فلسطينية تقضي بإدانة بريطانيا وبطلان وعد بلفور

هجرة صهوينية

و"فيما يتعلق بالصهيونية، ذكرت لجنة كينج- كرين (بريطانية) أن السياسة الصهيونية المتطرفة، المتمثلة في الهجرة غير المحدودة (إلى فلسطين)، والتي من شأنها أن تؤدي إلى إقامة دولة يهودية، تحتاج إلى تعديل جدي. وكان واضحا للجنة أن الصهاينة كانوا يستعدون لمصادرة ملكية الأشخاص غير اليهود عن طريق عمليات شراء"، كما أضافت ماري.

وتابعت أن "اللجنة أوصت بأن يكون لفلسطين الصوت الحاسم في تشكيل مستقبل البلاد. وأظهر استطلاع أن 90% من الفلسطينيين يعارضون بشكل قاطع البرنامج الصهيوني برمته".

وزادت بأن "اللجنة خلصت إلى أن الهجرة اليهودية غير المحدودة إلى فلسطين والضغوط المالية والاجتماعية للاستيلاء على الأرض ستشكل انتهاكا صارخا لحقوق الشعب (الفلسطيني)".

ماري لفتت إلى أنه "تم تعيين الصهاينة في مناصب حكومية رئيسية في فلسطين منها: السكرتير القانوني، مدير التجارة والصناعة، مدير المخازن المركزية، مدير العمل، مساعد مدير الأمن العام، مساعد مدير السكك الحديدية والمرور، مساعد مدير السكك الحديدية والمرور، مدير الهجرة في يافا، مدير الهجرة في حيفا".

اقرأ أيضاً

وزير إسرائيلي يصف نزوح سكان غزة بـ"نكبة 2023"

نكبة فلسطين

وفي مجلس العموم، بحسب ماري، قال وزير شؤون المستعمرات، دبليو تشرشل، كما فعل وكيل الوزارة وآخرون، إن بريطانيا لا يمكنها التراجع عن الضمانات الخاصة بالوطن الجديد التي قدمها بلفور للمنظمة الصهيونية.

تشرشل أردف أن "هذا التعهد لا يمكن تحقيقه إلا من خلال منح الامتيازات (لليهود). ولتحقيق النجاح، ستكون هناك حاجة إلى المهنيين والعمال، وبالتالي تم تشجيع زيادة الهجرة. وعند هذه النقطة تم دمج القضايا الثلاث: الوطن اليهودي والتنمية الاقتصادية في فلسطين ومنح الامتيازات"، كما زادت ماري.

وأفادت بأن "الهجرة إلى فلسطين تضاعفت تقريبا بين عامي 1923 و1924، ثم تضاعفت تقريبا مرة أخرى في العام التالي. وبلغ عدد سكان فلسطين عام 1922 757,182 نسمة: 590,390 مسلما، 83,694 يهوديا، 73,024 مسيحيا)".

وقالت إن انزلاق فلسطين التام إلى دائرة العنف أدى إلى قيام بريطانيا بتقديم طلب إلى الأمم المتحدة للتنازل عن انتدابها، وأُعلن قيام دولة إسرائيل (في عام 1948 على أراضٍ محتلة) وحصل الفلسطينيون عل وعد بتقرير المصير.

وأضافت أن "الطرد العنيف للفلسطينيين من فلسطين عام 1948، أو النكبة، أدى إلى طرد أكثر من 700 ألف فلسطيني من منازلهم. وهؤلاء هم الذين يقيمون في غزة وجنين (بالضفة الغربية) ومخيمات اللاجئين الأخرى في فلسطين وإسرائيل وما حولهما".

ماري ختمت بأنه "بينما تكتب هذا التقرير، كان القصف الإسرائيلي يدفع نحو تهجير الفلسطينيين من غزة. وبحسب ما ورد تلقت مصر عرضا من الولايات المتحدة لقبول نقل السكان الفلسطينيين إلى سيناء مقابل إلغاء الديون".

اقرأ أيضاً

تفرض على مصر استضافة مليون فلسطيني.. مبادرة أمريكية لتهجير سكان غزة

المصدر | ماري سيروماجان/ أفريكان أرجيومنتس- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فساد عنف استغلال بريطانيا فلسطين إسرائيل إلى فلسطین فی فلسطین

إقرأ أيضاً:

الهجمة الصهيونية على المنطقة مقارنة بالهجمات الأخرى التاريخية

 

 

 

د. عبدالله الأشعل **

تنفرد الهجمة الصهيونية التي بدأت على المنطقة في إطار المشروع الصهيوني على الأقل منذ القرن التاسع عشر وتنفرد هذه الهجمة بخصائص مُعيَّنة، علمًا بأنَّ المنطقة تعرضت لثلاث هجمات أخرى مختلفة:

أولًا: الهجمة التتارية؛ حيث اقتحم التتار المنطقة في القرن الثالث عشر الميلادي بدأ بعاصمة الدولة العباسية بغداد وكان التتار يحاربون الإسلام لأنهم اعتقدوا أنَّ الإسلام هو الذي رفع العرب إلى مرتبة السيادة، ولكن بعد هزيمتهم الماحقة في عين جالوت في فلسطين على يد الظاهر بيبرس وقائد الجيوش قطز تحولوا إلى الإسلام بعد أن دمروا عواصم عديدة وأراقوا أنهارًا من الدماء.

ومما يذكر أن قاضي القضاة في دمشق العز ابن عبد السلام اعترض على فرض المماليك ضرائب لمواجهة التتار وأفتي فتواه الشهيرة وهي أنَّ الحكام لا بُد أن يتبرعوا بأموالهم أولًا لشراء السلاح وأن تتبرع زوجاتهم بالذهب الذي في حوزتهم، وبعد ذلك يستكمل بالضرائب من الشعب. كذلك عاصر ابن تيمية أحداث التتار في دمشق، وكان إمامًا للمسجد الأُموي وهناك جدل كبير في كتب التاريخ حول موقف ابن تيمية من هجمة التتار. وفي النهاية ذاب التتار في المنطقة واندمجوا مع أهلها المسلمين.

ثانيًا: الموجة الثانية من الهجمات استمرت عدة قرون وهي الهجمة الصليبية على بيت المقدس، ولكن تم طرد الصليبيين من بيت المقدس ومن المنطقة بأكملها علي يد صلاح الدين الأيوبي في بداية عصر الدولة الأيوبية في مصر.

وبهذه المناسبة فإنَّ السنوات الأخيرة من حياة الدولة العباسية شهدت حكمًا انفصاليًا لعدة سنوات في مصر لا تدين بالولاء للدولة العباسية، علمًا بأنَّ الدولة العباسية عندما قضى عليها التتار وقتلوا آخر حكامها المُستنصر بالله أحمد، هبَّت مصر لدفع التتار وأنهت هذه الهجمة تمامًا، وانتقلت الخلافة إلى مصر.

ثالثًا: الهجمة العُثمانية، وقد انقسم المؤرخون العرب إلى فريقين؛ فريق يرى أن الدولة العثمانية دولة استعمارية وأنها مهدت للاستعمار الغربي، وفريق آخر- وأنا منهم- يرى أن الدولة العثمانية كانت امتدادًا للدولة العباسية التي سقطت في القرن الثالث عشر، وبالتحديد عام 1258م؛ حيث كانت الدولة العثمانية تنشأ. ويقول المؤرخون العرب- وبالذات قسطنطين زريق في كتابه الرائع "تاريخ الشعوب الإسلامية"- إن الدولة العثمانية تقدمت كبديل للأندلس التي سقطت بعد ذلك بمائة عام على الأقل، وبالتحديد عام 1492م. ويقول التاريخ إن الدولة العثمانية قامت بغزو الشام عام 1416م، وجاءت إلى مصر 1417م، وانتهت الدولة العثمانية في 1 مارس 1924م، على يد الجنرال كمال أتاتورك، وتحولت تركيا من إمبراطورية إسلامية إلى دولة علمانية. ولكن التيار الإسلامي في تركيا أعاد إليها روح الإسلام بدءًا بنجم الدين أربكان الذي تتلمذت على يديه كل قيادات التيار الإسلامي في تركيا ومنهم الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان.

رابعًا: الهجمة الاستعمارية على المنطقة؛ حيث جاءت أول هجمة غربية بعد الثورة الفرنسية بعدة أعوام حيث قاد نابليون بونابارت الهجمة الأولى للاستعمار الغربي عام 1798 وظل في مصر حتى عام 1801. وبعد الحملة الفرنسية جاءت الحملة البريطانية التي ناوشت مصر منذ عام 1807، وكان مُحمد علي قد تولى حكم مصر مُمثِلًا للدولة العثمانية عام 1805، ثم عاودت بريطانيا العظمي غزو مصر في 15 سبتمبر 1882، واستمر احتلال مصر من 1882 حتى رحلت بريطانيا عن مصر عام 1957؛ بموجب اتفاقية الجلاء الموقعة بين الحكومة المصرية وبريطانيا في 18 يونيو 1954.

خامسًا: الهجمة الصهيونية، وهذه هذه الهجمة أساسها المشروع الصهيوني بهدف إنشاء إسرائيل لكي تسيطر على المنطقة وكيلا عن الاستعمار الغربي الذي سحب قواته العسكرية وأصبحت إسرائيل صنيعة الغرب وتحظى بدعم دوله خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد اختلفت الهجمة الصهيونية عن الهجمات الأخرى على المنطقة فيما يلي:

أن الهجمات السابقة على الهجمة الصهيونية زالت ولم تترك أثرًا ولكن الهجمة الصهيونية تسببت في جميع مآسي المنطقة. أن هذه الهجمة تهدف إلى تمركز إسرائيل في المنطقة باعتبارها اللاعب الأساسي الذي يدعمه الغرب. أن هذه الهجمة تميزت عن سابقاتها بأنها تريد الاستيلاء على فلسطين مركزًا للحركة الصهيونية وتميزت بأنها استعمار إحلالي استيطاني وهو ما لم يحدث في الهجمات السابقة. أن الهجمة الصهيونية التي بدأت في أواخر القرن التاسع عشر بلغت ذروتها باختراق إسرائيل للعالم العربي والإسلامي وتمكين الغرب لها في المنطقة بحيث قامت إسرائيل بالعدوان على معظم الدول العربية وذلك بعد إتاحة الرئيس المصري محمد أنور السادات للظاهرة الإسرائيلية أن تزدهر بعد التقارب الساداتيّ الإسرائيلي الأمريكي. أما الشعب المصري، فقد رفض هذا التقارب، وأصرَّ السادات على اللجوء إلى سياسة "العصا والجزرة". الجزرة عن طريق الوعود البراقة عن السلام والرخاء والتنمية، والعصا عن طريق استصدار "قانون العيب" الذي عاقب به المعارضين لهذا التقارب، ولا يزال هذا الخط المصري الأمريكي ثابتًا في سياسة الحكومات المصرية المتعاقبة.

الخلاصة أن الهجمة الصهيونية أخطر من الهجمات السابقة عليها؛ لأنها استندت إلى المشروع الصهيوني الذي رعته بريطانيا ثم الولايات المتحدة. وفي الأسبوع الثاني من مارس 2025 نشهد فصلًا جديدًا من الخطة الإسرائيلية الأمريكية مع قدوم دونالد ترامب في فترة ثانية إلى البيت الأبيض، وما لم تدفع المنطقة العربية والإسلامية الهجمة الصهيونية، فإنَّ "صفقة القرن" التي روَّج لها ترامب في ولايته الأولى مع نتنياهو، سوف تنجح في استقدام صهاينة العالم ليستوطنوا فلسطين بعد تهجير أهلها وإبادتهم.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • إسبانيا تقاطع إسرائيل عسكريا وتدعو لاعتراف أوروبي بدولة فلسطين
  • محكمة أميركية تلزم مسؤولا مكسيكيا سابقا بدفع 2.4 مليار دولار بقضية فساد
  • من دمشق إلى هامبورغ وبروكلين.. قصة مأساة وعنف وتحقيقات أمنية متشابكة
  • 5 مشرّعين أوروبيين يواجهون فقدان الحصانة بسبب فضيحة هواوي
  • قبل عيد الأضحى.. 3 علامات سرية تكشف فساد اللحم المفروم
  • الهجمة الصهيونية على المنطقة مقارنة بالهجمات الأخرى التاريخية
  • صحف عالمية: الانقسامات تنخر إسرائيل وعنف المستوطنين مستمر بالضفة
  • المنافقون دُمى “الصهيونية”
  • وجه آخر لأيقونة الرومانسية ديلون: أسلحة وعنف وكسر لأضلاع زوجته
  • الهجرة الدولية تشيد بدور مصر في الاستجابة الإنسانية لأحداث فلسطين وقطاع غزة