الشهيد أبو علي مصطفى.. القائل عدنا لنقاوم لا لنساوم
تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT
أبو علي مصطفى مناضل فلسطيني من مواليد محافظة جنين عام 1938، اشتهر بانتسابه لحركة القوميين العرب وانحيازه للخط القومي التاريخي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، واتخذ مواقف مناوئة للمجموعة اليسارية.
قاد الدوريات الأولى لتحرير فلسطين عبر نهر الأردن، وأعاد بناء التنظيم ونشر الخلايا العسكرية، ونسق النشاطات ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، واعتقل مرتين، وحاولت إسرائيل اغتياله عدة مرات، ونجحت في ذلك عام 2001.
عُرف أبو علي بزهده وحياته البسيطة، وكان ذا شخصية وحدوية جامعة، والتف حوله أقطاب النضال الفلسطيني على اختلاف مشاربهم الأيديولوجية، ودافع عن خيار عودته إلى فلسطين بعد اتفاق أوسلو، أمام سيل من الانتقادات الحادة التي تعرض لها من بعض رفاقه وزملائه في فصائل المقاومة التي رفضت الخيار السلمي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وكان يَعتبر أن ساحة المواجهة المركزية مع الاحتلال هي الداخل المحتل، وعليه الوجود فيها، وهو صاحب المقولة الشهيرة "عدنا لنقاوم لا لنساوم" وقد أردف ذلك بعمل متواصل لبناء تنظيمه وإعداده ميدانيا لأي مواجهة قادمة مع الاحتلال، الأمر الذي أدى إلى اغتياله على يد قوات الاحتلال أثناء انتفاضة الأقصى.
ولد مصطفى علي العلي الزِبري، الشهير بـ"أبو علي مصطفى" في بلدة عرّابة في محافظة جنين يوم 14 مايو/أيار 1938، أي قبل 10 سنوات بالتمام من إعلان إقامة دولة الاحتلال على أرض فلسطين.
وكان والده مزارعا في البلدة منذ عام 1948، بعد أن عمل في سكة حديد وميناء حيفا، وهو أحد المشاركين في الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936.
وأبو علي متزوج وله 5 أبناء، وهو الشقيق الأكبر لتيسير الزِبري، أحد قادة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والأمين العام الأول لحزب الشعب الديمقراطي بالأردن (حشد) منذ تأسيسه سنة 1993.
الدراسة والتكوين العلميدرس أبو علي المرحلة الأولى في بلدته عرّابة، ثم انتقل عام 1950 مع أسرته إلى عمّان، وبدأ حياته العملية وأكمل دراسته فيها.
كما خضع للدورة العسكرية لتخريج الضباط الفدائيين في مدرسة "أنشاص" المصرية عام 1965.
قبل أن يتفرغ للعمل الكفاحي، عمل أبو علي مراسلا في بنك الإنشاء والتعمير، وعمل في منجرة ومحل للزجاج وفي مصنع للكرتون، وفي أعمال أخرى بسيطة ومتعددة، وقد أسهم انتماؤه للفقراء والطبقة العاملة إسهاما عميقا في تكوين فكره وشخصيته وسلوكه، وأكسبه ذلك إحساسا فطريا بقضايا الكادحين وهمومهم.
انتسب أبو علي في سن الـ17 من عمره إلى حركة القوميين العرب، التي أسسها جورج حبش، الملقب بـ"الحكيم" والأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وذلك عام 1955.
واعتقل بعد عامين، عندما أعلن الأردن الأحكام العرفية وحلّ الأحزاب السياسية. وحوكم أمام محكمة عسكرية، وقضى في سجن "الجفر" بصحراء الأردن 5 سنوات.
وعام 1963 تعرف أبو علي على رفيقة دربه في الكفاح "أم هاني" وكان ذلك بعد الإفراج عنه مباشرة، وتزوج منها في 23 يوليو/تموز 1964، وأصر على هذا التاريخ محبة منه للزعيم جمال عبد الناصر.
وبعد الزواج انتقل وأسرته إلى مدينة جنين، وسكن في الحارة الشرقية وافتتح محلا تجاريا للمواد الزراعية، ثم حوّله إلى مطعم شعبي للفول والحمص والفلافل.
ظل أبو علي منحازا إلى الخط القومي التاريخي للجبهة الشعبية، واتخذ مواقف مناوئة للمجموعة اليسارية بقيادة نايف حواتمة وعبد الكريم حمد وياسر عبد ربه وقيس السامرائي، الذين انشقوا عن الجبهة سنة 1969، واتخذوا لأنفسهم اسم "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين".
وبقي طوال مسيرته النضالية والسياسية يقف إلى جانب حبش والقيادة الأولى لحركة القوميين وديع حداد وهاني الهندي وحبش وأحمد الخطيب وحامد الجبوري وصالح شبل، وإلى جانب القادة الجدد أمثال أحمد اليماني وغسان كنفاني وتيسير قبعة. ولم يكترث أبو علي كثيرا بالماركسية اللينينية التي التزمتها الجبهة الشعبية في مؤتمرها الثالث سنة 1972.
وبعد أن أنهى دورته التدريبية في أنشاص عام 1965 عاد أبو علي إلى جنين لقيادة العمل في "حركة القوميين العرب" بالمنطقة الشمالية للضفة الغربية، حتى أعيد اعتقاله عام 1966، بعد أحداث معركة السموع جنوب مدينة الخليل، وبقى في السجن عدة أشهر، قبل أن يطلق سراحه العام التالي، بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967.
وقاد أبو علي الدوريات الأولى نحو الوطن الفلسطيني عبر نهر الأردن، وعمل على تهريب السلاح إلى الداخل، وإعادة بناء التنظيم ونشر الخلايا العسكرية، وتنسيق النشاطات ما بين الضفة والقطاع. وكان ملاحقا من الاحتلال واختفى عدة أشهر بالضفة بدايات تأسيس الجبهة، وتولى مسؤولية الداخل في قيادة الجبهة الشعبية، ثم أصبح المسؤول العسكري لقواتها بالأردن إلى عام 1971.
وكان هو القائد العسكري للجبهة أثناء معارك المقاومة سنواتها الأولى ضد الاحتلال، كما شارك أبو علي في معركة الكرامة عام 1968 ومواجهات جرش وعجلون ضد الجيش الأردني في "أيلول الأسود" 1970. ثم غادر الأردن سرا إلى لبنان عام 1971.
وأثناء وجوده في لبنان، شارك أبو علي في مقاومة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وخرج مع عناصر المقاومة الفلسطينية إلى سوريا، ورأس وفد الجبهة الشعبية في حوارها مع حركة التحرير الوطني (فتح) في عدن والجزائر عام 1984 وفي بلغاريا عام 1987، وأصبح عضوا بالمجلس المركزي، وعضوا باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بين عامي 1987 و1991.
بعد خروجه من المعتقل عام 1966، تسلّم أبو علي قيادة منطقة الشمال بالضفة، وشارك في تأسيس "الوحدة الفدائية الأولى" ضمن "حركة القوميين العرب" والتي كانت معنية بالعمل داخل فلسطين.
وعام 1967 شارك أبو علي مع حبش في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتولى مناصب عديدة فيها، وأصبح نائبا للأمين العام طوال العقود الثلاثة الماضية، ثم أمينا عاما عام 2000، بعد استقالة حبش الذي كان رفيق دربه على مدى 45 عاما.
وعام واحد أصبح أبو علي عضوا بالمجلس الوطني الفلسطيني، وذلك بعد التحولات التي طرأت على منظمة التحرير، وصعود المنظمات الفدائية إلى قيادة المنظمة بعد استقالة أحمد الشقيري. كما انتخب عضوا باللجنة المركزية للجبهة سنة 1969، وعضوا بالقيادة اليومية سنة 1970.
وفي المؤتمر الوطني الثالث عام 1972 انتخب أبو علي نائبا للأمين العام، حتى عام 2000. وفي المؤتمر الوطني السادس عام 2000 انتخب أمينا عاما للجبهة الشعبية، وظل بهذا المنصب حتى استشهاده عام 2001.
لم تكن المحاولة التي تم فيها اغتياله هي الأولى من نوعها، فقد تعرض أبو علي لعدة محاولات، كان أبرزها في منطقة الكولا ببيروت، حيث كان يسكن شقة في بناية من 12 طابقا، وتم ركن سيارة مفخخة بالمتفجرات أسفل البناية، لكن يقظة جهازه الأمني جعلته يكتشف أمرها.
وقبل ذلك، وأثناء وجوده في منطقة الأغوار بالأردن، تعرضت سيارته لقصف مدفعي كثيف، ولم يكن يظنّ وقتها أكثر المتفائلين أن مَن بالسيارة قد نجا، ولكن أبو علي تمكن من إلقاء نفسه خارج السيارة والاختباء بمزارع الموز المجاورة حتى زال الخطر.
وبعد عقد اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل بالنرويج عام 1993، قرر أبو علي العودة إلى الضفة، رغم الرفض والمعارضة الشديدة لعدد من رفاقه. وسمح له بالعودة سنة 1996، ونال الرقم الوطني بصفته مواطنا فلسطينيا من بلدة عرّابة.
وهناك عند "جسر العودة" أعلن مقولته الشهيرة "عدنا لنقاوم لا لنساوم" وفعلا لم يهدأ أبو علي ولم يستكن، فاتهمته إسرائيل بالمسؤولية عن عدد من عمليات التفجير في القدس وتل أبيب وبالقرب من مطار اللد خلال سنتي 2000 و2001. وفي 27 أغسطس/آب 2001 اغتالته الطائرات الحربية الإسرائيلية بقصف مكتبه في رام الله.
وخلفه في موقع الأمانة العامة للجبهة أحمد سعدات "أبو غسان" الذي لم يتردد في الثأر له، وذلك باغتيال الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2001.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: للجبهة الشعبیة الجبهة الشعبیة لتحریر فلسطین أبو علی عام 2000
إقرأ أيضاً:
تفاصيل من حياة المصور الشهيد حسن اصليح لم تُرو من قبل
غزة- كان يُقلّب الكاميرا بين يديه كمن يحمل كنزًا ينقّب عن مفاتيحه، يدور بها بين المصورين في أوقات فراغهم حين كان بينهم متطوعا في أروقة قناة القدس، يسأل عن أزرارها، ويتأملها بعينين تقدح فيهما شرارة الحلم، لم يكن حسن اصليح مجرد شاب متدرب في مطلع الـ20 آنذاك، بل كان صاحب حلم مدفوعًا بطاقة داخله لا تهدأ، ونهَم لا يشبع من التعلم.
قابلت الجزيرة نت درويش بلبل مدير المصورين في قناة القدس سابقا، الذي عاد بذاكرته 15 عاما إلى الوراء، حين صعد حسن سلّم التصوير درجةً درجة، من مساعد يحمل العدسة لأول مرة، إلى مصور محترفٍ يقع عليه الاختيار لتصوير أعقد اللحظات وأكثرها تأثيرا.
يقول درويش "كان حسن يؤمن أن ما يفعله ليس مهنة، بل رسالة يُعبر فيها عن شغفه بهوايته وحبه لعمله، فلا عطلة تُغريه، ولا راحة تستوقفه".
أخذ حسن على عاتقه أن يكون ظلا للطبقات المهمشة والهشة، يوصل صوتهم ويركز على نقل قصصهم، مما جعله قريبا منهم، وعن ذلك يقول درويش "لم يكن حسن عابرًا في حضوره ولا في أثره، لقد كان له قبول لافت، لدرجة أننا كنا نقول له لو ترشحت للرئاسة لفزت بلا منافس".
ويرى درويش أن ما ساعد حسن خلال عمله هو ذكاؤه الاجتماعي، وبناؤه لعلاقات مع المسؤولين وأصحاب القرار الذين كان يقابلهم، مما عزز من مصادره التي اعتمدها فيما بعد في خطوات مسيرته العملية.
بعد 5 أعوام قضاها حسن في قناة القدس، عبر خلالها العتبة الأولى في حلمه بثقة، بدأ عقب ذلك عمله الحر، الذي قفز خلاله بخطوات واسعة نحو القمة، حيث صنع لنفسه اسما على منصات التواصل الاجتماعي، وصار مصدرا إعلاميا موثوقا لملايين المشتركين في قنواته ومنصاته.
إعلانلاحقا، أطلق حسن وكالة أنباء "علم 24" الخاصة به، كما عمل مع عدد من المؤسسات الإعلامية الدولية الأجنبية والعربية بالتزامن مع ذلك.
ورغم أن حسن ولد وعاش في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، فإن كل زوايا القطاع كانت ميدانه، متنقلا بين أرجائه من أقصى الجنوب لأقصى الشمال في يوم واحد، فكان في كل مرة أول مصور يقتحم بعدسته ميدان التغطية، بين الناس ومعهم، ملاحقا الخبر والصورة أينما كانت.
لا عقبات أمامه
يكشف صديق حسن المقرب منه الصحفي أشرف أبو عمرة، للجزيرة نت، أن حسن كان يعاني مرضا نادرا اسمه حمى البحر الأبيض المتوسط، حيث كان يمر بنوبات من الحمى والألم الجسدي والطفح الجلدي دون وجود علاج له داخل القطاع، لكنه كان يقاومه وينطلق للميدان في أول لحظات تعافيه دون أن يستسلم له.
"لم يقعده مرض ولم يوقفه تهديد" يقول أشرف واصفا صلابة صديقه، ويتابع "كان التهديد لحسن متواصلا، حيث أُنشئت صفحات خاصة للتحريض عليه، ونظمت حملات إعلامية لمهاجمته منذ اليوم الأول للحرب".
سألته الجزيرة نت عن كيفية تعاطي حسن مع هذه التهديدات، فأجاب "كان حسن يقول لنا: إن كانت تهمتي أنني أوثق معاناة الناس المطحونين في غزة فليقتلوني وأنا على رأس عملي، لن أمنحهم مرادهم ولن أتوقف عن التغطية".
لم تتوقف محاولات إسكات الصوت وحجب الصورة التي كان لحسن السبق في نشرها، حيث حُذفت منصاته على مواقع التواصل أكثر من 15 مرة، ورغم اشتراك الملايين من المتابعين فيها، فإن "المحارب حسن" كما يصفه صديقه لم يعرف اليأس، وكان يعود من جديد في كل مرة.
يقول أشرف "كانت قناة التلغرام الخاصة بحسن مصدرا أول للفلسطينيين، الذين كانوا يقولون دوما: إذا لم ينشر حسن الخبر فالخبر ليس أكيدا".
يختم أشرف حديثه للجزيرة نت بصوت متهدّج "لم يكن حسن رفيق مهنة، بل كان أخي وجزءا مني، ملازما لي في حلي وترحالي، وما زال صوته يتردد في أذني، أفتقده في كل لحظة ولا أتخيل حقا أنه رحل بلا عودة".
نجا حسن من أولى محاولات استهدافه في السابع من أبريل/نيسان الماضي، حين قُصفت خيمة الصحفيين مقابل مستشفى ناصر في خان يونس، والتي استشهد فيها عدد من الصحفيين واحترقوا، بينما أصيب هو مع زملاء آخرين.
إعلانوبينما كان حسن يتلقى علاجه على سرير مشفى ناصر، لم يعر الاحتلال أي اعتبار للزمان أو المكان، إذ لاحقه بصاروخ في غرفته في المشفى في مايو/أيار ليستشهد على الفور.
مكث بين الاستهدافين 35 يوما، والتي رأت فيها زوجته آلاء مسمح الفرصة لتجلس مع زوجها، الذي حرمتها الحرب من رؤيته سوى عبر لقاءات خاطفة لبضع دقائق سريعة.
تقول آلاء "كان زوجي يخشى أن يُستهدف وهو معنا، فكنا نلتقي سريعا في أماكن عامة عدة دقائق، نحاول فيها إطفاء الشوق، فكانت مليئة بعناق أطفاله والوصايا والحاجيات، إلى أن أصيب، فصرت أتردد عليه يوميا لتلمس حاجاته والاطمئنان عليه".
قبل 14 عاما، بدأت آلاء حكايتها مع حسن، كشاب بسيط حالِم، يملك وظيفة متواضعة وقلبًا كبيرًا، وإصرارًا على صناعة حياة مختلفة، لم يرضَ خلالها أن تبقى زوجته بلا شهادة جامعية، فأصر على أن تكمل تعليمها رغم بساطة الحال.
أنجبا 4 أطفال، أكبرهم عبد الفتاح و3 فتيات هن منى وإيمان وميلا، كان قوله الذي يكرره لهم دوما مبررا غيابه عنهم "كل شيء أفعله في حياتي من أجلكم".
بعد سنوات من العمل، قرر حسن أن يبني منزلا يتّسع لعائلته، وعلى مدار عامين بدأ بتأسيسه حجرا حجرا، حتى أصبح البيت حقيقة ماثلة على الأرض، قبل الحرب بأيام كان وزوجته يختاران الأثاث، ويخططان للانتقال، لكن الصواريخ الإسرائيلية لم تمنحهم العيش فيه لحظة واحدة.
أيام الحرب
"يبدو أنها ستكون حربًا طويلة وقاسية" قال حسن لزوجته في صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين كان يجمع معداته ويتجهز للخروج من المنزل، لم تكن تعلم أنها وأبناءها قضوا الليلة الأخيرة في كنفه، وأن هذا آخر عهدها به، لتبدأ آلاء وحدها رحلات النزوح المتكرر دونه.
تقول للجزيرة نت "نار كانت تضرم في صدري في كل ليلة من شهور الحرب الأولى، خاصة في الوقت الذي انقطعت فيه الاتصالات، فلم أكن أعلم هل هو حيّ أم في عداد الشهداء"، لكن رسائله التي كان يباغتها بها بين كل فينة وأخرى كانت تضخ الحياة في شرايينها، حسب وصفها.
إعلانطلب حسن من زوجته إحضار ابنته الوسطى إيمان قبل قدومها إليه، حيث كانت تصحب أطفاله إليه في المشفى بالتناوب، تقول آلاء عن تفاصيل لقائهما الأخير "أجلس ابنته في حجره وظل يتأملها ويقبلها، كان وداعا صامتا وفائض حب لا يُفسر، لم أتوقع قط أن يكون الأخير".
خلال جلوس آلاء مع زوجها، قام بتسديد كل ديونه، كفل عددا من الأيتام، وأطلعها على تفاصيل جديدة، وأوصاها كثيرا، تقول "لا أعرف كيف غاب عني أنه يودعني، ثم أهديته قميصين ارتدى أحدهما، ولم أكن أعلم أنه سيزف إلى الجنة فيه".
وحين همّت آلاء بالمغادرة، وقفت عند باب الغرفة كأن شيئا ثقيلا يكبل قدميها ويمنعها من الخطو، التفتت إليه فسألها "ما بك؟" فأجابته "حين أغادر من هنا أشعر أن روحي تنسلخ مني، لا أعرف الراحة أو السكينة وأنا بعيدة عنك".
تختم آلاء حديثها للجزيرة نت بقولها "أكثر ما واساني بعد استشهاد حسن، لم يكن الصبر وحده، بل ذلك الحب الجارف الذي غمرني من الناس، حبهم له فاجأني، وجعلني أشعر أنني لا أعيش فقط بوصفي زوجته، بل زوجة رجل عظيم ترك أثرا لا يُنسى في قلوب الجميع".
رحل حسن عن عمرٍ ناهز 38، حمل فيها هموم شعبه على كتفيه، وواجه آلة القتل الإسرائيلية بكلمة وصورة وحق لا يزول، ظنّت إسرائيل أنها بخلاصها منه تُسكت صوته، لكن ما لم تدركه هو أن حسن لم يكن فردا، بل كان بداية لجيش كامل من الصحفيين الذين تعلموا منه، والذين سيكملون الطريق من بعده كما يقولون.