أوبورن: هكذا ستغير شجاعة وتحمّل الغزيين السياسة العالمية
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
قال الصحفي المعروف بيتر أوبورن إن غزة غيرت من السياسة العالمية.
أوبورن كان يشير بشكل خاص إلى المناقشات والمداولات التي شهدها منتدى الدوحة، الذي تزامن عقده مع فشل مجلس الأمن الدولي في استصدار قرار بوقف إطلاق النار في غزة، أما سبب الفشل فهو الفيتو الأمريكي الذي جاء رغم موافقة 13 من أعضاء مجلس الأمن على القرار وامتناع بريطانيا.
يشير أوبورن في مقاله في "ميدل إيست آي" إلى خيبة الأمل الكبيرة والإحباط الذي بدا على أمين عام الأمم المتحدة خلال خطابه الافتتاحي لمنتدى الدوحة.
ذلك العدوان المستمر على قطاع غزة والذي يلقى دعما لا محدودا من الإدارة الأمريكية، قد يجعل منها شريكا في "الإبادة الجماعية" بحسب أوبورن، الذي يكشف أن كل من تحدث معهم في الدوحة "وافقوا على أن الأمريكيين لم يعد بالإمكان الثقة بأهليتهم للقيام بدور الوساطة في محادثات السلام، رغم أنه لم يوجد اتفاق على ماذا أو من سوف يحل محل الولايات المتحدة في هذه المهمة".
وفيما يلي نص المقال:
ليس أنطونيو غوتيرش، الأمين العام للأمم المتحدة، بطبعه ثورياً.
ولكن رئيس الوزراء البرتغالي السابق، البالغ من العمر ثلاثة وسبعين عاماً، خرج في مهمة غايتها تحقيق نمط من التغيير كذلك الذي كان مجرد حلم يراود تشي غيفارا، ألا وهو قلب النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يذكر غوتيرش الرئيس الأمريكي جو بايدن بالاسم في خطابه الافتتاحي الحماسي في منتدى الدوحة نهاية الأسبوع المنصرم. ولكنه لم يكن بحاجة لأن يفعل ذلك وهو يعبر عن اشمئزازه إزاء تداعيات قرار الولايات المتحدة اللجوء إلى استخدام حق النقض (الفيتو) الأسبوع الماضي ضد مشروع قرار لمجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار.
قال غوتيرش: "لقد حثثت مجلس الأمن على الضغط من أجل تجنب نكبة إنسانية، وكررت مناشدتي له إعلان وقف لإطلاق النار." ترجمة ذلك: "إذا حصلت إبادة جماعية في غزة، فأنت تتحمل مسؤوليتها يا جو بايدن".
لقد بدأ البعض يطلق على الرئيس الأمريكي اسم "جو الإبادة الجماعية".
مع موت ما لا يقل عن 18400 فلسطيني حتى الآن – وهو أكثر من ضعف عدد من ماتوا في سريبرنيتشا قبل ثمانية وعشرين سنة – ليست هذه مجرد ثرثرة.
لست محامياً، ولكن في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وقع 800 خبير في القانون الدولي ودراسات الصراع على إعلان عام حذروا فيه من احتمال أن تكون إبادة جماعية ترتكب من قبل القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
قدم هؤلاء دليلاً قوياً على حجم وحدة الهجمات الإسرائيلية مضيفين أن "اللغة التي تصدر عن الشخصيات الإسرائيلية السياسية والعسكرية من الواضح أنها تعيد إنتاج لغة ومصطلحات ذات علاقة بالإبادة الجماعية والتحريض على الإبادة الجماعية".
لم يلبث ذلك الوضع أن ازداد سوءاً منذ ذلك الوقت.
المساعدة في ارتكاب الإبادة الجماعية والتحريض عليها
فيما لو أكدت محكمة دولية صحة ما ذهب إليه هؤلاء الخبراء، فلسوف ينجم عن ذلك توجيه الاتهام إلى الرئيس بايدن بأنه ساعد في ارتكاب الإبادة الجماعية وبأنه حرض عليها، وهي جريمة أخطر بكثير من أي شيء اتهم به دونالد ترامب حتى الآن.
ولا غرابة إذ ذاك أن بدت على بايدن هذا الأسبوع أمارات الإجهاد العصبي، حيث صدر عنه، ولو متأخراً، تحذير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن "إسرائيل" تفقد الدعم بسبب ما وصفه، متأخراً أيضاً، بالقصف "العشوائي" الإسرائيلي في غزة.
إن القصف العشوائي جريمة حرب. وهو ما لم يزل يُنفذ بدعم كامل من الولايات المتحدة، وبفضل مدد مستمر من الذخيرة الأمريكية. لم يكن صعباً تلمس الإحساس بالتقزز الذي يوشك أن يتحول إلى عداء ضد الولايات المتحدة في منتدى الدوحة.
وحتى أيمن الصفدي، وزير خارجية الأردن، ذلك البلد الذي لا يعرف عنه في العادة سوى الولاء للولايات المتحدة، صرح بأنه "يشعر بخيبة أمل شديدة" بسبب الفيتو الأمريكي. كما اشتكى الوزير من أن إسرائيل "تشعر بأن بإمكانها أن تفلت من المساءلة والمحاسبة على جرائم القتل التي ترتكبها. إنه بلد واحد يتحدى العالم بأسره، والعالم بأسره عاجز عن أن يفعل شيئاً بهذا الشأن".
إن الولايات المتحدة هي من منح "إسرائيل" تلك الحصانة من المساءلة والمحاسبة التي تحدث عنها الصفدي.
كل من تحدثت معهم في الدوحة وافقوا على أن الأمريكيين لم يعد بالإمكان الثقة بأهليتهم للقيام بدور الوساطة في محادثات السلام، رغم أنه لم يوجد اتفاق على ماذا أو من سوف يحل محل الولايات المتحدة في هذه المهمة.
إلا أن الصين بدأت تمد يدها. ففي واحدة من الندوات تحدث الدكتور هوياو وانغ، العضو السابق في مجلس الدولة في الجمهورية الشعبية، وطالب بنشر قوة سلام تابعة للأمم المتحدة في غزة.
عالم متعدد الأقطاب
كلمة السر في الدوحة كانت "التعددية القطبية"، وهي طريقة مهذبة في التعبير عن أن عصر الهيمنة الأمريكية قد ولى.
لابد أن ذلك كان أشبه بالموسيقى في آذان روسيا وإيران، وكلاهما مثلتا من خلال مداخلتين عبر الأونلاين، إحداهما لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأخرى لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.
بالنسبة للروسي لافروف، جاءت غزة هدية، لتنقذ روسيا من الخزي حول أوكرانيا تماماً بنفس الطريقة التي أنقذ فيها العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي روسيا من الخزي حول المجر في عام 1956.
لقد غيرت غزة من السياسة العالمية.
هيمن فشل المجتمع الدولي في التدخل في غزة على النقاش في الدوحة، وكان غوتيرش قد قدم تحليلاً ثاقباً حينما قال إن الإخفاق في الرد على الأحداث المريعة في غزة أفضى إلى انهيار ما يفترض أنه نظام عالمي ليبرالي أنشأته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
ودعا إلى إصلاح عاجل للكيانات الأمنية التي نشأت بعد الحرب، مشيراً إلى أن هذه الكيانات "ضعيفة، وقديمة، وعصية على التغيير رغم التغير الذي طرأ على الدنيا من حولها فظلت حبيسة أوضاع كانت قائمة قبل ثمانين عاماً".
وأضاف، من باب الاحتياط، إن مجلس الأمن "مشلول بفعل الانقسامات الجيوستراتيجية".
في انعطاف تاريخي مذهل، تقوم الديمقراطيات الليبرالية – التي انتحلت تلك الصفة من ذات نفسها– أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بتقويض صدقية النظام العالمي الليبرالي من خلال منح نتنياهو تفويضاً مطلقاً.
ها هو العالم يتغير بفضل شجاعة ومعاناة وتحمل الشعب الفلسطيني. وبينما ينال الخزي من الولايات المتحدة، ها هو أمين عام الأمم المتحدة يغدو صوت الفلسطينيين الأفصح على الساحة الدولية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة الإبادة الجماعية امريكا غزة الاحتلال إبادة جماعية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة الولایات المتحدة مجلس الأمن المتحدة فی فی الدوحة فی غزة
إقرأ أيضاً:
دعوة عاجلة لكسر الحصار ووقف المجاعة الجماعية.. غزة تُباد والعالم يتفرّج
وجّهت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا نداءً عاجلاً إلى المجتمع الدولي عبر رسائل رسمية أُرسلت إلى الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، إلى جانب عدد من الحكومات والبعثات الدبلوماسية، مطالبة باتخاذ إجراءات فورية وفعّالة لوقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان غزة.
وأكدت المنظمة في بيان لها أرسلت نسخة منه لـ "عربي21"، أن المجاعة الحالية ليست نتيجة كارثة طبيعية، بل سياسة متعمّدة ومنهجية بدأت منذ فرض الحصار الإسرائيلي الكلي على قطاع غزة في 2 مارس/آذار 2025. فمنذ ذلك التاريخ، مُنع دخول الغذاء والماء والوقود والأدوية، حتى حليب الأطفال، إلى أكثر من مليوني إنسان، في خرق صارخ للقانون الدولي الإنساني.
وأشارت المنظمة إلى أن المجاعة بدأت تُسفر عن وفيات فعلية، معظمها في صفوف الأطفال، وتُهدّد الآلاف بالمصير ذاته. ووصفت الوضع الإنساني في غزة بـ"الكارثي"، مؤكدة أن استمرار هذه الجرائم ما كان ليحدث لولا الدعم الغربي السافر للاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.
كما حذّرت من أن زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المرتقبة إلى منطقة الخليج، تُعد اختباراً لمدى استعداد دول الخليج لاستغلال نفوذها الاقتصادي في الضغط على واشنطن لوقف دعمها للاحتلال، مشيرة إلى استثمارات الخليج بالمليارات داخل الاقتصاد الأمريكي، التي يمكن استخدامها كوسيلة ضغط فعالة.
في السياق نفسه، شددت المنظمة على أن استمرار الاستثمارات الاقتصادية والتعاون الدولي مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، في ظل استمرار المجاعة الجماعية، يُعدّ تواطؤاً غير مباشر في الجريمة.
وانتقدت الرسائل شلل مجلس الأمن الدولي بسبب استخدام الولايات المتحدة المتكرر لحق النقض (الفيتو) لإجهاض أي قرار يدين الاحتلال أو يطالب برفع الحصار. واستحضرت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن دورتها الاستثنائية الطارئة العاشرة، والتي دعت إلى رفع الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية فوراً، لكنها لا تزال حبراً على ورق، دون تنفيذ فعلي على الأرض.
وبلهجة حادة، أكّدت المنظمة أنه في حال عدم تحرّك فوري لتطبيق هذه القرارات ـ ولو بالقوة عند الضرورة ـ فإن التاريخ لن يرحم المتقاعسين، داعية كل الهيئات والمنظمات الدولية إلى استخدام كافة الآليات القانونية بموجب القانون الدولي، لضمان حماية المدنيين ووصول المساعدات دون شروط.
وختمت المنظمة بيانها بالتأكيد على أن الوقت ينفد بسرعة، وأن "كل دقيقة تأخير تعني مزيداً من الضحايا"، مشددة على الواجب القانوني والأخلاقي لجميع الأطراف الدولية للتحرّك العاجل قبل فوات الأوان.
وأكدت أن ما يجري في غزة اليوم لم يعد فقط مأساة إنسانية، بل عار عالمي مدوٍّ، وسط صمت رسمي وعجز أممي.
ومنذ أكتوبر 2023، يشهد قطاع غزة واحدة من أشد الحروب تدميراً في تاريخه، أدّت إلى انهيار شبه كامل في البنية التحتية، واستفحال كارثة إنسانية غير مسبوقة. ومع دخول العام 2025، تصاعدت التحذيرات الدولية من خطر المجاعة الجماعية، وسط استمرار الحصار الكامل المفروض من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وتواطؤ دولي يكرّس شلل مجلس الأمن وفشل النظام الأممي في حماية المدنيين.