الوكالة الدولية للطاقة تدعو إلى تمويل تحول الطاقة في دول الجنوب
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
أشاد المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة فاتح بيرول أمس بتبني دول العالم التخلي عن الوقود الأحفوري خلال مؤتمر كوب28، معتبرا أن الجميع بات قادرًا على مساءلة الحكومات وقطاعات النفط والغاز في ما يتعلق بسياسات الطاقة الخاصة بها.
في مقابلة مع وكالة فرانس برس، رأى بيرول أن مؤتمر الأطراف حول المناخ "كوب28" في دبي لم يتناول تمويل تحول الطاقة في دول الجنوب وهو أمر أساسي لمكافحة الاحتباس الحراري العالمي.
وأشار إلى أن 200 دولة اتفقت على اتجاه نظام الطاقة العالمي. ومن الآن فصاعدًا سيتوجب على الحكومات وقطاع الطاقة والاستثمارات أن تقول بوضوح ما الذي ستفعله لتسريع التحول بعيدًا من الوقود الأحفوري في السنوات الست المقبلة. والآن سيكون من حق الجميع أن يسألوا رئيس شركة نفطية أو رئيس حكومة كيف ستساهم هذه القرارات في هذا التحرك.
وأوضح ان الوكالة حددت خمسة شروط لنجاح (مؤتمر الأطراف). ثلاثة منها تم قبولها، وهي مضاعفة النمو في الكفاءة في استخدام الطاقة وزيادة الطاقات المتجددة ثلاثة أضعاف وتراجع استخدام الوقود الأحفوري. وتمت مناقشة مسألة الميثان. وما ينقص إلى حد كبير هو كيفية مساعدة الدول النامية على تمويل تحولها إلى الطاقة النظيفة.
وقال ان الاتفاق يُعطي إشارة لا لبس فيها إلى المستثمرين مفادها: إذا واصلتم الاستثمار في الوقود الأحفوري، فقد تتعرضون لمخاطر تجارية جسيمة. إنها أيضًا إشارة للمستثمرين الى أن الطاقات النظيفة أكثر ربحية مما يمكن لكثيرين أن يتصوروا، موضحا ان ليس سكان لندن أو باريس وحدهم من يطلقون ناقوس الخطر بشأن تغير المناخ: يزداد عدد الناس في كل مكان من نيودلهي إلى جاكرتا الذين يرون ارتباط ذلك بالوقود الأحفوري وسيمثل ذلك مشكلة كبيرة بالنسبة لقطاع المحروقات والمستثمرين فيه.
وبين ان في اتفاق باريس (في العام 2015)، وصلت الاستثمارات العالمية في الطاقات النظيفة إلى ألف مليار دولار. هذا العام، وصلت إلى نحو ألفَي مليار. لكن هذا التقدّم يتعلق بالاقتصادات المتقدمة والصين، فالاستثمارات في سائر أنحاء العالم ثابتة، صفر نمو! إنها مشكلة يواجهها الجميع حتى لو وصلت أوروبا مثلًا إلى صفر انبعاثات، سيراوح تغير المناخ مكانه في حال حافظت الانبعاثات في الدول الأخرى على مسارها الحالي. الانبعاثات ليس لديها جواز سفر! هذا كان العنصر المفقود من مؤتمر كوب28.
وأكد ان هذا التمويل أولوية رئيسية للوكالة الدولية للطاقة في مؤتمر الأطراف حول المناخ "كوب29" (المحتمل أن يُعقد) في باكو. في ما يخصّ كيفية وضع الآليات المناسبة بدءًا بوسائل خفض تكلفة رأس المال وصولا إلى توفير تمويل ميسر من جانب المؤسسات الدولية سوف تقترح الوكالة سلسلة من التوصيات.
وعلى صعيد متصل أفادت الوكالة الدولية للطاقة بأن الطلب على الفحم العام الجاري سوف يكون أعلى من أي وقت مضى.
وأعلنت الوكالة في باريس أمس ، أن من المتوقع أن يرتفع الطلب على الفحم بواقع 1.4% في 2023 ليتجاوز حاجز الـ 8.5 مليار طن للمرة الأولى.
غير أنه نظرا لزيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، يتوقع الخبراء تراجعا بنسبة 2.3% في استخدام الوقود الأحفوري بحلول 2026 .
وهذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي تتوقع فيها الوكالة الدولية للطاقة تراجعا في استهلاك الفحم.
ووفقا للوكالة، هناك اختلافات كبيرة بين الدول الصناعية والناشئة فيما يتعلق بتطورات الطاقة العام الجاريز وعلى سبيل المثال، من المرجح أن يكون هناك انخفاض قياسي بواقع نحو 20 % في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأضافت الوكالة "من ناحية أخرى، مازال الطلب في الاقتصادات الناشئة والنامية قويا للغاية".
وتتوقع الوكالة زيادة بنسبة 8 % في الهند و5 % في الصين. ويرتفع الطلب في البلدين لتوليد المزيد من الكهرباء، في حين تنتج محطات الطاقة الكهرومائية طاقة أقل.
ورغم التراجع المتوقع، يعتقد الخبراء أن استهلاك الفحم سوف يظل أعلى من 8 مليار طن في السنة حتى عام 2026 .
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الوقود الأحفوری الدولیة للطاقة
إقرأ أيضاً:
تغيّر المناخ والنمو الاقتصادي.. العلاقة والفرص
يمر العالم بتغيرات مناخية وتطورات صناعية وتقنية توثر سلبا على الغطاء النباتي وعلى الصحة العامة وعلى نمو الاقتصادات أيضا؛ بسبب تركز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ونتيجة لذلك ينظر الباحثون والمحللون عموما إلى المناخ كأزمة وجودية تهدد الاقتصادات والمجتمعات على حدٍ سواء؛ للنظرة المختزلة لدى البعض بأن تغيّر المناخ في حد ذاته يعدُّ تحديا أمام التنمية الاقتصادية ويؤدي إلى حدوث إرباك في الخطط والاستراتيجيات، لكنه في رأيي ربما يكون سببا للتفكير في ابتكار نماذج اقتصادية حديثة للحد من آثار تغير المناخ وتحويل الأزمات البيئية الناجمة عن المناخ إلى فرص اقتصادية تحفّز ريادة الأعمال والابتكار؛ لإعادة ترتيب الاقتصاد العالمي، وهو ما يتفق مع رأي الاقتصادي جوزيف شومبيتر عندما أطلق على التغير المناخي مصطلح «الدمار الخلاق»، مشيرا إلى أنّ التغير المناخي والأزمات البيئية عموما يعد فرصة لقطاعات اقتصادية جديدة أكثر كفاءة واستدامة، وبالتالي فإن التحول إلى الاستدامة البيئية من خلال توظيف أدوات الاقتصاد الدائري هو الخيار الأفضل، ويعكس مبدأ تكلفة الفرصة البديلة في التحليل الاقتصادي.
اطلعت مؤخرا على دراسة أصدرها صندوق النقد الدولي قبل عدة سنوات بعنوان «التغير المناخي والنمو الاقتصادي في العالم العربي»، أكدت الدراسة على أهمية التخفيف من آثار التغير المناخي وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال تبني جملة من السياسات والاستراتيجيات التي تساعد على ذلك، وفي اعتقادي أن ما يعيق تحقيق ذلك في الوقت الحالي هو الطلب المرتفع على الطاقة مع تزايد أعداد السكان عالميا، ما قد يؤثر على النمو الاقتصادي نتيجة الانبعاثات الكربونية الناتجة عن إنتاج الطاقة، وهو ما يحفّز التوجه إلى الطاقة النظيفة المتجددة لتحقيق التنمية المستدامة بعيدة عن الاضطرابات البيئية وتغير المناخ، وبالتالي تحقيق بيئة صحية مستدامة، وأعتقد أن دعم المراكز البحثية بالأدوات التحليلية وتأهيل كوادرها البشرية هي حلول فاعلة للانتقال إلى الطاقة المتجددة.
إنّ التوجه نحو الاستثمار في تقنيات كفاءة استخدام الموارد الطبيعية مثل تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة يعدُّ خيارا استراتيجيا ويحد من المخاطر البيئية، ويعيد صياغة النموذج التنموي في سلطنة عُمان، ولذا نحن بحاجة إلى مزيدٍ من المبادرات المؤسسية والمجتمعية للتعامل مع أزمة المناخ وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض عبر تبني ممارسات تساعد على الحفاظ على مكونات البيئة الأساسية وهي النبات، والحيوان، والماء، والهواء، والتربة من خلال تشجيع المواطنين على التشجير أمام المنازل والتركيز على الأشجار التي تساعد على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، والتشجيع على الاستخدام الأمثل للمياه الذي يحافظ على كمية المياه ومنسوبها، إضافة إلى التشجيع على الاستخدام الأمثل للأراضي الزراعية وتجنب استخدام الأسمدة والمواد الكيماوية الضارة بالتربة، ومن الجيد دراسة مقترح منح المواطنين الراغبين والمهتمين بالجانب الزراعي أراضٍ زراعية للانتفاع بمساحات مختلفة؛ لتشجيعهم على الزراعة وزيادة رقعة المسطحات الخضراء في مختلف المواقع بسلطنة عُمان، ما يعكس القدرة على تحويل التحديات البيئية إلى ميزة تنافسية استراتيجية لسلطنة عُمان.
إنّ الصدمات الاقتصادية الناتجة عن تغيّر المناخ، يجب أن تشجّع المخططين والباحثين وتحفزهم على الاستفادة من التحولات الهيكلية في منظومة الاقتصاد التي يفرضها المناخ واضطراباته والتحديات البيئية المرتبطة، وتبني مشاريع الاقتصاد الدائري التي تشجع على الاستدامة البيئية بحيث يتم جلب مزيدٍ من الاستثمارات التي تساعد على الوقاية من مخاطر تغير المناخ، وبدورها ستسهم في النمو الاقتصادي من خلال توفير الوظائف النوعية، ودعم ريادة الأعمال، إضافة إلى دورها في تشجيع الابتكار المحلي ودعم المحتوى المحلي، لذلك أعتقد أن تغيرات المناخ تتطلب مبادرات أكثر تأثيرا مجتمعيا ومؤسسيا بحيث يتم تحويل التحديات إلى فرص استثمارية وهو ما ينسجم مع توجهات «رؤية عُمان 2040» التي تضع البيئة المستدامة من أولوياتها؛ خاصة أن سلطنة عُمان تملك الخبرة الواسعة في التعامل مع التحديات المناخية لا سيّما الحالات الجوية التي تأثرت بها أجواء سلطنة عُمان خلال الأعوام السابقة.
إن التغيّر المناخي يجعلنا نفكر بجدية في المضي قدما نحو وضع سياسات واستراتيجيات تمكننا من الاستثمار بجرأة في الطاقة النظيفة والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، وأن ننظر إلى التغير المناخي كفرصة لتعزيز الميزة التنافسية للاستثمارات في سلطنة عُمان؛ لتكون مركزا لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره بحيث توازي الاستثمارات المهمة في طاقة النفط والغاز، وأعتقد أن الطلب على الطاقة منخفضة الكربون ستزداد خلال السنوات المقبلة مع تشديد السياسات المناخية في بعض أجزاء العالم مثل أوروبا التي تجمعها علاقات اقتصادية متينة مع سلطنة عُمان.