البوابة نيوز:
2025-05-23@09:52:13 GMT

الجهل المُرَكَّب

تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT

نحن جهلاء، لكننا لا نعرف أننا كذلك؛ بل نفخر بجهلنا ونعتز، ظنًا منا أن ما نملكه من علم إنما هو العلم الذي ينفع، أما العلوم التي توصلت إليها المجتمعات المتقدمة في أوروبا وأمريكا، فهي علوم لا تنفع. نحن في واقع الأمر بإزاء حالة من «الجهل المُرَكَّب»، وهو مختلف تمام الاختلاف عن «الجهل البسيط». فالمرء الذي يدرك أنه جاهل ويسعى للتخلص من جهله ساعيًا لتحصيل العلم والمعرفة؛ فإن جهله في هذه الحالة يكون جهلًا بسيطًا يسهل التخلص منه.

أما صاحب «الجهل المُرَكَّب» فمن العسير، إن لم يكن من المستحيل، الخلاص مما هو فيه من جهل وتخلف، وذلك للأسباب الآتية:

أولًا: هو لا يدرك أنه جاهل، ولا يعترف بأنه كذلك؛ بل على العكس، إنه يؤمن إيمانًا جازمًا بأنه يملك من العلم ما لا يملكه غيره.

ثانيًا: إنه يعيش حالة من الرضا بجهله والاعتزاز به؛ اعتقادًا منه أنه على حق وكل من يخالفه على باطل. ويملؤه الشعور بالتفرد لظنه أنه من الفرقة الناجية التي فازت بخير الدنيا وثواب الآخرة، إنه على يقين من امتلاكه الحقيقة المطلقة، ولا يساوره أدنى شك بصحة ما يعتقد، وتغمره الغبطة ويختال فخرًا بما يملك!

ثالثًا: إن اغتباطه بجهله، واعتقاده بأنه دومًا على حق؛ يمثل أقوى حائط صد في وجه أي تقدم أو رقي.

رابعًا: الجاهل جهلًا مركبًا نشأ خلال سنوات عمره الأولى في ظل بيئة أكسبته منذ الصغر كثيرًا من الأفكار المعتمة والقيم المتدنية والتوجهات الخاطئة.

خامسًا: إن «الجهل المُرَكَّب» لا يضم البسطاء من عامة الناس فحسب، بل يضم تحت مظلته أيضًا – وعلى نطاق واسع – شخصيات، تبدو للوهلة الأولى، أنها تملك علمًا غزيرًا، منها من هو أستاذ جامعى وطبيب ومهندس ومحامٍ... إلخ. في حين أن النظرة المدققة الفاحصة تكشف أن الجهل المُرَكَّب يشكل البنية العقلية لهذه الشخصيات. فنجد أستاذًا في العلوم النووية بإحدى الجامعات المصرية أو العربية، لا يقل حنكة وعلمًا عن نظيره الأمريكي أو الإنجليزي، في حين أن صفحته على الفيسبوك – مثلًا – تكشف عن جهله المركب المتمثل في انقياده الأعمى ويقينه المطلق بصحة آراء وأفكار ومعتقدات عفَى عليها الزمن.

سادسًا: إنه من العسير إن لم يكن من المستحيل أن يتخلى صاحب الجهل المُرَكَّب عن معتقداته التي  نشأ وتربى عليها في سنوات عمره المبكرة، وهو يتوهم أن تلك المعتقدات التي يؤمن بها إنما اعتنقها وآمن بها بعد تأمل طويل وعميق، وأنه توصل إلى هذه المعتقدات بنفسه، بل قد يصل الحال بذلك الشخص إلى الاعتقاد الجازم بأن أفكاره ومعتقداته واضحة وضوحًا ذاتيًا، وأنها ترقى إلى درجة البديهيات والمسلمات بسبب ما تتحلى به – في نظره – من وضوح وصواب؛ ولهذا السبب فإن العلوم التي يتلقاها بعد ذلك في المدارس والجامعات تبقى طلاءً خارجيًا لا تأثير له على جوهر بنيته العقلية والوجدانية والأخلاقية، ومهما حصَّل من معارف وعلوم يظل جهله مركبًا.

سابعًا: ليس من الصواب وصف صاحب «الجهل المُرَكَّب» بأنه «متخلف»، لأن مفهوم «التخلف» يعطي انطباعًا مضللًا بأن صاحب «الجهل المُرَكَّب» يسعى للخروج من حالة الجهل التي هو عليها، كي يلحق بأصحاب العلم والمعرفة الذين سبقوه. وهذا عكس الواقع إذ إنه يدور في المكان نفسه؛ راضيًا بجهله سعيدًا به، ولا يرغب في التخلص منه؛ لذلك يبقى حيث هو. إن صاحب «الجهل المُرَكَّب» يعيش حالة أدنى من حالة التخلف، ويُعَد «التخلف» مرحلة أفضل، حيث إنها متقدمة قياسًا بحالة الدوران الثابت والتمحور حول الذات، والتي لا يتجاوز فيها صاحب «الجهل المُرَكَّب» مكانه. ومهما زعم أنه منكب على مكتبه يقرأ ليل نهار؛ فسيظل أقرب إلى الحمار الذي يحمل أثقالًا.

ثامنًا: إن صاحب «الجهل المُرَكَّب» الذي يُظْهِر عجزًا دائمًا عن اكتساب الروح النقدية، ويعيش حالة ركود عقلي مستمر، أو يعيش تقهقرًا متصلًا عن مسيرة الحضارة العالمية، لا يستحق أن يُوْصَف بأنه «متخلف»؛ لأن هذا الوصف ينطوي على كثير من المدح والمجاملة، وتزييف الواقع وتجميل الصورة.

تاسعًا: إن وصف صاحب «الجهل المُرَكَّب» بالتخلف يوحي بحرصه على التقدم نحو الأمام، فكأن المتخلف يركض نحو الأمام ليلحق بمن سبقه؛ لكنه لم يتمكن بعد من اللحاق به، وهذا يشير إلى أنه سوف يلحق به في وقت لاحق. وإذا كان هذا الوصف يصدق – مرةً – على الحالة الفردية الخاصة بالشخص صاحب «الجهل المُرَكَّب»، فإنه يصدق – مرات – على واقع حال مجتمعاتنا العربية والإسلامية. يكمن الوهم والضلال في أن وصف هذه المجتمعات بأنها «متخلفة» يوحي بأن المتقدمين والمتخلفين ينطلقون من نفس المنطلقات، وأنهم يسيرون معًا في الطريق نفسه، وأن لهم الرؤى نفسها، وأنهم يسعون لتحقيق الأهداف ذاتها، وأن قيمًا واحدة تحركهم جميعًا، وأن كل ما في الأمر أن المتقدمين سبقوا غيرهم في بداية الركض، وأن هذه الميزة هى التي مكنتهم من السبق، وأن الزمن كفيل بأن يطوي هذا الفارق. لكن أية مراجعة لثقافات الازدهار التي تتحلى بها المجتمعات المتقدمة، وثقافات الركود التي تجثم على صدور مجتمعاتنا العربية؛ تكشف بأن الاختلاف بين المزدهرين والمتخلفين ليست كمية وإنما هي كيفية، إن التخلف لا يعود إلى التأخر في بداية الانطلاق؛ وإنما يرجع إلى الجهل بنقطة البداية أو الرفض الصريح أو الضمني لهذه البداية. (إبراهيم البليهي، حصون التخلف – موانع النهوض في حوارات ومكاشفات، ص ص 148 – 149) 

إن حالة «الجهل المُرَكَّب» ليست حالة عابرة، وإنما هى بنية قوية متماسكة تملك من الصلابة والرسوخ، ومن متانة التحصينات وقوة الرفض ودوام المقاومة ما يضمن لها القوة والاستمرار، إنها تغلق الأبواب والنوافذ وتوصد الأذهان والوجدان، وتحرس نفسها حراسة مشدَّدة لا تسمح للضوء أن ينفذ، ولا للفكر أن يستيقظ، ولا المعرفة أن تنمو، فيبقى الناس سعداء بما هم عليه متوجسين من حسد الحاسدين وكيد الحاقدين وتآمر المتآمرين، هكذا يتوهم من يظنون أنهم خير أمة أخرجت للناس، وأن أوروبا وأمريكا هي مجتمعات فاسدة ومنحلة. إن المجتمع المتخلف يرى أنه البقعة المضيئة في الأرض، وأن غيرها من المجتمعات الأخرى؛ حتى أشدها ازدهارًا تعيش في ظلام حالك، وأنها تختزن حقدًا متأججًا وتتمنى طمس هذا الضوء الاستثنائي. وبهذا الاغتباط الغامر بما هو قائم؛ يستحيل على المجتمع المتخلف أن يتزحزح عن مواقعه أو أن يتقدم، بل إن حركته - إن حدثت - فإنها تكون في الغالب نحو الخلف والمزيد من تقوية استحكامات بنية التخلف، والانكفاء على الذات، ومواصلة تأكيد أوهام التميز والتفرد، والإصرار على تعليق العجز على مؤامرات الأعداء؛ لتبقى الذات بريئة من الخطأ والتقصير. (المرجع السابق، ص 149)

بقى أن نقول إننا فى مسيس الحاجة لفحص أفكارنا ومعتقداتنا فحصًا نقديًا، كى نفهم مصدر تلك الأفكار القابعة داخل رؤوسنا، من أين جاءت؟ وكيف تكونت؟ وهل نحن الذين نملكها أم هي التي تملكنا؟ وعلينا أن نفرز الصائب من الباطل منها، ونميِّز بين الجيد والرديء. فإذا كانت الفكرة جيدة نُبْقِيها، أما إذا كانت رديئة فنطرحها جانبًا؛ لأن أفكارنا ومعتقداتنا هي التي توجه طريقة سيرنا: إما إلى سكة السلامة أو إلى سكة الندامة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أوروبا

إقرأ أيضاً:

خريطة أشبيلية.. الشرارة التي تصدّى بها أردوغان لخرائط أوروبا

لا يقتصر الارتباط التركي بليبيا على الأبعاد التاريخية، والثقافية، والديمغرافية المتمازجة، بل يتعدى ذلك كله إلى نواحٍ جيوستراتيجية تتعلق بمصالح البلدين معًا، وقدرتهما على تعظيم نصيبهما من ثروات المنطقة المحيطة بهما.

فليبيا تتشابه مع سوريا من حيث الأهمية الإستراتيجية بالنسبة إلى تركيا، فكما تمثّل سوريا عمقًا إستراتيجيًا مهمًا للأناضول، وتؤثّر بشكل مباشر على أمنه واستقراره، فكذلك الحال بالنسبة إلى ليبيا، التي تعدّ عمقًا إستراتيجيًا بحريًا مهمًا لتركيا، كما سيأتي شرحه بالتفصيل.

لكن ليبيا تعيش اليوم على وقع اضطرابات أمنية منذ مساء الاثنين 12 مايو/ أيار الجاري، إثر مقتل رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي عبدالغني الككلي "غنيوة"، في العاصمة طرابلس، تزامنًا مع اشتباكات قوّات تابعة لجهاز دعم الاستقرار، وأخرى من "اللواء 444 قتال" التابع لوزارة الدفاع.

ورغم أنّ رئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة، شكر في صباح اليوم التالي قوات الجيش والشرطة على "ما حققوه من إنجاز كبير في بسط الأمن وفرض سلطة الدولة في العاصمة"، فإن الاشتباكات سرعان ما تجددت مرة أخرى، قبل أن تعلن وزارة الدفاع بحكومة الوحدة في طرابلس وقفًا لإطلاق النار، ونشر قوات نظامية محايدة في نقاط التماس.

إعلان

هذه الهشاشة الأمنية دفعت بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، إلى تشكيل "لجنة للهدنة"، بالتعاون مع المجلس الرئاسي الليبي، وذلك لرعاية وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصل إليه.

الاضطراب لم يقتصر على الأوضاع الأمنية، بل امتدّ إلى الفضاء السياسي، حيث حاول البرلمان الموجود في الشرق، والذي يترأسه عقيلة صالح، التمدد صوب الغرب، حيث توجد حكومة الدبيبة المعترف بها دوليًا، حيث أعلن عن فرز ملفات مرشحين لتولي رئاسة الحكومة، وذلك بالتعاون مع المجلس الأعلى للدولة الذي يوجد في طرابلس، ويترأسه خالد المشري.

كما شهدت العاصمة الليبية، مظاهرات شعبية طالبت برحيل الدبيبة، فيما أشارت تقارير صحفية إلى استقالة وزراء ونواب وزراء.

هذا الاضطراب فتح الباب على مصراعيه على جميع السيناريوهات، التي يمكن أن تعصف ببلد يعاني أصلًا من الانقسام الجهوي، وتتنازعه حكومتان، إحداهما في الغرب بقيادة الدبيبة وتحظى باعتراف دولي، والثانية في الشرق برئاسة أسامة حماد، وتحظى بدعم القوات المسلحة التي يتزعمها، خليفة حفتر وأبناؤه.

ونظرًا للانخراط التركي في الأزمة منذ سنوات عبر اتفاقيات، ووجود عسكري وازن، كان التساؤل عما يمكن أن تقدمه أنقرة لاحتواء الأزمة، والبدائل التي بحوزتها للحيلولة دون دخول البلاد في فوضى، تعصف بأمنها واستقرارها، وتؤثر على المصالح الإستراتيجية التركية هناك.

الأهمية الإستراتيجية لليبيا

لعبت المذكرة التي وقّعتها تركيا مع حكومة رئيس الوزراء السابق، فايز السراج، والمعروفة باسم "مذكرة التفاهم بشأن ترسيم صلاحيات المساحات البحرية" دورًا محوريًا في إعادة تموضع تركيا في البحر المتوسط، بعد عقود من العزلة الإجبارية، ومحاولة حرمانها من ثروات شرق البحر المتوسط.

ففي عام 2004، نشر الأستاذان في جامعة إشبيلية الإسبانية، خوان لويس سواريز دي فيفيرو، وخوان كارلوس رودريغز ماتيوس، دراسة تحت عنوان: "أوروبا البحرية وتوسيع عضوية الاتحاد: آفاق جيوسياسية"، حوت خريطة للوضع البحري لدول كانت تريد الانضمام آنذاك للاتحاد، مثل؛ رومانيا، وبلغاريا، وكرواتيا، وتركيا.

إعلان

حوَت تلك الدراسة خريطة عرفت لاحقًا باسم "خريطة إشبيلية" منحت تركيا منطقة بحرية ضيقة محصورة في سواحل أنطاليا، رغم أنها صاحبة أطول ساحلٍ شرقَ المتوسط، في وقت منحت فيه لكل جزيرة يونانية منطقة اقتصادية خالصة بطول 370 كيلومترًا، ومنها جزيرة كاستيلوريزو (ميس) التي تبعد عن السواحل التركية بكيلومترين فقط، فيما يفصلها عن السواحل اليونانية نحو 580 كيلومترًا!

هنا جاءت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، لتمنح أنقرة صكًا قويًا في المطالبة بحقوقها، خاصة في ثروات شرق المتوسط، بعد حصولها على منطقة اقتصادية خالصة تقدر بآلاف الكيلومترات وفق الاتفاق.

ففي دراسة نشرتها دائرة الاتصالات برئاسة الجمهورية التركية عام 2020، بعنوان: "خطوة إستراتيجية في معادلة شرقي المتوسط"، اعتبرت أن الاتفاقية، تعد الأولى من نوعها التي توقّعها تركيا مع دولة مطلة على البحر المتوسط غير قبرص التركية، فيما يخصّ مواضيع الجرف القاري/ المناطق الاقتصادية الخالصة.

كما أضافت الدراسة أن الاتفاقية حافظت على حقوق كلٍّ من تركيا، وليبيا في البحر المتوسط، ومكّنت أنقرة من إرسال رسالة بأنها "لن تسمح بالأمر الواقع في المنطقة".

لكل هذا لم يكن من المنتظر أن تكتفي أنقرة بالمراقبة والمتابعة، خاصة مع احتفاظها بقوات لها في المنطقة الغربية، وفقًا لمذكرة التعاون الأمني والعسكري الموقعة عام 2019.

البدائل التركية لحل الأزمة

رغم أن تركيا تعد حليفًا رسميًا للحكومة الليبية في الغرب، ودعمتها عسكريًا في صد عدوان حفتر والدول الداعمة له على العاصمة طرابلس، في يونيو/ حزيران 2020، بعد أكثر من سنة من بدء الهجوم حينها، فإن أنقرة عملت في السنوات اللاحقة على التواصل مع القائد العسكري، خليفة حفتر في الشرق، ما قاد إلى زيارة نجله، صدام حفتر، العاصمة التركية أنقرة في أبريل/ نيسان الماضي، حيث استقبله وزير الدفاع التركي، يشار غولار، وقائد القوات البرية، سلجوق بيرقدارأوغلو.

إعلان

فيما وقّع نجله الثاني، بلقاسم خليفة حفتر، مدير صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، عقودًا مع شركات تركية لتنفيذ مشاريع تخصّ البنية التحتية والإنشاءات.

إضافة إلى ذلك، تطوُّر العلاقات التركية المصرية، بعد أن وصلت إلى حد المواجهة العسكرية في ليبيا عام 2020.

لكل ما سبق فإنه من الطبيعي أن تختلف الإستراتيجية التركية المتبعة عما كانت عليه قبل نحو خمس سنوات، حيث تتّجه سياسة أنقرة إلى اتباع سياسة "إدارة الخلافات" مع الدول الصديقة، بما لا يسمح بتدهور العلاقات البينية، ويحافظ على المصالح المشتركة.

ففي حوار صحفي لوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، نشرته مجلة "جون أفريك" منتصف مايو/ أيار الجاري، أفصح فيدان عن إستراتيجية بلاده لمواجهة أزمة الانقسام، وكيفية إعادة اللحمة بين مكونات الشعب الليبي، على النحو التالي:

أولًا: الاتفاق على تشكيل حكومة مرضية لكلا الجانبين، تمهّد لاستحقاق الانتخابات، معربًا عن رفضه إجراء الانتخابات دون "نضج عملية سياسية".

واعتبر فيدان أن إجراء الانتخابات في ظل الأجواء الحالية قد يكون "محل تنافس بين المعسكرين الشرقي والغربي"، أي أنها ستتحول إلى تنافسية جهوية وليست بين مكونات شعب واحد، مؤكدًا أن أنقرة تعمل على التمكين لذلك الخيار.

ثانيًا: اعتماد أسلوب الحوار مع القوى المؤثرة في المشهد الليبي للحيلولة دون تجدد المواجهات العسكرية مرة أخرى، حيث قال فيدان: "نتحدث بانتظام مع روسيا وشركائنا الليبيين في الشرق. كانت أولويتنا على مدى السنوات الخمس الماضية تجنب المواجهة العسكرية بين الشرق والغرب".

والملاحظة المهمة هنا وصْفه القوى السياسية والعسكرية الموجودة في الشرق الليبي بـ "الشركاء"، ما يعني أن تركيا نجحت في تجسير العلاقة بعد سنوات قليلة من توقف المواجهات العسكرية، بل وأعادت تعريف القوى الفاعلة في الشرق.

إعلان

ما يعني أن تموضعها الحالي بين الغرب والشرق، يتيح لها القيام بدور فعال في الوساطة بين الجانبين لإنهاء الانقسام وتوحيد الجيش والأجهزة الأمنية، وهذا تقدم مهم يحسب للدبلوماسية التركية.

ثالثًا: التحذير من المزيد من العسكرة، وإشارة فيدان هنا إلى القوات الروسية، التي لوحظ نقلها جزءًا من آلياتها وعتادها العسكري من سوريا إلى ليبيا، عقب سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

فالإستراتيجية التركية بشكل عام تعمل على إفراغ المنطقة من القوات الأجنبية، حيث تبذل جهودًا كبيرة لإقناع واشنطن بسحب قواتها من سوريا، وهُرعت إلى تشكيل آلية أمنية مشتركة مع الأردن وسوريا، لسد فراغ القوات الأميركية عقب رحيلها، لمواجهة تنظيم الدولة ومنع تمدده مجددًا.

التعاون الإقليمي

على ذات النسق السوري، قد تعمل تركيا في الملف الليبي، على تخفيف أو إنهاء الوجود العسكري الروسي، وإعادة توحيد البلاد عبر آلية إقليمية تراعي المصالح الإستراتيجية لدول الجوار الليبي.

وفي تقديري، فإن تركيا تحتاج هنا إلى التنسيق مع مصر، من خلال تأسيس حوار إستراتيجي معمق بشأن إنهاء الأزمة الليبية.

فالعلاقات بين أنقرة والقاهرة تشهد نموًا مطردًا، بحيث تجاوزت النطاق الاقتصادي، إلى نطاقات أخرى إستراتيجية وعسكرية، حيث زار رئيس أركان الجيش المصري، أحمد فتحي خليفة، تركيا، والتقى نظيره، متين غوراك، الشهر الجاري، وعقد الطرفان الاجتماع الأول للحوار العسكري رفيع المستوى بين البلدين، والمخطط تنظيمه سنويًا على مستوى رئاسة أركان الدولتين.

مثل هذه الاجتماعات يمكن تكرارها على مستوى وزارتَي الخارجية، وجهازَي الاستخبارات في البلدين، للوصول إلى رؤى مشتركة لحل أزمات المنطقة الملتهبة في ليبيا، وغزة، والسودان، وغيرها.

الخلاصة

إن الهدوء الذي تعيشه ليبيا هذه الأيام، هو هدوء هشّ، قد ينهار في أي لحظة سواء في طرابلس، أو بين الشرق والغرب، ومن الأهمية بمكان أن تتخذ تركيا -ذات التموضع المتميز داخل ليبيا- خطوات استباقية لنزع فتيل الأزمة، واتّخاذ خطوات جادّة، مع الشركاء المحليين ودول الجوار، لإعادة الوحدة للدولة الممزقة، ودمج المؤسّسات المنقسمة، والحيلولة دون تجدّد القتال.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • خريطة أشبيلية.. الشرارة التي تصدّى بها أردوغان لخرائط أوروبا
  • ما تفسير رموز الحيوانات في الفنجان ودلالاتها
  • الوحدة التي يخافونها..!!
  • صاحب السمو يستقبل الأمير رحيم آغا خان الخامس
  • مصر.. كشف اسم وألقاب صاحب مقبرة أثرية في الأقصر
  • إنقاذ 48 كلبا من جحيم شقة في نيويورك
  • بيان لمحافظة القاهرة حول الهزة الأرضية التي شعر بها مواطنون
  • كيف لي أن أبدد مخاوفها وهي التي تظن أنني سأتركها بسبب مرضها؟
  • روبيو: عدد التأشيرات التي ألغتها أميركا يقدر بالآلاف
  • رئيس جامعة الأزهر: نواجه تحديات لا حصر لها.. ولا مكان للكسل والتخلف