الوطن:
2025-05-15@19:20:46 GMT

مقومات الإسلام (8)

تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT

مقومات الإسلام (8)

الأخلاق: إذا كانتِ الفطرةُ البشريةُ فى صورتِها السليمةِ تُميّزُ الخيرَ مِن الشرِّ، وتدركُ الخُلُقَ السليمَ مِن غيره، فإنَّ الإسلامَ لم يقفْ عندَ هذا المشترَكِ البشريِّ العامِّ، وإنما جعلَ الأخلاقَ مِن الدينِ فهىَ أحدُ مُقوّماتِه الثلاثةِ؛ العقيدةِ والأحكامِ والأخلاقِ، بل إنَّ سيدَنا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جعَلَ غايةَ بعثتِهِ تَتميمَ محاسِنِ الأخلاقِ فقالَ: «إنَّما بُعثتُ لأُتممَ صالحَ الأخلاقِ» [رواه أحمد].

وفى روايةٍ: «مكارمَ الأخلاقِ» [رواه البَزَّارُ والبَيْهَقىُّ].

والأخلاقُ ثمرةٌ للمقوّمَيْنِ الآخريْنِ، وبالتالى فهىَ دلالةٌ على كمالِهِما بحيثُ يُثمرانِ ثمرةً طيبةً.

أما بالنسبةِ للجانبِ العَقَديِّ المتمثّلِ فى الإيمانِ فيقولُ صلى الله عليه وسلم: «أكمَلُ المؤمنين إيماناً أحسنُهُم خُلُقاً» [أبو داود]، وهذا صريحٌ فى أنَّ الأخلاقَ ثمرةٌ للإيمان ودليلٌ على كمالِهِ، ومِن هذا أيضاً قولُه صلى الله عليه وسلم: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» [أحمد]، فغيرُ الأمينِ ناقصُ الإيمانِ، والغادرُ ناقصُ الدين، وقولُه صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ [أى: لا يؤمنُ إيماناً كاملاً] حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» [متفق عليه]، ومثلُه حديث: «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِى لاَ يَأْمَنُ جَارهُ بَوَائِقَهُ [أى: شُرورهُ]» [البخارى].

وأما بالنسبةِ لجانبِ الأحكامِ فالعباداتُ تربَأُ بصاحبِهَا عن الدنايا وتُرقّيهِ، فالصلاةُ تَنْهى صاحبَها عن ارتكابِ القبائحِ والمنكراتِ {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، والصدقةُ تطهرُ النفوسَ من الشُّحِّ والبخلِ والطمعِ، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، والصيامُ يجعلُ النفسَ تقيةً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والحجُّ يُبعدُ الحجيجَ عن معاصى القولِ والفعلِ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ}، فالمسلمُ منهيٌ فى كلِّ حينٍ عن الكلامِ الفاحشِ، والمعاصى، والجدالِ، والنهيُ عن ذلكَ أشدُّ عندَ التلبسِ بعبادةِ الحجِّ.

والمعاملاتُ تقومُ على الأخلاقِ الحسنةِ كما تقومُ على الأحكامِ قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}، فجمَعَ سبحانه بينَ الأمرِ (بالعدلِ) الذى تضبطُهُ الأحكامُ، و(الإحسانِ) النابتِ من التزكيةِ والأخلاقِ، وقال سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» [البخارى]، فالتعاملاتُ ينبغى ألَّا تنفكَّ عن الأخلاقِ الحسنَةِ، وإذا كانتِ الشريعةُ تحفظُ الدينَ والنفسَ والعقلَ والعِرضَ والمالَ، فأحكامُها إذنْ تقومُ على الأخلاقِ التى بها يُراعِى المسلمُ هذا فيمَنْ حولَهُ.

وكونُ الأخلاقِ مِن الدِّينِ وثمرةً لعقيدتِهِ وأحكامِهِ هذا يضمنُ أنْ تكونَ الأخلاقُ ثابتةً منضطبةً مطلقةً لا نِسبيةَ فيها، ولا تَغيّرَ يَعترِيها.

فالمسلمُ أخلاقُهُ واحدةٌ مَع أوليائِهِ وأعدائِهِ، معَ البشَرِ وغيرِهِم، وها هو قاضى القضاةِ تاجُ الدينِ السبكىُّ يقول: كنتُ يوماً فى دهليزِ دارِنا فى جماعةٍ، فمرَّ بنا كلبٌ يَقطُرُ ماءً يَكادُ يمسُّ ثيابَنا، فنَهرتُهُ وقلتُ: يا كلب يا ابنَ الكلبِ، وإذا بالشيخِ الإمامِ -يعنى والدهُ الشيخَ تقىَّ الدينِ السبكى- يسمعُنا مِن داخلٍ، فلمَّا خرجَ قال: لِمَ شتمتَهُ؟! فقلتُ: ما قلتُ إِلَّا حقاً، أليسَ هو بكلبٍ ابنِ كلبٍ؟ فقال: هوَ كذلكَ إِلَّا أَنَّكَ أخرجتَ الكلامَ فى مخرجِ الشتمِ والإهانةِ، ولا يَنبغى ذلكَ!

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الإسلام صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

أمين الفتوى يوضح الفرق بين الدين والتدين

أكد الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أنه من الضروري التفريق بين كلمة "الدين" وكلمة "التدين"، مشيرًا إلى أن هذا الفرق يوضح كثيرًا من المفاهيم المغلوطة التي يقع فيها الناس عند الحكم على الآخرين أو فهم الأحكام الشرعية.

وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال فتوى له، اليوم الخميس، أن الدين هو مجموعة الأوامر والنواهي التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على ألسنة الأنبياء والرسل، وتشمل العقائد والشرائع والسلوك، بينما التدين هو التطبيق العملي والفردي لهذه الأوامر والنواهي، وقد تختلف صورته من شخص لآخر حسب التزامه وفهمه وسلوكه.

أفضل أدعية للمتوفى.. رددها الآن واجعل قبره روضة من رياض الجنةهل عدم استجابة الدعاء دليل على غضب الله من العبد؟.. رد حاسم لـ الإفتاء

وأضاف أن العقائد تشمل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهي أمور وردت صريحة في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون…".
أما الشرائع فهي العبادات كالصلاة والصيام والزكاة والحج، والمعاملات، والأحوال الشخصية كالزواج والطلاق، وكلها تشكل الإطار العملي للدين.

وأشار إلى أن هذه الأركان قد جمعت في حديث جبريل المشهور، حين سأل النبي ﷺ عن الإيمان، الإسلام، والإحسان، وبيّن النبي ﷺ أن هذه الأمور الثلاثة هي جوهر الدين الذي جاء به الإسلام، مؤكدًا أن الدين ليس سلوك الأفراد فقط، بل هو منظومة متكاملة من العقيدة والعبادة والأخلاق.

وتابع: "التصرفات الفردية لا تمثل الدين في ذاته، لذلك يجب أن نميز بين ما هو وحي إلهي ملزم، وبين ما هو اجتهاد بشري قابل للصواب والخطأ، الدين من عند الله.. أما التدين فهو من تصرفات البشر".

طباعة شارك الفرق بين الدين والتدين التدين الدين هو مجموعة الأوامر والنواهي

مقالات مشابهة

  • أمين الفتوى يوضح الفرق بين الدين والتدين
  • الصلاة ودلائل القرب من الله
  • هل عدم استجابة الدعاء دليل على غضب الله من العبد؟.. رد حاسم لـ الإفتاء
  • ما فضل أيام العشر من ذي الحجة؟
  • دعاء الزلزال كما ورد عن النبي .. ردده وطمئن قلبك
  • دعاء الزلازل .. ردده يحميك من شهر الهزات الأرضية وموت الفجأة
  • علي جمعة: الإسلام علّم الإنسانية مبادئ الحرب الرحيمة
  • "البيئة وضرورة الحفاظ عليها.. الماء والهواء نموذجا" فعاليات الأسبوع الثقافي بأوقاف الفيوم 
  • إرشادات دقيقة لأداء مناسك الحج والعمرة كما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم
  • كيف نظم الإسلام سلوك المسلم في مجلسه مع الآخرين؟.. علي جمعة يوضح