لجريدة عمان:
2025-07-12@15:20:46 GMT

نوافذ: أن نعود لا أحد!

تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT

«كيف يمكنك أن تنزع نفسك من سيلان الحياة اليومية إلى الحياة الباطنية؟ كيف يُمكنك الاختفاء؟»، هكذا طُرح السؤال في إحدى أمسيات السهر، فتباينت الآراء، كان هنالك من يختفي بإغلاق هاتفه أو بالسفر أو حتى بإغلاق عينيه عن ضجيج الحياة. بينما كان جوابي: الاتصال بشيء حميمي يربطني بطفولتي، الغوص لما يقرب الدقيقة في «الجباة» الصافية، إبقاء الرأس تحت ظلمة بطانية بنية للتحدث إلى شخصيات مُتخيلة، الحديث الخافت فوق سطح البيت مع النخلات المشرئبة، النهوض الباكر بعد ليال ممطرة لنفض أغصان الشجر كمن ينفض ثوبا مبلولا.

. كانت هذه طُرقي الطفولية للاختفاء العذب وللتخفف من ثقل الذات، ولا أدري إن كان بحوزتنا الآن أساليب لافتة للتواري عن ذواتنا!

لنا أن نتصور أنّ الانسحاب -أحيانا- هو وسيلة للحفاظ على الذات، تلك الطريقة الغامضة في الانحدار من مرتبة «الشخص إلى مرتبة القناع، إبطاء تدفق الأفكار إلى الامحاء التام، أن نعود لا أحد!»

هكذا يُفزعنا دافيد لوبروتون في كتابه «اختفاء الذات عن نفسها»، ترجمة: زكية البدور، دار صفحة سبعة، إذ يحدثُ كل هذا من أجل تسطيح سُمك الحقيقة التي لا نقدر على مسايرة تدفقها المرير، كما هو الحال مع تصاعد وتيرة الأحداث في فلسطين الآن. فهنالك من سيراهنُ على اختفائك واعتيادك وتلاشيك من مركز الصورة، وهنالك من سينتظرك أن تُحدث تغييرا -وإن بدا لك ضئيلا- عبر التضامن المستمر!

لكن عندما نُعاني من صعوبة في القدرة على تغيير الأشياء من حولنا فإننا نميل إلى الاختفاء، الاختفاء بالذهاب إلى بواطننا أو بالذهاب إلى الخارج دون ترك عناوين تدل علينا!

تُلقي التوترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بثقلها على المرء في مواجهات شرسة مع الحياة، كمن يواجه شراسة الغابات الموحشة، «فلم يعد الإنسان اليوم محميا بإطار سياسي يثبتُ فيه نفسه ضمن نضال مشترك، كما أنّه لم يعد محميا بثقافة مصير يقتسمه مع آخرين»، لقد تُرك ليهنأ بفرديته!

هذا بالضرورة لا يعني اختفاء الذات الفردية من المشهد الكبير، بل محاولة ألا نكون مجرد ببغاوات للإعلام ووسائل السوشال ميديا، تلك التي تُمارس حضورها العبثي دون فهم أو وعي، عبر تقمص هش لرأي الآخر، لترديد سردية جاهزة. يحتاجُ أحدنا للتنحي جانبا -كما يقول لوبروتون- عندما يشعر بأنّه مُعرض للسحق بين الجموع، إذ يمكن لأحدنا في اختفائه أن يُبصر تعقيدات العالم وتناقضاته، «فلا يعرف الفرد إلا طبقة من الوعي لا تنيرُ إلا جزءا مما هو عليه».

من المؤكد أنّ ظروف عيشنا الآن أفضل من ظروف من سبقونا، فيما لو قسنا الأمر بالخدمات التي يُقدمها العالم لنا، إلا أننا من جهة أخرى مُكبلون بمشاق من نوع آخر، تلك التي تكمن في ضرورة أن نُعطي «قيمة» ما لوجودنا ولمواقفنا مما يعتمل في الحياة، فليس من السهل أن نُهيئ ذواتنا لمعارك المنافسة واحتدام الآراء كل يوم! إذ لم تعد مهمتنا في الحياة اليوم مُقتصرة على «المجيء ومن ثمّ النمو، يتوجبُ على كل واحد منا أن يبني نفسه على الدوام».

تدفق الأحداث السائلة على هذا النحو المحموم، يمنعُ فرصة تكوين علاقات عميقة بالأشياء والأشخاص على حد سواء، يدفع بنا إلى ولوج أزمنة وجغرافيا ومكابدة ظروف وأهوال مضغوطة في كبسولة إخبارية! تتفجر في نسيج حياتنا كما لم يحدث يوما لبشر عاشوا في أزمنة سابقة لنا، الأمر الذي يجعلنا أكثر ميلا للتواري!

في الأوقات الأكثر مرارة نختفي في ذكرياتنا التي خُزنت على مهل، ولذا من الطبيعي أن نسأل عن حظ أبنائنا من الذكريات، في زمنِ توحُشِ وسائل الاتصال ودخولها إلى أدق تفاصيل حياتنا. يؤكد لوبروتون أنّ «الفرد الآن متصل أكثر منه مرتبط»، فنحن في ثورة اتصال عارمة لكن الالتقاء بالآخرين في تناقص مطرد!

ولذا فالعالم في ذواتنا وفي خارجها لا وجود له إلا من خلال ما نُكسبه نحن إياه من دلالات، ففي اللحظة التي نُعلي فيها من قيمة الفردية المتحررة من قيود الجماعة، غالبا ما نصبحُ فريسة الارتياب مخافة ألا نستطيع تقديم «ذواتنا» بوصفها المتكأ الآمن الوحيد في ظل تراخي صورة الجماعة ونوازعها! ولذا يغدو السعي للانفلات من الذات ولو لوقت وجيز حماية لها.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

شهران قبل الكارثة.. صرخة أخيرة لإنقاذ ما تبقى من الحياة في غزة

يعيش سكان قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في التاريخ المعاصر، بسبب الأعمال العسكرية المكثفة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي أثبتت محكمتي العدل والجنايات الدوليتين أنها ترقى إلى مستوى جرائم الإبادة الجماعية، في قراراتهما المبدئية الخاصة بهذه الحرب.

القطاع، الذي لم يشهد استقرارا منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، تعرض لتدمير ممنهج أعاده إلى ما قبل العصر الحجري بخسائر بشرية ومادية فادحة، ودمار واسع النطاق للبنية التحتية والمرافق المدنية، أضيفت لما يعانيه أصلا من الحصار المطبق عليه برا وبحرا وجوا قبل نحو 18 عاما.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الأونروا تحذر من "عواقب صحية" إثر نقص الماء واكتظاظ الملاجئ بغزةlist 2 of 2مساعدة أممية وخدمة أوروبية لدعم إطفاء الحرائق باللاذقيةend of list

وقد دفعت الحرب الإسرائيلية وحرمان السكان من الغذاء والدواء والماء، منظمات إغاثية لإطلاق نداء أخير لإنقاذ سكان غزة من الموت المحقق، مؤكدين أنه "لم يتبق سوى شهرين على هذه الكارثة".

الجزيرة نت ترصد في هذا التقرير الواقع الصحي والإنساني المنهار في غزة، استنادا إلى أرقام مؤسسات تابعة للأمم المتحدة وأخرى تابعة لحكومة غزة.

وضع طبي منهار

يشهد القطاع الطبي في غزة انهيارا كاملا بعد استهداف قوات الاحتلال كافة المنشآت الطبية مع بدء عملياتها العسكرية، فوفق تقرير لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) صدر في مايو/أيار الماضي، فإن 9 مراكز صحية من أصل 27 تابعة لها لا تزال تعمل في القطاع بشكل جزئي، وتعاني من نقص حاد في الموارد، ومن المتوقع نفاد إمداداتها وإغلاقها خلال أيام.

كما أدى الحصار الإسرائيلي الأخير منذ الثاني من مارس/آذار الماضي وحتى اليوم إلى منع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، مما تسبب في نفاد الإمدادات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك الغذاء والوقود والمساعدات الطبية ولقاحات الأطفال.

ووفقا لوزارة الصحة الفلسطينية، فإن 43% من الأدوية الأساسية نفدت بحلول نهاية أبريل/نيسان، مع وجود فجوات كبيرة في خدمات العلاج الكيميائي وأمراض الدم (62%)، وصحة الأم والطفل (53%)، والرعاية الأولية (48%).

إعلان

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تنفد 64% من المستلزمات الأساسية في غضون أسابيع، مما يؤثر بشدة على رعاية القلب المفتوح والقسطرة (100%)، وجراحة العظام (87%)، والرعاية العينية (84%) في ظل تدمير البنية الأساسية الصحية أساسا وافتقادها للوقود اللازم واستهداف الأطقم الطبية.

وينسحب ما يجري مع المنشآت الطبية التي تديرها الأونروا على بقية المنشآت التي تديرها منظمات أخرى، بل يعد وضعها أكثر صعوبة، وقد تم توثيق 720 هجوما على المرافق الصحية حتى 22 مايو/أيار الماضي، مما أدى إلى استشهاد 917 شخصا وإصابة 1406 آخرين، كما تضررت 125 منشأة صحية، بما في ذلك 34 مستشفى، و186 سيارة إسعاف.

الاحتياجات الطبية

ومع انهيار المنظومة الصحية وغياب الدواء والوقود، تواجه غزة تحديات هائلة على المدى الطويل، حيث يعاني أكثر من ألفي شخص من السرطان كل عام، بينهم 122 طفلا، وأكثر من 1500 مريض بحاجة إلى غسيل كلوي، وأكثر من 60 ألف شخص يعانون من السكر، و45 ألف مريض يعانون من أمراض القلب، وأكثر من 650 ألف شخص يعانون من ارتفاع ضغط الدم، بالإضافة إلى 485 ألف شخص يعانون من اضطرابات الصحة النفسية.

وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 500 ألف امرأة في سن الإنجاب تفتقر إلى الوصول إلى الخدمات الأساسية بما في ذلك رعاية ما قبل وما بعد الولادة ونحو 50 ألف حامل بينهن حوالي 5500 امرأة من المتوقع أن يلدن خلال الشهر المقبل، بما في ذلك حوالي 1400 امرأة تتطلب ولادة قيصرية، مع نحو 180 ولادة يوميا.

ومع إصدار قوات الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن 29 أمر إخلاء منذ 18 مارس/آذار الماضي، أصبح حوالي 197.7 كيلومترا مربعا من قطاع غزة تحت أوامر النزوح النشطة (المساحة الإجمالية لقطاع غزة حوالي 365 كيلومترا مربعا).

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 599 ألف شخص قد نزحوا مرة أخرى منذ انهيار وقف إطلاق النار.

الوجبات البسيطة أصبحت من الماضي بعد إحكام جيش الاحتلال الإسرائيلي الحصار على غزة (الجزيرة) انتشار سوء التغذية

كما أدى الحصار الإسرائيلي ومنع وصول المساعدات لكل محافظات القطاع إلى تدهور الوضع الغذائي ووصوله إلى درجة الجوع.

وبحسب مدير الصحة في الأونروا الدكتور أكيهيرو سيتا، فقد أظهرت بياناتهم لشهر أبريل/نيسان الماضي تزايد في حالات سوء التغذية بين السكان، مؤكدا أن استمرار النقص الحالي في الغذاء سيؤدي لخروج الأمر عن نطاق السيطرة.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 71 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 6 و59 شهرا سيعانون من سوء التغذية الحاد بين أبريل/نيسان 2025 ومارس/آذار 2026، بما في ذلك 14 ألف حالة متوقعة من سوء التغذية الحاد، بالإضافة إلى ذلك، ستحتاج ما يقرب من 17 ألف امرأة حامل ومرضع إلى علاج من سوء التغذية الحاد.

الآثار النفسية للحرب

كما أدت الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع إلى ارتفاع معدلات انتشار الاضطرابات النفسية بين السكان، مثل اضطرابات ما بعد الصدمة (54% لدى الأطفال، 40% لدى البالغين) والاكتئاب إلى 41% لدى الأطفال، 45% لدى البالغين.

وكذلك بلغت معدلات الإصابة بالقلق 34% لدى الأطفال، و37% لدى البالغين، ويزداد الأمر صعوبة في عدم توافر أي مستوى من الإغاثة في هذا المجال حاليا في القطاع مع استمرار الوضع السيئ حاليا.

إعلان

إغلاق تام للحياة

وفي تصريحات للجزيرة نت، قال الدكتور مالك أبو رجيلة مدير عمليات الشرق الأوسط في منظمة جيفت أوف ذا جيفرز الجنوب أفريقية إن "الوضع في غزة لا يمكن وصفه إلا بالكارثة على كل المستويات، خاصة في ظل استهداف الاحتلال للعاملين في المجال الإغاثي، وقد فقدنا العديد من العاملين معنا، ومن بينهم مدير مكتبنا في غزة، خلال عملهم، ورغم ذلك نحاول توصيل ما نستطيع من أدوية وأغذية إلى السكان".

وأكد أبو رجيلة، الذي يعمل من القاهرة وسيناء وإسطنبول وينسق إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع مع العديد من المنظمات الإنسانية الدولية، أن إدخال المساعدات أصبح شبه مستحيل حاليا بسبب الإغلاق المطبق على القطاع من جانب الاحتلال، وهو ما يؤكد أن القطاع قد يشهد حالة موت تام لسكانه خلال أقل من شهرين.

أضرار مادية هائلة

وتقدر احتياجات إعادة الإعمار والتعافي في غزة بنحو 53 مليار دولار، وفقا لتقرير "التقييم السريع المؤقت للأضرار والاحتياجات في غزة والضفة الغربية" الصادر عن البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في فبراير/شباط 2025.

ويحلل التقرير الأضرار والخسائر واحتياجات التعافي وإعادة الإعمار في جميع قطاعات الاقتصاد الفلسطيني تقريبا استنادا إلى بيانات من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وكان قطاع الإسكان هو الأكثر تضررا، حيث يمثل 53% من إجمالي الأضرار، يليه قطاع التجارة والصناعة بنسبة 20%. كما تقدر الأضرار الواسعة النطاق التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية مثل الصحة والمياه والنقل بأكثر من 15% من إجمالي الأضرار.

وفقا لتقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان في يناير/كانون الثاني 2025، تظهر بيانات الأقمار الصناعية أن 60% من المباني متضررة أو مدمرة تماما، بما في ذلك 92% من المنازل و88% من البنية التحتية الأساسية.

وفقا لتحليل الأقمار الصناعية الذي أجرته الأمم المتحدة (يونوسات) في أبريل/نيسان 2025، تضرر نحو 174 ألفا و500 مبنى في جميع أنحاء قطاع غزة، منها 68% دمرت بالكامل.

وتشير تقديرات أخرى إلى أن ما يصل إلى 80% من البنية التحتية المدنية في غزة قد دمرت أو تضررت.

ويضاف إليها إدارة ما بين 41 إلى 47 مليون طن من الأنقاض تحتاج 22 عاما لإزالتها بتكلفة تزيد على مليار دولار، بحسب تقديرات تقرير أممي.

وترتكب إسرائيل، بدعم أميركي مطلق، إبادة جماعية في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، خلّفت أكثر من 195 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، فضلا عن مئات آلاف النازحين.

مقالات مشابهة

  • سيروان الكوردي.. صانع النواعير الذي أعاد الحياة لسمفونية الفرات (صور)
  • الأم.. رمانة الميزان ونبض الحياة
  • شهران قبل الكارثة.. صرخة أخيرة لإنقاذ ما تبقى من الحياة في غزة
  • مجع الذهب بالخرطوم .. الحياة تعود
  • عدسة شفق نيوز توثق عودة الحياة إلى منفذ زرباطية بعد أيام من التوقف
  • بيت المونة الدمشقي.. تراث غذائي وفني يعكس أصالة الحياة الأسرية
  • كينو يودع كأس العالم للأندية برسالة مؤثرة: نعود مرفوعي الرأس
  • الداخلية تكشف ملابسات جلوس أطفال على نوافذ سيارة حال سيرها بالجيزة| فيديو
  • الداخلية تكشف ملابسات فيديو خروج أطفال من نوافذ سيارة بالجيزة
  • بين الذات الشخصية ونقد العمل