شاهد.. كنيسة المهد تضع مجسما فنيا لمأساة غزة مكان شجرة الميلاد
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
خيمت أجواء الدمار والمجازر التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، على أجواء الاحتفالات بأعياد الميلاد في ساحة كنيسة المهد ببيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة، التي يؤمن المسيحيون بأن المسيح ولد فيها.
ولأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني منذ نكبة عام 1948، وفي رسالة موجهة من بيت لحم إلى العالم الغربي الذي تتجه أنظاره إلى كنيسة المهد، لم يتم وضع شجرة عيد الميلاد وإضائتها، التي تعد رمزا للاحتفال، وأقيم بدلا منها مجسم فني يربط بين التاريخ ورسالة الميلاد وبين الواقع الحاضر الآن.
ويمثل المجسم الذي نفذه الفنان الفلسطيني طارق سلسع واستغرق العمل عليه 3 أسابيع، مغارة الميلاد على شكل منزل مدمر كتب عليه "الميلاد تحت الأنقاض"، وهو عبارة عن بقايا أحجار مرصوصة على الأرض ومحاطة بأسلاك شائكة، تمثل الدمار الذي لحق بقطاع غزة جراء القصف الإسرائيلي.
وتضمن العمل الفني أيضا مجسما للعائلة المقدسة وآخر للسيدة مريم العذراء وهي تحتضن السيد المسيح عليه السلام على هيئة كفن يرمز لشهداء فلسطين، وثالث لخارطة فلسطين وبداخله خارطة لغزة من الحديد المطلي باللون الرمادي الداكن".
وعلى جدار بناء قريب، وضعت لافتة كتب عليها "أوقفوا الإبادة الجماعية. أوقفوا التهجير القسري. ارفعوا الحصار"، وأخرى كتب عليها "أجراس الميلاد في بيت لحم تدعو لوقف إطلاق النار في غزة".
أيضا تم تجسيد نجمة الميلاد التي تمثل شعارا مهما لدى المسيحيين على شكل صاروخ إسرائيلي أسقط في داخل القطاع ليقتل أكثر من 20 ألفا من الفلسطينيين أغلبهم أطفال ونساء على مدار 79 يوما.
وأظهرت المشاهد عددا قليلا من النشطاء الفلسطينيين والأطفال من مخيمات بيت لحم يقومون بحمل علم فلسطين على امتداد ساحة الكنيسة -التي تستعد لإقامة القداس هذه الليلة- وأخذ بعضهم يردد الأغاني الوطنية وأغاني أخرى تتحدث عن شهداء غزة.
وتبدأ الطوائف المسيحية التي تسير حسب التقويم الغربي احتفالاتها بعيد الميلاد بإقامة قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم.
وشهدت ساحة الكنيسة فعالية رفع خلالها العشرات من المواطنين علم فلسطين، كما أرسل أطفال بيت لحم رسالة لأقرانهم في غزة والعالم بلغات مختلفة تدعوهم للوقوف أمام مسؤولياتهم بالضغط على المجتمع الدولي لوقف العدوان على القطاع، مؤكدين حق أطفال فلسطين في العيش بحرية وكرامة وأمن وسلام، كبقية أطفال العالم.
ونقلت مواقع فلسطينية عن رئيس الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم وبيت ساحور، القس منذر إسحاق، قوله خلال الفعالية "يصعب علينا وعائلاتنا وأحبتنا الاحتفال هذا العام، وأهلنا في غزة يتعرضون لإبادة وتطهير عرقي، وإن ما يحدث في غزة حرب إبادة على الشعب الفلسطيني".
وأضاف "سنستمر بالصلاة ولن نتوقف بالابتهال والدعاء بأن ينجو أهلنا في القطاع من شر وسوء العدوان عليهم، ولنؤكد أننا موجودون هنا وهذا وطننا الذي ليس لنا وطن سواه. لو ولد المسيح اليوم، سيولد تحت الأنقاض وسيتعاطف مع أطفال غزة وفلسطين الذين يتعرضون لأبشع طرق القتل والتدمير".
وعادة ما يبدأ موسم توافد السياح والحجاج على بيت لحم مطلع سبتمبر/ أيلول من كل عام، ويبلغ ذروته في أعياد الميلاد، أي في 24 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، بإضاءة شجرة كانت توضع في ساحة الكنيسة بعلو 8 أمتار تزينها المصابيح، وهو ما لم يحدث هذا العام بسبب أحداث غزة.
وتعد كنيسة المهد المكان الديني الأقدس للمسيحيين حيث تقع على بعد نحو 10 كيلومترات جنوب القدس، ويُعتقد أنها شهدت ولادة السيد المسيح، وبنيت الكنيسة عام 339 للميلاد، وأُعيد تشييدها في القرن السادس بعد حريق شب فيها.
تم إدراج الكنيسة عام 2012 كأول موقع فلسطيني ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة، لكن نظرا لحالتها السيئة صنفتها المنظمة فيما بعد على قائمة المباني التراثية المهددة بالخطر.
ومطلع يوليو/ تموز 2019، رفعت اليونسكو كنيسة المهد من قائمة مواقع التراث العالمي المهددة بالخطر بعد ترميم الجزء الأكبر منها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: کنیسة المهد بیت لحم فی غزة
إقرأ أيضاً:
كنيسة القديس برفيريوس شاهده على مجازر آل صهيون.. تدميرها خسارة إنسانية فادحة
في زقاق ضيق من أزقة حي الزيتون بمدينة غزة القديمة، كانت كنيسة القديس برفيريوس تقف شامخة كأحد أقدم الشواهد المعمارية والدينية في فلسطين، وعبر أكثر من 1600 عام، عايشت الكنيسة تعاقب الحضارات والديانات، من الدولة البيزنطية إلى الحكم الإسلامي مرورًا بالعهد العثماني والانتداب البريطاني وحتى اللحظة التي انهارت فيها جدرانها بفعل صاروخ إسرائيلي، في إحدى أعنف موجات القصف على غزة.
تُعد كنيسة القديس برفيريوس – التي بُنيت في القرن الخامس الميلادي – أقدم كنيسة ما زالت قائمة في قطاع غزة، وثاني أقدم كنيسة في فلسطين بعد كنيسة المهد ببيت لحم، سُميت بهذا الاسم نسبة إلى القديس "برفيريوس"، أسقف غزة الذي توفي عام 420م ودُفن في هذا المكان.
جذبت الكنيسة اهتمامًا واسعًا عبر العصور ليس فقط لمكانتها الدينية لدى الطائفة الأرثوذكسية، بل أيضًا لكونها نموذجًا نادرًا للعمارة البيزنطية في المنطقة، بطرازها الحجري، وأقواسها المعمارية، وأيقوناتها القديمة، التي حافظت عليها أجيال متعاقبة من المسيحيين والمسلمين على حد سواء.
مكان للعبادة.. وملجأ من الحربلم تكن الكنيسة فقط مكانًا للعبادة، بل أصبحت خلال الحروب المتكررة على غزة ملاذًا آمنًا لعشرات العائلات المسلمة والمسيحية على حد سواء، ممن لجأوا إليها هربًا من القصف، آملين في حرمتها أن تحميهم من صواريخ لا تفرّق بين حجر وبشر.
لكن في أكتوبر 2023، ضُرب هذا الأمل في مقتل، حين قصفت طائرات الاحتلال الغاشم محيط الكنيسة بشكل مباشر، ما أدى إلى مجزرة مروعة راح ضحيتها أكثر من 18 مدنيًا كانوا يحتمون داخلها، دُمرت أجزاء واسعة من الكنيسة، وتحولت إحدى أقدم دور العبادة في العالم إلى ركام.
صدمة محلية ودوليةقوبل استهداف الكنيسة بغضب محلي واسع، وتنديد دولي واستنكارات كنسية عالمية، من بينها الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية والفاتيكان، معتبرين أن هذا الاستهداف "ليس فقط انتهاكًا لحقوق الإنسان، بل جريمة ضد التراث الإنساني والديني"، الحدث أعاد التذكير بأن الحرب في غزة لا تستهدف فقط الأرواح، بل تستهدف أيضًا الذاكرة، الهوية، والمقدسات، في محاولة لمحو ما تبقى من شواهد الحضارة على أرض تُعرف بأنها من أقدم بقاع الأرض سكنًا وتاريخًا.
ما تمثله الكنيسة للإنسانيةتمثل كنيسة القديس برفيريوس رمزًا للتعايش الديني، إذ لطالما احتضنت مناسبات دينية جمعت المسلمين والمسيحيين معًا، في طقوس تكشف عمق الروابط الاجتماعية في غزة، وهي كذلك شاهد حي على أن فلسطين ليست مجرد صراع، بل موطن للحضارات والأديان، تدمير الكنيسة لم يكن مجرد فقدان حجارة أثرية، بل خسارة إنسانية فادحة، لأن ما دُمّر يمثل قطعة من التاريخ الإنساني الذي لا يمكن تعويضه.
عمارة الكنيسةتكونت كنيسة القديس برفيريوس من بهو كبير مغطى بأسقف وأقببة متقاطعة تمثلت في السقف الجملوني مثلث الشكل والذي يتزين بالنقوش والأيقونات التي تروي قصص موسى عليه السلام، والعذراء، والسيد المسيح عليه السلام، وارتكزت على أربعة جدران ودعامات مصنوعة من الحجارة الرملية الصلبة وعمودان رئيسيان يتزين كل منهما بالنقوش الكورانسية وزهرة اللوتس التي تميزت بها الحقبة البيزنطية. يوجد للكنيسة ثلاثة مداخل، وهي البوابة الرئيسية للكنيسة والموجودة في الجهة الغربية، والمدخل الشمالي، والمدخل الجنوبي الذي تم افتتاحه في السنوات الأخيرة، ويصل إلى ردهة علوية يتم فيها استقبال المصليين.
يأتي النص التأسيسي للكنيسة منقوشاً باللغة اليونانية القديمة على لوح مصنوع من الرخام موجود في البوابة الرئيسية للكنيسة، تقسم الكنيسة من الداخل إلى قسمين القسم الأول يتكون من الرواق، والذي يضم المعمودية من جهته الغربية، لتعميد الأطفال وهي أحد الطقوس المسيحية التي يتم بها التطهر من خطيئة أدم وحواء، وإحلال الروح القدس، والقسم الثاني والذي يسمى قدس الأقداس وهو عبارة عن مذبح تتم فيه الطقوس الدينية.
تعود أساسات الهيكل الأصلي للكنيسة إلى القرن الخامس الميلادي، وتم فيما بعد بناء الهيكل الحالي في القرن الثاني عشر، تميزت جدران الكنيسة بسماكتها وغناها بالنقوش والزخارف والشواهد الدينية على المراحل التاريخية التي مرت بها الكنيسة، تم إنشاء وتأسيس الكنيسة بدعم من الإمبراطور البيزنطي آركاديوس على حسب مصادر أرثوذكسية.