في زقاق ضيق من أزقة حي الزيتون بمدينة غزة القديمة، كانت كنيسة القديس برفيريوس تقف شامخة كأحد أقدم الشواهد المعمارية والدينية في فلسطين، وعبر أكثر من 1600 عام، عايشت الكنيسة تعاقب الحضارات والديانات، من الدولة البيزنطية إلى الحكم الإسلامي مرورًا بالعهد العثماني والانتداب البريطاني وحتى اللحظة التي انهارت فيها جدرانها بفعل صاروخ إسرائيلي، في إحدى أعنف موجات القصف على غزة.

 مسعفون في غزة: ثمانية شهداء في غارات إسرائيليةالأونروا: تدفق المساعدات بشكل فعال هو السبيل الوحيد لمنع تفاقم الكارثة في غزةوزير خارجية ماليزيا: الصمت الدولي أمام الجرائم في غزة يعكس خللاً أخلاقيًا خطيرًاجيش الاحتلال يعلن تأجيل خطة توزيع الغذاء في غزةتاريخ من القداسة والحضارة

تُعد كنيسة القديس برفيريوس – التي بُنيت في القرن الخامس الميلادي – أقدم كنيسة ما زالت قائمة في قطاع غزة، وثاني أقدم كنيسة في فلسطين بعد كنيسة المهد ببيت لحم، سُميت بهذا الاسم نسبة إلى القديس "برفيريوس"، أسقف غزة الذي توفي عام 420م ودُفن في هذا المكان.

جذبت الكنيسة اهتمامًا واسعًا عبر العصور ليس فقط لمكانتها الدينية لدى الطائفة الأرثوذكسية، بل أيضًا لكونها نموذجًا نادرًا للعمارة البيزنطية في المنطقة، بطرازها الحجري، وأقواسها المعمارية، وأيقوناتها القديمة، التي حافظت عليها أجيال متعاقبة من المسيحيين والمسلمين على حد سواء.

مكان للعبادة.. وملجأ من الحرب

لم تكن الكنيسة فقط مكانًا للعبادة، بل أصبحت خلال الحروب المتكررة على غزة ملاذًا آمنًا لعشرات العائلات المسلمة والمسيحية على حد سواء، ممن لجأوا إليها هربًا من القصف، آملين في حرمتها أن تحميهم من صواريخ لا تفرّق بين حجر وبشر.

لكن في أكتوبر 2023، ضُرب هذا الأمل في مقتل، حين قصفت طائرات الاحتلال الغاشم محيط الكنيسة بشكل مباشر، ما أدى إلى مجزرة مروعة راح ضحيتها أكثر من 18 مدنيًا كانوا يحتمون داخلها، دُمرت أجزاء واسعة من الكنيسة، وتحولت إحدى أقدم دور العبادة في العالم إلى ركام.

صدمة محلية ودولية

قوبل استهداف الكنيسة بغضب محلي واسع، وتنديد دولي واستنكارات كنسية عالمية، من بينها الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية والفاتيكان، معتبرين أن هذا الاستهداف "ليس فقط انتهاكًا لحقوق الإنسان، بل جريمة ضد التراث الإنساني والديني"، الحدث أعاد التذكير بأن الحرب في غزة لا تستهدف فقط الأرواح، بل تستهدف أيضًا الذاكرة، الهوية، والمقدسات، في محاولة لمحو ما تبقى من شواهد الحضارة على أرض تُعرف بأنها من أقدم بقاع الأرض سكنًا وتاريخًا.

ما تمثله الكنيسة للإنسانية

تمثل كنيسة القديس برفيريوس رمزًا للتعايش الديني، إذ لطالما احتضنت مناسبات دينية جمعت المسلمين والمسيحيين معًا، في طقوس تكشف عمق الروابط الاجتماعية في غزة، وهي كذلك شاهد حي على أن فلسطين ليست مجرد صراع، بل موطن للحضارات والأديان، تدمير الكنيسة لم يكن مجرد فقدان حجارة أثرية، بل خسارة إنسانية فادحة، لأن ما دُمّر يمثل قطعة من التاريخ الإنساني الذي لا يمكن تعويضه.

عمارة الكنيسة

تكونت كنيسة القديس برفيريوس من بهو كبير مغطى بأسقف وأقببة متقاطعة تمثلت في السقف الجملوني مثلث الشكل والذي يتزين بالنقوش والأيقونات التي تروي قصص موسى عليه السلام، والعذراء، والسيد المسيح عليه السلام، وارتكزت على أربعة جدران ودعامات مصنوعة من الحجارة الرملية الصلبة وعمودان رئيسيان يتزين كل منهما بالنقوش الكورانسية وزهرة اللوتس التي تميزت بها الحقبة البيزنطية. يوجد للكنيسة ثلاثة مداخل، وهي البوابة الرئيسية للكنيسة والموجودة في الجهة الغربية، والمدخل الشمالي، والمدخل الجنوبي الذي تم افتتاحه في السنوات الأخيرة، ويصل إلى ردهة علوية يتم فيها استقبال المصليين. 

يأتي النص التأسيسي للكنيسة منقوشاً باللغة اليونانية القديمة على لوح مصنوع من الرخام موجود في البوابة الرئيسية للكنيسة، تقسم الكنيسة من الداخل إلى قسمين القسم الأول يتكون من الرواق، والذي يضم المعمودية من جهته الغربية، لتعميد الأطفال وهي أحد الطقوس المسيحية التي يتم بها التطهر من خطيئة أدم وحواء، وإحلال الروح القدس، والقسم الثاني والذي يسمى قدس الأقداس وهو عبارة عن مذبح تتم فيه الطقوس الدينية.

تعود أساسات الهيكل الأصلي للكنيسة إلى القرن الخامس الميلادي، وتم فيما بعد بناء الهيكل الحالي في القرن الثاني عشر، تميزت جدران الكنيسة بسماكتها وغناها بالنقوش والزخارف والشواهد الدينية على المراحل التاريخية التي مرت بها الكنيسة، تم إنشاء وتأسيس الكنيسة بدعم من الإمبراطور البيزنطي آركاديوس على حسب مصادر أرثوذكسية.

طباعة شارك كنيسة القديس برفيريوس إسرائيلي قطاع غزة بيت لحم طائرات الاحتلال التراث الإنساني

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: كنيسة القديس برفيريوس إسرائيلي قطاع غزة بيت لحم طائرات الاحتلال التراث الإنساني کنیسة القدیس برفیریوس فی غزة

إقرأ أيضاً:

في اليوم العالمي للسلحفاة.. أقدم مخلوق على الأرض يتميز بسرعة مذهلة تحت الماء

يحتفل العالم في 23 مايو من كل عام، بفعاليات اليوم العالمي للسلحفاة أو ما يعرف عالميًا باسم "World Turtle Day".
اليوم العالمي للسلحفاة أنشأته منظمة ATR الأمريكية، وهي منظمة لإنقاذ السلاحف من الانقراض، وهدف الاحتفال هو تشجيع العمل الإِنساني العالمي للمحافظة على السلاحف و الاِنتِباه تجاه لتعرض بعض أَنواع السلاحِف إِلى الانقراض. وبدأ الاحتفال بهذه المناسبة بداية من عام 2000.الاحتفال باليوم العالمي للسلحفاةيتم الاحتفال باليوم العالمي للسلاحف في جميع أنحاء العالم بطرق متنوعة، بدءًا من ارتداء الملابس مثل السلاحف أو ارتداء الفساتين الصيفية الخضراء، وإنقاذ السلاحف التي يتم صيدها على الطرق السريعة.
أخبار متعلقة علامة HONOR تكشف عن سلسلة HONOR 400 Series بكاميرا 200 ميجابكسل مدعومة بالذكاء الاصطناعي و AI Creative Editor الرائد3 خطوات لتحديث معلومات جواز السفر للمقيمين عبر "أبشر أعمال"اليوم العالمي للسلاحف موجود في كتاب Chase's of Events، وتم إنشاء اليوم كمناسبة سنوية لمساعدة الناس على الاحتفال وحماية السلاحف والسلاحف وموائلها المختفية حول العالم.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } في اليوم العالمي للسلحفاة.. أقدم مخلوق على الأرض يتميز بسرعة مذهلة تحت الماء - مشاع إبداعيحيوان تاريخيالسلحفاة تعتبر الحيوان الوحيد الذي يحد من تكاثر قنديل البحر، وتُعد أقدم المخلوقات على وجه الأرض
ووجدت أول آثار للسلحفاة البرية قبل نحو 200 مليون سنة، فيما يعتقد أن السلحفاة البحرية أحدث منها في الأرض ويبلغ عمرها 150 مليون عام.
كانت السلحفاة تقدم قديماً كوجبة طعام رئيسية للبحارة، ولغاية اليوم تعد بعض أنواع السلاحف البحرية وجبة مميزة وباهظة الثمن.سرعة مذهلة تحت الماءرغم الاعتقاد السائد بأن السلاحف بطيئة جداً، إلا أن السلحفاة يمكنها السباحة في الماء بسرعة كبيرة تصل إلى 35 كيلومتراً في الساعة، أطفال السلحفاة خاصة يمكنها العوم بسرعة كبيرة.
أما السلحفاة البرية فيمكنها الزحف بسرعة يمكن وصفها بالبطيئة، وتتراوح بين 0.21 و0.48 كيلومتراً في الساعةزأنواع السلاحف في المملكةهناك ثلاث عائلات للسلاحف في المملكة العربية السعودية، الأولى السلاحف البحرية وتضم نوعين، والثانية سلاحف المياه العذبة، والثالثة السلاحف جانبية العنق ومنها نوع واحد.
ومن أنواع السلاحف:السلحفاة الخضراء، ويبلغ طولها متر ووزنها 250كجم.السلحفاة ذات منقار الصقر، وحجمها أصغر من السلاحف ويصل طولها إلى 90 سم.سلاحف المياه العذبة، وتعيش في مياه الصرف والري في المنطقة الشرقية.السلاحف جانبية العنق وتعيش في غربي وجنوب غربي السعودية، وهي صغيرة وتعيش في المياه العذبة.

مقالات مشابهة

  • الكنيسة الأرثوذكسية تحتفل بعيد الاستقلال الـ79
  • الأنبا أنجيلوس يصلي القداس في كنيسة العذراء والشهيدة دميانه بابا دبلو
  • طفل يطعن أمه 16 طعنة أثناء نومها
  • رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر يشهد حفل تنصيب القس مينا جدعون راعيا للكنيسة الإنجيلية بدشنا
  • “الصحة العالمية”: 94% من جميع مستشفيات قطاع غزة تم تدميرها أو تضررت
  • هيئة التراث تكشف عن أقدم استخدام لـ«الحَرْمَل» قبل 2700 عام بمنطقة تبوك
  • في اليوم العالمي للسلحفاة.. أقدم مخلوق على الأرض يتميز بسرعة مذهلة تحت الماء
  • رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية: التعليم أساس العمل الروحي
  • وزارة الاشغال أنهت تعبيد الساحة أمام دير مار مارون - عنايا ضريح القديس شربل