لجريدة عمان:
2025-06-06@06:53:42 GMT

نوافذ: «حلل يا دويري»!

تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT

عنوان هذا المقال هو النداء الذي وجهه فدائيٌّ فلسطيني في تسجيل مصوّر هذا الأسبوع محتفِلًا بنجاح إحدى عمليات كتائب القسام ضد الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وهو النداء الذي لقيَ صدى واسعًا، وصار وسْمًا في منصة التواصل الاجتماعي «إكس» تضمن آلاف التغريدات، المتوزعة بين الإشادة باللواء الأردني المتقاعد فايز الدويري -المقصود بالنداء- والذي هو أحد نجوم هذه الحرب الإسرائيلية على غزة الدائرة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وبين الإعجاب بظرف وخفة دم وهدوء أعصاب مقاتلي كتائب القسام في ظروف مواجهاتهم الصعبة مع الإسرائيليين.

والحق أن الدويري صار خلال هذه الحرب فردًا من أفراد العائلة العربية خلال متابعتها للتغطية اليومية المستمرة من قبل قناة الجزيرة لاعتداءات إسرائيل على أهلنا في غزة وبطولات المقاوِمين الفلسطينيين. ورغم أن عملية «طوفان الأقصى» وما تلاها من تداعيات لم تكن الظهور الأول له محلِّلًا عسكريًّا في القناة، إلا أنها مثلتْ ذروة البروز الإعلامي للدويري، وأكسبته شعبية كبيرة مستحقة مستمدة من شعبية قناة الجزيرة في العالمَين العربي والإسلامي من جهة، وتفرّدها -أي القناة، مع قنوات أخرى قليلة- بما يُمكن أن أسميه «الانحياز الموضوعي والأخلاقي» للحقّ الفلسطيني من جهة أخرى. لكن الأهم من هذا كله أن فايز الدويري كان المحلل الذي وفّر للقناة الظروف المواتية لهذا «الانحياز العادل»، بجمعه بين مهارات المحلل العسكري من جانب، ومواهب المنظِّر الاستراتيجي من جانب آخر، إضافة إلى بلاغته في الحديث، وصوته الجهوري، وحضوره القوي أو ما يسمى بــ «الكاريزما» الشخصية.

وإذا كان كل عسكريّ ينتهي ترقّيه الوظيفي -رتبة إثر رتبة- بعد تقاعده، فإنه يمكن القول إن اللواء الدويري -البالغ من العمر اليوم واحدًا وسبعين عامًا- نال بعد تقاعده بسنين ترقية معنوية أكبر من كل الرتب التي حصل عليها وهو على رأس وظيفته، وهل هناك ترقية أكبر من أن يُصبح المحلّل العسكري لبطولات المقاوِمين، والشارح لأهميتها، والمفسّر لما يستغلق على الأفهام من تفاصيلها. وكأن كل خلفيته العسكرية السابقة لم تكن إلا إعدادًا أو تجهيزًا لهذا الدور المهمّ المنتَظَر. وعندما نتحدث عن الخلفية العسكرية للدويري فإننا نعلم أنه كان آمرًا لكلية القيادة والأركان الأردنية، وقبلها كان مديرًا لسلاح الهندسة الملكي الأردني، ونعرف من سيرته العمليّة أيضًا أنه شارك في نزع الألغام على الحدود الأردنية السورية، وساهم مع القوات اليمنية في تحصين مضيق باب المندب وبناء معسكر في تعز. وإذا كانت هذه الإنجازات العسكرية قد أكسبته خبرة في التحليل، فقد تميّز الدويري أيضًا بمَلَكات أخرى عضّدت هذه الخبرة، منها القدرة الفائقة على تحليل المعلومات العسكرية ومقارنتها بالوضع السياسي القائم، والإلمام الجيد بالجغرافيا الفلسطينية، والفهم الواضح للتكنولوجيا والأنظمة العسكرية المتقدمة، والتمكن من جمع المعلومات من مصادر متنوعة والمقارنة بينها بشكل جاذب، كل ذلك دون أن يخرج على القواعد الأخلاقية والمعايير المهنية في تحليلاته.

لا أحد يشكّ للحظة وهو يتابع الدويري يحلّل هذه العملية أو تلك من عمليات «كتائب القسام» أو «سرايا القدس» أو حتى عمليات الجيش الإسرائيلي واعتداءاته اليومية، أن هذا المحلّل رضع القضيةَ الفلسطينية من ثدي أمه التي فقدها وهو ابن أحد عشر عاما فقط. يقول في أحد حواراته التلفزيونية: «أنا ابنُ القضية، أردني من أب أردني من أم أردنية، أجدادي حتى ما بعد الخامس أردنيون، لكنّ فلسطين قضيتي». لذا، فإنه لا يُخفي تعاطفه مع أبناء قضيته أثناء التحليل، ولا يخشى أن يُقال عنه: «غير موضوعي» بما أنه يتعاطف مع أصحاب الحق؛ لأنه -وهذا هو المهم- يدعّم تحليلاته بالمعلومات والأرقام ومخاطبة العقول قبل القلوب. وعلى أية حال، فقد رأينا بأم أعيننا خلال هذه الحرب كيف سقطت إلى الحضيض موضوعية ومصداقية كثير من القنوات العالمية التي كنّا نحسن الظن فيما يُسمى «موضوعيتها»، وكيف صار سؤال: «هل تدين حماس؟» الذي يُطرح على أي ضيف فلسطيني مثار سخرية وتندّر الغرب قبل العرب.

وإذن، فقط خاطب فايز الدويري العقل والوجدان في الوقت ذاته، فصار أقرب إلى ذلك المقاتل الفلسطيني البطل الذي وصفه في تحليله بأنه «يتحرك من بين الأموات ليعيد بسمة الحياة إلى شفاه أهل غزة». يقول الدويري في وصف بطولة ذلك الفدائيّ: «هذا المقاتل يعلّم الناس معنى الرجولة والدفاع عن الأرض والعرض، عندما يصل إلى دبابة تعتبر الأحدث أو من بين الأحدث في العالم، ويتحرك من المقدمة إلى مؤخرة الدبابة؛ لأن نقطة الضعف في هذه المنطقة، ويضع حشوة شواظ، هذا -المقاتل- كانت نسبة استشهاده -في هذه العملية- 99% ولكنه في سبيل أداء المهمة والدفاع عن الشرف والكرامة والأرض والعرض فعل ما فعل، واستطاع أن ينجح». ليس غريبًا والحال هذه أن يشاهد هذا المقاتلُ ورفقاؤه من مخابئهم السرية تحليلَ هذا اللواء المتقاعد فينتشوا ويَسعدوا به، ويطالبوه بالمزيد هاتِفين به بالاسم أن: «حلِّلْ يا دويري».

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حلف الناتو يخطط لتعزيز ترسانته العسكرية: تمهيد لمواجهة محتملة أم استعراض قوة؟

في خطوة تهدف لتعزيز الدفاع الأوروبي، يستعد وزراء دفاع حلف الناتو للموافقة على خطط تسليح واسعة تشمل شراء أنظمة دفاع جوي وذخائر وطائرات مسيّرة، بالتزامن مع دعوات أميركية لزيادة الإنفاق العسكري استعداداً لأي تهديد مستقبلي محتمل. اعلان

في وقتٍ تتصاعد فيه التحديات الأمنية عالمياً، يستعد وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي (الناتو) اليوم الخميس للموافقة على خطط شاملة لشراء المزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية، بهدف تعزيز القدرات الدفاعية في أوروبا ومنطقة القطب الشمالي وشمال الأطلسي، وذلك ضمن إطار الجهود الأميركية لدفع الحلفاء إلى رفع إنفاقهم العسكري.

وتنص "أهداف القدرات" الجديدة على التزام الدول الـ32 الأعضاء بشراء معدات أساسية تشمل أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي، والمدفعية، والذخيرة، والطائرات المسيّرة، إضافةً إلى ما يُعرف بـ"التمكين الاستراتيجي" مثل تزويد الطائرات بالوقود جواً، والنقل الجوي الثقيل، واللوجستيات.

تُعد تدريبات الردع الحازم 2025 محطة بارزة في الجاهزية الاستراتيجية للناتو، بمشاركة أكثر من 4800 عنصر في 7 مواقع، واختبار حي لقدرات الردع والعمليات السيبرانية والفضائية، واعتماد SHAPE كمقر قيادي استراتيجي للحلف.

وفي هذا السياق، أوضح الأمين العام للحلف مارك روته قائلاً: "نحن نحدد اليوم أهداف القدرات، ومن خلالها سنقيّم الثغرات الحالية، ليس فقط لتأمين دفاعاتنا اليوم، بل بعد ثلاث وخمس وسبع سنوات أيضاً". وأضاف: "جميع هذه الاستثمارات تتطلب تمويلاً واضحاً ومستداماً".

ومن المنتظر أن يجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع قادة الحلف في بروكسل يومي 24 و25 يونيو/ حزيران، بهدف الاتفاق على أهداف جديدة لرفع حجم الإنفاق الدفاعي، في وقت تسعى فيه واشنطن لتعزيز الجاهزية القتالية لحلفائها.

من جهته، شدد وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث على أهمية الجاهزية العملياتية، قائلاً: "لكي تكون جزءاً من هذا التحالف، لا يكفي رفع الأعلام أو حضور المؤتمرات، بل يجب امتلاك قدرات جاهزة للقتال".

وتأتي هذه الأهداف الجديدة ضمن خطة واسعة أقرت عام 2023، وتُعدّ أكبر مراجعة استراتيجية منذ الحرب الباردة، وتهدف لحماية أراضي الحلف في مواجهة أي هجوم محتمل من روسيا أو أي خصم كبير آخر.

Relatedما هي أكثر دول أوروبا الغربية إنفاقاً على التسلح في 2019؟كوريا الجنوبية تعلن رفع ميزانية التسلح وتدعو جارتها الشمالية للعودة للحوارماكرون يدعو الأوروبيين إلى التحرك للحد من السباق إلى التسلح

وبموجب الخطة، يسعى الحلف إلى تجهيز ما يصل إلى 300 ألف جندي للاستجابة الفورية خلال 30 يوماً على الجبهة الشرقية، رغم تحذيرات الخبراء من أن تجميع هذا العدد في وقت قصير لا يزال يشكّل تحدياً حقيقياً.

وقد تم توزيع أدوار الحماية بين الدول الأعضاء على ثلاث مناطق رئيسية: منطقة الشمال والبحر الأطلسي، ومنطقة شمال الألب، وأخرى في جنوب أوروبا، في خطوة تهدف إلى تأمين دفاع متكامل وموزع جغرافياً.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • ما أسباب تميز أداء المقاومة في غزة؟ الدويري يجيب
  • ترامب يختار مرشح أمريكا لمنصب قائد القيادة العسكرية في أوروبا
  • حلف الناتو يخطط لتعزيز ترسانته العسكرية: تمهيد لمواجهة محتملة أم استعراض قوة؟
  • ينقصنا الجرأة.. هل يستطيع لبنان تصنيع الدرون العسكرية؟
  • الدويري: هذا سبب نجاعة عمليات المقاومة وارتفاع وتيرتها شمالي غزة
  • المنطقة العسكرية الجنوبية تحبط محاولة تهريب مواد مخدرة
  • الناتو يعتزم رفع قدراته العسكرية لردع روسيا
  • مناقشة التنسيق والتعاون المشترك بين بعثتي الحج العُمانية و"العسكرية"
  • زيلينسكي يجري تعديلات في القيادة العسكرية
  • أميركا تقلّص قواتها العسكرية في سوريا وتحتفظ بقاعدة واحدة فقط