خيارات حماس، ما كان مدروسا وما صار ممّا لم يكن
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
آخر تحديث: 31 دجنبر 2023 - 9:23 صبقلم:علي الصراف حددت الساعات الأولى من عملية “طوفان الأقصى” لطرفي المعركة مسارات الحرب كلها. وحددت نتائجها أيضا. نعم، كانت هناك فوضى على الجانب الإسرائيلي بسبب صدمة المشاهد، ومشاعر الفشل، والبحث عن أسباب التقصير حيال الثغرات الأمنية التي كشفت عنها العملية. إلا أن إسرائيل ولجت، في النهاية، في المسار المتوقع منها؛ وهو، من غير صدفة، الوحيد المتاح لها أيضا.
دع عنك معاني الاقتحام الأمنية، والخسائر غير المتوقعة، وما تبعها من هدر لصورة “التفوق” وإذلال المعنويات عندما تم سحب العشرات من الجنود الإسرائيليين من دباباتهم، فإن حركة حماس التي قادت العملية طالبت في تلك الساعات الأولى بأن يتم “تبييض” كل السجون الإسرائيلية من المعتقلين الفلسطينيين. وهو ما كان يعني إطلاق سراح أكثر من 5 آلاف سجين دفعة واحدة. قالت “الكل مقابل الكل”، وهو الشعار الذي صار ذوو الرهائن الإسرائيليين يطالبون بتنفيذه.هذا المطلب، بمفرده، كان من الضخامة بحيث أنه يعني أحد ثلاثة خيارات وضعها قادة إسرائيل أمام أعينهم: إما أن يُعاد ترتيب الموازين بحيث تستأنف مفاوضات السلام لإنهاء الصراع برمته، إذ لم يكن من المعقول أن تجد إسرائيل نفسها أمام واقع مماثل يتكرر كل بضع سنوات. وإما أن تخوض حربا مضادة شاملة تحمل المعنى ذاته لحركة حماس، وللوجود الفلسطيني نفسه أيضا. وإما أن تستسلم إسرائيل، وهو ما نظروا إليه على أنه مؤشر على هزيمة توازي إعلان نهاية وجود إسرائيل. أبسط قراءة للثقافة اليمينية السائدة في إسرائيل ولطبيعة حكومة بنيامين نتنياهو ولسياساتها العنصرية كانت تكفي للتوصل إلى معرفة الخيار الذي سوف تختاره إسرائيل. لا تحتاج إلى براعة لتعرف سلفا أن إسرائيل سوف تكون بحاجة أولا إلى الثأر لكرامتها المهدورة. وثانيا، إلى شن حرب إبادة شاملة. وثالثا، أن تعرض على أطراف المقاومة المسلحة الفلسطينية هزيمة وجودية. المعرفة المسبقة بهذا الخيار كانت تتطلب استعدادات مسبقة. وتُظهر الوقائع، من ناحية التسلح وشبكة الأنفاق على الأقل، أن حماس وقريناتها أعدت لها العدة. تطلب الأمر عدة سنوات من التحضيرات، ولكن تم إنجاز كل القسط الممكن منها. ما ظل ناقصا، أو بالأحرى ما كان من المستحيل تدبير احتياطات له، هو تقليص حجم الكلفة البشرية للهجوم الانتقامي الإسرائيلي المضاد. أولا، لأن ذلك كان سوف يُفسد العملية برمتها ويكشفها. وثانيا، واقع الاكتظاظ السكاني في غزة، حيث يعيش أكثر من 2.3 مليون إنسان في شريط ضيق، كان مستحيلا على أي تدبير مسبق أصلا أن يهتدي إلى احتياطات بشأنه. السؤال الصعب هو: هل اختارت حماس التوقيت المناسب؟ وجوابه أصعب. ولكن منحى التطرف اليميني، في الثقافة والسياسة في إسرائيل، كان هو الذي حدد الجواب. بلغت إسرائيل القمة في هذا المنحى عندما أصبح يمينيون متطرفون من قبيل إيتمار بن غفير وبتسلإيل سموتريش يحددون، ليس جدول الأعمال الحكومي وحده وإنما مستقبل إسرائيل نفسها أيضا، وهو ما كان سببا لانقسام داخلي عميق. يصعب اختيار “لحظة مناسبة” لأي حرب، بالنظر إلى الشبكة المعقدة من العوامل التي تتحكم بالقرار. ولكن كان من الواضح بالنسبة إلى قادة حماس أن إسرائيل سوف ترد بأقصى مستويات العنف. واختاروا في المقابل ما يشبه القول: “أعلى ما في خيلكم، اركبوه”.ولقد ركبه الإسرائيليون بالفعل. وكان ذلك مفيدا من عدة نواح، برغم كل الضرر المادي والكلفة الإنسانية الباهظة. ولكن حتى هذين: الضرر والكلفة، كانا مفيدين أيضا، من الزاوية التي تتعلق ببناء الصورة؛ صورة المعركة وقضاياها وطبيعة المتحاربين. يمكن القول بمقدار معقول من الثقة إن هذه الحرب انطوت على مستوى من الوحشية هو أقصى ما يمكن لإسرائيل أن تفعله. أكثر من 52 ألف طن من القنابل والمتفجرات، لم تترك الكثير من الفراغ حتى لقنبلة نووية. لأنها تعادل قنبلتين نوويتين، باستثناء الإشعاعات التي يمكن للريح أن تدفعها إلى إسرائيل نفسها. هذا هو “أعلى الخيل”، بالفعل. خاضت إسرائيل هذه الحرب بثلاثة مطالب خارقة لجدران المنطق: القضاء على حكم حماس، وإطلاق سراح الرهائن (بالقوة)، وإقامة نظام أمني في القطاع تديره إسرائيل.طبعا، كانت هناك طموحات أخرى من قبيل إلقاء القبض على يحيى السنوار قائد حماس في غزة، وأخرى تم إحباطها مبكرا، من قبيل إفراغ قطاع غزة من سكانه بترحيلهم إلى مصر. والإغراء سقط من الجهتين؛ لا الغزيون غادروا قطاعهم، ولا حتى اقتربوا من الحدود، ولا المصريون رضوا بالعرض.بعد أسابيع من حرب ضارية حققت إسرائيل حزمة نتائج مبهرة، حاولت أن ترسم من خلالها صورة للنصر المؤزر: قتلت قواتها ثلاثة رهائن كانوا يطلبون النجدة، بدلا من إطلاق سراحهم. اكتشاف نفق مهجور بطول 4 كيلومترات، من أصل شبكة يبلغ طولها 500 كليومتر. وهو ما كان يعني أن تدمير بقية الأنفاق سوف يتطلب 3 سنوات على الأقل. العثور على فردة حذاء للسنوار في منزل تم هدمه مسبقا. هذه الإنجازات العظيمة كانت هي أبرز ثمار ركوب أعلى الخيل العسكرية. أما الباقي، الانتقامي، فقد شمل قتل أكثر من 21 ألف إنسان ثلثاهم من الأطفال والنساء. ما زالت هناك خطط وهمية لـ”القضاء على حكم حماس”، ولكنها تراهن على الضغط الإنساني أكثر مما تراهن على القوة العسكرية. ذلك أن هذه القوة أثبتت فشلها، حتى بالنسبة إلى واحد من أعتى ألوية النخبة وأكثرها مراسا وتدريبا، هو “اللواء جولاني”.هذا اللواء انسحب من أرض المعركة بعد أن تكبد خسائر تبلغ نحو ربع قوته، حسب قائده السابق موشي كابلنسكي، وهو ما يوفر مؤشرا كافيا لمصير الألوية الأخرى. السؤال الآخر هو: كيف يمكن فرض هزيمة سياسية على مقاومة لا تزال تقاتل؟أقصى الخيارات المتاحة هو أن تتولى إدارة القطاع قيادة جديدة تتواطأ مع حماس، وتقبل بما تشترطه. ثم إن أي قيادة “وسطية” لن تكون إلا “قيادة انتقالية”. والسؤال الذي ترفض إسرائيل الإجابة عليه هو: “انتقالية” إلى ماذا؟ صورة إسرائيل اهتزت في الخارج ليس بأقل مما اهتزت في الداخل. المعارك التي تخاض الآن في بعض أبرز الجامعات الأميركية، التي عادة ما تصنع قادة المستقبل، تقول إن إسرائيل عبء أخلاقي على الولايات المتحدة. إنها عار على الإنسانية أيضا بما ارتكبته من أعمال وحشية ضد المدنيين.والتظاهرات المناوئة لإسرائيل تجوب شوارع العديد من العواصم الغربية. بعض هذه العواصم، مثل مدريد ودبلن، تريد أن تحاكم مجرمي الحرب الإسرائيليين أيضا، ونتنياهو على رأس قائمة المطلوبين. هناك أصوات كثيرة داخل إسرائيل تدعو إلى إبادة الفلسطينيين، ولكن هذه الأصوات نفسها هي بمثابة تأكيد على أن الصهيونية أفلست سياسيا، كما أفلست أخلاقيا، وذلك بمقدار ما أفلست أمنيا وعسكريا.أصوات مضادة، تكشف عن الوجه الآخر. مايكل سفارد المحامي المتخصص في القانون الدولي لحقوق الإنسان وقوانين الحرب، تساءل في مقال لصحيفة “هآرتس”: “ما الذي ستحفره أفعالنا في الأسابيع الأخيرة في نفوسنا من تخريب المدن والبلدات والقرى ومخيمات اللاجئين، والتدمير الكامل للأحياء السكنية والبنية التحتية المدنية، ومحو العائلات وجعل المئات، إن لم يكن الآلاف من الأطفال، يتامى؟”. يقول ديفيد هيرست، وهو كاتب خبير في شؤون الشرق الأوسط، في مقال على موقع “ميديل أيست آي” البريطاني “‘تدمير حماس’ هو شعار وهدف حكومة الحرب الإسرائيلية. لكن بعد شهرين من التدمير، يمكنهم الآن تعديل هذا الشعار ليصبح ‘تدمير إسرائيل’ أيضاً؛ لأنَّ هذا ما قد ينجم عن هذه الحرب”.سواء أكانت حماس تعرف كل ذلك مسبقا أم لا، فإن توقعاتها للخيارات الثلاثة أمام إسرائيل كانت صحيحة: لم تكن إسرائيل قادرة على الخيار الأول (التسوية الشاملة)، فاختارت الثاني (الدمار الشامل)، حتى وصلت إلى الثالث (دمارها هي).
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: أکثر من وهو ما ما کان
إقرأ أيضاً:
علاقة إسرائيل بأزمة دفاعات أوكرانيا الجوية
كييف- خلال شهر يونيو/حزيران الماضي، هوجمت العاصمة الأوكرانية عدة مرات بأعداد قياسية من المسيّرات والصواريخ الروسية، مما أدى إلى دمار واسع لحق بعدد من المنشآت والمواقع والمباني السكنية وغير السكنية، وسقوط العشرات بين قتلى وجرحى.
واقع تجدد معيدا كييف إلى واجهة الحرب وأجوائها، ودفع السلطات إلى إعلان الحداد، بعد شهور وسنوات من أمان نسبي حققته الدفاعات الجوية التي حصلت عليها من "الشركاء الغربيين".
واليوم، كلما دوت صافرات الإنذار، خاصة خلال ساعات الليل، عمّ الهلع وساد القلق؛ وتعامل الأوكرانيون بكل جدية مع الخطر، تماما كما كان عليه الحال في أولى أيام الحرب قبل أكثر من 3 سنوات.
قصف مكثف
لا يقتصر هذا المشهد على كييف، فالقصف الروسي لم يعد واسع النطاق كما كان، بل بات مكثفا ومركزا في كل مرة على مدينة أو مقاطعة بعينها. وشمل هذا "التكتيك" الجديد مؤخرا أوديسا في الجنوب، وخاركيف في الشرق التي قُصفت 142 مرة خلال يونيو/حزيران الماضي، واستمرت حالة الخطر فيها أكثر من 15 يوما.
وبحسب عمدة خاركيف، استُهدفت المدينة بكل أنواع الصواريخ والمسيّرات بكثافة لم تتعرض لها منذ بداية الحرب، وحتى عندما شهدت بعض أحيائها قصفا واشتباكات و"قتال شوارع" حينها.
كشف هذا التطور في أسلوب القصف أزمة دفاعات جوية حادة تعاني منها أوكرانيا، التي يطالب رئيسها فولوديمير زيلينسكي -بعد كل قصف- الولايات المتحدة وباقي دول الغرب بمزيد من نظم تلك الدفاعات وذخائرها.
وبالفعل، كشف كل من موقع "بوليتيكو" وشبكة "إن بي سي" أن البنتاغون أوقف تزويد أوكرانيا بالذخيرة، سواء في إطار المساعدات أو عمليات الشراء، بما يشمل عشرات الصواريخ الاعتراضية لنظام "باتريوت"، وعشرات صواريخ "ستينغر".
وكان زيلينسكي قد اعترف بأن بلاده ستكون عاجزة أمام روسيا دون دعم أميركي، ولن تستطيع حماية مدنها دون صواريخ "باتريوت" التي وصفها بـ"عالية الكفاءة".
إعلانولا يتعلق سبب وقف الإمدادات الأميركية بالعلاقات الشخصية "السيئة" بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزيلينسكي كما توقع الكثيرون في وقت سابق، ولا برغبة ترامب في منح الدبلوماسية فرصة لدفع عملية التفاوض وتحقيق السلام.
في حديث مع الجزيرة نت، اعتبر فاليري بوروفيك، وهو مؤسس شركة لتصنيع الطائرات المسيّرة، أن سبب وقف المساعدات يرجع إلى إعطاء الولايات المتحدة الأولوية المطلقة لإسرائيل خلال الشهر الماضي.
وأوضح أنه حتى الذخائر التي كانت في طريقها إلى أوكرانيا توقفت في دول العبور، وتحولت وجهتها إلى تل أبيب لدعمها في مواجهة إيران.
ويرى بوروفيك أن العاصمة كييف أصبحت أخطر مدينة في أوكرانيا، فهي تفقد درعها الجوي بسبب إعادة توجيه الأسلحة الغربية عموما، والأميركية خصوصا. ويبدو أنها لم تجد آذانا مصغية تلبي النداء وسط عواصم "الحلفاء" إلا في برلين، التي زار وزير خارجيتها يوهان فادفول مؤخرا أوكرانيا، متعهدا بـ"التركيز الكامل على دعمها".
بعد الولايات المتحدة، تُعتبر برلين ثاني أكبر داعم لكييف منذ بداية الحرب؛ ورأى فادفول أن "على أوروبا وألمانيا إظهار صمود الأوروبيين، وتحديد مع من تقف، حتى لا تتغير حدود القارة بالقوة"، في إشارة إلى حرب روسيا على أوكرانيا. وتعهد بمواصلة دعم كييف اقتصاديا وإنسانيا وعسكريا، لاسيما بأنظمة دفاع جوي حديثة.
وبانتظار تنفيذ الوعود والتعهدات، تقف أوكرانيا وحيدة في مواجهة أعداد قياسية من وسائل القصف الجوي، وتبدو ضعيفة بعدما خسرت ترسانتها الدفاعية ثالث طائرة من "إف-16" قبل أيام، لكنها تتحدث عن بدائل واعدة للمواجهة والحد من التداعيات.
وأشارت القوات الجوية الأوكرانية -في بيان- إلى أنه خلال شهر يونيو/حزيران الماضي، دمر الدفاع الجوي أكثر من 4 آلاف هدف، من بينها آلاف الطائرات المسيّرة الهجومية من طراز "شاهد"، وهذا يعادل نحو 70% إلى 80% من كميات الصواريخ والمسيّرات التي أطلقتها روسيا.
وأعلنت القوات الجوية الأوكرانية استحداث "وحدة دفاع جوي جديدة"، مهمتها حماية المدن من الطائرات المسيّرة، بمساعدة أنظمة دفاع مزودة بطائرات اعتراضية مسيّرة أيضا.
فترة عصيبةوتحدث وزير الدفاع الأوكراني، رستم عمروف، عن "حلول فاعلة فاقت التوقعات" لمشكلة الطائرات المسيّرة، التي باتت أبرز وسائل القصف الروسي، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
في هذا الإطار، يتوقع كثيرون أن تستعر الحرب في السماء وعلى الجبهات خلال صيف وخريف العام الجاري، إذا لم تجد الدبلوماسية سبيلا للحل.
في حديث مع الجزيرة نت، قال إيفان ستوباك، الخبير العسكري في "المعهد الأوكراني للمستقبل"، والمستشار السابق لشؤون الأمن العسكري في البرلمان الأوكراني، "نقف أمام فترة عصيبة. تخطط موسكو لإنتاج ما يتراوح بين 500 و1000 مسيّرة يوميا. هذا يضاعف التهديد والخطر".
وأضاف "التعويل الأوكراني يبقى على وسائل الدفاع الغربية وعلى مضاعفة الإنتاج المحلي من المسيّرات عالية التقنية المعدة للدفاع أو الهجوم. أعتقد أننا نتفوق على الروس نوعا، ويتفوقون علينا كما في الوقت الحالي".
إعلانوحسب الخبير ستوباك، فإن صواريخ "نيبتون" الباليستية المحلية الصنع ستدخل مشهد الحرب قريبا. كما أن ضرب الروس بالصواريخ الأميركية أثّر سابقا على هجماتهم، وهذه العملية يجب أن تُستأنف لزيادة خسائرهم والحد من قدراتهم.