محور فيلادلفيا.. خطة نتانياهو لعزل غزة عن مصر تصطدم باتفاق السلام
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، السبت، إن المنطقة المعروفة باسم "محور فيلادلفيا" الحدودية بين مصر وقطاع غزة، يجب أن تكون تحت السيطرة الإسرائيلية، في خطوة يراها الإسرائيليون تهدف إلى ضمان عدم دخول أسلحة إلى غزة، بينما يعتبرها مراقبون مسألة "معقدة" ومجرد "محاولة لإرضاء اليمين الإسرائيلي" وسط استمرار العمليات العسكرية في القطاع.
وقال نتانياهو خلال مؤتمر صحفي: "محور فيلادلفيا، أو بعبارة أدق نقطة التوقف الجنوبية (في غزة)، يجب أن يكون تحت سيطرتنا. يجب إغلاقه. من الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه".
هذا المحور هو الشريط الحدودي الممتد بين مصر وقطاع غزة، والذي يعرف أيضا بـ"محور صلاح الدين"، وهو منطقة عازلة بموجب اتفاق السلام المبرم بين مصر وإسرائيل عام 1979، ويبلغ طوله 14 كلم.
ولم يخض نتانياهو في التفاصيل، لكن القيام بمثل هذه الخطوة سيعتبر بحكم الأمر الواقع تراجعا عن انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، مما يضع الجيب تحت السيطرة الإسرائيلية الحصرية بعد إدارته على مدى سنوات من جانب حماس، بحسب رويترز.
وجاءت تصريحات نتانياهو بشأن هذه المنطقة العازلة، في الوقت الذي تمضي فيه القوات العسكرية الإسرائيلية قدما في هجوم، أكد رئيس الوزراء مجددا أنه سيستمر "لأشهر عديدة أخرى".
لماذا فيلادلفيا؟قال الأستاذ الزائر بالأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل، سيد غنيم، إن سعي إسرائيل للسيطرة على محور فيلادلفيا "في أقرب وقت ممكن"، هدفه هو "تضييق الخناق على الفصائل الفلسطينية ومنع خروج أي من عناصرها إلى مصر، والتأكد من عدم تهريب أي احتياجات لهم للداخل، أو أي أشياء بواسطتهم للخارج".
ولفت غنيم في تصريحات لموقع "الحرة"، إلى أن مصر في السابق "أعادت انتشار قواتها منذ سنوات في سيناء في إطار مكافحة الإرهاب"، لافتا إلى ضرورة وجود تنسيق حتى يتم الأمر "دون حدوث أزمات" بين الجانبين.
يذكر أن أغلب سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، نزحوا إلى جنوبي القطاع بسبب العملية العسكرية التي تشنها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، عقب هجوم حماس على بلدات جنوبي إسرائيل.
وقتل أكثر من 21 ألف شخص، أغلبهم من النساء والأطفال في قطاع غزة، بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية، وفق السلطات الصحية في القطاع.
وبدأت تلك العمليات في أعقاب هجوم حماس (المدرجة على قوائم الإرهاب الأميركية) في السابع من أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص، أغلبهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، واختطاف نحو 240 على يد الحركة الفلسطينية ونقلهم إلى قطاع غزة، وفق السلطات الإسرائيلية.
كما بدأت إسرائيل في 27 أكتوبر، توغلا بريا في القطاع، قالت إنه يستهدف شبكة الأنفاق وقادة حماس في القطاع، وأعلنت بالفعل عن مقتل الآلاف (من المسلحين) وتدمير العديد من الأنفاق. لكن على الرغم من ذلك، تتواصل عملية إطلاق الصواريخ نحو مناطق إسرائيلية، وأبرز قادة حماس لا يزالون بعيدا عن قبضة إسرائيل.
من جانبه، قال المحلل بمركز القدس للشؤون العربية، يوني بن مناحيم، في تحليل للمؤسسة الإسرائيلية، الخميس، إن هناك أهمية "حساسة" لمحور فيلادلفيا، مشيرًا إلى أن التقديرات الأمنية في إسرائيل تشير إلى أنه "طريقا رئيسيا لتهريب الأسلحة من مصر إلى حماس".
وأضاف أن السيطرة على الممر "يقطع فعليا الرابط البري الوحيد بين قطاع غزة ومصر، مما قد يؤدي إلى عرقلة الحركة بين الجانبين عبر شبكة الأنفاق".
وأعلنت مصر من قبل تدمير الأنفاق الحدودية مع قطاع غزة. وتأكيدا على أنها دُمرت بالفعل، قال المحلل الفلسطيني أشرف العكة: "لو كانت تلك الأنفاق موجودة حتى الآن، لما دخلنا في أزمة إنسانية، حيث كان سيتم إدخال المساعدات والأدوات الطبية إلى القطاع".
وأضاف في تصريحات لموقع الحرة: "مصر بالفعل أغرقت ودمرت الأنفاق، ونتانياهو يحاول التذرع وإيجاد مبررات لإرضاء اليمين المتطرف، خصوصا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير".
كيف يمكن لإسرائيل السيطرة على المحور؟أوضح غنيم للحرة، أنه حال "قررت إسرائيل اجتياح خط فيلادلفيا، فستقوم بعمليات تمشيط على الشريط الحدودي مع مصر، في سياق حربها في غزة، وستواصل القصف النيراني الجوي والبحري والمدفعي والصاروخي على مدينة رفح والأحياء المتاخمة للحدود الجنوبية، وستركز على الأهداف المشكوك فيها على الشريط الحدودي داخل قطاع غزة".
وأوضح أن تلك الخطوة يتبعها "تنفيذ عمليات تمشيط من الجنوب إلى الشمال وبالعكس، ومن الشرق للغرب وبالعكس أيضاً، وذلك بهدف الوصول إلى أكبر عدد من عناصر الفصائل الفلسطينية".
كما أوضح الأستاذ الزائر بالأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل، أن التمشيط يتم "بوسائل الاستطلاع والدرونز، وعناصر القوات الخاصة، والجرافات التي تحمل رشاشات إلكترونية، والعربات المدرعة، والدبابات".
ونوه بأن القوات البرية الإسرائيلية سيكون عليها أن تعمل على "تمشيط كافة المناطق الموجودة على الشريط الحدودي، حيث يتم تفتيش وفحص المنازل والأماكن المشكوك فيها للبحث عن الأنفاق، وستسعى إسرائيل للسيطرة على تلك المناطق لتأمينها وإنشاء سواتر ترابية على طول خط الحدود مع مصر داخل القطاع، وتقوم بتأمينها كما لو كانت جزءا من إسرائيل".
من جانبه، أشار التحليل الإسرائيلي، إلى أن "من شأن السيطرة على الحدود الجنوبية عبر ممر فيلادلفيا، أن يكمل تطويق قطاع غزة، وهي خطوة استراتيجية لها آثار على نزع السلاح من المنطقة بعد الصراع".
وبدوره، لفت بن مناحيم إلى أن "إسرائيل حاولت التقدم نحو الممر في 23 ديسمبر الجاري، لكن حماس صدت الهجوم. كما استهدف سلاح الجو الإسرائيلي مواقع للحركة على طول الممر".
واعتبر أن تصريحات نتانياهو عن السيطرة على المنطقة، تشير إلى أن "إسرائيل حاسمة في هذا القرار، مؤكدة التزامها بمحاصرة قطاع غزة بشكل كامل".
ماذا تقول اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل؟لم تصدر أي تصريحات رسمية من مصر للتعليق عما صدر عن نتانياهو، لكن عضو مجلس النواب المصري، الكاتب مصطفى بكري قال في منشور عبر منصة "إكس"، إن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي "اعتداء سافر على اتفاقية السلام بين البلدين"، محذرا إياه من "الاقتراب"، وأن "الحدود المصرية خط أحمر".
ودعا السلطات المصرية إلى تقديم "احتجاج رسمي وتحذير معلن، لأن ذلك يمثل "خرقا لاتفاقية السلام الموقعة بين البلدين، واعتداء على السيادة المصرية، وخنقا لغزة، ويجعلها تعيش في سجن كبير، ويفرض عليها الحصار الدائم.. ويفتح الطريق أمام تهجير الفلسطينيين إلى سيناء".
وبدوره، قال المحلل الفلسطيني، العكة، إنه في الوقت الحالي "لا يمكن أن يكون هناك تنسيق بين مصر وإسرائيل في ظل الحرب الدائرة"، مشيرًا إلى أن "وجود القوات الإسرائيلية على المحور يعد اعتداء على السيادة والأمن القومي المصري".
ولفت إلى أن السيطرة على المحور "مسألة معقدة"، مضيفا: "هناك بعدان لهذا الأمر، الأول مرتبط بمصر، والثاني بالمقاومة (حركة حماس المصفنة إرهابية) التي لا تزال متماسكة، ويمكنها توجيه ضربات للجيش الإسرائيلي حيث يتمركز".
وتسمح اتفاقية كامب ديفيد لإسرائيل ومصر بنشر قوات محدودة العدد والعتاد ومحددة بالأرقام ونوعيات السلاح والآليات على ذلك المحور، وذلك بهدف القيام بدوريات على جانب المحور المصري، لمنع التهريب والتسلل والأنشطة الإجرامية الأخرى.
وتتيح الاتفاقية تواجدا إسرائيليا ضمن هذا الشريط العازل "محور فيلادلفيا"، وهو يقع ضمن المنطقة "د" بموجب الملحق الأول، البروتوكول الخاص بالانسحاب الإسرائيلي وترتيبات الأمن، والتي تتيح تواجد قوة عسكرية إسرائيلية محدودة من 4 كتائب مشاة وتحصينات ميدانية ومراقبين من الأمم المتحدة.
ولا تتضمن القوة الإسرائيلية أي تواجد للدبابات أو المدفعيات أو الصواريخ، ما عدا الصواريخ الفردية "أرض-جو".
خطورة على مصر؟كانت القوات الإسرائيلية تسيطر على هذه المنطقة "د" بما يتضمن محور فيلادلفيا، حتى انسحابها منها وتسليمها للسلطة الفلسطينية عام 2005، ولترتيب تواجد مصري لقوات حرس الحدود، تم توقيع اتفاقية جديدة عرفت باسم "اتفاقية فيلادلفيا" والتي تتماشي مع اتفاقية "المعابر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية" التي تم التوقيع عليها في العام ذاته.
ووقعت إسرائيل مع مصر على اتفاقية فيلادلفيا باعتبارها تابعة لاتفاقية كامب ديفيد، والتي حددت مسافة 14 كلم كشريط عازل على طول الحدود بين مصر وغزة.
وجاءت الاتفاقية بعدما أقر الكنيسيت الإسرائيلي عام 2004، قرارا بسحب جميع القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، والذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس 2005.
وسمحت الاتفاقية بتنسيق أمني إسرائيلي مصري، وتواجد أمني مصري من قوات حرس الحدود على طول شريط فيلادلفيا، والقيام بدوريات من كلا الطرفين.
ونصت على أن التواجد المصري في هذه المنطقة هو "لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود" وليس مخصصا لأي غرض عسكري، وأن هذه الاتفاقية لن تغير أو تعدل في اتفاقية السلام الرئيسية مع مصر بالحفاظ على المنطقة "ج" منزوعة السلاح، واعتبار اتفاقية فيلادلفيا على أنها "بروتوكول أمني" لضمان عدم وجود عسكري مصري قريب من الحدود الإسرائيلية.
وبموجب اتفاق مع إسرائيل، يقوم 750 جنديا (من قوة ليست عسكرية وإنما شرطية)، بدوريات على طول الحدود، مسلحين بأسلحة خفيفة وعربات مدرعة، إضافة إلى عدد غير محدد من عناصر الشرطة غير المسلحين.
وقبل عامين من انسحابهم، أقام الإسرائيليون جدارا من الإسمنت والمعدن بطول 7 كيلومترات وبعلو 8 أمتار لعزل قسمي مدينة رفح، التي قُسّمت لشطرين عقب اتفاقية كامب ديفيد، بين مصر وغزة.
ورأى غنيم أنه من منظور المخاطر على مصر، فإن "وجود الإسرائيليين على الخط الحدودي مع مصر داخل غزة، مثل وجودهم على خط الحدود مع مصر خارج غزة".
وتابع للحرة: "الطائرة المقاتلة أو القطع البحرية أو المدفعية أو الصواريخ الإسرائيلية التي توجه ضربات في رفح وخان يونس على مسافة أقل من 1 كلم إلى 10 كلم من الحدود المصرية، لا فرق بينها (من حيث التأثير على مصر) وبين عربة مدرعة أو جرافة أو دبابة من جيش الاحتلال تدخل أيا من المنطقتين أو تتحرك على خط الحدود داخل رفح الفلسطينية. والخطر واحد ولم يزيد أو يقل تجاه الحدود المصرية وعلى الأمن القومي المصري منذ ليلة 27/ 28 أكتوبر، أي مع توغل أول دبابة إسرائيلية داخل قطاع غزة".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: رئیس الوزراء الإسرائیلی محور فیلادلفیا الشریط الحدودی اتفاقیة السلام السیطرة على فی القطاع خط الحدود قطاع غزة على طول بین مصر مع مصر إلى أن
إقرأ أيضاً:
خبيرة: نتنياهو يتجاهل خطة السلام .. وجود قوة دولية يردع انتهاكات إسرائيل
أكدت الدكتورة إيمان رجب، الخبيرة في الأمن الإقليمي والاستراتيجي ورئيس وحدة الدراسات الأمنية والعسكرية في مركز الأهرام، على ضرورة وجود قوة على الأرض لردع القوات الإسرائيلية في قطاع غزة ووقف الانتهاكات المستمرة منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، مشيرة إلى أن الفترة الماضية شهدت تحذيرات متكررة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الحكومة الإسرائيلية دون أي تحركات فعلية في الميدان.
انسحاب القوات الإسرائيليةوأوضحت إيمان رجب، خلال لقاءها مع الإعلامية كريمة عوض في برنامج حديث القاهرة، على شاشة "القاهرة والناس"، أن ترامب يواجه مشكلة حقيقية مع إسرائيل التي تسعى لإضعاف خطته للسلام، وأضافت أن الأوروبيين لم يعلنوا مشاركتهم في القوة الدولية "قوة السلام" بقطاع غزة، موضحة أن أي قيادة للقوة الدولية تتطلب انسحاب القوات الإسرائيلية من نقاط قطاع غزة أولًا.
وأشارت إيمان رجب، إلى أن ترامب لن يدفع دولارًا واحدًا لصالح منطقة الشرق الأوسط، معتبرة أن اغتيال القيادي رائد سعد في كتائب القسام كان متوقعًا، نظرًا لأن مبادرة ترامب للسلام تشمل تصفية الجناح العسكري لحركة حماس وإضعاف قدراتها العسكرية، متوقعة استمرار سلسلة اغتيالات لقادة حماس العسكريين خلال الفترة المقبلة، مع وجود ضغوط من الوسطاء على الجانب الفلسطيني لمنع التصعيد.
الهدف الاستراتيجي لترامبوأوضحت إيمان رجب، أن الهدف الاستراتيجي لترامب في 2026 هو تحقيق السلام في مناطق الحرب وعلى رأسها غزة، وأن الإدارة الأمريكية تسعى لتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة استثمارية، مضيفة أن نتنياهو والاحتلال لا يلتزمان بخطة السلام الخاصة بقطاع غزة، وأن إسرائيل تحاول القيام بحملة سلبية ضد مصر رغم عدم الالتزام بالاتفاق، معتبرة أن القيادة الإسرائيلية ترى السماء المفتوحة أحد المكاسب التي حققتها من عملية 7 أكتوبر.
وتابعت: "محللون إسرائيليون يرون أن حرب 7 أكتوبر منحت إسرائيل سيطرة استراتيجية على عدد من المناطق في سوريا ولبنان، مع استمرار الهجمات ضد إيران، ما يعكس تحولات كبرى في الحسابات الاستراتيجية الإقليمية في المنطقة".