لا تُجالس المُتعالين بشهاداتهم
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
محفوظ بن راشد الشبلي
mahfood97739677@gmail.com
من البديهي والمنطقي أن تجد الشخص المُتعلم والمُثقّف والذي يحمل شهادات عِلمية عالية يتجسّد عامل الرُقي في مستواه الثقافي عند حديثه ومنطقه وفي تعاملاته مع الآخرين، ويتضح ذلك مليًا بانتقائه أجمل العبارات ويُترجم أرقى التعاملات مع الآخرين حتى ولو كان الطرف الآخر أقل منه تَعلمًا وثقافة وشهادته العِلمية أقل مستواها عن شهادته التي يحملها، لأن ذلك يرتكز على مخزونه الثقافي والعلمي الذي اكتسبه وتعلمه في مشواره التعليمي ومن خلال تجاربه واحتكاكه بأقرانه المتعلمين والمثقفين من حوله، سواء في جانبه المِهني أو الجانب العام باختلاطه وتعايشه مع كافة الناس في بيئته التي يعيش فيها وهذا لا شك فيه ولا ريب.
أما غير المنطقي والخارج عن المنظور والمعتقد البديهي هو تباهي وتعالي وتكبّر فئة من المتعلمين والمثقفين والحاصلين على الشهادات العالية على الذين يجدهم في نفسه أقل منه مستوى تعليميا وثقافيا ويعتبر في تصوّر نفسه أنهم ليسوا في مستواه بل وأقل منه تكافؤا في المخزون الفكري والانفتاح العِلمي ويستصغر أفكارهم ومنطقهم ويُقلل من شأنهم وحديثهم معه ويرى في نفسه أن مجالستهم والتحدث معهم هو تقليل من شأنه ومكانته العِلمية برغم احترامهم وتقديرهم الشديد له.
إنَّ التعامل المبني على التعالي والكِبر مع الآخرين هو مكتسب خاطئ شكلًا ومضمونًا وهو من الصفات غير المحمودة وغير المُحببة من المنظور الديني والعلمي والفكري وهو ضعف وركاكة في سلوكيات وفلسفة التعامل مع الآخرين المبنية على احترام أفكارهم أيًا كانت شكلياتهم وعقلياتهم ومستوياتهم العِلمية والثقافية والأدبية، فمن غير المنطقي بل والمُدهش أن يُترجم الشخص المُتعلم غير ذلك الأسلوب وغير ذلك المبدأ وينظر للآخرين على أنهم أقل منه شأنًا بمجرد أنه يحمل شهادة أعلى منهم ويكفي أنهم احترموك وقدروك لمستواك العلمي رغم جهلهم بباقي تفاصيلك، فالعِلم بطبيعته يرقى بصاحبه في جميع الاتجاهات وأغلب التفاصيل.
ومن خلال تجربة شخصية عاملني بها شخص لا أعرف عمقه شخصيًا إلّا أنني أكن له فائق الاحترام والتقدير لمستواه العِلمي والأدبي، وظهر لي من خلال تعامله تعاليه بشهادته التي يحملها ونظرته الدونية لفكري الذي أبديته وتعاملت معه، وقد اعترفت له بذلك، إلّا أنه أبدى مراوغته في ردة فعله، وما كان منّي سوى أنني اعترفت له بمستواي العِلمي الأقل منه إن كان ينظر لي من خلاله، وأبقيت احترامي له، وتجنّبت الحوار والتعامل معه مُجددًا، واحتفظت بكرامتي وعزة نفسي في ذاتي نظير الدخول معه في نقاشات غير متكافئة بمنظوره الغريب وصدق القائل بأن تعز نفسك أفضل لك من إهانتها مع من لا يُقدرك.
خلاصة القول.. إذا دعتك نفسك في موضع تجد فيه أنك أعلى من شخص آخر فلا تستدعه كي تُجالسه وتتبادل أطراف الحديث معه، فربما لن يعجبك حديثه ولا مجالسته وستستصغر نفسك بأنك نزّلتها لمستواه فتندم، فكل عند مستواه يجد نفسه وهذا أفضل، ولذلك أوجد نفسك مع من هم في مستواك الذي يليق بك ودع الخلائق لمستوياتها التي تليق بها وتتناسب معها وإن كانت الشهادة معياراً فهي تُثبت أنك مُتعلّم ولكنها لا تُثبت أنك فاهم.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عام على رفح.. المدينة التي محاها القصف وبقيت تنتظر العالم
بعد عام على العملية العسكرية الإسرائيلية التي اجتاحت مدينة رفح جنوب قطاع غزة، لا تزال المدينة شاهدة على حجم الكارثة الإنسانية والدمار الهائل، حيث تحولت الأحياء إلى أطلال صامتة تروي وجع الناجين، وسط صمت دولي وتجاهل مستمر لمعاناة السكان.
وبحسب تقرير إعلامي، فبعد مرور عام على العملية العسكرية الإسرائيلية على مدينة رفح جنوب غزة، تحولت المدينة التي كانت تعج بالحياة إلى ساحة قاحلة، حيث أصبحت الأحياء أطلالاً تروي حكاية معاناة لم تنتهِ بعد، وتظهر الصور الجوية اختفاء كل معالم المدينة، فيما ظل ركام المباني المدمرة شاهداً على حملة عسكرية وصفتها منظمات حقوقية بـ”التدمير الممنهج”.
ووفق تقرير لقناة روسيا اليوم، ففي 7 مايو 2024، انطلقت حملة رقمية على وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان “كل العيون على رفح”، لكن بعد عام لم تنجح الحملة في لفت انتباه المجتمع الدولي لوقف الهجوم الإسرائيلي، وسط استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة.
وتابع التقرير: “اليوم، لم تعد رفح كما كانت، فلا يُسمع في شوارعها سوى هدير جنازير الآليات ودوي المدافع الإسرائيلية، وأبناؤها يحملون ذكريات الماضي بين أنقاض الحاضر، في انتظار مستقبل يبدو بعيد المنال.”
الجدير ذكره، أن الحكومة الإسرائيلية هددت مناطق أخرى في قطاع غزة، من شماله وحتى جنوبه، بمصير مماثل لمصير مدينة رفح، فيما يظل السؤال الوحيد الذي يراود أهالي القطاع: “إلى أين نذهب؟”، وسط تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باحتلال المناطق التي يدخل إليها جيشه.
ولا يزال قطاع غزة يتعرض لحرب إسرائيلية تسببت بتشريد نحو مليون و900 ألف فلسطيني، ومقتل ما يزيد على 50 ألفاً، وتدمير ما يقارب 450 ألف وحدة سكنية، كما تضررت 84% من المرافق الصحية وخرج 34 مستشفى عن الخدمة، وبات 620 ألف طالب بلا مدارس، بينما وصلت نسبة البطالة إلى 79%، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي للقطاع بنسبة تجاوزت 83%.
هذا وبدأت العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح في مايو 2024، ضمن حملة أوسع شملت أنحاء قطاع غزة، بذريعة استهداف بنى تحتية لفصائل فلسطينية، ورغم الإدانات الدولية والتحذيرات الحقوقية من كارثة إنسانية، واصلت إسرائيل عملياتها في ظل غياب موقف دولي فاعل، وهو ما أجج الأزمة الإنسانية في واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم.