طلبت دولة جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية يوم الجمعة الموافق 29 ديسمبر/ كانون الأول 2023 إصدارَ أمر عاجل يعلن أن إسرائيل تنتهك التزاماتها في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948. وقد استجابت المحكمة، استنادًا للصلاحية القانونية، لهذا الطلب، حيث حددت جلستين لهذه الغاية: الجلسة الأولى؛ يوم 11 يناير/ كانون الثاني 2024 حيث ستقدم جنوب أفريقيا مرافعتها الشفهية من الساعة العاشرة صباحًا وحتى 12 ظهرًا.

فيما ستقدم إسرائيل مرافعتها الشفهية يوم الجمعة الموافق 12 يناير/ كانون الثاني 2024، من الساعة العاشرة صباحًا وحتى 12 ظهرًا. يذكر أن جنوب أفريقيا وإسرائيل هما طرفان في اتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية لعام 1948.

ومن جهتها، قرَّرت إسرائيل المثول أمام محكمة العدل الدولية للرد على دعوى جنوب أفريقيا لمقاضاتها. وتناقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن هيئات أمنية وقانونية إسرائيلية، بما فيها النيابة العامة، الخشيةَ من أن تنسب محكمة العدل الدولية لإسرائيل جرائم إبادة جماعية في غزة.

وتتضمن الدعوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا طلبًا من المحكمة الدولية بأن تصدر بشكل عاجل أوامر مؤقتة ملزمة قانونًا لإسرائيل "بتعليق عملياتها العسكرية على الفور في غزة وضدها". ومن المتوقع أن تصدر المحكمة مثل هذه الأحكام، وفي المقابل قد تتجاهلها إسرائيل.

وفي إطار عملية الدفاع التي تقوم بها دولة الاحتلال في مواجهة طلب جنوب أفريقيا، نظمت الخارجية الإسرائيلية حملة واسعة النطاق من خلال الطلب من سفرائها في دول معنية لتشويه صورة جنوب أفريقيا بالادعاء بأنها تدعم منظمة إرهابية تدعو إلى تدمير دولة إسرائيل، وهي عملية تمييع لهذا الجهد.

عاشت جنوب أفريقيا أطول تجربة نظام فصل عنصري استمرّ لمدة 46 عامًا، بدأ عام 1948 وانتهى عام 1994، وذلك بعد حملة طويلة وشاقة من المقاومة من قبل حركة الحقوق المدنية. وهي بهذا المعنى تدرك تمامًا معنى أن يعيش الشعب الفلسطيني في غزة تحت نظام فصل عنصري

كما تتركز الحملة، على الطلب السياسي وليس القانوني، من محكمة العدل الدولية بأن تتحرك ضد إيران أو حماس؛ كي يكون هناك توازن في عملها، وهي تأتي أيضًا في محاولة تفريغ طلب جنوب أفريقيا من مضمونه القانونيّ.

يستند الطلب الجنوب أفريقي من محكمة العدل الدولية إلى أمرَين، وهما: أن إسرائيل لا تعمل على منع التصريحات التي تدعو إلى الإبادة الجماعية، وأنها ترتكب- فعلًا- أعمالًا تشكل إبادة جماعية. وذلك من خلال ملف متكامل يتكون من 84 صفحة كل صفحة فيه أعدت بعناية بالغة.

والأسئلة المركزية في هذا الإطار: لماذا تخوض دولة جنوب أفريقيا المعركة القانونية وحدها ضد إسرائيل؟، وهل هناك من إمكانية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها؟، وما هو موقف الولايات المتحدة؟، ولماذا لم تنضم أية دولة أخرى لها بما فيها دول عربية وإسلامية؟

نجيب عن هذه التساؤلات من خلال النقاط التالية:

من المهم الإشارة إلى أن جنوب أفريقيا دولة بعيدة عن حدود إسرائيل، وهي دولة صناعية غربية وإن كانت في أفريقيا. وليست ذات مصلحة مباشرة، كما هو الحال فيما لو فعلت ذلك الأردن، أو مصر أو سوريا أو السلطة الفلسطينية مثلًا. هذه المعطيات مهمة جدًا في تأكيد مصداقية دولة جنوب أفريقيا. عاشت جنوب أفريقيا أطول تجربة نظام فصل عنصري استمرّ لمدة 46 عامًا، بدأ عام 1948 وانتهى عام 1994، وذلك بعد حملة طويلة وشاقة من المقاومة من قبل حركة الحقوق المدنية. وهي بهذا المعنى تدرك تمامًا معنى أن يعيش الشعب الفلسطيني في غزة تحت نظام فصل عنصري وحصار غير قانوني وجرائم حرب متواصلة. وهي تتضامن أخلاقيًا مع نضال الشعب الفلسطيني لتقرير مصيره. إن جرائم الاحتلال في غزة موصوفة ومتكاملة: (جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، جرائم إبادة)، كما أن التصريحات التي صدرت عن مسؤولين إسرائيليين- والتي سبقت ورافقت الحرب على غزة- واضحة جدًا، وقد هيأت الظروف لارتكاب هذه الجرائم، وهي تشكل ركن النية لارتكاب جريمة الإبادة. وحين أعدت جنوب أفريقيا الملف إنما أعدته كي تحقق إنجازًا حقيقيًا لملاحقة ومحاسبة قادة الاحتلال كهدف مباشر، وكي تضع المجتمع الدولي عند مسؤولياته كهدف غير مباشر. (يبلغ عدد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية 153 دولة). إن سبب اللجوء إلى محكمة العدل هو رفض، أو تقاعس، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية السيد كريم خان عن، إدانة إسرائيل، وإصدار مذكرات توقيف بحق قادة إسرائيليين، كما فعل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال فترة زمنية قياسية. إن نزاهة وجدية القضاة في محكمة العدل الدولية مشهودة، وهم يعملون بشكل مهني تام، حتى وإن كان من بينهم قاضٍ أميركي، فقد سبق أن أدانت هذه المحكمة- من خلال الرأي الاستشاري- إسرائيلَ في قضية جدار الفصل العنصري عام 2004، وقالت: إن جدار الفصل العنصري هو للدفاع عن الاحتلال وليس للدفاع عن النفس، (رغم كل محاولات التشويش والصراخ التي قامت بها إسرائيل آنذاك). سوف تطلب محكمة العدل الدولية من إسرائيل وقف الحرب على غزة مع بدء جلسات المحاكمة، وإذا رفضت إسرائيل فسوف تحيل الأمر إلى مجلس الأمن الدولي. عندها هل ستستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)؟، سيكون الأمر محرجًا جدًا، وسيشكل لها إرباكًا غير مسبوق، فكيف لها أن ترفض طلبًا من جسم أساسي من أجسام الأمم المتحدة. (محكمة العدل الدولية نشأت من رحم ميثاق الأمم المتحدة نفسه)، وهل ستفعل كما أفشلت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الخصوص؟ من المؤكد أن الإجراءات ستكون شاقة وستستغرق وقتًا، وهذا أمر متوقع في المحاكمات الدولية. كما أن الحكم الذي سيصدر عن محكمة العدل الدولية سيشكل ضغطًا كبيرًا على المحكمة الجنائية الدولية؛ لتسريع إجراءات التحقيق وإصدار مذكرات توقيف بحق قادة إسرائيليين. لماذا لم تنضم أية دولة إلى جنوب أفريقيا بما فيها الدول العربية والإسلامية؟

تخوض دولة جنوب أفريقيا المعركة القانونية ضد إسرائيل منفردة، لكنها تخوضها بثقة بالنفس واستنادًا إلى دلائل دامغة على ارتكاب جرائم الإبادة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. لم تنضم أية دولة عربية أو إسلامية لجنوب أفريقيا حتى من تلك الدول الأطراف في اتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية.

ولكن المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية وكذلك الوطنية (الفلسطينية على وجه الخصوص) كلها تقف بقوة إلى جانب دولة جنوب أفريقيا، وتقدم لها كل الوثائق والبيانات المطلوبة.

من الواضح أن الضغوط الأميركية قد آتت أكلها في منع أية دولة من مساندة دولة جنوب أفريقيا حتى الآن على الأقل. لكن الأمل المعقود على جهود جنوب أفريقيا ثم نزاهة وجدية قضاة محكمة العدل الدولية، وما سيصدر عنهم سيشجع بعض الدول للانضمام لهذه المعركة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة دولة جنوب أفریقیا الإبادة الجماعیة نظام فصل عنصری أیة دولة من خلال عام 1948 فی غزة

إقرأ أيضاً:

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات جنوب أفريقيا إلى 57.. وعمليات الإنقاذ معطلة

ارتفع عدد ضحايا الفيضانات في جنوب أفريقيا إلى 57 اليوم الخميس، بينما قال مسؤول كبير إن عمليات الإنقاذ "مُعطّلة" بسبب نقص الموارد.

الفيضانات في جنوب أفريقيا

ولا تزال فرق الإنقاذ تعمل وسط الأنقاض ومياه الفيضانات في جنوب أفريقيا، للعثور على المفقودين بعد أن تسببت الأمطار الغزيرة في فيضان نهر عن ضفافه في ساعات ما قبل فجر يوم الثلاثاء. 

الإمارات تعزي جنوب أفريقيا في ضحايا الفيضاناتمصرع 49 شخصًا في فيضانات عارمة بجنوب أفريقيا

وضربت أسوأ الفيضانات بلدة مثاثا إحدى أفقر مقاطعات جنوب أفريقيا والمناطق المحيطة بها، ما أدى إلى جرف الضحايا وأجزاء من منازلهم وسياراتهم.

صرح أوسكار مابويان، رئيس وزراء مقاطعة كيب الشرقية، بأن الفيضانات ضربت بينما كان الكثير من الناس نائمين. 

وأضاف مابويان أن ارتفاع المياه بلغ 3-4 أمتار (10-13 قدمًا) في بعض الأماكن عندما تدفقت من النهر إلى المجتمعات المجاورة.

وقال مابويان لقناة إس إيه بي سي التلفزيونية الحكومية: "إنه وضع مروع. لقد حدث في الوقت الخطأ"، موضحا أن السلطات المحلية واجهت صعوبة في إطلاق جهود إنقاذ فعّالة، إذ وقعت الكارثة في منطقة وصفها بأنها تفتقر إلى الموارد.

وأضاف أن مقاطعة كيب الشرقية، ذات الطابع الريفي في جنوب شرق جنوب أفريقيا، والتي يسكنها حوالي 7.2 مليون نسمة، لا تملك سوى مروحية إنقاذ واحدة. 

رئيس جنوب إفريقيا: نريد أن ندفع قدما العلاقات التجارية مع الولايات المتحدةتعطل الإنقاذ في جنوب أفريقيا

ووصلت المروحية إلى مثاتا من مدينة غكيبيرها، التي تبعد أكثر من 500 كيلومتر (310 أميال). كما استُقدمت مروحية ثانية للمساعدة.

وأشار إلى أن المنطقة تفتقر إلى غواصين متخصصين في الإنقاذ أو وحدات كلاب بوليسية، ما استدعى استدعائهم من جهات أخرى للمساعدة في عمليات البحث.

وقال مابويان: "عندما تحدث مثل هذه الأمور، نجد أنفسنا دائمًا عاجزين نشعر بالشلل".

طباعة شارك قتلى فيضانات جنوب أفريقيا فيضانات جنوب أفريقيا جنوب أفريقيا تعطل الإنقاذ في جنوب أفريقيا مياه الفيضانات الأمطار الغزيرة بلدة مثاثا

مقالات مشابهة

  • جنوب أفريقيا.. ارتفاع حصيلة وفيات الفيضانات إلى 86 شخصًا
  • صراعات بأركان محكمة الأسرة.. العقوبة القانونية لمن يمنع الأب من رؤية أطفاله
  • ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات بجنوب أفريقيا
  • طقس العالم هذا الأسبوع.. حرائق صيف أوروبا وثلوج جنوب أفريقيا
  • ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات جنوب أفريقيا إلى 57.. وعمليات الإنقاذ معطلة
  • الإمارات تعزي جنوب أفريقيا في ضحايا الفيضانات
  • الإمارات تتضامن مع جنوب أفريقيا وتعزي في ضحايا الفيضانات
  • ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في جنوب أفريقيا إلى 57
  • ارتفاع حصيلة فيضانات جنوب أفريقيا إلى 49 قتيلا
  • مصرع العشرات في فيضانات جنوب أفريقيا واستمرار عمليات البحث