شهداء غزة يوميا يفوق قتلى الصراعات الكبرى في القرن الـ21
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
قدرت منظمة "أوكسفام" الخيرية الدولية البريطانية، أن نحو 250 شخصا يقتلون يوميا جراء الهجمات الإسرائيلية على غزة، ما يعتبر العدد الأعلى بين قتلى الصراعات الكبرى في القرن الـ21.
جاء ذلك في بيان صادر عن المنظمة الخميس، في معرض تقييمها للمستجدات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وغزة وإسرائيل، مع اقتراب اليوم الـ100 من الهجمات الإسرائيلية على غزة.
وشدد البيان على أن "الجيش الإسرائيلي يقتل في المتوسط 250 فلسطينيا يوميا في غزة، وهو ما يتجاوز بشكل كبير متوسط معدل القتلى في الهجمات الكبرى في السنوات الأخيرة".
وأضاف أن عدد القتلى يبلغ في المتوسط 96.5 في سوريا، و51.6 في السودان، و50.8 في العراق، و43.9 في أوكرانيا، و23.8 في أفغانستان، و15.8 في اليمن.
وذكر البيان أن "حياة الناس في غزة معرضة للخطر ليس فقط من القصف الإسرائيلي ولكن أيضا من الجوع والأمراض والبرد، وأن 10% فقط من كمية الغذاء المطلوبة تدخل إلى غزة".
PRESS RELEASE: Daily death rate in Gaza higher than any other major 21st Century conflict, says Oxfam.
Israeli military killing 250 Palestinians per day with many more lives at risk from hunger, disease and cold: https://t.co/EV4A2wqkb5 pic.twitter.com/Q8ZoJbsREf
اقرأ أيضاً
98 % بغزة.. شهداء فلسطين في 2023 الأكبر منذ النكبة
كما يفتقر القطاع الفلسطيني بحسب البيان إلى مواد أساسية من الأغطية والماء الساخن والوقود.
وأرفق البيان كلمة لمديرة منظمة أوكسفام للشرق الأوسط سالي أبي خليل، شددت فيها على أن "أهل غزة يواجهون مجاعة نتيجة الهجمات الإسرائيلية المتواصلة منذ نحو 100 يوم".
وقالت: "من غير المعقول أن يستمر المجتمع الدولي في عرقلة الدعوات لوقف إطلاق النار ويشاهد النزاعات التي تشهد أكبر عدد من القتلى في القرن الـ21".
وأشارت إلى أن إسرائيل منعت دخول إمدادات المساعدات الحيوية إلى غزة.
وأضافت: "بالإضافة إلى الوفيات المرتفعة للغاية بالفعل، قد يموت الناس بسبب الجوع، والأمراض التي يمكن الوقاية منها، والإسهال والبرد".
وتابع أبي خليل: "الطريقة الوحيدة لوقف إراقة الدماء ومنع المزيد من الموت هي وقف إطلاق النار بشكل فوري، وإطلاق سراح السجناء ودخول إمدادات المساعدات".
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة، خلّفت حتى الأربعاء 23 ألفا و357 قتيلا، و59 ألفا و410 جرحى، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.
اقرأ أيضاً
دعت لتحقيق دولي.. حكومة غزة: الاحتلال ما يزال يحتجز جثامين عشرات الشهداء
المصدر | الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: شهداء غزة شهداء غزة حرب غزة صراعات
إقرأ أيضاً:
اليمن.. وطن أكلته الحروب وأنهكته الصراعات
خالد بن سالم الغساني
اليمن عند مفترق تاريخي يزداد تشعبًا وقتامة مع مرور الوقت، حيث تتشابك أنواع المعاناة، وتتقاطع مسارات الصراع لتخلق واقعًا مركبًا أصبح من الصعب لأي جهة داخلية أو خارجية احتواؤه. وعلى الرغم من أن جذور الأزمة تعود إلى عقود من الاختلالات والتركيبات البنيوية، فإن السنوات الأخيرة دفعت بالبلاد وإنسانها نحو حافة الانهيار، وجعلت مواطنيها يعيشون في دائرة مغلقة من الجوع والضيق والقلق وانعدام الأمن والاستقرار.
الإنسان اليمني، المعروف بصبره وصلابته، والمتمسك بالأمل مهما اشتدت عليه الظروف وازدادت المحن والمعاناة، أصبح اليوم محاصرًا بثلاثية ثقيلة: الفقر الممتد، وانهيار الخدمات على اختلافها، والاصطفاف والاقتتال الذي يعني غياب الأمن والاستقرار. ملايين يعيشون بلا كهرباء، ولا مياه نظيفة، ولا منظومة صحية قادرة على التعامل مع أبسط الأزمات، فيما ترتفع أسعار الغذاء والدواء إلى مستويات غير مسبوقة حتى بالمقاييس اليمنية. المدارس تتراجع إمكاناتها، والمستشفيات شبه خالية من التجهيزات، والطرقات باتت شاهدًا على اتساع رقعة الاضطراب، بين مناطق تتبدل فيها السيطرة أو تتقلص فيها سلطة الدولة، والمطارات والموانئ مغلقة.
ومع تفاقم الوضع الاقتصادي، تآكلت الطبقة المتوسطة التي كانت تمثل صمام أمان اجتماعي مهم. كثير من الأسر التي كانت تعيش بكرامة أصبحت اليوم تعتمد على التحويلات من الخارج أو على مساعدات لا تكفي لتأمين أساسيات الحياة. وبدلًا من أن يكون الشباب قوة دافعة للتنمية، أصبحوا رهائن الاقتتال والبطالة والظروف المعيشية القاسية، ما يخلق بيئة مساعدة على مزيد من الانفجارات على المدى الطويل. وحتى أولئك الذين يبحثون عن الاستقرار خارج الوطن يواجهون تحديات الهجرة، والتشتت الأسري، والضياع بين المنافي.
أما الأرض اليمنية، التي كانت مزيجًا من الجبال الخصبة والسهول الساحلية والموانئ الحيوية، فأصبحت تعاني مما هو أبعد من الدمار المباشر، الطرق الزراعية تعطلت، والحقول هجرت، ومناطق كانت تغذي الأسواق المحلية والخارجية أصبحت شبه خالية من الإنتاج. تراجع الزراعة يعني تراجع الأمن الغذائي، وارتفاع أسعار السلع يعني مزيدًا من الضغط على المواطن. كما أن البنية التحتية المتهالكة تزيد من صعوبة نقل البضائع، وترفع كلفة التجارة، وتغلق أبواب الرزق أمام آلاف الأسر.
وتسببت حالة عدم الاستقرار في تشكل جغرافيا سياسية جديدة، تتوزع فيها السيطرة بين مناطق وإدارات مختلفة، لكل منها رؤيتها الخاصة وطريقتها في إدارة شؤونها. هذا التوزع لا يقتصر على الخريطة العسكرية فقط، بل يتسرب إلى تفاصيل الحياة اليومية، فهناك قوانين مختلفة، خدمات متفاوتة، مستويات معيشية متباينة، وضرائب أو جبايات تختلف من منطقة لأخرى. ومع مرور الوقت، يترسخ هذا التمايز، ما يهدد بتوسع الشرخ الاجتماعي ويمهد لاحتمالات تقود إلى انفصال فعلي، حتى دون إعلان رسمي.
هذا الواقع المأساوي الداخلي لا يبقى محصورًا داخل الحدود اليمنية، بل يمتد تأثيره إلى دول الجوار التي تتابع ما يجري بقلق متزايد. فاستمرار الأزمة يعني استمرار الضغوط الأمنية على الحدود، وزيادة احتمالات التسلل غير القانوني وتجارة السلاح، وتصاعد الأخطار المتعلقة بالملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، وهي مناطق تمثل شريانًا اقتصاديًا حيويًا للعالم، وليس فقط للمنطقة. كما أن التوترات الاقتصادية والإنسانية في اليمن تنعكس على دول الجوار من خلال موجات النزوح والبحث عن فرص العمل.
دول الجوار تجد نفسها مضطرة للتعامل مع سيناريوهات معقدة: اليمن المُمزق جغرافيًا وسياسيًا يشكل تحديًا مباشرًا لأي رؤية للاستقرار الإقليمي؛ سواء للأمن الحدودي، أو لحركة التجارة، أو لمشاريع الربط الاقتصادي التي تعتمد على وجود دولة مستقرة وقادرة على إدارة مواردها. وفي حال استمر الاتجاه نحو التشظي، فقد يظهر في جنوب الجزيرة كيان غير مستقر، وآخر في الشمال يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية، ما سيجعل المنطقة بأكملها أمام احتمالات مفتوحة، قد تزيد من الأعباء الأمنية والاقتصادية على الجميع.
ومع ذلك، لا يزال الأمل قائمًا، وإنْ بدأ بعيدًا؛ فخيار التماسك ممكن إذا توفرت إرادة سياسية تتجاوز المصالح الضيقة، وإذا كان هناك دعم إقليمي ودولي يركز على المصالحة الشاملة والتنمية بدلًا من إدارة الأزمات فقط. الشعب اليمني، رغم معاناته، ما زال يملك القدرة على النهوض إذا حصل على فرصة عادلة للسلام، والوقت كفيل بأن يعيد تشكيل المشهد إذا اتجهت الأطراف نحو التهدئة الحقيقية والتفاهم البنّاء.
اليمن اليوم يقف بين طريقين، طريق يعيد له مكانته كجسر حضاري بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، وطريق آخر يأخذه نحو مزيد من الضياع والانقسام. لكن المؤكد أن مستقبل هذا الوطن سيحدده في النهاية صمود الإنسان اليمني وإصراره؛ فهو جوهر هذا البلد وروحه التي لا تنطفئ، والقوة التي يمكنها أن تعيد جمع ما تفرّق، ثم صدق جيرانه وحرصهم على المساعدة في بناء يمن موحد آمن مسالم وقوي.
رابط مختصر