مندوبية التخطيط: نسبة النمو في 2023 تناهز 2.9 في المائة
تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT
أفادت المندوبية السامية للتخطيط بأنه بناء على تطور الضرائب والرسوم الصافية من الإعانات على المنتجات بـ1,5 في المائة، سيسجل النمو الاقتصادي الوطني انتعاشا بـ2,9 في المائة سنة 2023 عوض 1,3 في المائة المسجلة سنة 2022.
وأشارت المندوبية، في الميزانية الاقتصادية التوقعية لسنة 2024، إلى أن هذا الانتعاش هو نتيجة التحسن النسبي للإنتاج الفلاحي وتعزيز أنشطة القطاع الثالث، رغم تعاقب سنوات الجفاف وتراجع الطلب الخارجي، واستمرار الضغوطات التضخمية.
وقد عرف الموسم الفلاحي 2022-2023 ظروفا مناخية غير ملائمة، تميزت بعجز في مستوى التساقطات المطرية وتوالي تقلبات درجة الحرارة. واستقر إنتاج الحبوب في حدود 55,1 مليون قنطار، أي بانخفاض بـ 15 في المائة مقارنة بمتوسط السنوات الخمس الأخيرة وبزيادة بـ 62 في المائة مقارنة بالموسم الفلاحي الماضي. وستسجل المحاصيل الأخرى، باستثناء الحبوب، زيادات متواضعة.
وبالمقابل، ستتأثر أنشطة تربية الماشية سلبا بتعاقب سنوات الجفاف، الشيء الذي سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وزيادة الواردات من المواشي. وهكذا، ستعرف القيمة المضافة للقطاع الفلاحي تحسنا بـ 6 في المائة سنة 2023 بعدما سجلت انخفاضا ملحوظا 12,9 في المائة سنة 2022.
وبناء على تطور قطاع الصيد البحري بـ 19,1 في المائة، ستعرف القيمة المضافة للقطاع الأولي زيادة بـ 6,7 في المائة عوض انخفاض 12,7 في المائة سنة 2022، حيث سيسجل مساهمة موجبة في نمو الناتج الداخلي الإجمالي بحوالي 0,7 نقطة.
ورغم النتائج الجيدة للقطاع الثالثي، ستسجل الأنشطة غير الفلاحية تباطؤا طفيفا لتستقر وتيرة نموها في حدود 2,7 في المائة عوض 3 في المائة سنة 2022. ويعزى ذلك إلى النتائج غير الملائمة لأنشطة القطاع الثانوي التي ستواصل تسجيل معدلات نمو سالبة ستستقر في حدود 0,4 في المائة سنة 2023 عوض 1,7 في المائة المسجلة سنة 2022.
وستعرف أنشطة الصناعات التحويلية نموا متواضعا لتستقر وتيرته في حدود 0,6 في المائة عوض 0,3 في المائة خلال السنة الماضية، نتيجة تراجع أنشطة الصناعات الكيمياوية بـ -4,1 في المائة بالنظر إلى انخفاض إنتاج الأسمدة وتباطؤ الصناعات الغذائية وأنشطة صناعة النسيج نظرا لارتفاع تكاليف الإنتاج.
وبالمقابل، ستواصل صناعة معدات النقل ديناميتها الجيدة سنة 2023 مستفيدة من النتائج الملائمة لأنشطة صناعة المكونات الإليكترونية والأسلاك الكهربائية مصحوبة بتحسن التموين بالنسبة لأشباه الموصلات.
كما ستسجل القيمة المضافة لأنشطة قطاع المعادن انخفاضا بـ -4,2 في المائة سنة 2023 عوض انكماش بـ 9,4 في المائة سنة 2022، ويعزى ذلك إلى تراجع إنتاج الفوسفاط والانخفاض الملحوظ للطلب المحلي والخارجي الموجه نحو الفوسفاط الخام، في سياق استقرار الأسعار العالمية في مستويات عالية.
من جهته، سيواصل قطاع البناء والأشغال العمومية سنة 2023 نتائجه المتواضعة الذي عرفها منذ عقد من الزمن، حيث سيسجل انخفاضا جديدا بـ -1,3 في المائة بعد تراجعه بـ -3,6 في المائة سنة 2022.
وسيتأثر الطلب الموجه نحو العقار بتشديد الشروط التمويلية وبتدهور القدرة الشرائية للأسر. وبالموازاة مع ذلك، سيتأثر العرض بتداعيات ارتفاع تكاليف البناء والصعوبات التمويلية بالنسبة للمنعشين العقاريين.
غير أن استمرار تنفيذ مشاريع البنية التحتية سيتمكن جزئيا من تغطية النتائج غير الجيدة لأنشطة البناء.
على مستوى القطاع الثالث، سترتفع القيمة المضافة للخدمات التسويقية بـ 4 في المائة مستفيدة من الآداء الجيد للقطاع السياحي الذي سيفرز تحسنا في القيمة المضافة بـ 26 في المائة.
وستحقق أهم مؤشرات القطاع السياحي وتيرات نمو مهمة ستتجاوز مستوياتها المعدلات التي عرفتها قبل الأزمة الصحية، الشيء الذي يبرز صمود هذا القطاع أمام تفاقم التوترات الجيوسياسية وأمام التضخم الذي يؤدي إلى تدهور القدرة الشرائية في البلدان المصدرة.
وبالمثل، سيواصل قطاع النقل تحقيق معدلات نمو موجبة ستصل إلى 4,1 في المائة سنة 2023، مستفيدا من تحسن أنشطة النقل البري والجوي. وسيستفيد هذا الأخير من النتائج الجيدة لقطاع السياحة، ومن تعزيز خطوط الربط الجوي. وبالمقابل، ستسجل أنشطة النقل البحري نتائج غير ملائمة، نتيجة تراجع الحجم الإجمالي لصادرات الفوسفاط ومشتقاته.
ومن جهتها، ستسجل الخدمات غير التسويقية سنة 2023 نموا بوتيرة 4,2 في المائة، نتيجة زيادة كتلة الأجور.
في ظل هذه التطورات، ستعرف القيمة المضافة للقطاع الثالث ارتفاعا بـ 4 في المائة عوض 5,4 في المائة المسجلة سنة 2022، لتبلغ مساهمته في نمو الناتج الداخلي الإجمالي حوالي2,2 نقط سنة 2023 عوض 2,8 نقط سنة 2022.
وعلاوة على ذلك، أفادت المندوبية بأنه في ظل هذه الظروف، سيعرف سوق الشغل خلال سنة 2023 فقدان 300 ألف منصب شغل. وبناء على تراجع معدل النشاط، سيسجل معدل البطالة على المستوى الوطني ارتفاعا ليصل إلى 13 في المائة سنة 2023 بعد 12,2 في المائة المسجلة سنة 2022.
المصدر: اليوم 24
إقرأ أيضاً:
التخطيط المالي.. درع الأمان في زمن الأزمات
خالد بن حمد الرواحي
صباح جديد، أسواق مضطربة، قرارات مالية معقدة... في ظل تقلبات الاقتصاد العالمي، تجد الحكومات والشركات نفسها أمام معادلة صعبة: كيف يمكن حماية الاستقرار المالي في مواجهة الأزمات المتكررة؟ هل يكفي الاعتماد على إجراءات استجابة سريعة، أم أن التخطيط المالي المسبق هو مفتاح تجاوز الأزمات بأقل الخسائر؟
الأزمات المالية ليست مجرد أرقام في تقارير اقتصادية، بل هي واقع يفرض تحديات قاسية على الأفراد والمؤسسات والدول. ارتفاع معدلات التضخم، الأزمات النقدية، التغيرات في أسعار الفائدة، وحتى الجوائح العالمية، كلها عوامل تؤثر على استقرار الأسواق وتهدد مسارات التنمية المستدامة. ومع تزايد هذه التحديات، يصبح السؤال الأكثر إلحاحًا: كيف يمكن تعزيز المناعة المالية لمواجهة الأزمات؟ هنا يأتي دور التخطيط المالي كأداة حاسمة تضمن القدرة على تجاوز الأزمات، ليس فقط عبر تقليل الخسائر، بل أيضًا من خلال استغلال الفرص الاقتصادية المتاحة.
وفقًا لتقرير البنك الدولي (2023)، فإن الدول التي تتبنى استراتيجيات تخطيط مالي متقدمة تقلل من آثار الأزمات الاقتصادية بنسبة 40%، مقارنة بتلك التي تعتمد فقط على ردود الفعل العشوائية. فالتخطيط المالي لا يعني فقط إعداد ميزانيات أو تقليل التكاليف، بل يشمل إدارة المخاطر المالية بذكاء، وتحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات، وتعزيز الشفافية المالية التي تضمن ثقة المستثمرين والأسواق. وعندما يكون التخطيط المالي مستندًا إلى بيانات وتحليلات دقيقة، فإنه يصبح أداة استباقية تحمي الاقتصادات من الوقوع في الأزمات المتكررة.
في هذا السياق، تبرز رؤية "عُمان 2040" كخريطة طريق تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام، قادر على مواجهة التحديات المالية العالمية. تحقيق هذه الرؤية لا يقتصر على تحسين الأداء الاقتصادي، بل يتطلب تبني سياسات مالية ذكية تستند إلى الشفافية والاستدامة، وتعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي، ودعم الابتكار في القطاعات الإنتاجية لضمان تنوع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على الموارد التقليدية المتقلبة. ومع وجود خطة مالية واضحة، يصبح الاقتصاد أكثر قدرة على استيعاب الأزمات المالية والتكيف مع التغيرات الاقتصادية المفاجئة.
في ظل هذه التحديات، يصبح دور القيادة المالية أكثر أهمية من أي وقت مضى. وكما يقول وارن بافيت، أحد أبرز المستثمرين في العالم: "لا تختبر قوة المدّخرات إلا عندما ينحسر المد، وحينها فقط ترى من كان يسبح دون خطة مالية". فالقائد المالي الناجح لا ينتظر وقوع الأزمة حتى يبدأ في البحث عن الحلول، بل يضع استراتيجيات استباقية تضمن الاستقرار المالي حتى في أصعب الظروف. وهذا ما يميز المؤسسات الناجحة، حيث لا تكتفي بإدارة الأزمات عند حدوثها، بل تضع خططًا مالية مرنة تستبق التغيرات، مما يمنحها القدرة على التأقلم مع الظروف الاقتصادية غير المستقرة.
لكن، التخطيط المالي لم يعد يقتصر على الأرقام والتوقعات التقليدية، بل أصبح يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا المالية، التي توفر أدوات تحليل متقدمة، وتساعد في توقع المخاطر المالية قبل وقوعها. تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD 2023) يؤكد أن تبني التقنيات المالية الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، يعزز دقة التوقعات المالية بنسبة 60%، مما يسمح للحكومات والشركات بوضع خطط أكثر فاعلية ومرونة في مواجهة الأزمات المالية. ومن هنا، فإن الاستثمار في التكنولوجيا المالية أصبح ضرورة وليس خيارًا لضمان الاستدامة المالية على المدى الطويل.
في النهاية، التخطيط المالي ليس مجرد استراتيجية اقتصادية، بل هو صمام الأمان الذي يحمي الاقتصاد من التقلبات غير المتوقعة، ويضمن استدامته على المدى الطويل. المؤسسات والدول التي تتبنى استراتيجيات مالية متوازنة ومستدامة هي التي تستطيع تجاوز الأزمات بأقل الأضرار، بينما تظل الاقتصادات غير المستعدة رهينة للأزمات المتكررة. وهنا يأتي السؤال الأهم: هل نحن مستعدون لتطبيق استراتيجيات مالية تضمن لنا اقتصادًا مستدامًا؟ وهل نمتلك الرؤية المالية التي تحمينا من التقلبات الاقتصادية، أم أننا ننتظر الأزمة القادمة دون استعداد حقيقي؟