تفاوتت ردود الفعل الدولية والعربية ومواقف دول بالمنطقة وفي مقدمتها الخليجية، إزاء الهجمات التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد مواقع تابعة للحوثيين في اليمن، بين القلق والإدانة والدعوات إلى ضبط النفس ومنع اتساع نطاق الصراع.

وبينما عبرت السعودية والإمارات والكويت عن قلقها من التصعيد وطالبت بضبط النفس، كان صوت عُمان مختلفاً عن الدول الخليجية الأخرى، بعدما أكدت "استنكارها اللجوء إلى هذا العمل العسكري" من قبل دول وصفتها بـ"الصديقة"؛ في إشارة إلى واشنطن ولندن التي تربطها بهما علاقات واسعة.

وتستثمر سلطنة عمان حيادها السياسي ودبلوماسيتها الخفية من أجل إنهاء الاقتتال الدائر بين الأطراف اليمنية وفي وقف التصعيد بالبحر الأحمر والمنطقة، وقد تجد في هذا الهجوم سبباً لإقصاء تحركاتها الدبلوماسية لوضع نهاية لأسوأ أزمة عاشها البلد المجاور لها.

غضب عُماني

عكس جيرانها الخليجيين الذين التزموا الحياد وأكدوا ضرورة وقف التصعيد في اليمن والمنطقة، صعَّدت عُمان انزعاجها وتنديدها بالقصف الذي استهدف الحوثيين (12 يناير 2023)، واعتبرته "ازدواجية معايير من الغرب".

وانتقد وكيل وزارة الخارجية العمانية للشؤون الدبلوماسية، خليفة بن علي الحارثي، شنَّ ضربات أمريكية وبريطانية، قائلاً في منشور على منصة "إكس": إن "إصابة بعض السفن التجارية حركت أسلحة وطائرات العالم الغربي (الحر)، في حين أن إبادة إسرائيل أكثر من عشرين ألف فلسطيني لم تحرك ضمائرهم حتى لإصدار بيانات لوقف إطلاق النار".

كما استنكرت عُمان الهجمات عبر بيانٍ لخارجيتها، وقالت في بيان: إنها تتابع "بقلق بالغ، تطورات القصف الأمريكي البريطاني الذي طال عدة مدن في الجمهورية اليمنية الشقيقة".

وقال البيان: إن السلطنة "لا يمكنها إلا أن تستنكر اللجوء إلى هذا العمل العسكري من قِبَلِ دول صديقة، بينما تتمادى إسرائيل في قصفها وحربها الغاشمة وحصارها لقطاع غزة دون حساب أو عقاب".

وأكد أن سلطنة عُمان "حذرت مراراً من توسع دائرة الصراع والمواجهة في المنطقة نتيجة للعدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصةً عمليات القتل والتنكيل والتدمير والتجويع بحق المدنيين والسكان في قطاع غزة".

وجددت "موقفها الداعي إلى السلام العادل والشامل وذلك تحقيقاً لأمن واستقرار المنطقة وانتعاش النمو والازدهار للجميع"، مناشدةً جميع الأطراف "وقف التصعيد والعمليات العسكرية، والتركيز على معالجة الأسباب الجذرية والحقيقية للأزمة".

"الإطفائي" الخليجي

لعل درجة الخطورة والتعقيد التي بلغتها عملية استهداف الحوثيين لحركة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب، حولت منذ أسابيع، الأنظار صوب سلطنة عمان ذات الخبرة في معالجة الملفات المعقدّة عبر الوساطات بين أكثر الفرقاء تنافراً، لنزع فتيل الأزمة ومنع تحولها إلى حرب جديدة لا تحتملها المنطقة.

وبدا أن الغضب العُماني أيضاً إلى جانب دبلوماسيتها في اليمن، جاء في وقتٍ كان من المفترض أنها تقود وساطة لوضع بصمتها على الأزمة الحادة في البحر الأحمر وامتصاص أثرها على سير سفن الشحن الدولية.

وكان ذلك لافتاً من خلال ما كشفته جماعة الحوثي (16 ديسمبر 2023)، حين تحدثت عن رعاية عمان لعملية تواصل مع جهات دولية لخفض التصعيد في البحر الأحمر، قبل أن تتطور الأمور لاحقاً منتصف الشهر الجاري، إلى ردٍّ دولي على الحوثيين.

وتعتبر العلاقة المتينة التي احتفظت بها سلطنة عمان مع الحوثيين ومع إيران التي تقف خلفهم، نقطة قوة إضافية كانت ولا تزال تؤهل مسقط للعب دور إيجابي في حلحلة قضية الاعتداءات على حركة الملاحة الدولية، على الرغم من التصعيد الأخير.

وتضع جماعة الحوثي تهديداتها للملاحة الدولية تحت عنوان دعم قطاع غزة خلال الحرب الإسرائيلية، في حين ترى الحكومة اليمنية أن أهداف الجماعة مرتبطة بالسياسات الإيرانية التي قد يكون ضمن حساباتها توسيع الحرب الدائرة في القطاع باستخدام أذرعها بالعراق ولبنان واليمن؛ لتتخذ من ذلك ورقة ضغط على خصومها الإقليميين والدوليين.

عدوان صارخ

يؤكد الكاتب السياسي العُماني عوض باقوير، أن الموقف السياسي العماني "ينطلق من ثوابت راسخة تعتمد على ضرورة وقف أي عدوان لا يستند إلى أي شرعية دولية".

ويوضح باقوير لـ"الخليج أونلاين"، أن ما سماه "العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن يعد عدواناً صارخاً، حيث لا يستند إلى أي قرار من مجلس الأمن الدولي، علاوة على أن التصعيد العسكري في البحر الأحمر قد يشعل المنطقة".

وأضاف: "من هنا كان موقف السلطنة حازماً تجاه تلك التجاوزات الأمريكية والبريطانية، وقد نصحت واشنطن بعدم الإقدام على التصعيد، خاصةً أن مسقط لعبت دوراً كبيراً في الأزمة اليمنية؛ حيث تم وقف الحرب، وهناك مساعٍ لوضع خارطة طريق للسلام بين الفرقاء اليمنيين".

وأكمل: "من هنا فإن الجهود العمانية سوف تتواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية لوقف هذا التصعيد الخطير في البحر الأحمر والاعتداء على اليمن".

ويشير إلى أن الدبلوماسية العمانية "تتمتع بمصداقية كبيرة لدى المجتمع الدولي وضمن ذلك الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية"، مؤكداً أن "الكيان الإسرائيلي هو المحرض الأول على التصعيد (في البحر الأحمر)؛ لصرف الأنظار عن المجازر التي يرتكبها يومياً ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم فلسطين".

الوسيط في اليمن

جاء البيان العُماني المستاء من العملية، وتصريحات المسؤولين، ليستندا إلى ما تم إحرازه من تقدم بجهود السلام في اليمن، بعدما لعبت السلطنة دوراً رئيساً في الوساطة التي أفضت إلى تهدئة الصراع وإطلاق مسار تفاوضي بين الحوثيين والسعودية، أفضى إلى الاتفاق بشأن خارطة طريق للسلام.

وكانت الولايات المتحدة ذاتها من المشاركين عبر مبعوثها الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ، جنباً إلى جنب مع السعودية، في دفع جهود السلام، وتبدي عبر خطابها الدبلوماسي اهتماماً بالحفاظ على زخم تلك الجهود وحمايتها من الانتكاس والتراجع.




وعُمان هي البلد الذي يملك أكبر حصة من النفوذ على الحوثيين بعد إيران، فالمسؤولون الحوثيون (فريق التفاوض) يوجدون في مسقط منذ عام 2015، وتؤمن السلطنة غطاءً كافياً للاعبين الدوليين في التعامل مع وفد الحوثيين.

كما ترتبط عُمان بعلاقات تاريخية قديمة مع اليمن، وتبلغ الحدود المشتركة بين البلدين قرابة 288 كيلومتراً، واستقطبت اهتمام اليمنيين؛ لما قدمته من بعض الخدمات لهم، خصوصاً مدينة المهرة المجاورة لها.

وتُعتبر المهرة من المدن اليمنية القليلة التي لم تدخل ضمن الصراع في اليمن، إلا أنها لم تسلم من تنفيذ أنشطة عسكرية، خصوصاً من بريطانيا حليفة عُمان، التي قالت إنها تمتلك قوات عسكرية في المحافظة؛ بهدف مكافحة الإرهاب والتهريب، وهو الأمر الذي تخشى مسقط أن يؤثر على أمن حدودها وسط مخاوف من أي هجمات انتقامية من الحوثيين تجاه القوات البريطانية.

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شقلاوي يكتب: آن للسودان أن يرقص على رؤوس الأفاعي

الرقص على رؤوس الأفاعي مقولة شهيرة ارتبطت بالرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، في توصيفه لواقع سياسي معقد تطلّب إدارة توازنات دقيقة داخليًا وخارجيًا. واليوم، تكاد العبارة تنطبق على المشهد السوداني، وسط تحولات إقليمية كبرى تعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط. فالحرب بين إيران وإسرائيل بصرف النظر عن مالاتها تعبّر عن مرحلة جديدة تتشابك فيها المصالح، وتتنوع أدوات النفوذ، حيث أضحت المواجهة العسكرية جزءًا من مشروع استراتيجي أوسع يعيد رسم خرائط الهيمنة الإقليمية في المنطقة.
في هذا السياق، يجد السودان نفسه في موقع بالغ الحساسية، تتقاطع فيه التحديات الداخلية مع صراعات إقليمية متسارعة، تجعله جزءًا من معادلات تتجاوز حدوده.

ويأتي الحراك الأميركي في المنطقة، مدعومًا بتأييد غير مشروط لإسرائيل، وتمويل الحرب عبر قوى خليجية – بحسب مراقبين – ضمن مشروع لإعادة هندسة النظام الإقليمي، وإنتاج أنظمة سياسية عربية جديدة، لا تكتفي بالولاء، بل تندمج بالكامل في مشروع التطبيع وفق المشروع الإبراهيمي . إذ لم يعد المطلوب أنظمة موالية فحسب، بل بنى سياسية وثقافية تتماهى مع تصوّر إسرائيلي-أميركي للمنطقة، يُعيد ضبط الإقليم وفق معايير الهيمنة الناعمة والتحكم المستدام.
وسط هذه المتغيرات، يبرز السودان كحالة استثنائية تحمل إمكانات استراتيجية واعدة، إذا أُحسن توظيف التوازنات الإقليمية، واللعب على خطوط التماس بحذر وذكاء. ورغم الجراح الداخلية المفتوحة، وتعقيد الأزمات السياسية والاجتماعية، فإن السودان يمتلك موقعًا جيوسياسيًا بالغ الأهمية، وموارد طبيعية وبشرية ضخمة، وموقعًا إقليميًا يربطه بالقرن الأفريقي ومحيط البحر الأحمر والخليج العربي في آنٍ واحد. وإذا كان بعض الفاعلين الإقليميين مهددين بالذوبان أو السقوط في فوضى ممنهجة، فإن السودان، إن أحسن ترتيب بيته الداخلي، قادر على التحوّل من دولة كانت على هامش الصراع إلى دولة مركزية مؤثرة في معادلات ما بعد الصراع.
ومع اتساع رقعة الحرب في الخليج، وارتفاع كلفتها، وتزايد احتمالات الانهيار في بعض دوله، قد يصبح السودان الوجهة الأقرب والأكثر قابلية لاستقبال تدفقات بشرية واقتصادية هائلة، سواء من مواطنيه العائدين من هناك، أو من عربٍ قد تدفعهم الأوضاع إلى الهجرة بحثًا عن أمن مفقود. هذه الموجات المتوقعة من النزوح العربي والخليجي نحو السودان قد تُشكل، إذا أُديرت بوعي، رافعة اقتصادية ضخمة تسهم في تحريك عجلة الإنتاج، وتوسيع السوق المحلي، وزيادة الطلب على الخدمات والسلع والمساكن، فضلًا عن إمكانية استثمار رؤوس الأموال الهاربة في قطاعات واعدة كالتعدين، الزراعة، والطاقة والثروة الحيوانية .
إن التحول الإقليمي المقبل لا يقتصر على الاقتصاد، بل يمتد إلى بنية الأمن في البحر الأحمر والقرن الأفريقي. وإذا نجح السودان في استعادة الاستقرار، فقد يتحول جيشه – بما أثبته من كفاءة قتالية – إلى ركيزة إقليمية لحفظ التوازن. ومع تراجع الأدوار الخليجية، تتعاظم قيمة السودان كفاعل استراتيجي، ويغدو جيشه طرفًا مطلوبًا في معادلات الأمن الإقليمي، بما يعزز نفوذه السياسي والتفاوضي في لحظة تعاد فيها هندسة المنطقة.
لكن جميع السيناريوهات تظل مرهونة بقدرة السودان على التقاط لحظته التاريخية، باعتبارها فرصة لتأسيس مسار استراتيجي جديد. فالنجاح مرهون بالتحرك المدروس، وتجنّب استنساخ تجارب الماضي، وامتلاك رؤية وطنية عقلانية تتجاوز الانقسامات، وتؤسس لدولة فاعلة لا منفعلة. ويتطلب ذلك قيادة تدرك حساسية التوقيت، وتبني سياساتها الخارجية على براغماتية هادئة توازن بين المصالح الوطنية والنفوذ الإقليمي ، بعيدًا عن الشعارات والاستقطاب الأيديولوجي.
السودان لم يعد فاعلًا هامشيًا في الإقليم، بل أضحى مركزًا استراتيجيًا في قلب التحولات الجيوسياسية الجارية. فالخرائط الجديدة تُرسم خلف الكواليس، والفراغ الذي خلّفه تراجع النفوذ الخليجي في البحر الأحمر لا بد أن يُملأ. وإن لم يبادر السودان إلى ملئه، فسيفعل ذلك فاعلون آخرون.

لذا، فإن اللحظة تقتضي وعيًا استراتيجيًا عقلانيًا، يتجاوز الحسابات العاطفية والماضي المثقل بالجراح، ويدرك أن التحولات الكبرى – مهما بدت مدمّرة – تحمل في طياتها فرصًا لمن يُحسن قراءتها بذكاء وواقعية.
وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة لقد آن للسودان أن يرقص على رؤوس الأفاعي. وليس في ذلك مجازفة متهورة، بل استجابة لطبيعة اللحظة التاريخية التي لا تسمح بالتقوقع أو الانتظار. فالأفاعي تتحرك، والخرائط يُعاد رسمها، والمصالح تتبدل. ومن يمتلك القدرة على السير فوق الحبال المشدودة دون أن يسقط، هو من سيكون له نصيب في صناعة التاريخ وكتابته. وربما يكون السودان، بثقله الجيواستراتيجي، أمام بوابة مختلفة، لا تفتحها القوة وحدها، بل يُفتح قفلها بالعقل، والرؤية، والبصيرة.

إبراهيم شقلاوي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • السيد القائد يؤكد استمرار إغلاق البحر الأحمر في وجه الملاحة الى للكيان
  • منظمة دولية تفتح سجل التعذيب في اليمن ومليشيا الحوثي تتصدر المشهد بتوحش وتدعو الأمم المتحدة الى زيارة سجون الحوثيين
  • أمطار رعدية بالمرتفعات الجبلية وشديد الحرارة على هذه المناطق باليمن
  • الأمم المتحدة تحذر: أكثر من نصف سكان جنوب اليمن مهددون بانعدام الأمن الغذائي
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: آن للسودان أن يرقص على رؤوس الأفاعي
  • أنظار إسرائيل وأميركا على الحوثيين في اليمن
  • واشنطن.. تهديد «الحوثيين» مستمر والجماعة تتوعّد بتوسيع الهجمات ضد إسرائيل
  • بينها قتل وتعذيب ونهب مساعدات.. تقرير يرصد انتهاكات الحوثيين الممنهجة في إب
  • مصر تدين الهجمات الإيرانية على قطر: نرفض التصعيد العسكري
  • أول تعليق إيراني رسمي على الهجمات التي استهدفت قواعد أمريكية في قطر