هل يجوز أن أصرف مبلغًا من المال من محل الصرافة، بحيث أدفع للصراف شيكًا مصدقًا من البنك، وذلك تجنبًا لخطورة حمل مبالغ كثيرة، ولجعل المعاملة أكثر سلاسة وسرعة؟

وفق ما يراه فقهاء معاصرون، وعلى هذا قرار مجمع الفقه الإسلامي والمعايير الشرعية، أن الشيك المصدق هو من وسائل الدفع، وسائل السداد الحاضر، نعم، فبناءً على هذا، فلا إشكال في هذه الصورة، لأنه لم يُؤجَّل السداد حينما دُفع بالشيك المصدق، لأنها تُعد -كما قلتَ- من النقد الحاضر، والله تعالى أعلم.

ما حكم أراضي الانتفاع التي تمنحها الحكومة للمواطن تحت مسمى عقد انتفاع طويل؟ ما أحكامها بعد موت صاحبها؟ وهل تنتقل ملكيتها للورثة كلهم، أم لمن كان له يد في تعميرها منهم؟

هذا مرده إلى عقد الانتفاع الموقع بين الطرفين؛ فالأصل أن مثل هذه الشروط تكون مذكورة في هذا العقد، جرى العرف فيما يتعلق بعقود الانتفاع طويلة الآجال أنها تنتقل إلى الورثة، لكن هذه العقود الطويلة اليوم يتحرّج منها الفقهاء، وتتحرج منها المؤسسات الرسمية والخاصة، فلا تُبرم عقود إيجارات أو عقود انتفاع طويلة، والحاصل أن مردّ ذلك إلى ما يكون بين الطرفين، والله تعالى أعلم.

الصفوف عندما يقيم الإمام متراصة مع بعضها، وعندما تنتهي الركعة الأولى تكون فُرَج بسيطة؛ هل تؤثر في الصلاة؟

لا، هذه لا تؤثر، ولكن ينبغي لهم أن يسدوا الخلل، وهذه الفُرَج التي تكون بين المصلين في الصف الواحد، الأصل فيها هو التراصّ، وعدم ترك فجوات، لكن إذا كانت فجوات يسيرة، يعني يُوسّع بعض الناس عند دخولهم في الصلاة أقدامهم، ثم بعد ذلك -بعد قيامهم من السجود- تضيق أقدامهم، فيحصل شيء من الفُرَج بين المصلين، فهذه لا تؤثر، لكن لا ينبغي لهم أن يفعلوا ذلك، بل ينبغي أن يُضيّقوا هذه الفُرَج، هذا هو الذي دلّت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله تعالى أعلم.

ما حكم الدعاء بعد صلاة الفريضة؟ وهل الأولى هو ذكر الله كما جاء في قوله تعالى: «فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم»؟

الدعاء مشروع بعد الصلاة، والدعاء من الذكر، والذكر مشروع بعد الصلاة أيضًا، وقد تقدّم أكثر من جواب في هذه المسألة، وأما الآية الكريمة، فالمقصود منها هو الإتيان بذكر الله تبارك وتعالى في مختلف الأحوال التي يكون عليها المكلّف، فيأتي بالصلاة على وجهها، ولكن بعد انصرافه منها، وبعد انقضاء صلاته، فلا ينبغي له أن يُخلي قلبه ولسانه من ذكر الله تبارك وتعالى، بل عليه أن يُكثر من ذكر الله عز وجل في كل الأحوال التي يكون عليها.

أما أدلة مشروعية الدعاء والذكر بعد الصلاة، بعد الفرائض وأدبار الصلوات، فهذا دلّت عليه أدلة كثيرة ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفعل ذلك أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، وأقرّهم عليها، وقد تَقدَّم ذكر هذه الأدلة في مناسبات، يمكن له أن يرجع إليها، والله تعالى أعلم.

انتشر في الآونة الأخيرة تسمية المساجد والجوامع بأسماء الله تعالى الحسنى، كمسجد «التواب» وغيره من الأسماء، ما حكم ذلك؟ وهل يوجد محذور شرعي من ذلك؟

لا يظهر لي محذور شرعي من إضافة المساجد إلى الأسماء الحسنى، فهذه الإضافة هي إضافة تشريف، ربنا تبارك وتعالى يقول في كتابه الكريم: «وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا»، فالمساجد بيوت الله في أرضه، وهذه الإضافة كما نص أهل العلم هي إضافة تشريف، لكن هذه الإضافة لا تعني أنه إذا أُريد تسمية مسجد من المساجد باسمٍ مضاف إلى شيء من الأسماء الحسنى ليكون عَلَمًا على ذلك المسجد يُعرف به، أن ذلك ممنوع؛ هذا غير صحيح.

ومن قال ذلك فقد تكلّف تخصيصًا بذلك الاسم الذي أُضيف إليه المسجد على ذلك المسجد دون غيره، لا على سبيل الحصر، لا، وإنما هو أيضًا للتعريف، وللتذكير بالمعاني التي يحملها ذلك الاسم، وهو أيضًا موافق للأصل، فإن الأصل أن المساجد بيوت الله، وكما قال ربنا تبارك وتعالى: «وأن المساجد لله»، فإضافتها إليه تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى لا يوجد ما يمنع منه شرعًا.

وإن كان هذا أيضًا لا ينبغي الاقتصار عليه، فيمكن أن تُنسب المساجد إلى الأسماء الحسنى، ويمكن أن تُنسب أيضًا إلى معانٍ مستحسنة من المعاني الشرعية، من المفاهيم والمصطلحات الشرعية، ويمكن أن تُنسب إلى مكان، ويمكن أن تُنسب إلى ما هو حاصل.

صحيح أن إضافة أسماء المساجد إلى أسماء الله تعالى الحسنى لم يكن معهودًا كثيرًا، فلا يحضر الآن أسماء كثيرة في تاريخ المسلمين من هذا النوع، وإن كانت كما تقدم الفقهاء يذكرون أن إضافة المساجد إلى الله تبارك وتعالى هي إضافة تشريف، لكن لا مانع أن تكون هذه الإضافة أيضًا للتعريف، ولكن لا ينبغي الاقتصار عليها، فأسماء الله تعالى الحسنى مهما قيل فيها أسماء محصورة، بينما المساجد والجوامع في الأوطان بالألوف، بل بعشرات الألوف.

فتُراعى أيضًا المعاني المستحسنة التي يُذكّر بها الناس، وتُراعى الأعلام والأئمة، ومن يُراد أن يُعرّف بهم الناس من ذوي الفضل والعلم، وكذلك أيضًا إذا كانت هناك أحداث في تاريخ الأمة، أحداث جليلة، والحاصل أن الفقهاء ذكروا كل هذه الوجوه في تسمية المساجد، أما ما يتعلق بتسميتها بالإضافة إلى أسماء الله تعالى الحسنى، فالصحيح أنه لا مانع من ذلك شرعًا، والله تعالى أعلم.

في قوله تعالى: «لا يُكلّف الله نفسًا إلا وُسعها»: ما المقصود بهذه الآية؟ وكيف نفرّق بين هذه الآية وبين بعض التكاليف التي قد تبدو صعبة في بعض الأحيان؟ ما معنى «الوُسع»؟

الوُسع يعني الاحتمال، والاستطاعة. كثير من المفسّرين يقولون إن الوُسع هو الطاقة، ولكن رأيتُ أن صاحب الضياء، والواحدي في البسيط يقولون إن الوُسع دون الطاقة؛ لأن الطاقة تعني أقصى درجات الاحتمال، أي: الحدّ الذي لا يُحتمل بعده. ولذلك عبّروا عن الوُسع بأنه دون الطاقة، أي: ما كان محتملاً، وما كان الإنسان مستطيعًا له، فهذا هو معنى الآية الكريمة.

«لا يُكلّف الله نفسًا إلا وُسعها» أي: إلا ما في طاقتها واحتمالها واستطاعتها. نعم، هذا لا ينفي أن تكون التكاليف الشرعية فيها شيء من الصعوبة؛ فالتكليف يعني الإلزام، وهذا الإلزام فيه قدر من المشقة على نفوس المكلّفين.

لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال أنهم لا يستطيعون الإتيان بما أُمروا به، بل إن كتاب الله عز وجل ناطق بأن هذه الشريعة حنيفية سَمْحاء، نُفي عنها الحَرَج، وليس فيها ضيق، وإنما فيها سَعة، ووُسع، واحتمال، وتيسير، وفيها أحكام ميسّرة مُخفّفة مقدورٌ عليها، نعم، هذا هو معنى هذه الآية الكريمة وما أشبهها في كتاب الله عز وجل.

فالمقصود أن ما أمر الله تبارك وتعالى به إنما هو في استطاعة المكلفين، وفي مقدور احتمالهم، وليس مما يتعذر عليهم الإتيان به، وأنهم إذا بلغوا في أدائه حدّ المشقة، فإن الأحكام الشرعية تتوارد عليهم تخفيفًا وتيسيرًا.

وقد نُفي عن هذه الشريعة الحَرَج، والضيق، والشدة، وبُنيت على التيسير، وعلى رفع الحرج، وعلى أن ما أُمر العباد بالتزامه مقدورٌ عليه، مستطاع الإتيان به، وهذا يشمل أصول الشريعة وفروعها، في كل وجوهها، وفي كل أبواب هذه الشريعة الحنيفية السمحاء، والله تعالى أعلم.

ما صحة حديث الرسول عن منكر ونكير في عذاب القبر؟ أعني الحديث الذي ورد فيه: «يأتيه ملكان أسودان أزرقان، يحملانه...» إلى آخره؟

الأحاديث الواردة في الملكين اللذين يأتيان العبد في القبر، هي أحاديث تلقتها الأمة بالقبول. نعم، هي أحاديث صحيحة تلقّتها الأمة بالقبول، وعلى هذا جمهور المسلمين من حيث الإجمال، وأما ما ورد من روايات وأحاديث في كثير من أوصاف الملكين وأسمائهما، ففيها ما هو صحيح، وفيها ما هو حسن، وفيها ما هو ضعيف، وفيها ما هو موضوع.

ولكن هذا لا يغيّر من حقيقة الإيمان بالملكين اللذين يأتيان العبد إذا وُضع في قبره، وأن ذلك ليس مجرد «امتحان» كما يُظن، بل هو من عالم البرزخ، وفي عالم البرزخ، فإن من كان على إيمان وصدق ويقين وحسن إسلام، فإن الملكين يبشّرانه، وإذا كان والعياذ بالله على نفاق أو على كفر بالله تبارك وتعالى، فإنهما يُنذِرانه.

أما ما ورد من تسمية الملكين بـ«منكر» و«نكير»، فالأكثر من أهل العلم على أنه صحيح، وقد وردت هذه التسمية في بعض الروايات، ما ورد من أوصافهما، مثل كونهما «أسودان أزرقان»، فهي رواية وردت عند الترمذي، وبعض أصحاب السنن والمسانيد.

وأما ما ورد في صحيح مسلم، فقد ثبت أنهما ملكان يأتيان العبد إذا وُضع في قبره، ثم انصرف عنه أهله، وإنه ليسمع خَفْق نعالهم، فيأتيه الملكان، فيُقعدانه، فيسألانه.. إلى آخر الحديث، وهذه رواية صحيحة.

وأما تسمية الملكين بـ«منكر ونكير»، فهي روايات كما قلت تلقّاها العلماء بالقبول، وحتى من ضعّف بعض رواياتها، فإنه لم يضعّف الأصل؛ لأن هذه من فروع العقيدة، ويرى أنها قابلة للتأويل، وليس هناك ما يعارضها، ووُجد من المعتزلة من طعن في بعض الروايات، ومنهم من طعن في أن يكون اسما الملكين «منكر» و«نكير»، بحجّة أن أسماء الملائكة يجب أن تكون حسنة.

لكن لا مشاحة في التسمية، فالمقصود بالاسم هنا هو الوصف الذي يعبّر عن المهمة التي يقوم بها الملكان، لا مجرد الاسم في ذاته، والحاصل أن الأكثر من العلماء على قبول هذه الروايات، وأما بعض التفاصيل التي وردت في أوصاف الملكين، ففيها روايات ضعيفة لا يُعتد بها، والله تعالى أعلم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أسماء الله تعالى الحسنى الله تبارک وتعالى المساجد إلى لا ینبغی ذکر الله أن ت نسب التی ی ما ورد لکن لا

إقرأ أيضاً:

كيف أبر زوجتى بعد موتها؟

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: هل يشرع للزوج التصدق عن زوجته أو بِرُّها بعد وفاتها بأيِّ عملٍ من أعمال الخير؟.

وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلا: يُشرع للزوج بِرُّ زوجته بعد وفاتها بأنواع البر المختلفة، والتي منها أن يبرَّها بالثناء والذكر الحسن، وبالدعاء والاستغفار لها، وبالتصدق عنها، أو بأيِّ عمل آخر من أعمال الخير التي يصل ثوابها للمتوفى.

جعل اللهُ الرباطَ الأوثقَ بين الزوجين هو المودة والرحمة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]، وقد حرص الإسلام على استدامة هذه المودة، حتى لو طرأ على الحياة الزوجية أسوأ ما يمكن أن تتعرض له، وهو انتهاؤها؛ وهو ظاهر قول الله تعالى بعد بيان الحقوق عند الطلاق قبل الدخول: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237].

والفضل والمودة بين الزوجين اللذين عاشا معًا -أوثق وأعمق ممَن تفرقَا قبل الدخول، وأنه أشد عمقًا بين من فرقهما موتُ أحدهما؛ إذ لا يوجد في الغالب ما يُضْعِفُ هذه المودة أو يؤثر على سلامتها، كما في الطلاق، فيكون خطاب الشارع الطالب لاستدامة المودة متوجهًا بالقياس الأولوي للزوجين عند انتهاء الزوجية بموت أحدهما.

وليس في الشرع الشريف ما يمنع من إحسان الزوج لزوجته وبرِّها بعد موتها، بل إن نصوص السُّنَّة النبوية المطهرة، ووقائعها أصَّلَت للبر بالزوجة المتوفاة بصور متعددة، تجعل الناظرَ في هذه النصوص مُدركًا بإيقانٍ معالم الإنسانية في أسمى معانيها.

فمن صور بِرِّ الزوج بزوجته بعد وفاتها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يُكثر من ذكر زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها بعد موتها، وكان يُكْرِمُ أقرباءها؛ إكرامًا لها وبرًّا بها، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِيَّاهَا»، قَالَتْ: «وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ» رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.

وعنها رضي الله عنها أيضًا أنها قالت: “اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاحَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ» فَغِرْتُ” متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم، فدلَّ على امتداد المودة والوفاء بحقِّ الزوجة بعد موتها.

قال الإمام النووي في “شرح صحيح مسلم” (15/ 202، ط. دار إحياء التراث العربي): [قولها: “فارتاح لذلك” أي: هش لمجيئها، وسُرَّ بها؛ لتذكره بها خديجة وأيامها، وفي هذا كله دليل لحسن العهد، وحفظ الْوُدِّ، ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب] اهـ.

ومن هذه الصور: أنه عليه الصلاة والسلام كان يُكرم أصدقاءها، ويتعهدهم بالهبات والعطايا، فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أُتِيَ بالشيء يقول: «اذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةَ خَدِيجَةَ. اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَيْتِ فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةَ» رواه البخاري في “الأدب المفرد”، والحاكم في “المستدرك”.

وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: “جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «مَنْ أَنْتِ؟» قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: «بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟» قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ»” رواه الحاكم في “المستدرك”، والبيهقي في “شعب الإيمان”، وغيرهم.

ومن هذه الصور: دعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم لأم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، واستغفاره لها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا وَالِاسْتِغْفَارِ لَهَا” رواه الطبراني في “المعجم الكبير”.

فيتبين لنا من هذه الصور الإنسانية، وتلك المظاهر النبوية أن البر بالزوجة أمر مطلق عن الحصر، فيصح بكل ما يصلح برًّا.

أما عن التصدق عنها بخصوصه، فمع كونه مشروعًا باعتباره أحد أنواع البر الذي يسن فعله -كما قررنا-، إلا أنه من جملة الأعمال التي لا يقطعها عن الإنسان قاطع حتى الموت، بل تكون متصلة به من حيث انتفاعُه بها بعد موته؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم، ووجه الدلالة من الحديث ظاهرة بأن الصدقة على الميت جائزة من أيِّ أحد من جهة، ويصل ثوابها إليه وينتفع بها من جهة أخرى، وقد نُقل الإجماع على ذلك.

قال الإمام الزيلعي الحنفي في “تبيين الحقائق” (2/ 83، ط. الأميرية): [الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السُّنَّة والجماعة، صلاة كان أو صومًا أو حجًّا أو صدقة أو قراءة قرآن أو الأذكار، إلى غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه] اهـ.

وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في “التمهيد” (20/ 27، ط. أوقاف المغرب): [أمَّا الصدقة عن الميت فمجتمع على جوازها لا خلاف بين العلماء فيها] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في “المجموع” (5/ 323، ط. دار الفكر): [أجمع المسلمون على أنَّ الصدقة عن الميِّت تنفعه وتَصِله] اهـ.

وقال العلامة البهوتي الحنبلي في “شرح منتهى الإرادات” (1/ 385، ط. عالم الكتب): [(وكلُّ قربةٍ فعلها مُسْلِمٌ وجعل) المسلم (ثوابها لمسلم حي أو ميت حصل) ثوابها (له ولو جهله) أي الثواب (الجاعل)؛ لأن الله يعلمه كالدعاء والاستغفار وواجب تدخله النيابة وصدقة التطوع إجماعًا… قال أحمد: الميت يصل إليه كلُّ شيء من الخير من صدقة أو صلاة أو غيره؛ للأخبار] اهـ.

فيظهر مما ذُكر أن الإحسان للزوجة وبرِّها بعد وفاتها بصفة عامة أمرٌ مشروع، وأنه من السنن التي سنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن صنوف البر والخير أمرها واسعٌ، فيجوز برها وصِلتها بكلِّ شيءٍ يتحصل به البر، كالثناء عليها بالخير وذكرها به، أو الدعاء والاستغفار لها، أو بالتصدق عنها، أو بفعل أيِّ عبادة ثم وَهْب ثوابها لها.
وأوضحت بناءً على ذلك: أنه يُشرع للزوج بِرُّ زوجته بعد وفاتها بأنواع البر المختلفة، والتي منها أن يبرَّها بالثناء والذكر الحسن، وبالدعاء والاستغفار لها، وبالتصدق عنها، أو بأيِّ عمل آخر من أعمال الخير التي يصل ثوابها للمتوفى.

صدى البلد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/14 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة كسلا تخرج في مسيرة هادرة تأييداً للقوات المسلحة2025/12/13 شاهد بالفيديو.. آخر ظهور لفنان “الدعامة” إبراهيم إدريس يظهر وهو يحتفل وسط جنود المليشيا قبل أيام قليلة من إغتياله2025/12/13 الإعلامية والشاعرة داليا الياس ترد على إتهام الجمهور لها بالتسبب في فصل المذيع الراحل محمد محمود حسكا من قناة النيل الأزرق2025/12/12 شاهد بالفيديو.. الجمهور الجزائري يحتفل بالرقص على أنغام الأغنية السودانية: (السوداني حُر)2025/12/12 شاهد بالفيديو.. الجمهور السعودي يهتف باسم السودان أثناء توجهه لمساندة منتخب بلادها: (حيوا السوداني..سوداني ما شاء الله)2025/12/12 إيلون ماسك يجيب عن سؤال: هل تؤمن بوجود الله؟2025/12/12شاهد أيضاً إغلاق مدارات شاهد بالفيديو.. اعترف بالشماتة.. “بقال” يكشف شعور “الدعامة” بعد مقتل مطربهم الأول إبراهيم إدريس: (أقاموا له أكثر من 100 صيوان عزاء) 2025/12/12

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • فتاوى وأحكام| حكم الاغتسال من الجنابة في الليل.. وهل الملائكة تلعن الجنب؟.. 3 أمور ترفع قدرك عند الله.. حكم اختراق شبكات الواي فاي؟.. مركز الأزهر يوضح
  • بعد إصابته.. المباريات التي سيغيب عنها ميليتاو مع ريال مدريد
  • كيف أبر زوجتى بعد موتها؟
  • مساعد المفتي العام يُكرِّم الفائزين في مسابقة القرآن الكريم بنخل
  • ما حكم من نسى الاغتسال قبل دخول مكة المكرمة؟.. علي جمعة يجيب
  • فتاوى وأحكام | أصلي سنة الفجر بالبيت أم المسجد؟.. هل كل إنسان له قرين؟.. هل تحدث علامات الساعة كلها في يوم واحد؟
  • إليكم 23 صورة من ملف إبستين وترامب وبيل كلينتون وبيل غيتس التي كُشف عنها الجمعة
  • إيلون ماسك يجيب عن سؤال: هل تؤمن بوجود الله؟
  • فتاوى وأحكام| وقت قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفوائدها.. حكم اصطحاب الأطفال لصلاة الجمعة.. هل يصح ترك صلاة الجمعة بسبب البرد الشديد والمطر؟
  • تلاعب بالدين وكذب على الله.. استنكار ورفض لعودة فتاوى الإخوان ضد الجنوب