مليارات الدولارات يحتاجها العالم لمواجهة تغير المناخ!
تاريخ النشر: 26th, June 2025 GMT
التغيّر المناخي وما يصاحبه من مؤثرات بيئية على حياة الناس في شتى قارات العالم كثر الحديث عنه باستفاضة في المؤتمرات الدولية والقارية وشتى وسائل الإعلام المختلفة، ولكن في كل مرة نرى أن ثمة إشارات واضحة بأن هناك تجاهلا فعليا على أرض الواقع، الحديث المنمق له دلالته في زرع الأمل في عقول الشعوب، لكن أرض الواقع لا تلامس ما تقوله الدول العظمى على لسان ممثليها، وبالتالي أصبح من الضروري إعادة الحديث عن الخطر الذي يهدد الأرض.
والسؤال دوما وأبدا: كم يحتاج العالم من مليارات الدولارات لمواجهة تغير المناخ؟
في اعتقادي بأن دول العالم الثالث أو بما يسمى الدول النامية هي من سيدفع الفاتورة الضخمة لمواجهة التغيّر المناخي رغم أنها لا تملك تلك الإمكانيات المالية العالية، وبالتالي دفعها سيكون من قوت يومها ومن دماء شعوبها!
فالعالم المتقدم تقنيا ليس من أولوياته فتح دفاتر الحسابات ودفع ما عليه من تعهدات أو تراكمات، فهو منشغل بإنتاج الملوثات الضارة.
وبالتالي هل سيسعف الوقت الحكومات وصنّاع القرار في التنبه قبل فوات الأوان والإدراك بأن التلوث بأشكاله المتعددة أصبح «كارثة حقيقية» تهدد البشرية على مدى القريب؟
ثم ماذا على العلماء والباحثين غير التنبيه والمناشدات والإعراب عن قلقهم إزاء الحالة المتدهورة التي وصل إليها التغيّر المناخي في بعض الدول بسبب التلوث البيئي؟
ليس سرا أن نبدي مخاوفنا كبشر «عاديين» يعيشون ويتآلفون مع أجواء الدنيا، وتقلبات الطقس التي لا تعرف السكون أو الثبات، إلا أن هواجس التغيّرات البيئية والمناخية التي تحدث في دول العالم، تجعلنا أكثر حرصا على مراقبة تلك التغيرات ما ظهر منها وما بطن.
هذا ليس فضولا آدميا، بل هو استعداد لما هو قادم، ومعرفة ما تجهز له الدول من إجراءات احترازية وتحذيرات سواء لسكانها أو حتى الدول الصديقة والقريبة منها.
وفعليا بدأت الدول تتخذ سلسلة من الإجراءات لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري الذي أدى لتغيّرات جذرية في المناخ العام، وتنبه القادة في الدول العظمى إلى ظهور عدد من العقبات والتأثيرات على شكل الحياة البيئية ومنها الإنسان.
وفي كل الأحوال يجزم جميعنا على أن المناخ على مر الحقب الزمنية الماضية أو حتى احتمالات المستقبل، هناك الكثير من التغيرات والأخطار التي تحيط بكوكب الأرض، فحالة الجفاف أصبحت واضحة المعالم، وتأثير قلة الأمطار على الأراضي الزراعية أحدث فجوة كبيرة في توفير أنواع عدة من الغذاء لسكان الأرض.
العالم يشهد سنويا العديد من الأزمات وشحا في مصادر الغذاء والماء وارتفاعا متصاعدا في درجات الحرارة، وهذا الأمر يحدث توترا طبيعيا على حياة البشر بشكل عام، وفي أوروبا بشكل خاص حيث أصبحت تعاني من موجات حر قاتلة تودي بحياة العشرات إن لم تكن المئات من السكان.
العالم انشغل كثيرا في تأجيج الصراعات والمنازعات والصدامات الدولية، ولم يلتفت إلى الأمور التي كان يجب عليه أن يبحث لها عن حلول جذرية ومن بينها «مشاكل البيئة»، بل وظل صامتا لفترات متعاقبة من الزمن، تارة يعرب عن قلقه، وتارة أخرى يتجاهل «ملايين الاستغاثات والنداءات والإشارات والمؤشرات» التي تنبئ عن حدوث كوارث مناخية في العالم.
وإذا كانت المنظمات الأممية، والهيئات الدولية المعنية بمشكلة المناخ قد وجهت الكثير من النداءات والتحذيرات للدول العظمى على وجه الخصوص، إلا أن أغلب الدول لا تزال إلى يومنا هذا تصم آذانها وتغلق أعينها عن مشاهد المجاعات وحالات الموت الذي يحاصر ملايين البشر في دول تعاني من التقلبات المناخية وصعوبة العيش بسلام.
لسنا نندب حظا أو نهول أمرا بقدر ما نحن أمام واقع ملموس يكشف لنا الخطورة التي يواجهها الإنسان من تغيّر الحالة المناخية ومدى تفاوت شدتها وخطورتها، بعض الدول اعتادت على التعايش مع الأعاصير التي تضرب المدن ولكن الحياة تسير بشكل طبيعي لأن مثل هذه الحالات المناخية لها استعداد خاص يقلل من تأثيرها على الحياة.
ولكن انتشار المجاعة والأمراض والعطش في بعض البلدان الفقيرة تتسبب في موت الكثير من الأطفال والنساء والرجال بشكل سنوي، وفي الآونة الأخيرة بدأت الزلازل تصبح هاجسا يؤرق الكثير من الدول بعد أن سجلت قياسات «رختر» هزات أرضية عنيفة مخلفة دمارا هائلا في الممتلكات، وموت الكثير من البشر تحت الأنقاض.
كل هذه النماذج السابقة تؤكد بأن العالم أصبح يتجه نحو مواجهة حقيقية مع تقلبات المناخ الذي تأثر سلبا بما يصنعه الإنسان وأثرت على طبقات الجو العليا بشكل عكسي يمكن أن يؤدي إلى دمار شامل في يوم من الأيام.
مواطنو بعض الدول حتى هذه الساعة لديهم اهتمام واسع بالنشرات الجوية اليومية، بينما بعض الناس يتجاهلون هذا الأمر ويضعونه في ذيل قائمة اهتماماتهم.. تُرى ما السبب!
ما بين التوجه «الأول والثاني» فجوة كبيرة، فالمناخ يزداد تقلبا بشكل متسارع ومفاجئ، ولذا كثيرا ما يعيب البعض على العاملين في قطاع الأرصاد الجوية بأنهم لم يصدروا تنبيهاتهم بوقت كاف للجمهور يخبرهم خطورة الحدث القادم! مقللين من كفاءة العاملين والأجهزة المستخدمة في الرصد والمتابعة الجوية.
وللأسف هذا اتهام باطل وجزافي، إذا ما علمنا بأن الكثير من الناس لا يتابع ما ينشر من المصدر الموثوق به في استقاء المعلومة الصحيحة والمؤكدة، بل يكون الاعتماد الأول على ما يتم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي سواء من تغريدات المغردين أو بث معلومات مضللة تأتي من هنا وهناك!
ومن المعلوم أنه أصبحت أجهزة الرصد بمختلف مجالاتها أكثر كفاءة وقدرة على تحليل البيانات واستخراج التنبؤات الدقيقة، ولكن من المهم أن نعي بأن أحوال الطقس تتغيّر بتسارع زمني مفاجئ، ولذا فإن مقياس الخطأ والصواب لا يحسب أن الحالة الجوية قد تحققت كاملة، فربما تكون في بدايتها قوية للغاية، وسرعان ما تضعف في حدتها، وربما تنحرف عن مسارها الذي كانت تتخذه منذ البداية.
لذا علينا ألا نلوم من يقضي وقتا طويلا ويبذل جهدا وفيرا في التحليل والرصد بل نحمد الله تعالى بأن بعض الحالات الخطرة تنحرف عن مسارها، وتذهب بعيدا عنا خاصة الأعاصير والحالات المدارية التي تصنف من الدرجات الخطرة.
وبما أننا لا نزال نبحر في بحر المناخ في العالم، فإن بعض الدول سنويا تواجه مشكلة «التصحر» التي باتت تشكل محور حديث ممتد وناقوس خطر يجب الالتفات إليه والعمل على الحد من تأثيره؛ فالأراضي الزراعية وما يحدث فيها من تعديات أو انتهاكات جعلتها غير صالحة للزراعة وهذا الأمر يمكن أن يكون عاملا مؤثرا على حياة البشر في المستقبل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بعض الدول الکثیر من التغی ر
إقرأ أيضاً:
د. شيماء الناصر تكتب: العالم على حافة الانهيار البيئي
إن استمرار العالم في تجاهل التغير المناخي، أو بالأحرى التباطؤ في التحرك لمواجهته، يضع البشرية جميعًا على حافة الانهيار البيئي. نحن نشهد يوميًا تفاقم الكوارث البيئية، التي قد تتجاوز قدرتنا على التكيف والتعافي. الأحداث الأخيرة، مثل الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة المحيط الهادئ، والذي تبعه تسونامي وتحذيرات بالإخلاء لكثير من الجزر والشواطئ، تمثل إنذارات قوية لما يمكن أن يحدث إذا لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لمواجهة التغير المناخي.
وعلى الرغم من أن الزلازل ناتجة عن انزلاق الصفائح التكتونية وتحرر الطاقة الزلزالية بشكل مفاجئ، فإن العلاقةالمحتملة بينها وبين التغير المناخي تستحق الانتباه.
فعلى الرغم من أن الربط بينهما قد يبدو ضعيفًا، يمكن القول إن التغير المناخي يسهم في زيادة هذه الكوارث الطبيعية بشكل غير مباشر. فذوبان الجليد في القطب الشمالي يحرر الضغط عن القشرة الأرضية، مما قد يؤدي إلى زيادة النشاط الزلزالي والبركاني في مناطق معينة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع مستوى البحار والمحيطات وزيادة وزن المياه فوق قاع المحيطات تؤثر على مناطق الصدوع، بينما قد يؤثر التغير في أنماط الأمطار والفيضانات على زيادة الانهيارات الأرضية، مما يسهم فيحدوث زلازل أصغر.
السؤال المطروح هو: متى وكيف سيتحرك العالم بشكل أسرع لمواجهة التغير المناخي؟ يبدو أن الخطوات الحالية بطيئة، على الرغم من التحذيرات المناخية التي صدرت على مدار العقود الماضية. كما أن التمويلات المتاحة لمواجهة التغير المناخي لا تزال غير كافية. إذا لم يتحرك العالم بسرعة، فإن الصورة المستقبلية ستكون مروعة، حيث ستتزايد الكوارث الطبيعية بشكل غير مسبوق، مما سيؤدي إلى ارتفاع معدلات فقدان الأرواح والممتلكات. ستشكل هذه الكوارث تهديدًا للأمن الغذائي العالمي، بسبب تدهور المحاصيل الزراعية، مما يهدد حياة ملايين الأشخاص. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي إلى تهجير ملايين السكان من مواطنهم، في حين أن انتشار الأمراض والأوبئة نتيجة لتراكم المياه غير النظيفة سيزيد من تعقيد الأوضاع الصحية.
وفي هذا السياق، يتوجب على الدول الكبرى، التي تعتبر المتسبب الأكبر في زيادة التلوث وانبعاثات الغازات الدفيئة عدم التملص في أن تتحمل مسؤولياتها وليس كما فعلت الولايات المتحدة الامريكية بانسحابها من اتفاقية باريس للمناخ، للمرة الثانية، تحت ذريعة اعتبارات اقتصادية، حيث يُظهر تجاهلها لقضية التغير المناخي وآثارها الوخيمة على العالم. لذا، يجب تعزيز الضغط الدولي من قبل الحكومات الأخرى، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمعات المحلية، لحسم وتوحيد الجهود. ومن الجوانب الأساسية التي ينبغي التركيز عليها
المطالبة بالشفافية العالمية حيث يجب على جميع الدول، وخاصة الكبرى، أن تكشف عن حجم انبعاثاتها الحقيقية والجهود المبذولة لتقليل تلك الانبعاثات.
ثانياً. تطبيق العقوبات الدولية
يجب فرض عقوبات على الدول التي تتقاعس عن الالتزام بتعهداتها في اتفاقيات المناخ، لضمان أن تكون هناك عواقب رادعة لتلك الأفعال.
ثالثاً. مساعدة الدول النامية
ينبغي تعزيز التعاون الدولي لمساعدة الدول النامية على التكيف مع آثار التغير المناخي، إذ تدفع هذه الدول ثمنًا باهظًا من الأرواح نتيجة الأزمات المناخية، بسبب نقص الموارد المالية والتقنية.
إن التغير المناخي ليس مجرد مسألة بعيدة أو مستقبلية، بل هو واقع نعيشه اليوم. لتجنب السيناريو المأساوي الذي ينتظرنا، يتعين على المجتمع الدولي العمل بشكل عاجل ومنسق. إن الوقت ينفد، وكل لحظة تمر دون اتخاذ إجراءات فعلية تعتبر فرصة مهدرة. لذا، يجب أن نتحد جميعًا لنكون جزءًا من الحل، لضمان مستقبل آمن ومستدام للأجيال القادمة.