لجريدة عمان:
2025-06-26@19:41:03 GMT

الثقافة في مواجهة الإبادة

تاريخ النشر: 26th, June 2025 GMT

الثقافة في مواجهة الإبادة

حين مررت بالقرب من شجر الزيتون الذي حطمته آليات الاحتلال قبل عام، فوجئت بأغصان خضراء تنمو، ابتسمت، فقد انتصرت الأشجار الأبناء على الاحتلال بسهولة:

«إذا أنْتَ حَدَّقْتَ فيهَا قَرأْتَ حكَايتَنَا كُلَّهَا:

وُلدْنَا هُنَا بَيْنَ ماءٍ ونارٍ.. ونولَدُ ثانيةً في الْغُيومْ

على حافّة السّاحل اللاّزَوَرديّ بَعْدَ الْقيامَةِ.

. عَمّا قليلْ

فلا تَقْتُلِ العُشْبَ أكثر، للْعُشبِ روحٌ يُدافعُ فينا عن الرّوحِ في

الأرضِ/

يا سيّد الخَيْل! عَلِّم حصانك أنْ يعْتَذِرْ

لِروحِ الطَّبِيعةِ عَمَّا صَنَعْتَ بأشْجَارِنَا:

آهٍ، يا أَخْتِيَ الشَّجَرَةْ

لَقدْ عذَّبوكِ كما عَذَّبُونِي

فلا تَطْلبي الْمَغْفِرةْ

لحَطّابِ أمّي وأمِّكْ..»

هذا ما خاطب به محمود درويش على لسان سياتل زعيم دواميش في رائعته الخالدة: خطبة الهندي الأحمر: ما قبل الأخيرة، أمام الرحل الأبيض. لقد مرت عقود على الإبادة، لكن لم ينته الأمريكيون الأصليون ولا ثقافتهم.

في فلسطين المحتلة، فإن شجر الزيتون يعود ثانية، إنه بعث الفينيق، والعنقاء، تلك معجزة فلسطين، وليست أسطورة أبدا.

ماذا نقول عن الطفل الذي انقض جنود الاحتلال عليه، فأشبعوه ضربا وركلا «بالبساطير» الأمريكية وحواف البنادق المعدنية، حين فتح عينيه أمام الكاميرات، من خلال وجه صار دما، وابتسم، ورفع علامة النصر!

منذ وعت عيني، وأنا في اللاوعي والوعي أشهد مقاومة الاحتلال، من خلال الرموز، تلك قصص كثيرة يصعب إيرادها، لكن الناظم فيها هو وعي الفلسطينيين على أهمية التشبث بالهوية، والخصوصية الثقافية والرموز الوطنية.

حين استغرب أحد جنود الاحتلال وجود علم فلسطين في مطرزة جميلة أبدعته الحاجة نعمة، أختي، قلت له ببساطة مشيرا الى علم الاحتلال، ما هذا؟ فأجاب علم دولة إسرائيل! قلت له ونحن شعب فلسطين ولنا علم، فهل تتوقع أن نرفع علمكم هنا؟ فأنهى المحتل العشريني الكلام، لكنه لم يخف إعجابه بالمطرزة، فقلت له هل تعلم كم عمر تفاصيل هذه المطرزة؟ فأشار بالنفي. قلت له هذه عمرها آلاف السنين! وهنا خرج من البيت مطأطئ الرأس قائلا: أنتم بيت مرتب ومضى.

كل وقصصه، لكن كيف لي أن أنسى احتفاظ أبي بزيه الفلسطيني، وهو يقطع جموع المحتلين، غير آبه بهم، فورثت ذلك، وكم تأثرت بسلوكه حين رفض دخول أي مبنى حكومي بعد هزيمة عام 1967 عليه أي رمز للاحتلال، حتى ولو لغة عبرية.

قال أبي وكثيرون: سنغلبهم بهذا وهذا، مشيرين للكتب التي بين أيدينا والشجر الذي أمامنا ونحن نجلس أمام البيت.

بالرغم من محاولات إبادتنا منذ عام 1948، وصولا الى حرب الإبادة على غزة، ونحن نزداد تجذرا وقوة ثقافية وفنية، فنحن الشعب الذي يعيش تحت الاحتلال ونسبة التعليم فيه تفوق دولة الاحتلال!

لم نباد، ولن، فكل فلسطيني يصير أمة!

استعار محمود درويش في قصيدة «خطبة الهندي الأحمر: ما قبل الأخيرة، أمام الرجل الأبيض» التي تضمنها «ديوان أحد عشر كوكبا» الذي صدر عام 1992، حالة الأمريكيين الأصليين، شعب القارة الأصلي، وهو هنا بذكاء يفرّق بين أمرين، قامت عليهما القصيدة. أما الهندي الأحمر فكانت خطبته الأخيرة بعد المعركة التي خسرها، وهو قد اعتاد أن يتحدث عن استخلاصاته لقومه، كما روى درويش حين قدم لقصيدته التي ألقاها. لكن محمود درويش، الهندي الآخر الذي ما زال يقاوم سيد البيض، فكانت خطبته قبل الأخيرة، لا لأنه لم ينهزم، بل لأنه يثق بأن خطبته الأخيرة هي إعلان نصره على سيد البيض!

ذلك في نظري هو دور الثقافة والفنون، فهما وإن كانا أهم ما يميز الشعوب، مثل الشاهنامة للفردوسي، فإنهما يشكلان ما يمكن تسميتهما بالدينامو، إن الثقافة والفنون رافعتان للشعوب، وهما باعثان للحياة، وهل كانت الثقافة والفنون في الحضارات جميعا إلا أساس النهضة والحضارة!

لقد حاكى العبرانيون الجدد العبرانيين القدامى حين انهالوا على الرموز الثقافية القديمة من كنعان ويبوس، لكن يبدو أن فلسطين عصية على الإبادة، حيث إن غنى الثقافة والفلكلور يمتد على الأرض وفي داخل البشر هنا، فكل ما يحيط بهم، وكل ما يتعلق بهم يصير ثقافة، كالزيت والزعتر والدران الاستنادية في جبال فلسطين.

زعم الصهاينة أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وهكذا كانت الأرض الجديدة القديمة رواية طوباوية نشرها مؤسس الصهيونية السياسية تيودور هرتزل عام 1902، أي بعد إعلان تأسيس الحركة الصهيونية عام 1897 بخمس سنوات.

«تحكي الرواية قصة فريدريش لوينبيرج، وهو شاب يهودي من فيينا مفكر، وانضم إلى أرستقراطي بروسي أمريكي يُدعى كينجسكورت أثناء تقاعدهم في جزيرة نائية في المحيط الهادئ. توقفا في يافا في طريقهم إلى المحيط الهادئ، ووجدوا فلسطين أرضًا متخلفة ومعدمة وذات كثافة سكانية منخفضة، كما بدت لهرتزل في زيارته عام 1898».

امتلأت الرواية بالمغالطات، ونفت وجود شعب فلسطين، وتتابع الصهاينة والمسيحيون الصهيونيون في إزاحة الفلسطيني من فضاء فلسطين، واستمر ذلك حتى الآن، إنهم لا يروننا! ورغم ذلك، فإن فلسطين هي الأكثر حضورا.

باختصار، ما فعله الصهاينة هنا كان فقط محاكاة لما فعله البيض في أمريكا: الإبادة، لكن ذلك لم يتحقق، بل صارت فلسطين أكثر نضرة وجمالا، وتجلى ذلك بالطبيعة والزراعة والإبداع. دوما كنت مقتنعا بأن «كروم عنب بيت دقو.. وفلسطين» تنتصر بسهولة على الاحتلال، ودوما كنت أرى دواوين محمود درويش، وما أنجزه المبدعون هنا أسلحة الاحتلال.

«وكولومبوسُ الحُرّ يَبْحثُ عَنْ لُغةٍ لم يجِدْها هُنا،

وعَنْ ذَهبٍ في جَماجِم أجدادنا الطّيّبين، وكَانَ لهُ

ما يُريدُ من الْحيّ والميْتِ فينا. إذًا

لماذا يُواصلُ حَرْب الإبادَة، من قَبْرِه، للنِّهَايَةْ؟

ولَمْ يَبْقَ مِنَّا سِوَى زِينَةٍ للْخرابِ، وريشٍ خَفيفٍ عَلَى

ثياب الْبحيْرات. سَبْعونَ مليون قلْبٍ فَقأْت.. سيَكْفي

ويكْفي، لترْجع منْ مَوْتنا ملكًا فَوْق عَرْش الْزمانِ الْجَديد..»

هي القصيدة- الاستعارة، والرمز، التي تفسّر مواصلة حرب الإبادة الفاشلة (غزة مثالا ساطعا من خلال الأدب الجديد الذي يظهر الآن)، تلك نبوءة درويش وتلك مقاومته.

كتب محمود درويش القصيدة قبل 33 عاما، لكنها تزداد حضورا ونضرة. وكذلك صرنا أكثر بقاء من الاحتلال نفسه، الذي ينهي نفسه بنفسه، وأما نحن فسنواصل الزراعة والغناء.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محمود درویش

إقرأ أيضاً:

القسام تنشر فيديو الكمين الذي نفذته القسام ضد ناقلتي جند في خان يونس / شاهد

#سواليف

عرضت الجزيرة مشاهد لعملية #استهداف ناقلتي جند إسرائيليتين نفذتها #كتائب_القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية ( #حماس )- أمس الثلاثاء في مدينة #خان_يونس جنوب قطاع #غزة.

ووفقا للمشاهد التي حصلت عليها الجزيرة فقد وقعت العملية في منطقة مسجد علي بن أبي طالب بخان يونس بعبوتين من طراز “شواظ” و”العمل الفدائي”.

وأظهرت المشاهد رصد الآليتين اللتين كانتا تتحركان وسط أنقاض بيوت مهدمة، قبل أن يبدأ المنفذان الاقتراب منهما والتخفي بين حطام البيوت.

مقالات ذات صلة المعارضة في الاحتلال تدفع نحو انتخابات مبكرة لإسقاط نتنياهو 2025/06/26

وسُمعت أصوات إطلاق #رصاص كثيف قبل أن يخرج المنفذان -في وضح النهار- من على مسافة أمتار قليلة جدا متجهين نحو الآليتين، حيث قام أحدهما بإلقاء العبوة داخل إحدى الآليتين وعاد أدراجه دون غطاء.

في الوقت نفسه، كان المقاتل الثاني يفجر الناقلة الثانية التي كانت تقف على بعد أمتار قليلة جدا من الناقلة الأولى، حيث انفجرتا في وقت واحد تقريبا، فيما التقط المنفذان صور #احتراق #الآليتين وهما ينسحبان من المكان، ويتعهد أحدهما بالعودة مجددا.

وأظهر الفيديو جنديا إسرائيليا يقف إلى جانب إحدى الآليتين ولا يستطيع التحرك، كما أظهر تحليق مروحية يبدو أنها وصلت لإنقاذ الجرحى.

الله اكبر يا رجال الله
حاول كده تتخيل الصها ينة جوه المدرعة وعبوة شواظ نازله في حجرهم ،. #كمين_خانيونس pic.twitter.com/sAP2bU2Kwz

— Salama Abdelkawy – سلامة عبد القوي (@AbdelkawySalama) June 25, 2025

7 قتلى بينهم ضابط

وأسفرت العملية عن مقتل ضابط و6 جنود وإصابة عدد كبير من الجنود بعدما عجز الجيش عن إطفاء النار التي اشتعلت في ناقلة جند بعدما ألصق بها أحد المقاتلين عبوة ناسفة.

وتم استدعاء قوات إطفاء عسكرية إلى المكان، وبذلت جهودا لإطفاء الناقلة المشتعلة، لكنها لم تتمكن من فعل شيء كما قالت إذاعة جيش الاحتلال.

كما تم إحضار جرافة من نوع “دي 9” (D9) إلى الموقع وغطت الناقلة بالرمال في محاولة لإطفائها، لكن كل محاولات الإطفاء باءت بالفشل.

وإزاء ذلك، تم اتخاذ قرار في الميدان بسحب ناقلة الجنود وهي لا تزال مشتعلة، وبالفعل تم جرها أولا إلى شارع صلاح الدين في خان يونس، ومن هناك إلى خارج قطاع غزة، بينما كان العسكريون السبعة لا يزالون بداخلها.

ووفقا لإذاعة جيش الاحتلال، فلم يتم إطفاء ناقلة الجند إلا بعد وصولها إلى داخل إسرائيل، بينما تم استدعاء قوات إنقاذ ومروحيات إلى المكان، لكن لم يبقَ أحد من الجنود على قيد الحياة، ولم يكن هناك من يمكن إنقاذه من العربة العسكرية المحترقة.

وتعليقا على الحادث، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن ضابط كبير بالجيش أن مشاهد كمين القسام في خان يونس مخزية ولا تضفي احتراما للجيش الإسرائيلي.

مقالات مشابهة

  • فلسطين تطالب بتحرك دولي جاد لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة
  • مؤسسات فلسطينية: إسرائيل حولت سجونها ومعسكراتها لساحات تعذيب
  • فلسطين تدين استمرار هجمات المستوطنين الإسرائيليين على المدنيين العزل
  • القسام تنشر فيديو الكمين الذي نفذته القسام ضد ناقلتي جند في خان يونس / شاهد
  • جرائم الإبادة الجماعية تتواصل في غزة وأعداد الشهداء ترتفع (حصيلة)
  • حرب الإبادة والقدس وتهجير الشعب الفلسطيني
  • ماذا تعرف عن ساعة فلسطين التي ضربها الاحتلال في وسط طهران؟ (شاهد)
  • لجان المقاومة في فلسطين تدعو لتحرك عالمي وعربي وإسلامي لوقف حرب الإبادة والتجويع في غزة
  • حماس تدين مجازر الاحتلال في غزة وتطالب المجتمع الدولي بالتحرك العاجل