خطر يهدّد الديمقراطية والتماسك.. ما هو الاستقطاب المجتمعي؟
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
حل "الاستقطاب المجتمعي" ضمن قائمة ثلاثة أقوى مخاطر تهدد العالم في الوقت القريب، وبالمرتبة التاسعة ضمن لائحة المخاطر طويلة الأمد، بحسب تقرير حديث للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
ويقصد بالاستقطاب المجتمعي، الانقسامات الأيديولوجية والثقافية داخل المجتمعات، والتي تؤدي إلى تدهور الاستقرار الاجتماعي، والجمود في عملية صناعة القرار، إضافة إلى إحداث اضطرابات اقتصادية وتزايدا في حدة التقاطبات السياسية، وفق تقرير دافوس.
وينظر إلى الاستقطاب المجتمعي، إلى جانب الانكماش الاقتصادي، على أنهما أكثر خطرين تأثيرا في "شبكة المخاطر العالمية"، إذ يعدان في الأغلب أكبر محركين لاندلاع سلسلة مترابطة من الأخطار التي تهدد العالم.
يعرّف تقرير دافوس "المخاطر العالمية"، بـ"احتمال وقوع حدث أو ظرف من شأنه، أن يؤثر سلبا على نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، والسكان أو الموارد الطبيعية".
الاستقطاب المجتمعي والمعلومات المضللةويرتبط الاستقطاب المجتمعي بشكل وثيق بانتشار خطر المعلومات الخاطئة والمضللة الذي جاء في المرتبة الأولى في قائمة أقوى المخاطر العالمية على المدى القصير، حيث يشير التقرير إلى أن المجتمعات المستقطبة أكثر ميلا إلى الثقة بالمعلومات التي تؤكد معتقداتها، سواء كانت هذه المعلومات صحيحة أو كاذبة.
ويؤكد خبراء استقى التقرير آراءهم، أن انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة يرتبط بشكل ملحوظ بخطر اتساع رقعة الاستقطاب المجتمعي، إذ أنهما يساعدان على تضخيم بعضهما البعض.
ويورد معدو التقرير، أن فشل بعض الحكومات والمؤسسات التي تعمل على حماية حرية التعبير والحريات المدنية، في العمل بشكل فعال للحد من المعلومات المزيفة والمحتوى الضار، يجعل معرفة "الحقائق" مثار جدل وانقسام متزايد في المجتمعات.
ويقول التقرير، إن المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة لا تستخدم كمصدر لزرع بذور مزيد من الاستقطاب في المجتمع فحسب، بل أيضا للسيطرة، من قبل الجهات المحلية الفاعلة الساعية لتحقيق أجندات سياسية.
تأثير الاستقطاب على التماسك الاجتماعيوتسهم العوامل المسببة للاستقطاب، مثل الانقسامات السياسية والصعوبات الاقتصادية التي تواجهها بعض المجتمعات، في "تقويض الثقة وتقليص الإحساس المشترك بالقيم التي تجمع أفرادها"، وفقا للتقرير.
واعتبر المصدر ذاته، أن الاستقطاب الاجتماعي، لا يؤثر فقط على الانتماءات السياسية، بل يشمل أيضا تصورات أفراد المجتمع المستقطب بشأن عدد من "الحقائق"، مما يشكل تحديا خطيرا للتماسك الاجتماعي، بل وحتى على صحتهم العقلية.
ووفق التقرير، عندما تطغى المشاعر والأيديولوجيات على الحقائق، يمكن للروايات المضللة أن تتسلل إلى الخطاب العام بشأن قضايا متعددة، تشمل قطاعات الصحة والتعليم والبيئة، وصولا إلى العدالة الاجتماعية وغيرها.
ويمكن أيضا للاستقطاب المجتعي أن يغذي العداء، الذي قد ينطلق من التحيز والتمييز في أماكن العمل مثلا، قبل أن يتطور إلى احتجاجات عنيفة وجرائم كراهية وإرهاب.
ويذكر التقرير أيضا، أن بعض الجهات الحكومية وغيرها، قد تستغل انتشار المعلومات الكاذبة واتساع هوة الانقسامات في وجهات النظر المجتمعية، من أجل تقويض ثقة المواطنين في المؤسسات السياسية، وبالتالي تهديد التماسك المجتمعي والوطني.
ويترك تآكل التماسك الاجتماعي، بدوره، مجالا واسعا لبروز مخاطر جديدة، قد تكون أكثر تأثيرا، مثل تراجع منسوب الحرية والانتهاكات الحقوقية وغيرها.
من الاستقطاب الاجتماعي إلى السياسيوتُترجم الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية في الأغلب إلى انقسامات سياسية، وفق تقرير سابق للمنتدى الاقتصادي العالمي، لفت إلى أن الانتخابات والاستفتاءات والاحتجاجات الأخيرة في جميع أنحاء العالم، اتسمت كلها بالاستقطاب بشأن قضايا خلافية، تشمل الهجرة، والحقوق الإنجابية، والانتماء العرقي والديني، والمناخ..
وشدد المصدر ذاته، على أن عواقب الاستقطاب المجتمعي هائلة، وتتراوح من التأثير على النمو الاقتصادي إلى تصعيد الاضطرابات المدنية وتعميق الانقسامات السياسية.
ويسهم الاستقطاب المتزايد في تدهور مستوى الديمقراطية بالعالم وما يصاحب ذلك من تزايد أعداد الأنظمة الاستبدادية أو الديمقراطيات الهجينة، حيث أشار التقرير إلى ارتفاع نسبة سكان العالم الذين يعيشون في بلدان استبدادية من 5 بالمئة في عام 2011 إلى 36 بالمئة في عام 2021.
وحتى العام الماضي، يعيش 13 بالمئة فقط من سكان العالم، في ظل ديمقراطية ليبرالية، مقارنة بـ 44 بالمئة يعيشون تحت ظل حكم استبدادي، وفقا لأرقام عن المنتدى.
وفي تحليله لعلاقة الاستقطاب بأنظمة الحكم، يورد المصدر ذاته، أن الانقسامات المجتمعية، تدفع نحو اعتماد برامج سياسية قصيرة الأجل وأكثر تطرفا، تخدم في الأغلب، جانبا واحدا من السكان، على حساب باقي أفراد المجتمع.
وعلى هذا النحو، يمكن أن تشعر نسبة كبيرة من السكان بـ"الاغتراب والغضب" من القيادة في الفترة التالية، مما يؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى ظهور اضطرابات مدنية وتراجعا في المؤشرات الاقتصادية لهذا البلد، محدثا كذلك، تراجعا في الثقة بالمؤسسات، ومعها انخفاض المشاركة السياسية. ليعاد بذلك، تشكل عملية استقطاب مجتمعي جديدة.
وحللت أستاذة العلوم السياسية بجامعة جورجيا الأميركية، جينيفر مكوي، في ورقة بحثية تأثيرات الاستقطاب الاجتماعي الشديد على الديمقراطية، مؤكدة أنه "يضعفها ويهددها".
وذكرت الأستاذة الجامعية، على أنه في الديمقراطيات السليمة ينظر إلى الخصوم على أنهم منافسون سياسيون ولكن قد يكونون أيضا مفاوضين، وفي المقابل ينظر إليهم بالديمقراطيات شديدة الاستقطاب على أنهم "عدو ينبغي هزمه".
وكشفت نتائج مشروع بحثي بشأن الاستقطاب والديمقراطية، في 11 دولة، أنه عندما يصور القادة السياسيون خصومهم على أنهم غير أخلاقيين أو فاسدين، فإنهم ينشئون معسكرات عبارة عن: "نحن" و"هم".
وبناء على هذا التقسيم ينظر كل معسكر إلى الآخر بانعدام ثقة وتحيز وعداوة متزايدة، ويعتبر أن المعسكر المنافس (الحزب أو المرشح السياسي) سيشكل تهديدا للأمة أو لأسلوب حياتهم إذا وصل إلى السلطة.
ويؤدي هذا الوضع إلى بروز سلوكيات استبدادية للبقاء في السلطة لدى المعسكر الفائز في الانتخابات مثلا، ويدفع الجانب المعارض إلى إبداء استعداد للجوء إلى وسائل غير ديمقراطية، مثل الانقلابات أو الاحتجاجات العنيفة، من أجل الإطاحة بهم.
كيف يمكن مواجهة الاستقطاب المجتمعي والسياسي؟يؤكد الباحثان السياسيان، توماس كاروثرز وأندرو أودونوهيو، على أن من الصعب للغاية مواجهة أو معالجة الانقسامات المجتمعية الحادة، معتبران أن النتائج التي تترتب على حالة الاستقطاب تكون دائما "قاسية"، وتحفز في المقابل ظهور حالات استقطاب أوسع وأكثر سرعة انتشارا، مما يصعّب جهود حصرها.
ولكن بالرغم من هذه التحديات، أكد الباحثان في ورقة بحثية منشورة على موقع مؤسسة "كارنيجي" لأبحاث السلام، أن مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة عمدت إلى استخدام طرق مبتكرة لمعالجة المشكلة ــ وحققت في بعض الأحيان نتائج مشجعة.
وعدّد الباحثان، ثمانية أنواع مختلفة من الإجراءات العلاجية، تشمل إطلاق مبادرات للحوار والنقاش، وإدخال إصلاحات على مؤسسات البلاد، مثل القضاء وإعادة تنظيم عملية التعيين في مناصب القرار وتأهيل الإعلام.
وذكر الباحثان السياسيان، أن دولا لجأت إلى إقرار إصلاحات مؤسسية مثل اعتماد نظام إدارة لامركزي في تدبير السلطة أو موارد الدولة، أو تغييرات في قواعد الانتخابات أو حتى قوانين البلاد ودستورها.
ومع ذلك، يقول كاروثرز وأودونوهيو، أن هذه الإجراءات كلها تبقى "صغيرة" مقارنة بـ"القوى الأكبر" التي تسبب الاستقطاب، مشيرين إلى أن "الديمقراطيات بحاجة للارتقاء إلى مستوى هذا التحدي بطرق جديدة وحازمة، إذا ما هي أرادت السباحة بنجاح ضد تيار الاستقطاب العالمي المتضخم".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: على أن
إقرأ أيضاً:
محافظ بني سويف يناقش التقرير السنوي لأنشطة الإدارة المركزية للمنطقة الأزهرية
أكد الدكتور محمد هاني غنيم محافظ بني سويف، على الأهمية الاستراتيجية لدور الأزهر الشريف في المحافظة، مشددًا على ضرورة تعزيز التعاون وتكامل الجهود بين الأجهزة التنفيذية والمنطقة الأزهرية بالمحافظة لتحقيق التنمية الشاملة والارتقاء بالمنظومة التعليمية والمجتمعية، والاحتفاء بالتميز العلمي والقرآني.
جاء ذلك خلال مناقشته التقرير السنوي الذي أعده وكيل الوزارة الشيخ عبد الموجود عبد الله دسوقي، رئيس الإدارة المركزية لمنطقة بني سويف الأزهرية، استعرض فيه عدد من الأنشطة والفعاليات التربوية والمجتمعية التي نفذتها المنطقة خلال عام 2025، حيث شهد العام الماضي إقامة العديد من فعاليات للتكريم والاحتفاء بالتميز القرآني والعلمي، كجزء أصيل من رسالة الأزهر لغرس قيم الاجتهاد والتفوق في نفوس النشء الأزهري.
وبحسب التقرير، نظمت المنطقة احتفالية ضخمة ومؤثرة لتكريم حفظة القرآن الكريم من طلاب المعاهد الأزهرية بمختلف مراكز المحافظة، وذلك تأكيداً على المكانة السامية للقرآن الكريم ودعم جهود تحفيظه ورعاية أهله، وشمل التكريم تقديم شهادات وجوائز تقديرية قيمة للطلاب المكرمين والأسر المشرفة التي بذلت جهوداً مضنية في متابعة وتشجيع أبنائها على حفظ وتلاوة كتاب الله.
كما تم تكريم أوائل الطلاب المتفوقين في المراحل التعليمية المختلفة، بدءاً من المرحلة الابتدائية مروراً بالإعدادية وانتهاءً بالمرحلة الثانوية الأزهرية. ويأتي هذا التقدير تقديراً لتفوقهم العلمي المبذول وتحفيزاً لبقية الطلاب على بذل المزيد من الجهد والمثابرة لتحقيق أعلى مستويات النجاح والتميز.
وفي إطار تعميق الوعي البيئي والصحي وربط الدراسة بالواقع العملي والتنموي للمحافظة، شاركت منطقة بني سويف الأزهرية بفاعلية متميزة في مهرجان النباتات الطبية والعطرية الذي أقيم على ممشى كورنيش النيل.
وتضمنت المشاركة معرضاً متميزاً للمشاركات الطلابية المتنوعة التي عكست اهتمام الطلاب بالبيئة والنباتات الطبية وفوائدها، وشملت عروضاً توضيحية ونماذج عملية لفوائد النباتات.
كما كان للمنظمة العالمية لخريجي الأزهر، فرع بني سويف (WAAG)، دوراً محورياً في دعم الأهداف التعليمية والتربوية للمنطقة، حيث قامت بتنفيذ سلسلة من البرامج التدريبية وورش العمل المكثفة على مدار العام، استهدفت شريحة واسعة شملت الأئمة والدعاة والمعلمين والطلاب، بهدف رفع كفاءة المستهدفين في مجالات حيوية منها مكافحة التطرف الفكري ونشر الوعي الوسطي المستنير، وتطوير المهارات التربوية والتدريسية، إضافة إلى كيفية التعامل بفاعلية مع التحديات المجتمعية المعاصرة، واحتفلت المنظمة أيضاً بذكرى تأسيسها، تأكيداً على رسالتها العالمية في دعم خريجي الأزهر حول العالم ونشر المنهج الأزهري الوسطي الذي يعد صمام أمان للأمة.
وتضمن التقرير أيضًا عددًا من الإنجازات الأخرى التي تعزز النشاط الثقافي والاجتماعي والدعوي، حيث تم تنظيم مسابقات ثقافية وفنية ورياضية متنوعة على مستوى المعاهد لتعزيز جوانب بناء الشخصية المتكاملة للطلاب، كما نفذت المنطقة قوافل دعوية وتوعوية بالتعاون مع الجهات التنفيذية بالمحافظة لخدمة المجتمع المحلي ونشر الوعي الديني والاجتماعي السليم، واحتفلت المنطقة بذكرى تأسيس الأزهر الشريف والعمل على إبراز دوره التاريخي والحضاري كمنارة للعلم والمعرفة والوسطية.
وأكدت منطقة بني سويف الأزهرية، تحت قيادة الشيخ عبد الموجود عبد الله دسوقي، التزامها الكامل بخطط التنمية الطموحة التي يقودها المحافظ الدكتور محمد هاني غنيم، معلنة عن مواصلة العمل الدؤوب لخدمة العملية التعليمية والمجتمع في إطار المنهج الأزهري الوسطي المستنير، والسعي نحو المزيد من الإنجازات خلال العام المقبل.