هل خاطرت ألمانيا بعلاقاتها العربية بانحيازها إلى إسرائيل؟
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
نجحت "رياح التغيير" التي بشرت بها فرقة "سكوربيون" الموسيقية الألمانية قبيل سقوط جدار برلين في خريف العام 1989، في ذروة الثورات المخملية في المعسكر الشرقي، في أن تضع ألمانيا لاحقا على طريق الوحدة وفي دائرة التقدير الدولي مع تحولها إلى دولة محورية في بناء السلم والأمن الدوليين.
لكن رياح التغيير التي عكست الأمل في نهاية الحرب الباردة آنذاك لم تشمل الصراع الطويل في الشرق الأوسط، كما فشلت ألمانيا الموحدة في أن تدفع نحو التوصل لاتفاق عادل وملموس على الأرض للصراع العربي الإسرائيلي.
ثم جاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ليحدث شرخا غائرا في علاقات ألمانيا بالعالم العربي على نحو غير مسبوق، ويعد هذا الأمر نادرا في تاريخ الدبلوماسية الألمانية منذ الوحدة وحكومة المستشار الراحل هيلموت كول.
فقد حافظت برلين على علاقات جيدة مع العالم العربي، ووقفت إلى جانب الدعوة إلى تلبية مطالب الفلسطينيين لإقامة دولتهم واستعادة أراضيهم المحتلة، على الرغم من شعورها بالمسؤولية التاريخية تجاه إسرائيل.
فلماذا فشلت هذه المعادلة في الحرب على قطاع غزة مع حكومة المستشار أولاف شولتس؟ ولماذا تتحيز ألمانيا بشكل كامل لإسرائيل؟ وهل يعني ذلك أنها مستعدة للمخاطرة بعلاقاتها مع العالم العربي؟
يقول المركز الألماني للإعلام في تعريف الدور السياسي للدولة الألمانية فيما يرتبط تحديدا بالعلاقات في الشرق الأوسط، إن ألمانيا تدعم مع شركائها البحث عن حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما تعمل على حل النزاعات في سوريا وليبيا واليمن، موضحا أن الحوار يعد أهم وسائل إيجاد الحلول المستدامة.
لكن هذا التعريف ينطوي على تضارب على المستوى الرسمي وفي مستوى التعريف الموجه عندما يشير المركز في الوقت ذاته إلى أن ألمانيا "تحرص على الالتزام بنصوص القرارات المتوازنة التي تصب في مصلحة السلام الدائم في الشرق الأوسط، وتعارض المعاملة غير العادلة لإسرائيل في الأمم المتحدة".
كما يشدد المركز على أن الحكومة الألمانية تعتمد مبادئ أساسية في التقييم السياسي لمشاريع القرارات، ومنها أساسا "المسؤولية التاريخية عن دولة إسرائيل اليهودية والديمقراطية وحقها في الوجود، وكذلك القناعة الراسخة بأن حل الدولتين القائم على التفاوض هو وحده الذي يمكن أن يضمن السلام والأمن الدائمين للإسرائيليين والفلسطينيين".
ويجد هذا التعريف في نصفه الأول على الأقل صداه بقوة في سلوك الدبلوماسية الألمانية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث أعلن المستشار أولاف شولتس يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي "في هذه اللحظة لا يوجد سوى مكان واحد لألمانيا: المكان إلى جانب إسرائيل"، وهو الموقف الذي أعرب عنه أيضا البوندستاغ (البرلمان الألماني).
ويوضح الكاتب والباحث الألماني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كيرستن كنيب أنه لا يمكن فصل هذه المواقف عن التاريخ الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، "عندما قتل النظام النازي ملايين اليهود".
ويضيف، في حديثه للجزيرة نت، أن ألمانيا تشعر أن عليها دينا تاريخيا وواجبا في حماية إسرائيل، وينظر إلى هذا الالتزام على أنه أكثر من مجرد هدف سياسي، بل يعتبر أن أمن إسرائيل ووجودها هما سبب وجود الدولة في ألمانيا، ولذلك فإن أمن إسرائيل ووجودها يمثلان معا جوهر المصالح الألمانية.
وقف الحربوخلال زيارة وزيرة الخارجية الألمانية وزعيمة حزب الخضر أنالينا بيربوك في الثامن من يناير/كانون الثاني 2024 إلى إسرائيل دعت إلى إتاحة المزيد من الإمكانيات لإيصال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في قطاع غزة، وأن يتصرف الجيش الإسرائيلي بحذر أكبر في هجومه.
لكن على الرغم من ذلك، فإنها لم تسلم من انتقادات داخل حزبها من قيادات نسوية قبل الزيارة بشأن إحجامها عن المطالبة بشكل صريح بوقف القصف على غزة في وقت تتزايد فيه أعداد الضحايا في صفوف النساء والأطفال الفلسطينيين.
ومع أن الخارجية الألمانية ذكّرت بشكل علني في تلك الزيارة بأهمية الالتزام بمقترح حل الدولتين لتأسيس سلام دائم في المنطقة، إلا أن الدبلوماسية الألمانية لا تمارس عمليا ضغوطا حقيقية على إسرائيل للدفع نحو تحقيق هذا المقترح.
ويزيد هذا من خيبة أمل العرب بشأن الدور الألماني، مما انعكس في احتجاجات نادرة أمام عدد من مقرات سفارات ألمانيا في المنطقة العربية، حيث عمد محتجون إلى رسم شعار النازية على جدران المركز الثقافي الألماني ردا على موقف برلين.
تحد كبير
ويعترف الباحث الألماني كنيب بأن الوضع في الشرق الأوسط يشكل تحديا كبيرا للحكومة الاتحادية، وأنه للأسباب المذكورة تقف ألمانيا بثبات إلى جانب إسرائيل، ولكنها تدرك أيضا أن أجزاء كبيرة من العالم العربي تتخذ موقفا مختلفا، وأن هذا يمكن أن يؤدي إلى خلافات سياسية مع شركائها العرب. ومع ذلك، فمن غير المتصور -وفق الباحث- أن تنحرف الحكومة الاتحادية عن موقفها الأساسي.
ويعتقد كنيب أنه من المرجح أن تواجه الدبلوماسية الألمانية المزيد من التحديات في المنطقة، وسيتعين عليها أن تشرح الموقف الألماني مرارا وتكرارا، "وهذا ليس بالأمر السهل".
ويضيف الباحث في تعليقه "يبدو لي أن هذه هي الطريقة الوحيدة للتواصل ومنع تصاعد المواقف المختلفة. ومع ذلك، يبدو لي أيضا أن الغالبية العظمى من الدول العربية ليس لديها مصلحة في تعريض العلاقات الجيدة مع دولة مثل ألمانيا للخطر بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس".
حضور قويتملك ألمانيا بالفعل حضورا مهما في المنطقة العربية، فعلى مدى عقود بعد الحرب العالمية الثانية نجحت ألمانيا في أن تؤسس لعلاقات وطيدة مع أغلب دول العالم العربي.
وكان للآلاف من "العمال الضيوف" الذين تم استقدامهم بين ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من دول عربية دورٌ في إعادة بناء اقتصاد ألمانيا الغربية، وتحويلها إلى قاطرة الاقتصاد الأوروبي.
وحسب بيانات مكتب الإحصاء الألماني التي نشرها موقع "دوتشلاند" التابع لوزارة الخارجية، يوجد في البلاد ما يقارب 800 ألف مهاجر من سوريا وحدها من غير الحاملين للجنسية الألمانية، يضاف لهم نحو 800 ألف من باقي المهاجرين العرب.
وعلى المستوى الاقتصادي ووفق المركز الألماني للإعلام، ترتبط ألمانيا بتبادل اقتصادي قوي مع العالم العربي، حيث تعد ألمانيا من أهم الشركاء التجاريين لكثير من الدول العربية، كما تستثمر شركات ألمانية كثيرة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة الخليج.
وعلى سبيل المثال، تضاعف الميزان التجاري بين الجانبين من قرابة 22 مليار يورو عام 2002 إلى حوالي 50 مليار يورو عام 2016.
وعلى المستوى الثقافي، تضم القاهرة أقدم معهد ألماني في الخارج على مستوى العالم (تم تأسيسه 1873) يدعمه المركز الثقافي الألماني الذي يملك فروعا على مستوى العالم، وهو معهد غوته لتعلم اللغة الألمانية وحوار الثقافات عبر 10 مقرات في العالم العربي.
وترتبط الوكالة الألمانية للتعاون الدولي ببرامج تعاون وتنمية وإعمار واسعة في المنطقة العربية بما في ذلك المناطق الفلسطينية، لكن هذه البرامج وهذا التعاون الواسع يوشكان أن يكونا على محك الأزمة الخطيرة والكارثة الإنسانية في قطاع غزة المدمر.
وظهرت مؤشرات على ذلك بالفعل عندما ألغت الحكومة الألمانية تمويل مشروع لمناهضة الاتجار بالنساء في مصر تنفذه مؤسسة "قضايا المرأة المصرية"، ردا على توقيع رئيسة مجلس أمناء المؤسسة، المحامية عزة سليمان، على بيان يدعو لوقف الحرب على غزة ومقاطعة البضائع الإسرائيلية وقطع العلاقات الدبلوماسية معها.
وفي تونس، ظهرت مناوشات علنية بين السفير الألماني بيتر بروغل ومسؤولين في الحكومة التونسية رفضوا، خلال مؤتمر صحفي بمناسبة تدشين مدرسة بتمويل ألماني، إشارة السفير في تصريح له إلى أن "الإسرائيليين ضحايا الإرهاب الفلسطيني"، ليغادروا بعدها المؤتمر.
وظهر مؤشر آخر على الطرف الألماني عندما قررت إدارة معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في دورته لعام 2023 بالتزامن مع الحرب على قطاع غزة إلغاء تسليم "جائزة ليبراتور" التي تمنحها مؤسسة "ليتبروم" للكتاب والمؤلفين من دول جنوب العالم، والتي كانت مقررة للكاتبة الفلسطينية المقيمة في برلين عدنية شبلي عن روايتها "تفصيل ثانوي".
وقال مدير المعرض يورجن بوس حينها، في بيان صحفي نشر على موقع المعرض، "إن الحرب الإرهابية على إسرائيل تتعارض مع كل قيم معرض فرانكفورت للكتاب"، معبّرا في الوقت نفسه عن رغبة المنظمين في "أن يجعلوا الأصوات اليهودية والإسرائيلية مرئية بشكل خاص في معرض الكتاب".
وعمقت تلك المؤشرات وغيرها من حالة الشكوك بشأن صورة ألمانيا في العالم العربي، وقيم الإنسانية والحرية التي تحرص الحكومة الاتحادية على التذكير بها في علاقاتها الدبلوماسية.
ومن المفارقة أن كثيرا من تصريحات مراقبين للحرب على غزة، جاء فيها أن ما يتعرض له "قطاع غزة بات يشبه بصورة أكثر فظاعة المدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية إبان الحرب التدميرية التي قادها الحلفاء لتركيع ألمانيا"، كما يقول رئيس مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي في مقابلة صحفية.
حملة قمعلكن موجة الاستياء العامة بلغت ذروتها مع حملة القمع العنيفة للشرطة الألمانية ضد المشاركين في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وحظر العاصمة برلين رفع الأعلام والكوفية الفلسطينية في المدارس، مع ما رافق ذلك من حملة اصطياد واسعة النطاق من قبل المؤسسات الرسمية الألمانية وممثلي الأحزاب وأغلب وسائل الإعلام للأصوات المنتقدة لسلوك إسرائيل في قطاع غزة.
وقالت صحيفة "ذا هيل" الأميركية إن ما يحصل في ألمانيا من حملات منظمة ضد داعمي الفلسطينيين أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ هذا البلد منذ الحرب العالمية الثانية.
وبينما طالب الرئيس الألماني فرانك شتاينمار الجاليات العربية بالنأي بأنفسها صراحة عن دعم حركة حماس، ذهب حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي إلى حد المطالبة بإصدار قرار يجعل دعم إسرائيل شرطا للحصول على الجنسية الألمانية.
وتهدد تلك القيود بنسف سياسة الباب المفتوح التي توختها ألمانيا لـ"أسباب إنسانية" في استقبال مئات الآلاف من الفارين من الحرب السورية.
ويقول الباحث والأكاديمي السوري المقيم في ألمانيا والمحاضر في الفلسفة والفكر العربي والإسلامي حسام الدين الدرويش إن صورة ألمانيا، شعبا ودولة وحكومة، والتي أصبحت زاهية لدى كثيرين مع التبني الرسمي والشعبي لسياسة الترحيب باللاجئين، أصبحت باهتةً أكثر فأكثر مع التحول في الخطابات والسياسات الحكومية واليمينة تجاه اللاجئين.
ويستطرد الدرويش، في تعليقه للجزيرة نت، أن الأمر يتعلق بصدمات متلاحقة في العالم العربي وخارجه بشأن السياسة الألمانية، من بينها ملاحقتها المقاومة السلمية للاحتلال الإسرائيلي، وسعيها لتجريم حركة المقاطعة لإسرائيل، ومحاولتها قبل ذلك تسويق قيمها بشأن الشذوذ الجنسي ورفع شعاراته في مونديال قطر عام 2022.
ويضيف الدرويش في ختام ملاحظته أن "ألمانيا لم تخفق، في علاقتها بالعالم العربي، لأن تلك العلاقة ليست أولوية بالنسبة إليها، وهي تركز على دعم دولة الاحتلال الإسرائيلية في كل الأحوال ومهما كان الثمن. ومن الواضح أن تشوه صورتها في العالم العربي هو أحد هذه الأثمان التي يبدو أن الحكومة الألمانية مستعدة لدفعه بكل طيب خاطر".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحرب العالمیة الثانیة فی العالم العربی فی الشرق الأوسط فی ألمانیا فی المنطقة قطاع غزة على غزة
إقرأ أيضاً:
لماذا الصمت العربي في حين تغيرت مواقف الغرب تجاه إسرائيل؟
توالت مواقف الدول الغربية التي تنتقد استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، في حين ظل الموقف العربي غائبا، في مفارقة تطرح تساؤلات عن التحول المتزايد في سياسات أوروبا مقابل صمت عربي.
ويأتي ذلك في حين تتجه عواصم غربية إلى تصعيد لهجتها ضد إسرائيل، ومراجعة علاقاتها السياسية واتفاقاتها العسكرية معها، بينما لم يصدر عن كثير من العواصم العربية سوى بيانات متفرقة لم تتجاوز حدود القلق، في الوقت الذي يتعرض فيه نحو 2.3 مليون فلسطيني لمجازر مستمرة وحصار خانق.
المواقف الأوروبية غير المسبوقة تطالب بعقوبات على المستوطنين، وبتعليق اتفاقيات التعاون الأمني مع إسرائيل وتدعو إلى فتح المعابر لإدخال المساعدات.
وفي ظل هذا التحرك الأوروبي المتسارع، يتعاظم التساؤل: أين الموقف العربي؟ ولماذا يلتزم العرب الصمت بينما ترتكب إسرائيل انتهاكات غير مسبوقة في غزة؟
موقع الجزيرة نت استطلع آراء عدد من المحللين والخبراء بشأن هذا التساؤل، إذ أجمعوا على أن الصمت العربي ليس حالة عابرة، بل نتيجة تراكمات سياسية وأمنية واقتصادية جعلت من الموقف تجاه غزة رهينة الحسابات لا المبادئ.
وقالت رئيسة مجلس شورى الرابطة الإسلامية في بريطانيا رغد التكريتي إن التحول في مواقف بعض الدول الغربية مثل فرنسا وكندا وبريطانيا تجاه العدوان على غزة يعد تطورا إيجابيا، مؤكدة أنه نقطة تحول مهمة كان يفترض أن تحدث منذ وقت مبكر.
إعلانوأضافت -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن هذا التحول لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة ضغط مستمر من الشارع والبرلمانيين، وتغير في مواقف بعض القيادات السياسية بعد نحو 20 شهرا من القصف والدمار المتواصلين من قبل إسرائيل على غزة، وفي ظل صمت دولي مقلق.
ونوهت إلى أن الغرب، ومنه بريطانيا، يلعب دورا مباشرا في دعم إسرائيل وتسليحها، ولذلك فإن التغيير في مواقفه ينعكس على السياسات العربية التي تتأثر غالبا بالإستراتيجيات الغربية.
وشددت التكريتي على أهمية استمرار الضغط الشعبي، مشيرة إلى أن الرابطة الإسلامية في بريطانيا تواصل تنظيم المظاهرات والتحركات لتثبيت هذه التغييرات، وقالت "نحن لا يهمنا الكلام، بل تهمنا المواقف والأفعال".
وأكدت التكريتي أن الشعوب قادرة على كسر السقوف المفروضة عليها ولو تطلّب ذلك بعض التضحيات.
صمت عربي
ويرى الباحث الفلسطيني محمد غازي الجمل -في تصريحات للجزيرة نت- أن الصمت العربي الرسمي ليس مجرد غياب عن المشهد، بل انعكاس لتحولات عميقة في العقيدة السياسية لبعض الأنظمة.
ويعدد الجمل في حديثه للجزيرة نت جملة من الأسباب التي تفسر هذا الصمت:
أصبحت المقاومة الفلسطينية خصما مقابل التحالف السياسي والأمني والاقتصادي مع دولة الاحتلال، بناء على اتفاقات السلام والتطبيع، مما يجعلها أداة ضغط وقمع لأي حراك شعبي رافض لعدوان الاحتلال. الحياة السياسية جُرّفت في المجتمعات العربية، وتم تأميم أدوات العمل الجماعي، كالأحزاب والنقابات والبرلمانات، التي أصبحت هياكل خاوية من مضمونها الحقيقي. جُرّم التضامن مع الفلسطينيين ودعم مقاومتهم بفعل القوانين والأنظمة والخطاب الإعلامي في العديد من الدول العربية. هناك ضعف في قناعة الشعوب بأثر الاحتجاجات، وضعف في قدرة القوى الشعبية على ابتكار أشكال تضامن تتجاوز قيود الأنظمة. الولايات المتحدة والدول الغربية تربط مساعداتها بعلاقات الدول العربية بإسرائيل، وتدرج أشكال الدعم للفلسطينيين ضمن ما تسميه دعم الإرهاب، وتلاحق الخطاب والتبرعات ذات الصلة. أصل المشكلة -حسب الجمل- يرتبط بشرعية الأنظمة، فمن يعتمد على دعم الخارج يبقى مرتهنا لمعادلاته، أما من يستند إلى رضا شعبي ينسجم مع مشاعر أمته فموقفه مختلف.وفي قراءة مشابهة، يرى المحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون أن الجهود العربية إن وجدت فهي محدودة جدا ومحكومة بحسابات دقيقة ومعقدة.
إعلانويشير المدهون -في مقابلة مع الجزيرة نت- إلى أن من أسباب الغياب العربي ضعف النظام الرسمي وتراجع دور جامعة الدول العربية، فضلا عن الانقسام الداخلي بين الدول سواء على مستوى السياسات أو التوجهات الفكرية.
ويضيف أن كلفة دعم غزة اليوم أصبحت مرتفعة سياسيا واقتصاديا، ويخشى بعض الحكام من تداعياتها الداخلية، لا سيما في ظل هشاشة شرعياتهم.
ورغم ذلك، يرى المدهون أن التحرك الأوروبي رغم تأخره وبطئه يعكس تغيرا نسبيا في المزاج السياسي في الغرب، ربما بفعل ضغط الشارع، أو تنامي السخط الأخلاقي، أو حتى بسبب الارتباك في العلاقة مع واشنطن على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.
لكنه يحذر من الإفراط في التفاؤل، موضحا أن أغلب هذه الدول كانت شريكة للاحتلال وداعمة لسياساته وصامتة عن جرائمه، والتحرك الحالي لا يبدو مدفوعا فقط بدوافع إنسانية، بل تحكمه توازنات دقيقة وسعي لإعادة التموضع إقليميا ودوليا.
تجويع وتهجير
ويرى المحلل السياسي إياد القرا أن الردود العربية لم ترق إلى مستوى الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، خاصة منذ استئناف القتال في مارس/آذار الماضي، وما تبعه من مجازر دامية وحصار خانق استمر شهرين، في واحدة من أقسى مراحل العدوان.
ويضيف القرا -في تصريحات للجزيرة نت- أن المواقف الرسمية العربية لم تتجاوز بيانات الشجب، من دون تقديم أي دعم حقيقي للفلسطينيين، لا على المستوى الدبلوماسي ولا الإنساني، في وقت تمضي فيه إسرائيل في سياسة تجويع وتهجير منظمة.
وبيّن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنشأ "دائرة الهجرة" ضمن مكتب المنسق، لتنفيذ التهجير القسري نحو دول مثل الأردن ومصر والسعودية تحت غطاء "الطوعية"، في حين يمارس القتل والضغط لإجبار الفلسطينيين على مغادرة غزة.
ويؤكد أنه حتى القمم العربية فقدت قيمتها، ولم تعد تحظى بثقة الشعوب بقدرتها على إحداث أي تغيير، مشيرا إلى أن القرار العربي بات مرتهنًا للإدارة الأميركية.
إعلانويلفت القرا إلى أن بعض الدول العربية باتت تحمّل حرمة المقاومة الإسلامية (حماس) مسؤولية ما يحدث، بدلًا من تحميل الاحتلال تبعات عدوانه.
وفي ظل هذا التحرك الأوروبي المتسارع والمواقف الغربية غير المسبوقة، أكد المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج أن ما تحقق حتى الآن من مواقف أوروبية يشكل خطوات أولى ضرورية، لكنه لا يرقى إلى مستوى الكارثة الإنسانية والجرائم اليومية المرتكبة.
ودعا المؤتمر -في بيان وصلت للجزيرة نت نسخة عنه- الحكومات الأوروبية إلى وقف شامل ونهائي لتصدير الأسلحة والتقنيات العسكرية للاحتلال.
كذلك جدد البيان رفضه أي محاولات لتجزئة الحقوق الفلسطينية أو فرض حلول منقوصة، مشددا على أن الحرية والعودة وتقرير المصير هي حقوق أصيلة غير قابلة للتفاوض، داعيًا الجاليات الفلسطينية والعربية وأحرار العالم إلى مواصلة الضغط الشعبي والإعلامي والقانوني حتى تتحقق العدالة والحرية للشعب الفلسطيني.