موقع النيلين:
2025-07-05@00:29:36 GMT

عادل عسوم: (الخاطرة السابعة)

تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT


بعض خواطري
(الخاطرة السابعة)
سأكتب عن (حالة) يعلمها يقيناً -ويتلمسها في دواخله- كل من له/لها قدم صدق في سوح الابداع وفضاءاته: أدباً؛ شعراً كان أو نثراً، أو أيما ضربٍ من ضروب الفن والادهاش…
لعمري انها حالة تعتري صاحب الابداع كلما عنّت له خاطرة أو فكرة أو مفهوم أو لحن أو غير ذلك من بواعث الادهاش، يكتنفه ما يشبه السحابة تمطر في دواخله زخات زخات…
انها حالة سماوية السمتِ واللون والطعم والعطر…
مدخل:
لا أدري لِمَ أكون وقافا كلما قرأت سيرة الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وتنقلت بين سراباتها حينما كلما يقع بصري على الآتي:
سعت أخت ورقة بن نوفل إلى خطبة عبدالله لنفسها قبيل زواجه من آمنة بنت وهب أم نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه لكنه تأبّى عليها حينها…
ثم عاد عبدالله يمازحها بعيد زواجه من آمنة بنت وهب قائلا:
ألم تكوني يابنت نوفل تودّين زواجي يوما؟
فما لبثت أن قالت له:
لقد فارقك النور الذي كان معك بالأمس، فليس لي بك اليوم حاجة!…
وان كان قد ضعف البعض ذلك إلا إن وروده في سيرة ابن اسحق وعدد من أصحاب سيرة نبينا الشريفة يجعلني أأنس له.


ووردت عن (أم قنال بنت نوفل) أبيات من الشعر تتأسف فيها على ما فاتها من الأمر الذي رامته، وذلك فيما رواه البيهقي من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق رحمه الله.
وكذلك تعتريني ذات الوقفة بين يدي الآيات الكريمات التاليات:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}31 {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}32 {قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}33 البقرة
ثم الآية الكريمة:
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} 124البقرة
لا أدري لِمَ أجدُ رابطاً وثيقاً مابين هذه الآيات الكريمات وتلك الحالة التي أبتدر نسيج هذا الخيط بالحديث عنها؟!…
ذاك النور وهذه الأسماء والكلمات شئ ما -يقينيّ- في وجداني يقول لي بأن هناك رابط ما مابين كل ذلك والحالة التي تعتري أصحاب الابداع فينا بين يدي كل حراك بشري انساني أو عمل فني…
انها حالة لاتنفكُّ عن موهبة يهبها الله لبني آدم …
وليس شرطاً أن يكون لها ارتباط وثيق بالتفوق العقلي أوالذكاء،
فالموهبة ليست سوى هبة الهية يهبها الله لِقِلَّة من الناس، وللايضاح أجد أنه ينبغي لي ايراد هذه التوصيفات التي وجدتها في الشبكة:
الموهبة:
سمات معقدة تؤهل الفرد للإنجاز المرتفع في بعض المهارات والوظائف والموهوب هو الفرد الذي يملك استعداداً فطرياً وتصقله البيئة الملائمة لذا تظهر الموهبة في الغالب في مجال محدد مثل الموسيقى أو الشعر أو الرسم وغيرها.
الإبداع:
إنتاج الجديد النادر المختلف المفيد فكراً أو عملاً وهو بذلك يعتمد على الإنجاز الملموس.
الذكاء:
هو القدرة الكلية العامة على القيام بفعل مقصود والتفكير بشكل عقلاني والتفاعل مع البيئة بكفاية فالذكاء قدرات الفرد في عدة مجالات كالقدرات العالية في المفردات والأرقام والمفاهيم وحل المشكلات والقدرة على الإفادة من الخبرات وتعلم المعلومات الجديدة…
وبذلك يمكنني أن أقول بأن صاحب ال(حالة) يمكننا أن نلحقه بالمبدعين لانه ينتج الجديد النادر فكراً وعملاً أو فنّاً، وليس كل صاحب موهبة بذكي، انما الذكي فيهم الذي لموهبته اتصال وثيق بالفكر والعقل، أما أصحاب الأصوات الجميلة من المؤدين -كمثال- ففيهم الأذكياء بطبعهم وفيهم من هم دون مقاييس الذكاء اتكاء على معايير العالم دنلوب وهي:
1- فئة الممتازين ونسبة الذكاء بينهم تتراوح بين:
(120 و125 ) إلى ( 135 و140 ).
2- فئة المتفوقين تتراوح نسبة الذكاء بينهم بين ( 135 و140 إلى 170).
3- فئة المتفوقين جدا أي العباقرة وهم الذين تبلغ نسبة ذكائهم 170 فما فوق.
أعود الى قصة والد نبينا محمدصلوات الله وسلامه عليه وآله مع أخت ورقة ابن نوفل التي عرضت عليه نفسها كزوجة قبيل زواجه من آمنة بنت وهب فأقول:
كم أجد نفسي وقافا بين يدي هذه القصة لأقايس عليها أمرا مافتئ يراودني كلما قرأتها…
وبرغم يقيني بكونها قياسا مع الفارق إلا انني ألمح في ثناياها سقفا للخلوص الي ذرا سامقة يضفيها الحق جل في علاه في حنايا هذه النفس البشرية!…
لقد أوتيت أخت ورقة ابن نوفل-كشقيقها- معارف كثيرة استقياها مما نزل على ابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام من هدى من قبل،
وهي لعمري بذلك سبقت شقيقها ورقة ابن نوفل الذي تبين -لاحقاً-مما قالته ابنة عمه خديجة بنت خويلد رضي الله عنها بأن الذي رآه زوجها محمد صلوات الله وسلامه عليه ماهو الاّ الناموس الأعظم الذي كان يأتي موسى عليه السلام…
فلان تبين ورقة ابن نوفل النور في سرابات حديث ابنة عمه خديجة بنت خويلد؛ فان شقيقته رأت عياناً ذات النور يكتنف ويتغشى اهاب ووجه عبدالله ابن عبد المطلب تأتلقُ به عيناه!!!…
وأي نور؟!
انه لعمري جَماع الادهاش لكل البشرية …
بل لكل الخلق انساً وجناً وملائكة وذات أوراح وجمادات أوجدها الله في هذا الكون!..
وأعود لاتحدث عن وقفتي بين يدي الأسماء التي علمها ربنا جل في علاه لأبينا آدم عليه السلام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}31 {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}32 {قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} 33 البقرة
أيُّ أسماء هي ياتُرى؟!
انها لعمري لَهِبَةٌ من الخالق لآدم وذريته تمايزهم وتُعْلِي بهم قدراً فوق الملائكة الأطهار، لذلك فإن الذي يحسبها مجرد أسماء تُعَلَّم ثم تُقَال للغير فقد فات وخَفِيَ عليه الكثير المثير، انها حالة تجعل من الانسان حلقة أصيلة في سلسلة آلاء الله وعوالم (كن) التي في ثناياها اندغَمَت مفاتحُ الغيبِ ومعارفُ الخلقِ والفتقِ والرتق…
ولعلي أعود -يوماً- لأفَصِّل في ذلك وأُحَبِّر الكثير في طيات مفترع اخر بمشيئة الله …
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} 124 البقرة…
ياتُرى ماهي هذه الكلمات التي أتمها ابراهيم عليه السلام ليجعله الله اماماً للناس؟!!!
التفاسير تقول جلها بأنها الابتلاءات التي قدرها الله لابراهيم عليه السلام ونجح فيها -ومنها الحرق بالنار من قومه وذبحه لابنه اسماعيل وتركه عليه السلام وامه هاجر بواد غير ذي زرع في مكة الخالية حينها من الناس- لكنني لا أجد هذا الرأي يوفي الامامة- التي يريد الله جل في علاه وهبها لابراهيم عليه السلام حقها، لأن فسرنا الامامة بالنبوة والابتعاث؛ فكم من انبياء ورسل تخيرهم الله ولم يشأ جل في علاه لهم وبهم ابتلاءات عظيمة مثل التي شاءها لابراهيم عليه السلام، وبرغم ذلك جعلهم رسلا وانبياء، لذلك فإني أري تلك الكلمات أشمل من ذلك، وان كانت الابتلاءات المذكورة ما اتخذها الله العليم الحكيم الاتمحيصا للنبي ابراهيم وارهاصا لامامة علي كل الناس تتعدد مقوماتها…
ولنا هنا ان نتبين ماذا قال موسي عليه السلام عندما اراد الله جل في علاه أن يجعله اماما لقومه ورسولا نبيا وداعية لفرعون إلي الايمان، يومها طلب موسي عليه السلام من الله جل في علاه أن يرسل معه أخوه هارون الذي يعلم أنه (أفصح منه لسانا وقولا)، أي لغة وخطابا، وليس قصورا خلقيا في قدرته علي الكلام وعيبا عضويا من تاتاة أو عاهة لسانية كما تقول بعض التفاسير، المعلوم بالضرورة ان شروط الإمامة تكون اسماها القدرة علي فصل الخطاب، وليس الأمر تعلم لألفاظ اللغة وفقهها وآدابها بقدر ماهي موهبة يؤتيها الله لقلة من عباده فيلجون بخطابهم المبدع إلى قلوب الناس دونما متاريس…
لقد تبينت خلال سبري لحال الموهوب من الله بذلك أنه يوهب معها- ايضا- نعمة التفكر في ملكوت الله، ويؤتي القدرة علي تمحيص ما حوله وهو يبصر إلى الاشياء من خلال زاوية تختلف عن الزاوية التي ينظر من خلالها الاخرون، فيكون المآل رؤي مستبصرة وخلوصا موجبا مرده هبة من الله الخالق المصور…
وأخلص إلى القول بأن هذه الحالة ماهي الاّ عطية ربانية للبعض، تضفي عليه تفرداً وتميزاً في ضرب من ضروب العطاء البشري شِعْراً كان أو نثراً أو أداء صوتياً أو ضرباً من ضروب الفنون على مختلف أشكالها وألوانها…
والله جل في علاه يتخير من عباده من يشاء لذلك، وذاك لعمري اصطفاء ما بعده، لكنه اصطفاء دون النبوة…
هؤلاء هم من نجدهم يؤثرون ايجابا في حراك حياة الناس، ولهم بصمة في مسارات الشعوب والحضارات، يضفون ايجابا كثيفا ويرفدون الناس بعطاء مميز يرقى بالثقافة والأدب والتنوير والذائقة والوجدان إلى ذُراً سامية ومراقٍ ماكان يتسنى للأمم والحضارات بلوغها لولاهم…
فكم من حضارات بادت ولكن بقيت منها أسماء لشخوص مافتئوا أحياء في ذاكرة التأريخ ولهم بصماتهم في ذائقة ووجدان الناس على مر العصور…
وكم من دُوَلٍ وأقطار ظلت في غياهب النسيان لولا فردٌ منها حباه الله تلك الهبة الالهية؛ فإذا به يحيل مواتها حياة، وسكونها زخماً لا يكاد يهدأ ضجيجه!…
هذه لعمري هي الأِمامة التي تنبغي وتحيق بكل أهل المواهب والابداع فينا يا أحباب…
لكن…
تلك العطية تحتاج إلى عناية وصقل وتعهد يرتقي بها أكثر، ويجعل الرفد منها أينع وأعظم أثراً…
فكل أمر لا يُتَعَهَّدُ يكون مصيره الموات والانكفاء والذبول، كما هو حال الحياة طُرَّا فكم من موهوبين طمرت وماتت موهبتهم ولم تر النور لاعتبارات عديدة لامجال للاحاطة بها في هذه المساحة…
ولعلي أختم بأمر قد تبينته في العديد من موهوبينا ومبدعينا ممن افاء الله عليهم بتلك العطية فأقول:
هذه الهِبَة تنمو وتترعرع وتصل الى ذروة وعنفوان ثم تشيخ وتذوي من تلقائها تماما كما يحدث لابن آدم خلال أطوار حياته طفولة وشباباً ثم كهولة وشيبة،
فكم من شعراء وأدباء ومبدعين نضب معينهم، أو ضعف وذبل وأضحت بضاعتهم مزجاة بعد أن كانوا ملء السمع والبصر من خلال أعمال مجيدة وبهية تأخذ بالألباب وتشبع الوجدان.
أنصح كل من وهبه الله تلك الهبة والعطية أن لايتقاعس عن العطاء، وأن لايتملكه الكسل والتسويف، لأنه لامحالة آتيه يوم لا يجد في نفسه ما كان يجده فيها من قدرة تحيل الأحرف إلى فصوص من لؤلؤ يزين استدارة مسبحة الزمان، ولا أزاهر ملونة من أحرف يشكِّلُ بها لوحة وبيان،
واذا بصوته قد شاخ، واذا بقدرته على التشكيل قد ذوت، واذا بالألوان تتوه بها الدروب مابين الفرشاة والأشكال، واذا به عاطل عن كل ابداع.

عادل عسوم

adilassoom@gmail.com

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الله وسلامه علیه علیه السلام انها حالة بین یدی الله ل

إقرأ أيضاً:

«السلام رسالة الإسلام».. موضوع خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف

خطبة الجمعة.. كشفت وزارة الأوقاف عن نص خطبة الجمعة غدا 4 يوليو 2025م، الموافق 9 محرم 1447 هـ، لافتة إلى أن عنوان خطبة الجمعة غدا، سيكون «السَّلَامُ رِسَالَةُ الإِسْلَامِ».

خطبة الجمعة غدا

وتوفر «الأسبوع» لمتابعيها كل ما يخص خطبة الجمعة غدا، وذلك من خلال خدمة متقدمة تتيحها لمتابعيها في جميع المجالات، ويمكنكم المتابعة من خلال الضغط هنـــــــا.

نص خطبة الجمعة غدا

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شَاءَ رَبُّنَا مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، هَدَى أَهلَ طَاعتِهِ إلى صِرَاطهِ المُسْتَقيمِ، وَعَلِمَ عَدَدَ أَنْفَاسِ مَخْلُوقَاتِهِ بِعِلْمِهِ القَديمِ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَتَاجَ رُؤُوسِنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا وَبَهْجَةَ قُلُوبِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ.

وَبَعْدُ: فإن الإسلامَ جاءَ برسالةٍ سمحاءَ، وشريعةٍ غراءَ، ودٌّ ومحبةٌ، إلفٌ ورحمةٌ، سخاءُ بالأخلاقِ، ونشرٌ للخيرِ، ومنعٌ للشرِ، حياةٌ آمنةٌ مستقرةٌ، إنه مددُ الإسلامِ، ولا غَرو، فإنَّ رسالته هي السلامُ.

أيها الكرام، تأملُوا معي اسمَ الإسلامِ، ألمْ تلاحظُوا فيه معنَى السلامِ؟! ثم تأمَّلوا تَسَمِّينَا باسمِ المسلمين، إنه ارتباطٌ بالسلامِ في المسمَى والسلوكِ، دينًا ومتدينِين، وقدْ سجلَ اللهُ جلّ جلالُه ذلكَ في قوله تعالى: }مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ}.

عبادَ اللهِ، تدبروا تحيةَ أهلِ الإسلامِ فيما بينَهم، إنها السلامُ، يلقيها وينْشُرها المسلمُ على مَنْ عَرَفَ ومَن لا يَعْرِفْ، تأملوا ختامَ الصلاةِ: سلامٌ على اليَمِينِ وسَلامٌ على اليَسَارِ، كأننا نبدأُ أهلَ الدنيا من كلِّ نواحيها بالسلامِ بعد أن فارقُوها بخواطرِهم لحظاتٍ، انصرفُوا فيها لمناجاةِ المَلِكِ العلامِ سبحانَهُ وتعالى، ثم تدبروا كيفَ نزلَ القرآنُ في ليلةٍ كلُّها سلامٌ تحفُّه ملائكةُ السلامِ، حيثُ قال سبحانه: {تَنَزَّلُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ}.

أيها النبيلُ: اعلم أن المسلمَ من سَلِمَ الناسُ من لسانِه ويده، وأن المؤمنَ الحقَّ هو من أمِنَهُ النَّاسُ على أنفسِهم وأموالِهم كما أخبرَنا صاحبُ الجَنابِ المعظمِ ﷺ، فكن أيها المسلمُ سِلمًا سلامًا، فإن الإسلامَ تخطَى بقضيةِ السلامِ إلى مساحاتٍ أرحبَ شملتْ الإنسانَ والحيوانَ والجمادَ وسائرَ المخلوقاتِ، إنَّهُ الإسلامُ دينُ السلامِ للعالمين.

أيها السادةُ، ألا تعلمون أن رسالةَ الإسلامِ إلى الدنيا الحفاظُ على الدنيا بخيراتِها ومقوماتِها وطاقاتِها وقدرَاتِها، وأن ندفعَ عنها شرَّ المفسدينَ، قال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}، وكانَ الجنابُ الأعظمُ رسولُ السلامِ ﷺ جامعًا لمقالةٍ هي عينُ السلامِ وجوهرُه عندما قال: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، انظروا معي «لا ضررَ» معناه: أن تَزْرَعَ السِلمَ والسلامَ، «ولا ضرارَ» معناه: أن تسالمَ من آذاكَ فلا تضرُه كما ضرَّكَ، ولكنْ خُذْ حقَّكَ بطريقةٍ سلميةٍ عاقلةٍ، فلا تهورَ ولا فوضَى، ولكنْ بالسلامِ تُسدَى الحقوقُ، وتُوفَّى الاستحقاقاتُ.

أيها المكرمُ، لا تنسَ أنَّ شريعتَنَا الإسلاميةَ أرستْ قواعدَ السلامِ، وضبطتْ أحكامَها، فكلُّنا جيرانٌ في عالمٍ واحدٍ، وهنا يبرزُ السلامُ أيقونةَ العلاقاتِ الدوليةِ في الإسلامِ، فنقرأُ قولَ اللهَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}، فنجدُ أنَّ السلامَ رحمةٌ وبرٌّ وتعايشٌ، وعزٌّ وقوةٌّ {وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.

هذه هي رسالةُ الإسلامِ، السلامُ الشاملُ والعادلُ، السلامُ الذي ينشرُ الخيرَ، ويتطلعُ إلى حبِّ الحياةِ، وإلى البناءِ والتعميرِ، رسالةٌ ترفضُ التطرفَ والاعتداءَ، والتخريبَ والفسادَ، تُقررُ أمنَ الإنسانِ وبناءَ شخصيتهِ، السلامُ في الإسلامِ منظومةٌ يحركُها الشغفُ بالعمرانِ، يحركُها صناعةُ الحضارةِ وبناءُ الإنسان.

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنا محمدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، وبعدُ:

فإنَّ البذلَ، والجودَ، والشهامةَ، والمروءةَ، وإنكارَ الذاتِ، والعملَ في صمتٍ معانٍ جليلةٌ تمثلُها قيمةُ التضحيةُ التي تتطلعُ بالعبدِ إلى غاياتٍ أسمى، حيث تذوبُ المصلحة الشخصيةُ، وتتألقُ قيمةُ بذلِ النفسِ والمالِ والوقتِ ابتغاءَ الأجرِ والثوابِ على ذلك عند اللهِ عزَّ وجلَّ.Islamic clothing

أيها المكرمُ، اعلم أنَّ التضحيةَ اختبارٌ واختيارٌ صعبٌ، يكلفُ العبدَ نفسَه ومالَه وجهدَه وامتيازاتِه، وإذا أردتَ نجاحًا في اختبارِ التضحيةِ مع صعوبتِه، فتدبَّر أن الله تعالى هوَّنَ من شأنِ الدنيا وزينتِها، وعلَّمنا أن المضحيَ بالدنيا تنتظرُه المحاسنُ، والعقبى الطيبةُ، وإن شئتَ فاقرأ معي قولَ الحقِّ سبحانَه وتعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ} إنَّهُ ثوابُ فقهِ الدنيا وفهمِ واقعِها الذي يدفعُكَ دفعًا إلى التضحيةِ.

أيها المصريون، بمثل تضحياتِكم فلتفاخرْ الأممُ! وما خبرُ سقوطِ طائرةِ (رأسِ البَّرِ)، وكيفَ ضحى الطياران بحياتِهما خوفًا على أرواحِ المواطنين عنكم ببعيدٍ، وما هو بغريبٍ عنكم خبرَ السائقِ الشجاعِ الذي جادَ بنفسِه فأبعدَ سيارتَه التي انفجرَتْ في مدينةِ (العاشرِ من رمضانَ) عن حياةِ الناسِ، وارتقى شهيدًا، وأنقذَ الناسَ من حادثٍ مروعٍ.

أيها الكريمُ، عَلِّمْ أولادَكَ مَعنى التضحيةِ، اغرسْ فيهم حُبَّ الوطنِ، وحبَّ الناسِ، وفعلَ الخيراتِ دونَ مقابلٍ، عَلِّمْهُمْ أنَّ التضحيةَ مقامُ الأصفياءِ، وفِعلُ الأتقياءِ، وعلامةٌ من علاماتِ الأولياءِ، بدونها تبادُ الأممُ، وتنهارُ الحضاراتُ، وتتخلفُ المجتمعاتُ.

اللهم اجعلنا فداءً للأوطانِ، واحفظْ بلادَنا من كلِّ سوءٍ.

اقرأ أيضاً«بداية جديدة وأمل جديد».. موضوع خطبة الجمعة غدًا لـ وزارة الأوقاف

رئيس الوزراء يشهد إطلاق المنصة الرقمية الجديدة لوزارة الأوقاف

وزارة الأوقاف تهدي محافظة الإسماعيلية لحوم ومواد غذائية لتوزيعها على الأسر الأولى بالرعاية

مقالات مشابهة

  • خطبتا الجمعة بالحرمين: ما أحوج الشعوب للأمن والسلام والرشاد.. ومن واظب على ذكر الله تعالى أشرقت عليه أنواره وتوافدت عليه خيراته
  • خطبة الجمعة من المسجد الحرام
  • «السَّلَامُ رِسَالَةُ الإِسْلَامِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم بمساجد الجمهورية
  • «السلام رسالة الإسلام».. موضوع خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف
  • دعاء للقيام لصلاة الفجر.. احرص عليه يوميا قبل النوم
  • فعالية ثقافية في الصافية بذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام 
  • ثورة الحسين عليه السلام : شعلة الإصلاح وقوة التأثير المستمر في ضمير الإنسانية
  • جمعية المصارف: نُرحّب بهذا القرار الذي يهدف إلى حماية جميع المودعين
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!
  • قطاع خفر السواحل بالبحر الأحمر يُحيي ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام