"لا" القوية.. كن اجتماعيًا ولكن!
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
د. سليمان بن خليفة المعمري
كثيراً ما يتم الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف "ربح البيع أبا الدحداح"، الذي رواه أنس بن مالك: أن رجلاً قال يا رسول الله إنَّ لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها فمره أن يُعطيني أقيم حائطي بها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أعطها إياه بنخلة في الجنة فأبى وأتاه أبو الدحداح، فقال بعني نخلك بحائطي، قال ففعل، قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله إني قد ابتعت النخلة بحائطي، فجعلها له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة مرارا، فأتى امرأته فقال: يا أم الدحداح أخرجي من الحائط، فإني بعته بنخلة في الجنة، فقالت: قد ربحت البيع أو كلمة نحوها".
على أهمية البذل والعطاء في سبيل الله تعالى والتقرب إليه سبحانه وتعالى، إلّا إن في الحديث أيضًا ما يشير إلى أمر تربوي غاية في الأهمية وهو أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يربي الصحابة الكرام على حق الرفض والاختلاف لا الخلاف في الأمور والتعاملات الحياتية والعلاقات الاجتماعية، فالصحابي أجاب بـ"لا" القوية الواثقة لطلب النبي صلى الله عليه وسلم وهو- بلا شك- أعز وأكرم خلق الله ويفتديه الصحابة الكرام بأنفسهم وأموالهم - طالما أن المسألة في إطار التفاعل الاجتماعي الحياتي العادي ولا تتعلق بأمر أو توجيه رباني أو نبوي، وهو تعليم لأتباع هذا الدين الحنيف أن يكون أفراده معتزين بأنفسهم يتميزون بالثقة وتأكيد الذات فلا يقولون " نعم" في الوقت الذي يريدون قول "لا".
إن هناك من النَّاس من ينطبق عليهم قول القائل:
ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ
لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
فتجده يقول "نعم" في الوقت الذي يتحتم عليه قول "لا" رغبة في إعجاب الآخرين وحتى لا يبدو بمظهر الشخص السيئ؛ إذ إن الطبيعة البشرية تخاف من الرفض وتخشاه، كما قد تتسبب "لا" في الحرمان من بعض المكاسب وقد توقع على الشخص بعض الأضرار، إلّا أن الحقيقة التي لا بد من التأكيد عليها كذلك أن الإنسان يفقد نفسه وذاته ومصداقيته ويعيش صراعا داخليا لا يطاق ويصاب ضميره الحي في مقتل حينما لا يستطيع التعبير عن ذاته بكل وضوح وشفافية، فكلمة "لا" تمكننا من الدفاع عن أهدافنا ومبادئنا واعتبارنا الشخصي ونزاهتنا، كما أن كلمتي" نعم" و"لا" لهما بعد أخلاقي، وبالتالي تترتب عليهما مسؤوليات قانونية وأدبية وأخلاقية علينا الالتزام بها والإقرار بمسؤوليتنا عنها ولا ينبغي التنصل من أقوالنا بحال من الأحوال.
لذا فإن على الشخص حتى يمتع بالصحة والسواء النفسي أن يقول "لا" بقوة وثقة، لكل ما يتعارض مع قيمه وكرامته ومعتقداته أو حينما يطالب بما يخالف ضميره وصدقه مع نفسه ومصالحه دون المساس بالآخرين أو إهانتهم أو تجريحهم أو إيذاء مشاعرهم أو الانتقاص من حقوقهم، وأن يتم التعبير عن ذلك بطريقة لبقة ومهذبة واستخدام نبرة صوت دافئة وهادئة مع السعي لتبرير الموقف وشرح الرد وإعطاء اختيارات أخرى إن أمكن، وبعدها يجب التحلي بالجرأة والشجاعة لقول ما لا يتفق مع مبادئنا أو يتعارض مع قيمنا ومصالحنا وأن نترك للآخر حق الاختلاف وتقبل أو رفض استجاباتنا نحوه.
إن على الفرد أن يضع "لا" التأكيدية في قاموس حياته مع حرصه على بناء علاقات اجتماعية صحية راشدة والسعي لعدم فقد ثقة وصداقة الآخرين، ولتحقيق هذه الغايات النبيلة السامية علينا أن نجعل الرفض "ذا معنى" وليس وسيلة لظلم الآخرين والانتقاص والحط من أقدارهم وألا تكون "لاءاتنا" موجهة ضد الأشخاص بل ضد المواضيع والرؤى، وأن يكون الهدف نبيل والغاية سامية تستهدف الصالح العام وثوابت القيم والأخلاق، مع التذكير بأن ليس كل "لا" لا بُد أن تُناقش وتُفسّر حتى تصبح" نعم" وأن الموافقة الدائمة لمطالب الآخرين ليست لها علاقة بخلق الإنسان ونبله وكرمه، وكم أصاب ألكسندر دوماس في مقولته الشهيرة "إذا زادت الفضيلة عن حدها انقلبت إلى جريمة ضدها".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة .. تعرف عليها
قالت دار الإفتاء المصرية، إن زيادة عمل الخير والبر بشتَّى أنواعه خلال العشر الأوائل من ذي الحجة يُقرِّبُنا إلى الله تعالى، فعلى المسلم أن يغتنم الفرصة في العشر الأوائل من ذي الحجة بالإكثار من الصلاة والصيام والصدقة.
كما يستحب لكل مسلم في العشر الأوائل من ذي الحجة ألا يغفل عن موسم من مواسم الخيرات والبركات، وعليه التصدق وبذل الإحسان للناس خلال العشر الأوائل من ذي الحجة له أجر عظيم، ولا ينسى الإكثار من ذكر الله والدعاء خلال العشر الأوائل من ذي الحجة.
أعمال العشر من ذي الحجةومن أعمال عشر ذي الحجة ما يلي:
- الدعاء يوم عرفة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له» أخرجه مالك في الموطأ.
- لبس الثياب الحسن يوم العيد:
عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد، وَأَنْ نُضَحِّيَ بِأَسْمَنِ مَا نَجِدُ» أخرجه الحاكم في المستدرك.
- الأضحية:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما عمل آدميٌّ من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها -أي: فتوضع في ميزانه- وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسًا» أخرجه الترمذي.
- كثرة الذكر:
كما يستحبُّ الإكثار من الذكر في العشر من ذي الحجة، قال الله عز وجل: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: 28].
- التَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ:
قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ وَلاَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» رواه الإمام أحمد.
- الصوم:
يسن صوم أول تسعة أيام من ذي الحجة؛ «وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ» أخرجه أبو داود.
ويستحب لمن أراد أن يضحي، ألا يقص شيئًا من شعره أو أظفاره.
- صيام يوم عرفة لغير الحاج:
قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» أخرجه مسلم.