بغداد اليوم -  


.

المصدر: وكالة بغداد اليوم

إقرأ أيضاً:

بين تفاوضين واستسلامين!

بين تفاوضين واستسلامين!
□ ( تحويل الجرائم إلى “أزمات إدارية” تحتاج لحلول تقنية ــ مثل التفاوض ــ هو طريقة لتفريغها من مضمونها الأخلاقي ) ــ نعوم تشومسكي
□ ‏( الدول التي تمول الميليشيات تتدخل لاحقًا لفرض “حلول سياسية” تخدم مصالحها، لا مصالح الضحايا ) ــ باربارا والتر
□ ‏( ليس هناك شيء غير واقعي أكثر من الواقعية المطلقة ) ــ ثيودور أدورنو
□ جرب المواطنون “التفاوض” مع الميليشيا عندما أتتهم في قراهم وبيوتهم لتحتلها وتنهب أموالهم. لكنها كانت تطلب الانصياع التام لمنطق البندقية وشرعية الغلبة، وتسليم أموالهم، وأحياناً أعراضهم، من سكات. فما هو شكل “التفاوض” الذي فضلته “تقدم” ؟ لقد فضلت ما فضلته الميليشيا: التعايش، عدم المقاومة، بل الاستسلام التام، والخضوع الكامل، والحجة هي أن الميليشيا تملك الغلبة، وقوة الأمر الواقع، وأن عدم الخضوع التام ( = المقاومة ) يجعل المواطنين “منخرطين” في الحرب، وبالتالي مستحقين لإدانة “تقدم”!
□ ما الذي سيجده من “تقدم” المواطن الذي يخضع ويستسلم ويسلم بيته وأمواله، وكل ما يؤخذ منه، من سكات؟ لا شيء، فتقدم مشغولة عن هذه التفاصيل “الصغيرة” بقضيتها الكبرى: التأثير “الإيجابي” لهذا “التوسع الميداني” على ميزان القوى، وعلى رهانها بعدم إمكانية هزيمة الميليشيا، وبالتالي على العائدات السياسية المرجوة!
□ هذا المنطق لا يتوقف عند حدود الموقف من الأفراد، بل يتمدد ليحكم الموقف من الدولة ذاتها. فالحكومة، في أعين هؤلاء، لا تواجه ميليشيا انقلابية، هي في الحقيقة ذراع لعدوان أجنبي، بل تواجه “طرفاً قوياً” لا يمكن هزيمته، بما يأتيه من مدد بالسلاح والمرتزقة، ومقاومته بواسطة الدولة تستحق ذات الإدانة التي استحقتها مقاومة المواطنين حين اعتدت عليهم، وبالتالي لا بد من التفاوض معه بشروطه!
□ ماذا يعني التفاوض بهذا التصور؟ إنه ليس محاولة لإحلال السلام بالشروط الموضوعية التي تخاطب جوهر القضية، بل عملية إعادة صياغة للواقع وفق ميزان القوة لا وفق ميزان العدالة. تصبح الميليشيا شريكاً، لا لأنها تستحق، بل لأنها تفرض ذلك بقوة السلاح، وبقوة الداعم الأجنبي المالية والدبلوماسية وقدرته على التخريب. ويصبح التفاوض آلية لترسيخ نفوذها المستمد من نفوذ داعمها!
‏□ و‏هكذا يصبح التفاوض لا وسيلة لإنهاء الحرب كما تقتضي حقائقها ووقائعها وشروط منع تجددها، وهذا تفاوض لا يرفضه أحد. بل يصبح غطاءً لإعادة تعريفها: من تمرد وعدوان أجنبي إلى نزاع بين طرفين شبه متكافئين، وفارق التكافؤ يُفسَّر لصالح الميليشيا وداعمها الإقليمي، وداعميها المحليين. ومن مقاومة رسمية وشعبية لعدوان أجنبي وتمرد تخريبي، إلى عقبة أمام تسوية “واقعية” لا تحتمل أخلاقاً ولا ذاكرةً ولا كرامةً ولا سيادة.
‏□ ما يُطرح تحت مسمى “التفاوض” ليس سوى إعادة إنتاج للهزيمة كقَدَر، وتقديم الخضوع على أنه “عقلانية”. وفي هذا المشهد، يُمنَع على المواطن أن يدافع، ويُجبر على الاستسلام الذليل. ويُطلَب من الدولة أن تتنازل عن سيادتها بالقدر الذي تفرضه قوة الدولة المعتدية. أما الميليشيا، فلا تطالب بشيء سوى شرعنة ما اغتصبته. ‏وفي هذا كله، تغيب العدالة كقيمة مؤسسة للسلام، وتُستبدل بواقعية مصطنعة لا ترى في المقاومة إلا “عبثاً”، بل “عدواناً”، ولا في الميليشيا إلا وصياً ــ لا مفر منه ــ على العملية السياسية: يرفع من يرفع، ويخفض من يخفض، ويقصي من يقصي, وفق إرادة ومصالح مشغله الأجنبي!
□ إن العبث هو ما ينادي به هؤلاء الذين تدرج منطقهم التعسفي من ( لا بديل للإطاري إلا الحرب )، إلى ( لا بديل لاستسلام المواطنين للعدوان إلا القتل كمحاربين والإدانة ), إلى ( لا بديل للحرب إلا التفاوض بشروط الميليشيا وراعيها الإقليمي )، إلى ( لا بديل للتفاوض بشروط الميليشيا وراعيها إلا القتل والتدمير والتقسيم )!
إبراهيم عثمان.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • موسم الحج 2025.. آداب وسلوكيات يجب الالتزام بها
  • مجلس النواب: الدبيبة يقود البلاد للاقتتال ونطالب بسحب الاعتراف الدولي بحكومته
  • بين تفاوضين واستسلامين!
  • قحت والدعم السريع… حار دليلهم!
  • كبير مستشاري البيت الأبيض: المملكة شريك رئيسي في بناء مستقبل الذكاء الاصطناعي والابتكار
  • الأمن: العراق جاهز لانسحاب القوات الأجنبية وتحويل العلاقة مع التحالف الدولي
  • مرحلة جديدة بين واشنطن وتل أبيب؟
  •  وزير الاتصالات يبحث تعزيز التعاون المشترك مع كبير مستشاري البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي
  • اتفاقية خور عبد الله : بين الالتزام الدولي والسيادة الوطنية
  • طحنون بن زايد يلتقي كبير مستشاري البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية